مع انتشار المستحدثات في اغلب المجالات التطبيقية ومنها مجال تكنولوجيا التعليم ، ومع بروز دور شبكة الانترنت في الحقل التعليمي، ظهرت في الآونة الأخيرة بعض من السلبيات التي تعوق سبل الإفادة من هذه المستحدثات ، فكان لزاما على المتخصصين التربويين في الدول العربية الوقوف على هذه السبل والسعي للتوصل إلى حلا لتصحيح مسارها وفق بيئتنا العربية ؛ حتى يمكن الإفادة المقننة من هذه المستحدثات بصورة أفضل .
وحتى لا نخوض في عديد من هذه السلبيات سوف نذهب مباشرة إلى مجال تكنولوجيا التعليم وخاصةً " تصميم البرامج التعليمية وإنتاجها"، إذ لوحظ أن أغلب هذه البرامج التعليمية القائمة على استخدام الكمبيوتر تصمم من قبل أشخاص فنيين غير تربويين، يعتمدون في تصميم برامجهم على الفكر الفني الجمالي أكثر من اعتمادهم على توظيف هذا الفكر في إطار تربوي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل لوحظ أيضا أن أغلب البرامج التعليمية المتوافرة في الأسواق حاليا، لجأ مصمموها إلى استخدام المقطوعات الفيديوية Video Clips – الرسومات والصور والأصوات - من خلال الرجوع للمكتبات المحملة على الأسطوانات الضوئية CD أو المدمجة DVD أو المبثوثة عبر شبكة الانترنت ؛ التي صممت لأسباب أخرى غير تربوية ، هذا بجانب قلة مستواها التقني لتقليل حجمها التخزيني لسرعة بثها.
وقد انعكس هذا بالطبع على الطلبة في أقسام تكنولوجيا التعليم بكليات التربية، فأصبح اهتمامهم مرتبطاً أيضا بجلب عديد من الرسومات والصور الثابتة والمتحركة الجاهزة الإعداد للإفادة منها في إنتاج برامجهم التعليمية، دون وعي بأسس تصميميها ومدى صلاحيتها كوسيط تعليمي، بل يسر الطريق لهم نظرة البعض عند تدريس مقررات تصميم وإنتاج الوسائط التعليمية المتعددة ، بان هناك صعوبة في ظل تدني ساعات هذه المقررات ، ليتدرب الطالب على المهارات التقليدية باستخدام البرامج الخاصة بالرسومات والصور الثابتة والمتحركة.
كما لوحظ على الطلبة أن تعاملهم مع المقررات التي تهتم بتصميم وإنتاج المواد التعليمية التقليدية بغير اهتمام ، مما جعلهم يفتقدون لعديد من المهارات التقليدية المتعلقة بأسس تصميم وإنتاج هذه المواد، بل واعتقد البعض في ظل ألآراء غير المتخصصة أن مبررات تعلم المهارات التقليدية لم يعد لها ضرورة بعد توفر برامج الجرافيك العديدة، ، وأن الكمبيوتر ببرامجه المختلفة هو العصا السحرية لمن يصعب عليه تعلم المهارات التقليدية في إنتاج المواد التعليمية، وقد يكون لديهم بعض الحق، فالكمبيوتر ألان يـسـر الكثير في مجالات التعليم.
ومن هنا أصبح لزاما علينا أن نطرق الباب في الوقت الحالي ؛ فنشير إلى أهمية الرجوع للمعايير الفنية والنفسية والتربوية لاستخدام كل ما يأتي من شبكة الانترنت آو غيرها للإفادة منه في تصميم البرامج التعليمية، وهذا يتطلب جوانب عديدة منها نشر البحوث والكتب ف كيفية تصميم الوسائط التعليمية المتعددة ، كما يتطلب أيضا إعادة صياغة المقررات في أقسام تكنولوجيا التعليم بشكل ييسر على الطالب التدريب على المهارات التقليدية من جهة، مع الإلمام بكل ما هو مستحدث، واضعين في الحسبان الأسس والنظريات النفسية والتربوية ، وذلك بهدف الإفادة من تكنولوجيا التعليم للحاق بالمستحدثات بخطى ذات معنى حتى تتحقق معايير الجودة التعليمية الشاملة .
ومن هنا كان هـدف هذا الكتاب هو استخلاص بعض الأسس النفسية والفنية عند تصميم وإنتاج الوسائط السمعية والبصرية التقليدية ، ومحاولة توظيفها وتطبيقها للإفادة منها في مجال الوسائط التعليمية المتعددة باستخدام الكمبيوتر، دون إغفال للمتغيرات الخاصة بالحداثة التي لم تكن في سياق الوسائط التقليدية .
ولذا فقد قٌسم الكتاب على بابـيـن ، جاء الباب الأول في ثلاثة فصول للربط بين علم النفس والوسائط المتعددة ، حيث جاء الفصل الأول بعنوان " سيكولوجية الوسائط المتعددة "، متضمنا المقصود بالإدراك الحسي لهذه الوسائط ، وكيف نتعرف عليها عند رؤيتها، وما المقصود بصفات هذا الإدراك ، وما العوامل التي تـؤثر فيه وفي سرعته ، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه سيكولوجية المتعلم في فهم الوسائط المتعددة.
وجاء الفصل الثاني من الباب الأول بعنوان " التمثيل المعرفي وتصميم الوسائط المتعددة " ، حيث أهتم هذا الفصل بكيفية تمثيل المعلومات اللفظية وغير اللفظة داخل الذاكرة الإنسانية ، وما هي أهم الفروض والنظريات العلمية التي اهتمت بترميز محتوى الوسائط المتعددة في ذاكرة المتعلم ، ومنها فرض الترميز الأحادي The single code - Hypothesis وفرض الترميز الثنائي المنفصل The separate dual - code Hypothesis وفرض الترميز الثنائي المتكامل The integrate dual code Hypothesis ونظرية كوسلين Kosslyn’s Theory ونظرية برودبيند Broadbend.
كما تناول هذا الفصل أيضا كيفية استخدام المصمم التعليمي للغة المقروءة والمسموعة داخل الوسائط المتعددة ، وأيضا كيفية الدمج بين اللـــغة اللفظية مع المصورات بما فيها من رسومات ثابتة ومتحركة Animation أو صور متحركة Movie Picture ، بل وتناول هذا الفصل أنواع المصورات التوضيحية وكيفية توظيفها في البرامج، واختتم هذا الفصل بوضع هيكل تنظيمي لفهم الوسائط المتعددة وفق نظريات ترميز المعلومات.
وبعد أن تناول الفصل السابق المحور المتعلق بكيفية ترميز المعلومات في ذاكرة المتعلم، جاء الفصل الثالث مكملا له حيث تناول الأساليب المعرفية للمتعلم وأهميتها والخصائص المميزة لها عند تصميم الوسائط المتعددة ، إلا انه ركز على أسلوب الاستقلال / الاعتماد على المجال ألإدراكي ذات الصلة بتصميم هذه الوسائط ، كما تطرق أيضا لبحوث التفاعل وأهميها عند التصميم ، واختتم هذا الفصل ببعض الاسباب ألاخرى ذات الصلة بتصميم الوسائط المتعددة.
وجاء الباب الثاني من الكتاب في ثلاثة فصول أيضا ، حيث تناول الفصل الأول التعريفات المختلفة لمفهوم الوسائط المتعددة ومراحل تطورها ومعوقات استخدامها .
بينما تناول الفصل الثاني " التصميم الفني التعليمي للوسائط المتعددة " من حيث أسس تكوين الوسائط المتعددة وعناصرها المرئية والمسموعة والزمنية. حيث تناول العناصر المرئية ؛ من حيث ماهية الصورة كعنصر مرئي، ومدى الإفادة من ظاهرة بقاء أثر الصورة، ثم تطرق إلى كيفية تحديد المساحة المأمونة للصورة عند تصمم برامج الوسائط المتعددة، وما شكل هذه الصورة، وما علاقتها بالخلفية وكيف يمكن توظيف الـلـون كعنصر مرئي ، والمتطلبات اللونية لعرض العناصر المرئية بالفيديو، وكيف يمكن للمصمم أن يوظف اللون بحيث يدرك في وحدة متكاملة، وما المقصود بسيكولوجية اللون، وكيف توظيفها ، وما دور التبـايـن اللوني في إبراز موضوع التعلم. كما تناول أيضا النص المكتوب Text كعنصر مرئي واستخدامه في تصميم الوسائط المتعددة التعليمية .
وفيما يتعلق بالعناصر المسموعة في الوسائط المتعددة فقد اهتم هذا الفصل بعنصر الصوت والموسيقى ووظائفها وأنماطها مع تناول الصوت الرقمي digital audio بشيء من التوضيح.
كما تناول هذا الفصل أيضا الجزء الخاص بالعناصر الزمنية في الوسائط المتعددة بالتركيز على سعة الحركة وكيفية توظفها داخل هذه البرامج ، وما المقصود بالرسومات المتحركة وما هي أسس الإيحــاء بالحـــركـة وكذلك أوجه الفرق بين فن الإيحاء الكلاسيكي Classic Animation والإيحاء بالكمبيوتر Computer Animation ومجالات استخـدام الإيحاء بالحركة في برامج الوسائط المتعددة.
واختتم الفصل الثالث من الباب الثاني بإنتاج الوسائط المتعددة ؛ متناولا مرحلة إعـداد أدوات الإنـتـاج وفـريـق الـعـمـل ثم مرحلة الإنتاج ومرحلة النشــر، واختتم الكتاب بإرشادات عامة عند تصميم وإنتاج الوسائط التعليمية المتعددة.
ولله ولي التوفيق......... خالد محمد فرجون
الكويت – ربيع الأول 1425 – مايو 2004