ورقة عمل مقدمة من الدكتور/ خالد محمد فرجون
الأستاذ المساعد بالقسم
للملتقى الأكاديمي الأول لقسم تكنولوجيا التعليم
بكلية التربية الأساسية بتاريخ 21/ 3 / 2005
التعليم الالكتروني والعصا السحرية !
في البداية دعونا نتفق جميعا على رغبتنا في تطوير تعليم أبنائنا، وفي إلحاقهم بركب التقدم في ظل عصر العولمة، ومن ثم دعونا ننظر إلى "التعليم الالكتروني e-Learning " باعتباره فكرا مستحدثا، ونتساءل " ماذا نريد حقا منه ؟ " ، من توابعه ، من شبكة الانترنت، من إدخال الكمبيوتر في مدارسنا، ومعاهدنا وجامعاتنا.........، ماذا نتوقع من أبنائنا في ظل هذه الموجة، التي سبقتها موجات أخرى كانت مستحدثة في وقتها كظهور السينما والراديو والتلفزيون والكمبيوتر.....
اعتقد أن حالنا الآن أشبه بمثيله منذ زمنا بعيد، وإن كانت وقتها الفجوة أضيق بيننا وبين الغرب، فهم يتعاملون مع الآن مع التعليم الالكتروني ومنه التعليم الافتراضي بطريقة دفع المعلومات إلى الطلبة Push وفق ثقافتهم واحتياجاتهم، بينما نتعامل نحن بطريقة سحب المعلومات Pull من المصادر والجامعات الأجنبية... وننتظر مجيء غيرها وغيرها كما فعلنا عند ظهور الراديو والتلفزيون، ثم نتساءل " أين نحن ؟ " ، أين برامجنا العربية المتطابقة بشكل كامل مع حاجات مجتمعنا وثقافتنا واقتصادنا ولغتنا ؟.
علينا أن نطرب الباب أولا على حال طلابنا بعد إدخال الكمبيوتر بعدة سنوات في مدارسنا وجامعتنا، وحال إعداد المعلم بجوانبه المختلفة، بما فيها من قدرته في التعامل مع المستجدات، ماذا فعلنا في حل مشكلة الفروق الفردية بين المتعلمين، في توفير المبنى المناسب والأثاث والأدوات والوسائط التعليمية التي تساعدنا على الأخذ بيد المتعلم لتحقيق أهداف التعلم، ......افترضا أن كل شيء على ما يرام وتغاضينا عن المشكلة الحقيقية وذهبنا لنمط أخر من التعليم، معتقدين أن التعليم الإلكتروني هو العصا السحرية لحل المشكلات داخل التعليم النمطي ، وهذا ما لا اعتقده....
إن للتعليم الالكتروني مشكلاته البشرية والتقنية التي تعد أيضا عائق لتحقيق جودة التعليم، فالمشكلة ليست فقط في توائم المتعلم أو المعلم مع جهاز الكمبيوتر، أو في التعامل مع شبكة الانترنت، ولكن في الوعي بكل ما هو مستحدث في التعليم، بدء من المصمم التعليمي، مرورا بالمعلم والمتعلم حتى صانعي القرار..
إننا في الحقيقة مازلنا نبحث عن الطريق الصحيح، هل هو التعليم الالكتروني أم التقليدي، ولكننا ربما نفتقد أدوات البحث المناسبة، التي ستجعل تعلمنا حقيقي في نتائجه، لا افتراضي في كل شيء.
هذا لا يعني إننا نرغب في الابتعاد عن التعليم الالكتروني، فهو الثورة الحديثة في أساليب وتقنيات التعليم والتي تسخّر أحدث ما تتوصل إليه التقنية من أجهزة وبرامج في عمليات التعليم، بدء من استخدام وسائل العرض الإلكترونية لإلقاء الدروس في الفصول التقليدية مرورا باستخدام الوسائط المتعددة في عمليات التعليم الجماعي والتعلم الذاتي ، وانتهاءاً ببناء المدارس الذكية والفصول الافتراضية التي تتيح للطلاب الحضور والتفاعل مع محاضرات وندوات تقام في دول أخرى من خلال تقنيات الإنترنت والتلفزيون التفاعلي .
التعليم الإلكتروني العربي: نظرة نقدية
ما من شك أن التعليم الالكتروني تحدي يواجهنا في عالمنا العربي قادم في ظل العولمة، ولكن علينا أن نأخذه بوعي، فمثلا من قال أن الرغبة في إنشاء جامعة عربية افتراضية يأتي بالإسراع في إنشاءها دون توفر متطلباتها، فتصبح نتائجها التعليمية أيضا افتراضية، ونسينا أن الإتقان في التعلم لا يأتي إلا بتفاعل المعلم مع المتعلم وفق تعليم بيئته، ومعرفة المعلم لخصائص المتعلم وهذا ما لا توفره الجامعات الافتراضية الغربية لأبنائنا، نسينا أن السبب الحقيقي لابتكار وتمسك الغرب بالتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد هو إثراء لما تعلموه بالطرق التقليدية أو التعليم بجانب العمل لانشغالهم بالحياة والعيش، نظرا للتفكك الأسري وعدم مساندة الأهل لفترة طويلة لتحملهم تكاليف تعليم أبنائهم، وهذا ما لا نتميز به في الشرق، فحضارتنا تختلف عن حضارتهم...
أن التعليم الالكتروني يتطلب المعلم الكفء المتدرب، المتعلم المستقل في تعلمه عن الآخرين، الوعي بالتكنولوجيا والمستحدثات، وهذا غالبا ما لم يتوفر لدى كثير من أولياء الأمور، بل وكثير من متخذي القرار. نسينا أن أهداف التعليم الالكتروني عندهم تختلف عما نريده نحن، وانجرفنا في تطبيقه في مجتمعاتنا، لدرجة انه أصبح شغلنا الشاغل في وسائل الإعلام، وظهر ما هذا في كثير من المقالات، ولعل عبارة الجامعة الافتراضية السورية SVU خير شاهد، فقد تناقلتها الأقلام في الصحف وعلى شبكة الانترنت، سعدت كثيرا، ولكن عندما اقتربت من نظامها التعليمي، سرعان ما تغير تفكيري عندما علمت أن الطالب سيدرس اللغة والمنهج المعتمد في الجامعة الافتراضية التابعة لبعض الدول الأوروبية، وأن دور الجامعة الافتراضية العربية هو فقط اعتماد النتيجة بوضع ختم الجامعة الافتراضية السورية، وهذا ما أشار اله مقال للأستاذ " حسن الإبراهيم" في جريدة " تشرين" في الأول من يونيو 2002 حول هذا الموضوع أن "الجامعة الافتراضية السورية" دورها الوساطة بين الطالب والجامعات الافتراضية في الغرب، خاصة وأن إنشاء صفوف افتراضية إلكترونية خاصة بها غير متاح حتى الآن.
وفي بلدا عربيا أخر وهي دولة الأردن نشر موقع على شبكة الانترنت لمدرسة عربية إلكترونية عنوانها http://www.schoolarabia.com تتبع وزارة التربية والتعليم بالأردن ، وتبين أن هذه المدرسة تهدف إلى تعزيز وتوسيع قدرات الدارسين العرب، لكنها لا تمنحهم شهادة إتمام الدراسة.
كما أن هناك المدرسة الافتراضية السعودية، والتي جاءت بهدف الاستفادة من الإنترنت وجعله مرجعاً مفيداً لتعليم طلاب المرحلة الثانوية بمختلف الأعمار بنين وبنات سواءً المنتظمين منهم في المدارس النهارية أو الليلية أو طلاب المنازل وحتى الطلاب السعوديون في خارج المملكة العربية السعودية، وتحتوي هذه المدرسة على مناهج ومقررات التعليم الثانوي في المملكة العربية السعودية على شكل نصوص أو صور أو دروس صوتية أو فيديو كليب فيسمعها ويستفيد منها الطلاب والطالبات.
وقد صيغة مناهج ومقررات هذه المدرسة بالرجوع للكتب العادية الورقية في المرحلة الثانوية وتم تحويلها إلى كتب إلكترونية رقمية على اسطوانات ضوئية يمكن تداولها مباشرة ومن ثم تسكينها في موقع المدرسة. وتم الاستعانة بإحدى الشركات التي تعمل في مجال التقنية، ووضعتها في موقع على الإنترنت عنوانه http://www.watane.net ، ولكن للأسف عند محاولة الدخول على موقع هذه المدرسة كانت هناك صعوبة بالغة في تحميل أي معلومة منها أو حتى الإطلاع عليه، خاصة وأن موقع المدرسة صمم بطريقة الربط بين مواقع أخرى تستلزم على الزائر تحميل المواقع المحتوية على صور ورسوم أو خدمات فيديو أو أصوات والتي قد يستغرق تحميلها بعض الوقت لأوقات طويلة وقد لا تحمل على الإطلاق ( فمثلاً لتحميل القناة الفضائية السعودية الأولي على الإنترنت يســتغرق قرابة دقيقتين من الموقع http://www.saudiembassy.net/realvdo/live.ram وكذلك تحميل الأذان بأصوات مؤذنين مختلفين من الموقع http://alajeeb.com/cgi-bin/redirect.cgi?redirect=http://alajeeb.com/ajeeb1/alajeeb22/adhan/alajeeb-adhan.htm ) وموقع المدرسة الثانوية السعودية الإلكترونية على الإنترنت سوف يكون محمل بالعديد من تلك الخدمات المسموعة والمكتوبة الثابتة والمتحركة الأمر الذي يصعب مهمة الطالب للتعامل مع موقع المدرسة مما يقلل من دورها كمدرسة الكترونية.
مجرد رأي...
إن واقعنا التعليمي والثقافي مازال لا يساعدنا على نجاح مهمة التعليم الالكتروني العربي في مجتمع عالمي يقيس مجمل نتائجه وفق مفهوم الإتقان أو الجودة الشاملة Total Quality" " ونحن نفتقدها رغم اللغة الواحدة والدين الواحد، بينما هم يمتلكوها رغم تعدد لغتهم ودياناتهم.
ولذا إذا كنا نريد السير في ركب الحضارة فلنبدأ بإعداد المعلم بالطرق التقليدية التي تساعده في البداية على الوعي بكل ما هو مستحدث سواء كان تعليم الكتروني أو غيره، فلنبدأ أيضا بالمتعلم وكيف يستقل في تعلمه عن من حوله، ولا ينتظر أن تأتي المعلومات له على طبق من فضه، فينتظر المدرس الخاص، الذي يدربه كيف يلفظ المحتوى التعليمي في امتحان نهاية العام، فلنعيد النظر في إعداد معدي برامج الكمبيوتر التفاعلية من خرجي أقسام تكنولوجيا التعليم بكليات التربية، علينا إن نبحث بجد عن الطريق الصحيح لمجتمع المعلومات، علينا استكشاف الطرق الجديدة المناسبة في ظل ثقافتنا، واستنباط الحلول التي تستند إلى معرفة الوسائط التكنولوجية الحديثة فنكون ضمن الركب وليس تابعين له، علينا من تصميم بيئة مناسبة للتعليم التفاعلي في مدارسنا، قبل أن يذهب إليها المتعلم فجأة من خلال التعليم الالكتروني، علينا أن نهيئ المعلومات بمختلف الوسائط المتعددة بطريقة تجعل عقول أبنائنا مكان للإبـداع وليس الإيـداع، فيمكن استثمارها وإخضاعها لخدمة مجمعنا العربي على أكمل وجه.
ما من شك أن التعليم الالكتروني واحدا من أهم طرق نشـر العولمة التي تعتمد على الوسائط الالكترونية لإتاحة المعرفة لطلاب العلم الذين ينتشرون خارج القاعات الدراسية وذلك باستخدام آليات الاتصال الحديثة كالحاسبات والشبكات والوسائط المتعددة وبوابات الإنترنت من أجل إيصال المعلومات للمتعلمين بأسرع وقت وأقل تكلفة وبصورة تساعد من إدارة العملية التعليمية وضبطها وقياسها وتقييمها وفق متطلبات المتعلمين من جهة ومتطلبات الجودة التعليمية Total Quality من جهة أخرى.
علينا أن نتساءل أين نحن وكيف نخطو ؟ ، كيف نوظف ذلك في مجتمعنا العربي، كيف نوظف النماذج الغريبة المصممة لأبنائهم لتتواءم معنا وحسب قدراتنا الذاتية.
وأخيرا، علينا انتقاء انسب النظم التعليمية بين التقليدية والحداثة ونصهرها مع ثقافتنا وتقاليدنا ووفق مجتمعاتنا، علينا أن نسعى لنصبح ضمن الدول التي تمتلك زمام العلم والمعرفة والتقنية والتكنولوجيا ولا نقتصر في أدوارنا على التطبيق والاستخدام ونظل في دور المشاهد والمعجب بالمستحدثات، فلا يمكن أن نصبح من صانعي التعليم الالكتروني وكافة المستحدثات إلا من خلال تطوير مناهجنا التعليمية ومقرراتنا الدراسية، فنخرج بنظام تعليمي إلكتروني عربي، لا نكون فيه تابعين بل حاصدين لأفكارنا النابعة من بيئتنا