واجهت الكتابة العربية، في هذا القرن خاصة، بانتقادات ومطاعن أشارت إلى مثالب ومعايب فيها. وقد كثر الحديث عن تلكم النواقص في الكتابة العربية، مما حدا بمجمع فؤاد الأول للغة العربية إلى أن يؤلف سنة 1938م لجنة من العرب والمستشرقين كي يدرس هذه المشكلة، ويعمل على حلها وتقديم بديل للكتابة العربية يخلصها مما علق بها من شوائب، ويزيح عنها مواطن الخلل فيها. وبعد ست سنوات من عمل اللجنة، أعلنت سنة 1944م عن منح جائزة قدرها ألف جنيه مصري لصاحب أفضل اقتراح في هذا الخصوص.
وكانت حصيلة ذلك أن انهالت المقترحات ووصل عددها إلى أكثر من مائتي اقتراح; بحث المجمع اثنين منها، أولهما للأستاذ علي الجارم، وثانيهما لعبد العزيز فهمي، ونشرهما في كتاب خاص.
يتضح من ذلك أن هناك، في رأي المجمع والمقترحين للتغيير من سابقين ولاحقين ومعاصرين، نواقص في الكتابة العربية تستدعي المعالجة، وأن العربية تنفرد بمواطن خلل لا نجدها في الكتابات الأخرى. فما تلك المآخذ؟
1. المأخذ الأول:
يكثر تدوين الأحرف وهي خالية من الحركات (الفتحة والضمة والكسرة). وإذا ما استخدمت تلك الحركات فإنما يقتصر ذلك على الكتابات الموجهة إلى الشُّداة والمبتدئين. وقد قاد هذا الخلل إلى ما يأتى:
أ- عدم استطاعة قراءة النص العربي صحيحة إلا إذا كان القارئ ملمًا، أصلاً، بقواعد العربية نحوًا وصرفًا، وكان على علم مسبَق بما يقرؤه. وهذا على رأي قاسم أمين، خلاف القاعدة. ففي معظم اللغات الأوروبية -كما يرى- يقرأ الناس قراءة صحيحة ما تقع عليه أبصارهم، أما نحن فلا نستطيع أن نقرأ قراءة صحيحة إلا إذا فهمنا، أولاً، ما نقرؤه.
ب- إن النص العربي، تبعًا لذلك، عرضة لقراءات مختلفة تتوقف على لهجة القارئ الأصلية. وبما أن هذه اللهجات عامية، بعيدة عن الفصحى، فإن البــــون بين ما يجب أن يُقرأ وما يُقرأ فعلاً، صار شاسعًا.
جـ- إن قراءة الأعلام غير المحركة أمر مُشْكِل، ولذا حاولت بعض المعجمات تدارك هذا الخلل بالنص على الحركة، كقولهم: كنانة، بكسر الكاف.
د- إن هذا الخلل يشيع اللحن، ويعمل على انحلال العربية الفصحى.
2. المأخذ الثاني:
تعدّد صور الحرف الواحد; فحرف الباء -مثلاً- يكتب بأربعة أشكال: بـ، ـبـ، ـب، ب، فيتغير شكله وفقًا للجهة التي يتصل بها (من اليسار، أو من اليمين، أو من الجهتين، أو غير متصل). وكذا في معظم الحروف الأخرى.
وقد سبّب هذا العيب جملة من المشاكل، منها:
أ- إحداث الارتباك والبلبلة عند الشداة والمبتدئين من المتعلمين، وإطالة الوقت اللازم لتعلمهم الكتابة.
ب- تكليف المطابع نفقات كثيرة، بغية الحصول على عدة نماذج لكل حرف من حروف الهجاء.
جـ- إرهاق العمال في صــف ثلثــمائة صنـــدوق من الحــروف عند طبعهم.
د- تعرض عمال الطباعة، تبعًا لذلك للخطأ في الطبع.
3. المأخذ الثالث:
قيام التفرقة بين مجموعات الحروف على أساس عدد النقاط ومواضعها، مع تساوي شكل الحروف (مثل تساوى الجيم والحاء والخاء في الشكل، واقتصار الفرق على التنقيط). وقد نتج عن ذلك ما يأتي:
أ- اضطرار الكاتب إلى مراجعة ما يكتب ليضع النقاط في أماكنها المناسبة، وفي هذا إسراف في الجهد والوقت.
ب- تعرض الكاتب لإغفال بعض تلك النقط، أو وضعها في غير أماكنها، مما يربك القارئ.
جـ- إجهاد القارئ لكثرة الحروف المنقوطة، وتعرضه للارتباك والخطأ في القراءة. وهذا ما دعا بعض الكتب والمعجمات إلى النص على عدد النقاط ومواضعها، كقولهم في كلمة حبل: بالحاء المهملة والباء المعجمة الموحَّدة من تحت... إلخ.
الردود السابقة:
نوقشت تلك الانتقادات، ورُدَّت على أساس أنها غير صحيحة. وقد استند المنافحون عن الكتابة العربية إلى ما يلي:
1. أن الدعوة إلى تغيير الكتابة العربية مؤامرة على ركن علمي وفكري من أركان الأمة، وهي مثل الدعوة إلى العامية، وإلغاء الإعراب، لا تعدو أن تكون معولاً يحاول أن يصيب مقتلاً في كيان هذه الأمة، خاصة أن كثيرًا من دعاتها من غير العرب أو غير المسلمين.
2. إن تبديل الكتابة العربية يعني احتياج القارئ للتراث العربي إلى التدرب على قراءة الخط العربي، وهذا يعني فصم العلاقة بين العربي وتراثه. وفي حالة إعادتنا لطبع التراث العربي وفقًا للكتابة الجديدة، فإن من شأن هذا أن يكلفنا الكثير من المال والجهد.
3. إن الخط العربي يتسم بجمال وإمكانات فنية كبيرة. ولو اطَّرحنا الكتابة العربية فإننا سنفقد هذا الجمال.
ملاحظات:
بعد أن عرضنا لنقدات المنتقدين، ودفاع المدافعين، يمكن لنا أن نلاحظ أمورًا عدة في دعوات الرافضين للكتابة العربية، أهمها ما يلي:
1. أنهم أوحوا إلى العربي أن العيوب المنسوبة إلى الكتابة العربية خاصة بها، تنعدم أو تكاد في الكتابات الأخرى. صحيح أن قسمًا منهم أشار إلى بعض تلك العيوب في لغات أخرى، كاللغات السامية، ولكن إشارتهم تلك كانت عجِلة عابرة، في حين بُولغ في إبرازها وتضخيمها في العربية.
2. أنهم سعوا إلى أن يُفهِموا العربي أن تلك العيوب قاتلة، وأن فيها دمارًا للتعلم، والاستيعاب، وأنها جعلت الكتابة العربية واحدة من أسوأ الكتابات في العالم، إن لم تكن أسوأها.
3. أغفلوا ميزات الكتابة العربية، فقدموا بذلك صورة غير متوازنة، ومفتقرة إلى الموضوعية.
4. أشعروا العرب بأن الكتابات الغربية، والإنجليزية والفرنسية خاصة، هي القمة والمثل الأعلى، وهذا ما يفسِّر دعوتهم (أو دعوة قسم منهم) إلى الأخذ بالحرف اللاتيني (متذكرين بطبيعة الحال الأثر التركي).
5. سيطر نَفَس انتقادي على ملاحظاتهم، بحيث إنهم نظروا نظرة آحادية - انتقادية إلى ما يمكن أن يعد مفيدًا وضارًا في الوقت نفسه. مثال ذلك أنهم نظروا إلى تساوي مجموعات من الحروف في الشكل (مثل الباء والتاء والثاء) على أنه مدعاة للارتباك; ولا أدري لم لم يقولوا بأنه يقلِّل من عدد الأشكال المختلفة التي ينبغي على الطالب أن يتعلمها؟ بعبارة أخرى طرح المنتقدون أفكارهم وكأنهم (يجب أن ينتقدوا) أو ينبغي العثور على خلل في هذا الجانب أو ذاك، لا أن يقلِّبوا الأمر من جوانبه المتعددة.
6. كان بعض المنتقدين من الإنجليز والفرنسيين. ومن الطريف أن هؤلاء لم يدعوا إلى تغيير كتاباتهم هم، على ما فيها من نواقص سنشير إليها في فقرة لاحقة في هذا الفصل، ولكنهم دعوا إلى تغيير الكتابة العربية!
أما المدافعون عن الكتابة العربية، والمتمسكون بها، فقد كانت ردودهم سليمة ووجيهة، ففي الجانب الجمالي، على سبيل المثال، ليست هناك كتابة -على قدر ما أعلم- ذات طاقات جمالية توازي أو تداني الكتابة العربية. وفي فن الخط العربي مصداق ذلك.
بيد أننا نلاحظ على الردود السابقة ما يأتي:
1. تفادى المدافعون مناقشة جزئيات الانتقادات وتفصيلاتها، وقصروا منــاقشاتهم على العموميات والبواعث والنتائج.
2. سلَّموا ضمنًا، بعيوب الخط العربي، ولكنهم رفضوا نتيجــة ذلك التسليـــم، وهي تغيـــير الكتــابة العربيـــة أو اطّراحها.
3. يصعب على غير العربي المسلم الإقرار بهذه الردود. فإذا كان انتقاد المنتقدين (فنيًا) و(موضوعيًا) -حسب زعمهم- فبإمكانهم رفض الردود القائمة على أساس تاريخي أو جمالي.
4. قد يجاب بأن الجمال مسألة نسبية وقائمة على الأُلفة والتعود، وقديمًا قيل: لا مشاحة في الذوق.
5. أغفل المدافعون، مثــلهم مثل المنتقــدين، المزايــا الذاتيـــة (أي اللغوية، غير التاريخية أو الجمالية) للكتابة العربية، وكأنهم نظروا إلى الكتابة العربية نظرتهم إلى عملة أثرية: فهي عديمة القيمة بوصفها عملةً، ولكنها عظيمة القيمة بوصفها أثرًا.
مناقشة حجج المنتقدين
مناقشة الحجة الأولى:
تخلط هذه الحجة بين أمرين، أولهما: النظام الكتابي، وثانيهما: مَنْ يستخدم ذلك النظام، فالنظام الكتابي العربي (أي: حروف الأبجدية، والحركات، والرسم) وفّر لمستخدميه الوسائل الكاملة للتعبير عن كل صوت تعبيرًا دقيقًا.
فلو كتبنا الكلمة (يَدَّخِرُ)، مثلاً، فلن نجد في النظام ثغرة أو ثلمة في التعبير الكامل، والتجسيد البَصَريّ لكل صوت من الأصوات المكوِّنة للكلمة السابقة(3). وقس على ذلك آلاف الكلمات الأخرى.
ولا تثريب على الكتابة العربية نفسها إذا ما أهمل الكاتب (لا الكتابة) -كسلاً، أو إهمالاً، أو تعجلاً، أو إحساسًا بعدم الحاجة- وضع تلك الحركات. فالمسألة تشبه السيارة التي وفرت لصاحبها ما يبتغيه من وسائل الراحة كاملة، بيد أنه لا ينتفع منها، فهل تلام السيارة أم صاحبها؟ ومن ثم، لا تتحمل الكتابة العربية وزر إهمال أو كسل مستخدميها.
ولا تنفرد العربية بجعلها الحركات منفصلةً عن الامتداد الأفقي للكملة، وعدم الدخول إلى صلبها. فنجد الأمر نفسه في العبرية والسريانية والفرنسية والألمانية (إلى حدٍ ما). ففي العبرية عشر حركات تكتب فوق الحرف أو تحته(4)، ونجد في الملحق الثالث حركات السريانية الغربية. وتعمد الفرنسية إلى أساليب قريبة من ذلك في صوائتها، كوضع خطيط مائل إلى اليمين، وآخر مائل إلى اليسار على حرف( e) ، وما شاكل ذلك.
ويلاحظ إهمال كثير من الكتاب في العبرية والسريانية والفرنسية لتلك الحركات، ومن هنا جاء التعبير الفرنسي: وضع النقاط على الحروف.
وقد يقول القائل: ألا يدل تكرار هذه الظاهرة، أي: عدم الإشارة إلى تلك الحركات أو العلامات في تلك اللغات، ومنها العربية، على تعقيد في النظام أدّى بمستخدميه إلى التخفف من استعمال الحركات؟ بعبارة أخرى: لماذا نلوم من يهمل استخدام الحركات، ولا نلوم، بالقدر نفسه، صعوبة النظام نفسه؟
لا بد إذاً، قبل مناقشة الاعتراض الأخير، أن تصاغ الحجة برمتها صياغة جديدة، وهي أن موطن الخلل ليس في النظام الكتابي للعربية، ولكن كان ينبغي أن يتخذ شكلاً (يُجْبِر) الكاتب على إدخال الحركات إلى صلب الكلمة، ولا يترك له الخيار في استخدام الحركات أو عدم استخدامها.
فلم لم تفعل العربية ذلك في كتابتها؟
يمكن لنا في هذا الخصوص أن نشير إلى الأسباب الآتية:
1. هناك حقيقة معروفة عن اللغات السامية، ومنها العربية، وهي: أن المعنى الأساس للكلمة موجود في الصوامت المكونة لها، ولا يزيد دور الحركات على تخصيص المعنى. فكلمة (كتب) مهما تكن حركاتها، يرتبط معناها على نحو ما بالكتابة. ويقتصر دور الحركات على تحديد كونها فعلاً معلومًا أو مجهولاً أو جمع تكسير ... إلخ. وبطبيعة الحال يعتمد القارئ على سياق الحال أو السياق اللغوي لتحديد المعنى المقصود. ومن هنا كانت الحركات -إذا صح التعبير- شيئاً يقترب من الترف، لا تستخدم إلا لإزالة لبس محتمل.
2. أن كثيرًا من الكلمات لا تحتمل إلا حركات معينة دون غيرها، ومن ثم سيكون تحريكها، أو وضع الحركات داخل الكلمة، تحصيل حاصل، فكلمات مثل: زادت، استهان، قوبل، يتناولونها ... إلخ. لا اجتهاد في تحريكها. فهل تحتمل كلمة (استهان) مثلاً حركات غير حركاتها؟
كثرة 3. الحركات في الكلمة العربية. ولتبيان ذلك نشير إلى أن علماء اللغة المحدثين يصطلحون على ما يسمونه (عنقود الصوامت) Consonant Cluster والمقصود بذلك هو اجتماع صامتين، أو أكثر، في كلمة من غير صائت يفصل بينهما. مثال ذلك: (أَكْتُبُ)، حيث نجد صائتًا قصيرًا (هو الفتحة) يفصل بين الهمزة والكاف، وصائتًا قصيرًا آخر (هو الضمة) يفصل بين التاء والباء، ولكننا لا نجد صائتًا بين الكاف والتاء. فهذان الصامتان (أي: الكاف والتاء) (تَعَنْقَدا) في هذه الكلمة. ومثل ذلك يقال في الفعل: (انْبَجَس)، حيث تعنقدت النون والباء. ونجد في اللغة الإنكليزية، مثلاً، إمكان تعنقد صامتين، مثل: ( Eggs) ، أو ثلاثة، مثل: ( Street) ، أو أربعة، مثل: ( Exclamation ) (حيث تمثل ( x ) صوتين). ونلاحظ من الأمثلة السابقة أن التعنقد في اللغة الإنجليزية قد يكون في بداية الكلمة، أو وسطها، أو نهايتها.
أما العربية فلا يتعنقد فيها أكثر من صامتين في الكلمة الواحدة. وهذان الصامتان لا يكونان إلا في وسط الكلمة، (مثل الكاف والتاء في: أكْتب، كما مر)، أو في نهايتها عند الوقف، مثل: (الكاف والراء في: بكْرْ)، (واللام والباء في: قلْبْ). وهذا يعني أن العربية لا تسمح بتعنقد الصوامت في البداية (لأن الكلمة العربية لا تبدأ بساكن)، فضلاً عن عدم تجاوز التعنقد لصامتين. مما يؤدي إلى قلة السواكن، ومن ثم كثرة الحركات.
ويكفي للدلالة على كثرة الحركات وقلة السواكن في العربية، أن الأفعال الثلاثية العربية كلها (فَعَل، فَعِل، فَعُل) قائمة على أساس (صامت + صائت + صامت + صائت + صامت + صائت). والأفعال الثلاثية -كما نعلم- تؤلف معظم الأفعال العربية.
فإذا ما أخذنا العوامل الثلاثة السابقة في الحسبان (أي: وضوح المعنى العام للجذر، وعدم احتمال كلمات كثيرة لحركات بديلة، وكثرة الحركات)، فإن الكتابة العربية أمـــام واحد من خيارين: إما إدخال الحركات إلى صلب الكلمة (ومنها الضروي، ومنها غير الضروري)، وإما عدم إدخالها إلى صلب الكلمة.
أما إدخالها إلى صلب الكلمة، فيعني زيادة في المساحة الأفقية للكلمة، وإطالتها. ولمعرفة مدى الزيادة في الامتداد الأفقي فقد اتخذنا، مثالاً كيفما اتفق، نصًا من هذا الكتاب، يبدأ ببداية الفقرة التي مستهلها (أما العربية فلا)، وينتهي بنهاية الفقرة السابقة (وأما عدم إدخالها في صلب الكلمة)، فظهر أن عدد الكلمات في هذه الفقرة (139) كلمة، بلغ عدد حروفها (634) حرفًا. وعند تحريك كل كلمة تحريكًا كاملاً، وبضمن ذلك حركات الإعراب، وإعطاء كل حركة حرفًا، بلغ عدد الحروف (992) حرفًا. وهذا يعني أن الزيادة أكثر من خمسين في المائة. فإذا كان عندنا كتاب مؤلف من مائة صفحة، فسيصبح مائة وخمسين، هذا إذا أدخلنا تلك الحركات إلى صلب الكلمات.
وتأكيدًا لما سبق أن قررناه، سنعمد إلى كلمة عربية هي (يتناولونها) ونكتبها على الطريقتين الكردية (التي تدخل الحركات إلى صلب الكلمة، مستخدمة الحرف العربي)، وبالحـــروف اللاتيــنيـــة، واضعين نصب أعينــنا أن هــذه الكلمة لا تحتاج -في العربية- إلى تحريك، إذ ليست هناك بدائل فيها. وعلى هذا سنجــدها تكتب على الطريقــة الكــردية هـكـــذا: (يه ته نا وه لوو نه ها)، وإذا كتبناها بالحروف اللاتينية -كما دعا بعضهم- فستكون هكذا: ( Yatanaawaloonahaa )أي إنها بحسب الطريقة الكردية تكتب بخمسة عشر حرفًا، وبحسب الطريقة اللاتينية تكتب بسبعة عشر حرفًا، في حين أنها تكتب في العربية بعشرة حروف، تسعة منها متصلة.
فهل يريد دعاة نبذ الكتابة العربية واطّراحها هذه النتيجة؟ وأيهما أدعى إلى الخطأ في الكتابة والإملاء: الكلمات الصغيرة أم الكلمات الكبيـــرة؟ وأيهمــا يستغــرق وقتـــًا أكثر في الكتابة؟ وأيهما يستنزف الجهد؟ لا أعتقد أننا نحتاج إلى تفكير كثير للإجابة.
ولا يمكن لقائل أن يقول: إن في وسع الكتابة الجديدة المقترحة أن تختصر، بأن تضع -مثلاً- خطيطًا فوق أحد الحروف (وليكن حرف oe ) للدلالة على أنه ألف طويلة وليس فتحة، لأننا بذلك سنعود إلى النظام نفسه، أي نظام الحركات فوق الحروف، وقد لبس ملابس جديدة.
لا غرو إذًا أن تلجأ الكتابة العربية إلى الحل الثاني، وهو الاستفادة من الفراغ بين الأسطــر ووضع الحركات تحت الحروف أو فوقــها حينـما يكون ذلك ضروريـًا. فهذا الخيار هو وحده الذي ينسجم مع طبيعة العربية، تلك الطبيعة التي لا يمكن لأحد أن يمسها.
ويؤكد فشل محاولات قرن (ولمّا تقفْ تلك المحاولات) لإزاحــة هــذه الكتــابة، وإحلال بديل عنها، يؤكد ملاءمة نظامها الكتابي لتــلك اللغة، ووفاءه بحاجتها وحاجة مستخدمي العربية.
أما القول بأن النص العربي، بسبب خلوه من الحركات، عرضة لقراءات مختلفة حسب لهجة القارئ الأصلية، ففي هذا الكــلام خلــط كبـيـر. وينبــغي أن نــلاحظ في هــذا الخصــوص ما يأتي:
1. إن بُعد الشقة بين العاميات العربية والفصحى غير ذي علاقة بالكتابة، خاصة إذا تذكرنا أن المسافة بين الاثنتين تزداد بازدياد الأمية. وهذه الأخيرة لا علاقة لها بمسألة الحركات.
2. لا تُلام الكتابة العربية، إذا استُخدمت إمكاناتها (حروفًا وحركات)، فهي قد أدت واجبها كاملاً ولا تتحمل وزر وجود عاميات بعيدة أو قريبة منها.
3. لم تقف الكتابة حائلاً بين النطق الفصيح من جهة، والنطق اللهجي من جهة. وخير دليل على ذلك هو أن أي صوت عربي إذا ما جاءت بعده ألف فلا بد أن يكون ذلك الصوت مفتوحًا (مثل: قال، حال ...)، ومن ثم لا نحتاج إلى تحريك الحرف السابق للألف.. وبالرغم من هذه الحقيقة اللغوية المعروفة، نجد أبا عمرو، والكسائي، والدوري، واليزيدي، والحلواني جميعًا يقرأون كلمة (الناس) في القرآن الكريم بالإمالة.
أما النص على الحركات، كقولهم: (القدس، بالقاف المضمومة المثناة من فوق، والدال المهملة ...إلخ)، فغريب أن يؤخذ هذا مأخذ الدليل على عجز الكتابة العربية، من غير فهم مرامي المؤلفين، والظروف التي ساعدت على نشوء هذا التقليد.
فمن المعروف أن الناسخ القديم للمخطوطة (وهو نظير الطباع في أيامنا)، قد لا يكون ملمًا بالمادة المكتوبة ومن ثم يكون عرضة للزلل. وإذا كان المؤلف الحالي يكتفي بمراجعة نسخة واحدة من المطبوع قبل إخراجه النهائي، فإن المؤلف القديم لم يكــن في وســعــه إلا مراجــعة نســخ قليلة جدًا تُقــرأ عليه، ثم يقوم نساخ آخرون (وقد يكون ذلك بعد مئات السنين من وفاة المؤلف الأصلي) باستنساخ المخطوطة نفسها. فكيف يضمن المؤلــف وقاية كتــابه من التصحيــف والتحريــف؟ لا عجب إذًا أن يحتاط المؤلف فيلجأ إلى هذا الأسلوب. ولا أدري كيف كان هؤلاء المنــتقـدون سيحــلون هذه المشكــلة لو كــانوا قد عاشوا في زمن خلا فيه من الطباعة؟ ويعزز قولنا هذا اختفاء هذه الظاهرة عمومًا من المطبوعات الحديثة لمؤلفي زماننا، لانتفاء الحاجة إليها.
أما الزعم بأن هذا الخلل يشيع اللحن، ويعمل على انحلال الفصحى، فزعم لا يخلو من الخطل. فالعربية الفصحى لم تنحل في قرون من الزمن لم يتجاوز عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة أفرادًا قلائل في المدينة الواحدة، فهل تنحل في القرن العشرين، وقت الدعوة إلى تبديل الكتابة العربية، في وقت تؤول فيه الأمية إلى الانقراض، وتمضي العامية صعدًا مقتربة من الفصحى؟
أما إشاعة اللحن، فقد سبق أنْ قلنا: إن نظام الكتابة العربية نفســـه لا يعــاني من نقـــص، وإنما النـقــص في مستخدميه الذين لا يفيدون فائدة كاملة مما يقدمه لهم. وغريب حقًا أن يدعو أولئك الداعون إلى إلغاء نظام بكامله وإحلال نظام جديد محله، بدلاً من استخدام الحركات الموجودة أصلاً!
وقد أجَّلنا في مناقشتنا للحجة الأولى، كلام قاسم أمين مفضلين تخصيص الفقرة الآتية له:
مقولة قاسم أمين:
سارت قالةُ قاسم أمين (1865-1908م) وكثر الاستشهاد بها، حتى عُدَّت من الأقوال الشائعة، ولذا نوجه إليها قدرًا من الاهتمام. على أن شهرتها لا تعطيها ثقلاً علميًا، فهي مثل كثير من الأقوال المأثورة (مثل: كل فتاة بأبيها معجبة)، قد ترتكز، وقد لا ترتكز، على أساس علمي سليم مبني على استقراء وفحص، بالرغم من سيرورتها.
يُفهم من كلام قاسم أمين أمران، سنشير إليهما، تاركين مناقشتهما، لأن في نيتنا مناقشة الأفكار، لا الأشخاص:
الأول: إنه اطلع على (معظم) اللغات الأوربية. ويفترض أن مدى اطلاعه كان عميقًا بما يكفي للمفاضلة بين تلك اللغات، واللغة العربية.
الثاني: أنه حكم للغات الأوروبية بعد مفاضلته بينها وبين الكتابة العربية.
فإذا ما تركنا هذين الأمرين (مع أن التحقق منهما، ومناقشتهما أمر لا يخـــلو من الطـــرافة)، فعلــينــا أن ننبـــه إلى ما يلي:
1. إنه يفترض أن كل كلمة عربية لا يمكن فهم معناها إلا بضبطها مشكولةً على نحو تام. وهذا كلام غير سديد، لأن هناك المئات من الكلمات المستخدمة في العربية لا تحتاج إلى تحريك (مثل: كان، ماتت، تلك، في، لن ...إلخ) لمعرفتنا بالحركات مسبّقًا، فضلاً عن احتمال قسم منها لتحريك واحد معين، لا غير، كما مر بنا. ونزيد على ذلك أن كثيرًا من الكلمــات المنصـــوبة يجــب أن تظــهر النصـب (رأيت زيــدًا، لن يدرسوا، صافحت المعلمين... إلخ)، أو الجزم (اكتبوا، اكتبا... إلخ) على نحو يظهر في الكتابة. كما يُظهر قسم من المرفوعات رفعه (جاء المعلمون، وهم يكتبون، وهما يكتبان، والمعلمان مجدان ... إلخ)، والمجرورات جرَّه (سلمت على المعلمين)، ويكفي وجود حرف الجر قبل الاسم للدلالة على كونه مجرورًا (سلمت على عمر، ومررت ببغداد).
زيادة عما سلف، يساهم الترتيب المعتاد لأركان الجملة العربية في تجلية المعنى وتوضيحه (مثل: تقديم المبتدأ على الخبر، وتأخر المفعول به، ومجيء الفاعل بعد الفعل... إلخ). فما الذي يتبقى بعد ذلك إلا القليل؟
ومما يؤكد كلامنا هذا، قدرة إنسان عربي ذي مُكْنةٍ يسيرة (وأحيانًا شبه معدومة) من العربية على فهم ما يقرأ، وإلا لخرجنا بنتيجة خلاصتها أن التبحر في العربية، نحوها وصرفها، شرط أوّليّ للفهم، وهذا ما يخالف واقع الحال.
2. إنه يكرر الخلط نفسه بين نظام الكتابة العربية، وإهمال الكـــاتب الذي يستخــدم تلــك الكتـــابة، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك.
3. لو سلّمنا جدلاً، بصحة رأيه، فإنه يصطنع رأيًا مبتسرًا، بيد أنه يوحي بأنه يقدم لنا الصورة كاملة. فمن المعروف أن النشاط اللغوي ذو جانبين: سلبي يتجلى في الاستماع والقراءة، وإيجابي يتمثل في الكلام والكتابة. فإذا صح انتقاده (وليس يصح) فإنه يقتصر على الجانب الأولي، السلبي.
ولكن إذا تساءلنا عن الجانب الثاني، الإيجابي، فربما كان في وسعنا أن نقلب المقولة بحيث تصبح: يستطيع العربي أن يكتب قبل أن يفهم، أو من غير حاجة إلى أن يتذكر صورة الكلمة، ولكن الإنجليزي أو الفرنسي لا بد أن يفهم أو يتذكر صورة الكلمة قبل كتابتها. ودليلنا على ذلك أنك لو طلبت من الإنجليزي أن يكتب كلمــة (فــور) فلن يستطيع أن يكتبها قبل أن يعرف أياً من الاحتمالات الثلاثة هو المقصود. حيث يحتمل أن تكتب four بمعنى أربعة، أو for وهــو حــرف جـــر، أو fore وهو سابقة بمعنى: أمامي، مثل forehead بمعنى: الجبين.
غير أن هذا لا يعني أن هذه هي المعضلة الوحيدة التي يواجهها من يكتب الإنجليزية، كما لا يعني اقتران الكتابة الإنجليزية بالمعنى اقترانًا مطردًا. فالاقتران في واقع الحال اعتباطي، بمعنى أننا لا نجد في الإنجليزية قاعدة تفسر وجود حرف (u) في الكلمة الدالة على أربعة، واختفاء ذلك الحرف في الكلمتين الأخريين، فالتسيب هو الأصل.
ولتوضيح مدى التسيب، وقلة الضوابط أو انعدامها، ومن ثم حاجة الإنجليزي والفرنسي إلى التذكر، خصصنا فقرة لنواقص في الكتابتين الفرنسية والإنجليزية.
4. تُهمل الكتابة الإنجليزية الإشارة إلى النبر Stress بالرغم من أنه يغير معاني عدد من الألفاظ في تلك اللغة.
ولتوضيح الأمر، باختصار وسهولة، نشير إلى أن الارتفاع النسبي للصوت الذي يحظى به مقطع من مقاطع الكلمة عند نطقها، قد يفرق بين معنى وآخر في الكلمة الواحدة(13). فكلمات مثل object (وتعني ضمن ما تعنيــه: 1/ هــدف 2/ يعترض)، و subject (وتعني ضمن ماتعنيه: موضوع، يُخضع)، و import (يستورد، أهمية)، و increase (زيادة، يزداد)، يتقرر المعنى المقصود في كل كلمة حسب المقطع المنبور فيها، فإذا نُبِر المقطع الأول أعطت معنىً، وإذا نُبِر المقطع الثاني أعطت معنى آخر. ومن ثم لن يستطيع الإنجليزي أن يقرأ لكي يفهم، بل يفهم لكي يقرأ كلمات من هذا النوع قراءة سليمة.
ومن الطريف أن نلاحظ أن النبر لا يكتسب هذه الأهمية في العربية، بمعنى أنه لا يفرق بين معنى وآخر في الكلمة الواحدة، فلا غرو أن نجد الكتابة العربية تهمله.
مناقشة الحجة الثانية:
اتخذت هذه الحجة من تعدد أشكال كتابة الحرف الواحد مطعنًا في الكتابة العربية، ونود أن نشير في هذا الخصوص إلى ما يأتي:
1. لا يقتصر هذا الأمر على العربية، فالإنجليزية مثلاً تكتب حروفها بأربعة أشكال: كبير وصغير وكل منهما يكتب بشكلين: كتابة منفصلة وأخرى يدوية. ونجد في العبرية حروفًا طباعية كما نجد أشكالاً يدوية(14)، كما أن السريانية تكتب الحرف بأربعة أشكال أيضًا (انظر الملحق ذا الرقم2).
2. يستشف الناظر إلى الأشكال المتعددة للحرف العربي الواحد علاقة وثيقة قد لا يجدها في غيرها من الحروف الأجنبية، فحرف الفاء مثلاً يكتب منفصلاً على هذا النحو: ف، بيد أن هناك مبدأً عامًا في الكتابة العربية وهو مدّ خُطَيط أفقي من الجهة التي يتصل بها بحرف آخر، ومن ثم يقتصر الشكـــل الجــديد المتصــل للحرف، قيــاسًا بشكله المنفصل، على مراعاة هذا الاتصال بإجراء تحوير طفيف عليه لتسهيل عملية الاتصال.
فإذا وصلنا الفاء السابقة من اليسار، في كلمة (فلس)، فإننا لم نكتب حرفًا جديدًا كل الجدة غير ذي علاقة بالشكل المنفصل للحرف، وإنما اقتصر عملنا على إزالة الارتفاع الرأسي في نهاية الجهة اليسرى بغية إتمام عملية الوصل. أما الجانب الأيمن فبقي على حاله، والأمر نفسه يحدث فيما إذا اتصلت الفاء بالجهة اليمنى، مثل: أنف. ولا أعتقد أننا نحتاج إلى دليل لإثبات أن الفاء في (أنف) هي نفسها في كلمة (جاف)، حيث الفاء منفصلة.. وما قلناه عن الفاء ينطبق على معظم الحروف العربية التي يمكن وصلها.
فالعلاقة إذاً، بين الأشكال المختلفة للحرف الواحد علاقة وثيقة لا يخطئها العقل الإنساني.. بعبارة أخرى، لا يحتاج الذهن الإنساني إلى الجهد ليستنتج التشابه الموجود بين (ت) و(تـ)، أو بين الباء في (برتقال) والباء في (قريب)، وإن كانت الآلة (لا العقل) تنظر إلى كل منهما على أنه شكل منفصل كل الانفصال عن الأشكال الأخرى، مما سنتطرق إليه بعد قليل.
وقمين بنا أن نشير إلى العلاقة بين مجموعة من الأحرف اللآتينية قد تكون معدومة، مثل: g و G ، و A و a ، و H و h .
3. تنقض النقطة السابقة (أي: التماثل بين الأشكال المختلفة للحرف الواحد، وسهولة تبين العقل الإنساني لذلك التماثل) الدعوى بأن تعدد شكل الحرف سبب بلبلة المبتدئين في تعلم الكتابة العربية وإطالة زمن التعلم، ونود أن نسأل سؤالاً: هل هذه البلبلة وذلك التأخر في تعلم الأبجدية والتهجئة، مستنبطان عقلياً أم أنهما ثابتان تجريبيًا؟ بعبارة أخرى: هل (استنتج) المنتقدون هذه النتيجة (أي: البلبلة والتأخر) من (مقدمتهم) القائلة: بأن تعدد أشكال الحرف الواحد خلل في الكتابة العربية، أم أنهم أقاموا كلامهم هذا على أساس دراسات علمية، وخاصة بالموازنة بطلاب أجانب يدرسون لغات أخرى؟ وإذا كان التلميذ العربي يتباطأ في تعلم الأبجدية موازنة بنظيره الأجنبي، فهل يعود السبب إلى كون الحرف العربي الواحد يتخذ أشكالاً عدة (مع ملاحظة تساوي المتغيرات الأخرى، مثل عمر الطالب، ونوع المعلم ...إلخ)؟ وما المدة التي يتخلف فيها العربي -إن تخلف فعلاً؟ ونحن إنما نتساءل لأنني لم أعرف -على قدر ما أعلم- بوجود مشكلة من هذا النوع (وقد كنت يومًا ما تلميذًا) إلا من الداعين إلى تغيير الكتابة العربية.
4. نقر بأن الكتابة العربية كانت تقاسي من المطبعة العربية، وأن الصناديق التي تحتاجها العربية أكثر من الصناديق التي تحتاجها الكتابة اللاتينية بما يقارب ثلاث مرات.
بيد أن هذه المشكلة باتت قديمة، وانقرضت بدخول الحاسوب (الكمبيوتر)، بدليل أن الجهاز الذي يطبع الحرف اللاتيني هو نفسه بحجمه الصغير، يطبع الحرف العربي أيضًا. وتولّى الجهاز نفسه عملية الوصل بين الحروف. فإذا طُبِع على الحاسوب لفظ مثل (أب)، بالباء المنفصلة، ثم أراد الطابع زيادة ياء الضمير، أي (أبي)، فلن يعمد الطابع إلى إلغاء الباء المنفصلة ليحل محلها الباء المتصلة، وإنما سيطبع الياء وستتحول الباء -آليًا- إلى باء متصلة. وكأن الحاسوب ببرمجته أدرك العلاقات الوثيقة بين الأشكال المختلفة للحرف الواحد، مما أشرنا إليه، وهو ما فشلت المطابع القديمة في إدراكه.
ومما يجدر ذكره هو أن الحركات في الحاسوب تختص بمفاتيح منفصلة. وعلى هذا يستطيع الطابع أن يضع الفتحة أو الضمة أو الكسرة أو الشدة ... إلخ، على الحرف الذي يريده.
مناقشة الحجة الثالثة:
من يتأمل هذه الحجة يجد أنها قيلت من رجل أجنبي -غير عربي- تلتبس عليه حروف ليست بحروف لغته، فتبدو أمام عينيه متشابهة ومدعاة للالتباس والخلط، ويكاد الأمر يقترب من نظرة رجل أوروبي إلى أبناء الجنس الأصفر، الذين يبدون لناظريه وكأنهم نسخ متعددة من كتاب واحد. غير أن هذه النظرة ليست هي نظرة أبناء الجنس الأصفر إلى أنفسهم.
ونود ههنا أن ننبه إلى المسائل الآتية:
1. ليس هناك دليل على أن وضع نقطة على حرف الراء -مثلاً- لجعله زايًا أعقد أو أصعب من وجود شكلين منفصلين كل الانفصال مثل R و Z . ولا أدري لماذا لا ينظر المنتقدون إلى تساوي أشكال بعض الحروف وتميز أحدها من الآخر بالنقاط، أقول: لماذا لا ينظرون إليه على أنه وسيلة تيسير (تتمثل في الاختصار في عدد الأشكال المختلــفة) لا مدعاة لبس وخلط؟
2. لا تخلو الحروف اللاتينية -عند التأمل فيها- من التشابه بين مجموعات فيها، حيث يتميز الواحد من الآخر، ضمن المجموعة نفسها، بتعديل في كل منها. فالمجموعة الأولى -مثلاً- تستند إلى شكل كروي، يُفتَح ويُغيَّر فيه اتجاه الفتحة، مع تغيير طفيف في قسم منها. فلننظر في المجموعات الآتية:
-O, Q, a, G, c, e, u, n, v.
b, d, p, B, D, q, g.-
A, V, W, M, N, Z, Y.-
E, F, T, t, J, f, L, H, I, X, K.-
3. يضطر الكاتب العربي والإنجليزي والهندي... إلخ، من يكتب منهم بيده ومن يطبع، ومن يكلف آخرين بالطباعة، إلى مراجعة المكتوب أو المطبوع، لتمحيص النتيجة والتحقق من خلو المدون من الخطأ.
وإذا كان المقصود أن انفصال النقطة عن الحرف، واضطرار الكاتب، من ثم إلى أن يُعمل يده مرتين في الحرف المنقوط; مرة لكتابته مهملاً، والثانية لتنقيطه، فإن الكاتب بالحروف اللاتينية قــد يضــطــر إلى الأمــــر نفســـه. فمن يكتـــب حـــرف ( t ) مثلاً لا يستطيع أن يكتبه دفعة واحدة من غير رفع يده لكتابة الجزء الآخر (الخطيط الأفقي مثلاً). وقل مثل ذلك في حروف أخرى مثل ( H, E, A, Q, f... إلخ).
فليس اضطرار الكاتب إلى مراجعة ما يكتبه منقصة تقتصر على الكاتب العربي وحده دون غيره.
4. يتعرض الكاتب العربي، والهندي، والإنجليزي... إلخ، إلى الخطأ والزلل، ويستوي في ذلك الكاتب بيده، والطابع على الآلة الكاتبة، والطباع في المطبعة. أم إن هؤلاء المنتقدين يقصرون غلط الكاتب أو الطباع على العربي دون غيره؟
5. لا يجهد القارئ العربي لكثرة الحروف المنقوطة، لأنه اعتاد عليها وألفها، ولكن قد يجهد ويتعرض للارتباك واللبس والحيرة من كانت قدرته من العربية ضئيلة، كالأجانب الذي يتعلمون العربية. والظاهر أن ههنا ما يسميه علماء النفس بالإسقاط، فلأن الأجنبي تلتبس عليه الأمور، فيظن أن هذا الإشكال لا بد أن يواجه العربي أيضًا. والأمر يشبه من ابتدأ بتعلم اللغة الإنجليزية فيتوجب عليه أن (يتذكر) أن الميم في الإنجليزية تكتب عكس w ، ثم يظن -بعد ذلك- أن الإنجليز قد يواجهون مشكلة في تمييزهم بين الحرفين. أو يشبه تعجبنا من الأقدمين الذين كانوا يستخدمون الكتابة المسمارية، كيف استطاعوا أن يميزوا بينها وهي مجموعة (مسامير) متماثلة لا فرق بين الواحد والآخر!
ساحة النقاش