بينما كنت خارج من منزلي لصلاة الفجر سمعت صوت نباح كلاب مزعج جداً وشاهدت شابًا صغيرًا أمامي يلتقط حجراً ليقذف به الكلاب، فالتفت إليه وقلت له: "يا بني عند صلاة الفجر، لا تلتفت الى العواء"، فالتفت إليَّ وقال وهو يبتسم: "والدي رجل كبير مريض، يخاف عليّ، وعند نزولي لصلاة الفجر قال لي: "يا بني، صلِ في البيت أحسن يعتقلوك"، فنزلت فلم أجد أحد يعتقلني ولكني وجدت كلابًا ضالة تنبح في طريقي".
فنظرت إليه واستغرقت في التفكير في كلامه وكلامي فقد ذكّرني بحوار هام قديم، وقلت له ونحن متجهين للمسجد: "لقد ذكّرتني بموقف هام حدث في حياتي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وذلك عندما خرجت لصلاة الفجر في أحد الأيام الشتوية وكان الشارع مظلماً والإضاءة به ضعيفة جدا أكاد أرى الطريق للمسجد بصعوبة، وإذ بنباح الكلاب حولي في الشارع مزعج، فانحنيت التقط بعض الحجارة لأقذف بها الكلاب المزعجة وإذ بجارنا الشيخ العجوز الوقور الحكيم الحاج عبد الرحيم يظهر أمامي ويلقي السلام عليّ ويقول: "اترك الحجارة في الأرض"، فتركتها وسلمت عليه ووضع يده على كتفي وهو يقول: "عند صلاة الفجر لا تلتفت للنباح" فنظرت اليه متعجباً وقلت له: "وإن وقف الكلب أمامي؟!"، فقال لي الشيخ: "وإن وقف الكلب أمامك، يكفيه منك فقط أن تُشيح بيدك إليه ليخاف ويجرى من أمامك، يا بني، لا تجعل لنباح الكلاب قيمة أو وزن في حياتك، وصدق الشاعر القائل: ولو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً.. لأصبح مثقال الصخر بدينار"، ثم قال لي: "يا بني، احمد الله أنك استيقظت لصلاة الفجر والناس نائمون، وهكذا الحياة الناس في غفلة عن الخير وقلة منهم تسلك طريق الخير؛ فكثير من الناس يسهر يلهو حتى الفجر فينام ولا يصلى الفجر فلا يرى في حياته نور فجر الخير أبداً ويمضي يومه في تعاسة وشؤم"،
ثم قال: "أترى هذا الظلام وهذا الشارع الموصل للمسجد وبه المطبات والحفر والوحل وكثير من العوائق؟"، قلت له: "نعم"، فقال لي: "وهكذا الحياة لكل صاحب دين ومبدأ، والطريق أمامك صعب لأن الحياة تزداد سوءًأ يوم بعد آخر، والناس في كل يوم يزداد الشر بينهم ويقل الخير، ولكن لن ينعدم الخير ولا أهل الخير أبداً".
وبينما الشيخ يتحدث نبحت الكلاب الضالة بصوت عالٍ فنظر لي وقال دعها ولا تهتم؛ فطوال طريقك في الحياة سوف تنبح عليك كلاب ضالة كثيرة في طريقك تريد إعاقتك أو تريد تخويفك كي تتراجع عن السير في الطريق لصلاة الفج،ر فلا تهتم مطلقاً بها لأن مجرد اهتمامك معناه أنها نجحت أن تشغلك عن الطريق".
فقلت له: "ولكن صوتها مزعج"، فابتسم الشيخ عبد الرحيم وقال لي: "لا تهتم بصوتها واشغل نفسك بذكر الله، وقل اللهم اجعل في قلبي نورا"، فقاطعته وقلت له: "ولكن"، فوضع الحكيم يده على كتفي وقال: "المؤمن بدينه وبالحق دائماً يجد في طريقه من ينبح ويعوي عليه بأشكالٍ وطرقٍ مختلفةٍ فلا تلتفت للنابحين"، قلت له: "كيف؟"، قال: "سوف ينبحون على كل شيء تفعله في الخير، في ثباتك على توحيد الله وإيمانك بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعظم ما يغيظهم، حتى مظهرك ولحيتك سوف ينبحون عليهما، وكلما تمسكت ودافعت عن دينك سوف يغتاظوا ويجتمعوا عليك كي يعلو صوتهم ليكون أكثر تخويفاً وإزعاجاً، وربما تجد نفسك وحيداً أو معك نفر قليل والنبًاحين كُثر لاحصر لهم فلا تلتفت ولا تهتم لأن أهم ما يريدونه منك أولاً أن تلتفت وتهتم بهم ثم تنشغل بهم بعد ذلك"، فقلت له: "نعم، فهمت".
وبينما نحن نسير اذا بحفرة كبيرة فنظر لي الشيخ وقال: "انتبه لكل حفرة، ربما يكون بها خطر لا تعرفه، فعليك أن تنظر لخطواتك جيداً في الطريق، وقل اللهم اجعل في بصرى نورًا"، واذا بصوت بوق سيارة شرطة من بعيد يقطع السكون، فنظر لي الشيخ عبد الرحيم وهو يبتسم وقال: "الأمان في جنب الله، لا تسمع لصوت يخيفك ويدفعك للتراجع عن صلاة الفجر؛ فاللص يسجن، وتاجر المخدرات يسجن، أما المؤمن إذا تعرض للسجن لإيمانه فهو ابتلاء لرفع درجاته، وخلوة له للعبادة، بينما اللصوص والمجرمين السجن عقاب لهم، فاحمد الله على نعمة الإيمان وقل اللهم اجعل في سمعي نورا".
وبينما نحن نقترب من المسجد إذ بسيارة معترضة الطريق لا تتحرك، فنظرت يمنة ويسرا للبحث عن طريق لنكمل السير فاذا بالشيخ عبد الرحيم يقول لي: "سوف تعترضك عوائق كثيرة في طريقك للصلاة فلا تقف بل قل: اللهم اجعل عن يميني نورا وعن يساري نورا، وابحث عن المخرج ولا تيأس تجد المخرج بإذن الله، ولتكمل السير في طريقك".
وبينما نحن على خطوات من باب المسجد التفت إلي الشيخ عبد الرحيم وقال لي: "يا بني، استمع دائماً لمن ينصحك على السير الصحيح في الطريق ولا تستمع لمن يشغلك ويعيقك عن السير في طريق الخير، واعلم يا بني أن صلاة الفجر هي صلاة المؤمنين الصادقين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال بشر المشائين في الظلمات بالنور التام لهم يوم القيامة"، ثم قال الشيخ: "نحن مشينا في الظلام لكي ندرك صلاة الفجر التي يعقبها النور في الدنيا، ومن حافظ عليها له نور الهداية في الدنيا والنور التام يوم القيامة، ولا تنسى يا بني أن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم قال ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها فلا تشغلنًك الدنيا عن ركعتي الفجر".
وهنا وجدت نفسى أمام المسجد فقلت: "بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وقلت للشاب الصغير: "ما قصصته عليك حوار حدث منذ أكثر من ثلاثين عام، وهو واقع رأيته في حياتي في كل يوم وكل لحظة فاتعظ به، واعلم يا بني أن صلاة الفجر أصبحت غريبة بين الناس كغربة المسلم ولا يحافظ عليها إلا مؤمن، وهي تغيظ المنافقين والشياطين فحافظ عليها يحفظك الله في طريقك في الحياة، واعلم أن التعيس الشقي هو من لم يعرف نعمة الإسلام فضلَّّ في طريقه، وتخبط في ظلمات الجهل والهوى، وانغمس كالحيوان في شهواته فشغلته الدنيا عن ركعتين هما خير من الدنيا وما فيها".
نشرت فى 7 أغسطس 2009
بواسطة kay1999
عدد زيارات الموقع
16,782
ساحة النقاش