هل فكرتَ يومًا أن تسأل ابنك المراهق وهو يكتب رسالة إلكترونية أو رسالة في الهاتف النقال.. ما اللغة التي يستخدمها في كتابة تلك الرسائل أو التي يستخدمها في كتابة المحادثات عبر شبكة الانترنت؟ جرّب واسأله وسوف يجيبك أنها «العربيزي» أو «العربيزية»! وستقول له: وما هذه اللغة؟! فيقول لك: «هذه لغة اخترعناها نحن (أي أبناء جيله) وهي بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، وبمعنى أوضح تُكتب بها اللغة العربية العامية بحروف اللغة الإنجليزية وباستخدام بعض أرقامها كحروف،

عندما تسأل ابنك او ابنتك.. ولماذا لا تكتب باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية صرفة كما هي وبدون خلط اللغتين معا أثناء مراسلاتك؟ فإنه يجيبك: «إن العربيزي أسهل حيث الكتابة باللغة العربية أو الإنجليزية يتطلب منك الالتزام بقواعد اللغة والكتابة بطريقة سليمة مع وضع كل كلمة في موضعها الصحيح بينما هذه اللغة وهي «العربيزي» لا تتطلب هذا الجهد فهي تتحرر من القواعد ولا تتطلب منك التفكير بالقاعدة أثناء الكتابة، فهي لغة سريعة تنسجم برأيه مع سرعة هذا العصر، ولذلك نفضلها (أي المراهقون) كلغةٍ للتواصل في الرسائل الإلكترونية (الإيميلات) وفي التحدث عبر الشبكة العنكبويتة (التشات) وفي كتابة الرسائل على الهواتف النقالة (المسج)، ويخبرك المراهق أيضًا أن «العربيزي» هي لغة أصدقائي وأصبح من التخلف أن تكتب باللغة العربية، والإنجليزية تتطلب الالتزام بقواعدها، ولو كتبتُ باللغة العربية فماذا سيقول عني أصدقائي، سيقولون إنني متخلف!تخيلوا معي أيها القراء أصبحت الكتابة باللغة العربية ضرْبًا من التخلّف والرجعية، وكأنها وصمة عار لدى بعض أبناء الجيل الصاعد! والسؤال هنا: مَن الذي أوصل أبناءنا إلى هذا المستوى من الاعتقاد الفكري؟ والأدهى والأمر أنك تجد أن بعضًا من الراشدين أصبحوا يتعاملون بهذه اللغة المحرّفة بدعوى أنها لغة العصر والتحضّر! صحيح أن بعض علماء النمو واللغة يتوقعون أن من خصائص المراهقين محاولة الوصول إلى لغة خاصة بهم للتواصل، فهذا ممكن ولكن أن تصبح هذه لغة الناشئة من هذا الجيل ولغة بعض الراشدين، وأن تكون تحريفا للغة العربية ولجمالها، فهذا من العجب العجاب ومما يستدعي التساؤل: إلى أين وصل بنا الحال- نحن العرب؟ ألهذا الحد نترك اللغة العربية التي هي أشرف اللغات والتي اختارها رب البشرية وخالق الكون لتكون لغة كلامه العظيم والمفضلة على سائر لغات البشرية ولغة للخلود في الدنيا والآخرة؟ قال تعالى: {قرآنًا عربيًا غيرَ ذي عوج لعلهم يتقون} (الزمر: 28) ، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون} (يوسف: 2)، وقوله تعالى: {نزل به الروحُ الأمين. على قلبك لتكونَ من المنذرِين. بلسانٍ عربيٍ مبين} (الشعراء: 193- 195).

إن الأمر يستدعي منا لحظة توقف وتأمل ومراجعة للنفس، حيث الابتعاد عن لغتنا العربية يعني الابتعاد عن هويتنا العربية التي تميزنا من المحيط إلى الخليج، ويعني الابتعاد عن الثقة بأنفسنا كعرب، وبأننا يمكن أن نصلح لقيادة البشرية وللسير في مقدمة ركب الحضارة، 15136_opt.jpeg ويعني أننا فقدنا واحدة من مقومات الأمة ومميزاتها، وهي لغتها، فما يميّز كل شعب هو لغته وثقافته، واللغة العربية منذ القدم كانت لغة الحضارة والعلم والتقدم والفنون الأدبية وكانت على مر أزمان كثيرة وعاءً للعلوم واللغة السائدة في العالم، وهي اللغة الزاخرة بالمفردات الجميلة التي لا تنتهي، فكما تغنى بها الشاعر حافظ إبراهيم:

أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامنٌ

فهل ساءلوا الغوّاص عن صدفاتي

ولكن ما يجعل الأمر أكثر سوءًا هو ما نراه على الكثير من المحطات الفضائية العربية التلفزيونية أو المحطات الإذاعية من برامج ولقاءات؛ فقد أصبح الكثير منها يقدم باللغة العامية مع الابتعاد تمامًا عن اللغة العربية الفصحى، بل وإدراج كلمات من اللغة الإنجليزية في كلام تلك البرامج بدلًا من إدراج اللغة الفصحى، وأصبحت كل قناة فضائية تُبثُّ من بلدٍ ما كثيرًا ما تَتحدث باللهجة العامية لتلك البلد ويحاول مقدمو البرامج أن يظهروا أنفسهم وكأنهم متطورون وحضاريون وخفيفو الظل لأنهم يستخدمون تلك اللهجة العامية الصرفة.. والمشكلة أن تلك البرامج والفضائيات أصبحت في تزايد لا نقصان، ولا يُعلم إن كنّا سنعود يومًا إلى تلك البرامج التلفزيونية والإذاعية القوية في لغتها العربية الفصحى.. فلم يعد يَهتم باللغة العربية الفصحى من تلك المحطات سوى المحطات الإخبارية أو الدينية، بينما المحطات التي تستقطب فئة الشباب والأطفال والموجهة إليهم أصبح الكثير منها يُوظف اللغة العامية المحكية في برامجها ولقاءاتها.. وخطورة هذا الأمر أن يتعود هذا الجيل على سماع تلك اللهجة المحكية على حساب لغته الأم الفصيحة فيغدو ضعيفا بلغته يحتاج إلى من يصححها ويقوّمها له، بل يحتاج إلى دورات تقوية بها! والأعجب أنك ترى أو تسمع المقدم التلفزيوني أو المذيع في الإذاعة عندما يتحاور مع شخص ما يتقن اللغة العربية الفصحى فإن المذيع يتلعثم ويصبح غير قادرٍ على الاستمرار بالحوار، ويواجه صعوبة في التعامل مع اللغة الفصحى أو الرد على ضيْفه بنفس الطريقة وكأن الضيف يتحدث بلغة أجنبية غريبة عليه وهو مبتدئ بها فيوجز المذيع الحوار مع ضيفه أو يتحدث بالعامية والضيْف بالفصحى مما يجعلك تشعر بنشاز النغمة وضعف المستوى، أفإلى هذا الضعف وصلنا؟!

إن الحلول لهذه المشكلة يبدأ من أنفسنا ومن ذاتنا ومن قناعتنا بأننا أفضل أمّة لقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرونَ بالمعروف وتنهونََ عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 110). ويبدأ أيضًا من تربيتنا لأبنائنا حيث نشعرهم بالاعتزاز بلغتنا العربية، لا كما هو الحال باعتقادنا أن التحدّث باللغة الإنجليزية هو دليل التقدم والتحضّر وأن التكلّم باللغة العربية هو نوع من التأخر فلابد من أن نبدأ نحن الآباء والأمهات بتغيير أنفسنا وقناعاتنا، وإن كنّا نسمح بدراسة اللغة الإنجليزية لأبنائنا ونشجعهم على تعلمها لا يعني أن نتخلى عن لغتنا الأصيلة وأن نعتز بالإنجليزية على حساب العربية، فتمسكنا باللغة العربية يعني التمسك بهويتنا العربية وبديننا الإسلامي العظيم وبثقافتنا الأصيلة وبماضينا المجيد وبأصلنا العربي الذي انتقى الله تعالى منه نبينا الكريم محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، images.jpg14_opt.jpeg فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أحبوا العرب فإن نبيّكم عربي...»، وقال الله تعالى في مدح اللغة العربية لغة رسول الله [:{لسانُ الذي يلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسان عربيٌّ مبين} (النحل: 103).

المصدر: د. آندي محمد حجازي
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
8 تصويتات / 155 مشاهدة
نشرت فى 5 يوليو 2011 بواسطة karima1010

ساحة النقاش

moalemyalghaly

جميل موضوعك.

karima1010

اشكرك للمرور وللتعليق

karima1010
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,413