authentication required











بقلم / وجدى عبد العزيز

لم يكن من المتخيل أن تحدث ثورة في مصر، فالأوضاع تكلست على ما هي عليه لعشرات السنين، وظل منظّرو النظام يحتلّون صفحات الصحف وشاشات التلفاز العام والخاص وكان صوت المعارضة خافتاً لا يكاد يُسمع حتى لا يتأذى أصحاب السلطة والثروة، لا فرق بين إعلام تملكه الدولة أو خاص يملكه أصحاب الحظوة المقربون من الحكم. بعد مرور عامين على 25 يناير 2011 كيف تأثر هذا الإعلام بالأحداث الثورية التي شهدتها مصر؟ 

اتحاد الإذاعة والتلفزيون والصحف القومية المملوكة كلياً من الدولة، مثّل سلاح المدفعية الثقيلة للنظام الحاكم عبر سنوات الحكم الممتدة منذ اعتلاء الضباط الحكم في البلاد حتى إعلان تخلي الديكتاتور مبارك عن السلطة وتسليمها للمجلس العسكري. ارتبكت فرائص المسؤولين عن سلاح المدفعية الإعلامية فلم يعرفوا كيف يمسكون بدفة الكتابة ولمن يكون الدعم والتأييد، فمنع التلفزيون والصحف عرض صور مبارك الذي أصبح بين عشية وضحاها نسيا منسيا كأنه لم يحكم البلاد طوال ثلاثين عاما، وظهر عنوان عريض على رأس "الأهرام" أعرق الصحف المصرية يقول: "الشعب اسقط النظام".

سرعان ما تبيّن قادة سلاح المدفعية الطريق نحو إعادة إحياء النظام بعد تولي جنرال عسكري ومن بعده صحافي مراسل عسكري لوزارة الإعلام فأصبح المجلس العسكري هو القبلة التي تستحق الدفاع عنها مهما ارتكب من أخطاء، ولم تفلت المحطات التلفزيونية والصحف الخاصة من مراعاة هذه القبلة الجديدة، كأن شيئاً لم يحدث. ألوف الصفحات والساعات لتمجيد حكمة القادة الجدد على رغم قراراتهم وتصرفاتهم التي أودت بحياة المئات من أطهر شباب مصر خلال أحداث متتالية من ماسبيرو إلى محمد محمود إلى مجلس الوزراء إلى بورسعيد، فتم تصوير الضحايا كمجرمين يهدفون إلى إسقاط الدولة والحيلولة دون تحقيق الاستقرار. حاول بعض الكتاب والإعلاميين الفكاك من هيمنة الحكم العسكري الجديد لكنها محاولات لم ترق إلى مستوى المعارضة الصريحة. كان الشعار الغالب أن الجيش حمى الثورة، لكن بعضهم نجح في طرح تساؤلات جريئة حول طبيعة هذه الحماية التي وصفت بأنها محاولة لتقييد الثورة ومنع تحقيق أهدافها. الحقيقة أنها كانت محاولة من العسكر لإحياء النظام القديم ولكن برموز جديدة.

لم تخل المساحة الإعلامية من حال استقطاب دخلتها البلاد في ظل الدعوة لاستفتاء العسكر على التعديلات الدستورية التي بدا واضحا أنها تمهد الطريق لتلوين الطبقة الحاكمة بشخصيات جديدة، فبدأت تتشكل ملامح نمطية من الإعلام المؤيد والإعلام المشاكس وليس المعارض صراحة. قبل الجميع في النهاية بالإعلان الدستوري غير المتوقع من العسكر الذي يتنافى مع الدعوة للإستفتاء على بعض التعديلات، فكانت المواقف تميل نحو إمرار الإعلان والقبول بالأمر الواقع وعدم المقاومة، وهذا ما دفع إلى التغاضي عن وعود العسكر أنفسهم بالتخلي عن السلطة خلال ستة أشهر، وتم القبول بالجرائم التي تتنافى مع قيام ثورة في البلد، من استمرار التعذيب والهجوم على المتظاهرين السلميين وحظر الإضرابات والاعتصامات ووسمها بالفئوية البغيضة التي لا تتناسب مع طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.

في الأثناء ظهر تأثير الكثير من القنوات والصحف الدينية التي اكتفت في عهد الديكتاتور بتأييده، لكنها الآن وجدت فرصتها في الدعوة لبناء نظام جديد، واستخدمت في دعوتها كل الوسائل بدءا من تأييد القرارات العسكرية وصولا إلى الدعاية العلنية لانتخاب نواب للشعب يقرّون بالشريعة الإسلامية. ولم تتخلّ هذه القنوات وتلك الصحف عن مهاجمة أنصار التيار المدني العلماني الذي يسعى لإبعاد الدين عن السياسة وتحقيق دولة المساواة بين المواطنين بدون تمييز على أساس الدين أو الجنس.

جاءت الانتخابات الرئاسية لتمثل فترة عصيبة على الإعلام المصري، فقد شاب العملية الانتخابية الكثير من المشكلات بدءا بالقانون المنظم لها وانتهاء بإعلان النتيجة. وقفت غالبية الصحف موقفا غير نقدي من هذه العملية برمتها وتفاعلت معها باعتبارها أمراً واقعاً، ليس فقط ينبغي القبول به ولكن أيضا الترويج له بدعوى الوصول إلى أول رئيس مدني منتخب. فقد كان من الممكن أن يلقي الإعلام الضوء على سلبيات العملية التي أوصلت في النهاية الشعب إلى حال من الاستقطاب الحاد والاختيار بين مرشح لنظام مبارك ومرشح لجماعة "الإخوان"، وكلاهما يبعد بمسافات متفاوتة عن الثورة وأهدافها وأحلام الشباب الذين ضحوا من أجل بناء دولة عصرية مدنية حديثة.

بإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية عادت المساحة الإعلامية إلى أنماط التأييد للحكم الجديد ودعوات جماهير القراء والمشاهدين للتفاؤل بالعهد الجديد من دون نقد جدي لخروج الحاكم على الشرعية الدستورية والقانونية والأخلاقية، واصطدامه مع السلطة القضائية وتحقير حكم القانون بدعوى الشرعية الانتخابية التي جاءت به بفارق لا يتعدى الواحد في المئة بكثير.

شهدت الحياة الإعلامية المصرية خلال عامي الثورة الكثير من التغيرات تبعا لما يحدث، ولكن يلاحظ أن ما يحكم الأداء الإعلامي المقولة الشهيرة "عاش الملك مات الملك"، وقد يرجع ذلك إلى الكثير من العوامل، في مقدمها غياب المهنية والاستقلالية الحقيقية سواء عن سلطة الدولة أو رغبات أصحاب الصحف والقنوات الخاصة. لكن العامل الحاسم لهذا الأداء الإعلامي الذي يؤثر في مسيرة الثورة هو طبيعة القوانين المنظّمة للعمل الإعلامي التي لم تتغير كثيرا عن حقبة حكم الديكتاتورية العسكرية.

بوصول مرسي ازدادت القيود المفروضة على الصحافة والإعلام وتمت إحالة العديد من الكتّاب والإعلاميين على القضاء بتهمة إهانة الرئيس، وهي تهمة قلما لجأ أسلافه إلى استخدامها، وبدا واضحاً أن هناك معركة كبرى تدور حول الحريات التي يمكن أن يتمتع بها الإعلام في مصر في ظل تراكم الأزمات التي تعاني منها البلاد. فأغلب الوعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية لم تتحقق، في حين تسعى جماعة "الإخوان" إلى أقصى قدر ممكن من السيطرة على مقاليد الأمور، متناسية شعاراتها السابقة حول المشاركة لا المغالبة، الأمر الذي يدفع في اتجاه تكميم أفواه المعارضين وعدم السماح بسوى المعارضة الشكلية التي لا تفضح عورات الحكم بل تكتفي بنقده على استحياء.

مثلت الترسانة القانونية المستبدة والمقيدة للحرية الإعلامية في مصر حجر عثرة أمام انطلاق الحريات الإعلامية، فكبلت وسائل الإعلام التقليدية ومنعتها من القيام بالكثير من أدوراها في مكافحة الفساد وإظهار الحقائق أمام الرأي العام، بل استُخدمت ولا تزال في تجميل وجه النظام وكبح الدعوات المطالبة بالتطهير ومحاربة الفساد ولو تطلب الأمر موجات جديدة من الانتفاضة الثورية لتصحيح المسار ولتحقيق أهداف الثورة.

نتيجة لتكبيل وسائل الإعلام التقليدية (صحافة وتلفزيون وإذاعة) بدأت تظهر قوة تأثير وسائل الاتصال الجديدة التي كان لها دور كبير في الحشد والتعبئة للانتفاضة الثورية، ومن بين هذه الوسائل الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الـ"فايسبوك" و"تويتر" والمدوّنات الشخصية وبعض المواقع الإخبارية الالكترونية التي يعتمد عليها أغلب النشطاء والمهتمين بالشأن العام في التواصل من خلالها وتبادل الآراء والأفكار وطرح المبادرات التي تمثل تحديا حقيقياً للسلطة الحاكمة وتجعلها في مرمى النقد العنيف الذي قد يتحول هبّات ووقفات احتجاجية متواصلة يمكن أن تتطور بسرعة لتمثل موجة ثورية جديدة.

 

المصدر: النهار اللبنانية
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 211 مشاهدة
نشرت فى 26 يناير 2013 بواسطة kalamtha2er

عدد زيارات الموقع

395,426

تسجيل الدخول

ابحث