![](http://cdn.alwafd.org/images/news/1025205873dskhfsdfsdf.jpg)
في زمن الاخوان تحول الرأي الاخر الي عمالة، والاختلاف في الرأي الي زعزعة للاستقرار، والنقد الي سوء ادب.
من ليس معهم عدو للوطن، ومن لايعتقد عقيدتهم صاحب مصلحة، ومن يعارضهم «فلول» انهم يرفعون راية «الصمود والتصدي» وهو صمود كما يقول الشاعر محمد الماغوط علي الكراسي، وتصد لكل من يقترب منها. فالحرية طائر لا يحق لها الطير الا في سماواتهم، والعدالة مفتاح لفتح زنازن مضطهديهم ومظاليمهم، لكنه لا يفتح اي زنازن لمظاليم يختلفون معهم في التوجه او العقيدة السياسية. يستغرب الناس ركونهم الي الباطل، وغربتهم عن الحق، واختيالهم في مقاعد السلطة والنفوذ! يندهش العامة من تغليبهم لما يرون، وتنحيتهم مالا يرون، واستعلائهم علي من يخالفونهم في الرأي! يتعجب اهل مصر كيف يواصل قطار الاخوان المسلمين انطلاقه داهسا في طريقة الحرية والعدل والتوفيق الوطني! كيف يرتضون تكرار تجربة الحزب الوطني الحاكم في التعالي علي الآخر، واستبعاده، وتجاهله، واقصائه. لكننا لا نعجب، فمنذ تأسيس جماعة الاخوان عام 1928 والدماء تسيل من جسد مصر، والعنف لا ينتهي، والتكفير والتخويف لايتوقف. اننا نفتش صفحات الماضي ونذكر لعل الذكري تنفع المصريين..
![](http://cdn.alwafd.org/images/news/1458044314djsfbsdfsd.jpg)
هم أبناؤه ، وتلاميذه .. ما قاله يرددونه ، وما دعا إليه يطبقونه . زعيمهم الروحى ، ومفكرهم الأول ، وشهيدهم الأعظم .
كلماته «معالم» يسيرون عليها ، وأفكاره مخططات يسعون إلى تطبيقها . من يقرأ دماغه يعرف توجههم ، ومن يحلل نظرياته يتوقع مستقبلهم .
كان الإخوان المسلمون يعتمدون رسائل الدعوة والداعية للمرشد الاول حسن البنا «مانفستو» لهم حتى ظهر سيد قطب وانضم إلى الجماعة وتحدث باسمها وكتب لها ووضع أيديولوجية جديدة للحركة الإسلامية.
لذا فإن أخطر ما تواجهه مصر حاليا أن الأدمغة المسيطرة علي صناعة القرار السياسي في مصر تحمل أفكار سيد قطب وتلتزم بنظرياته بدءاً من جاهلية المجتمع حتي الاستعلاء والإغارة علي الآخر.
كانت قصة حياة سيد قطب نموذجاً واضحاً للانقلابات الفكرية الحادة .. من اليمين الى اليسار ، ومن العلمانية الى التشدد الدينى.. ومن التحرر الى نفى الآخر .
عاش الرجل 60 عاما كتب فيها 24 كتابا ونحو 109 قصائد شعر ، و495 مقالا بين السياسة والدين والنقد الادبى. ورغم ضحالة ذلك الانتاج الفكرى مقارنة بمفكرين وكتاب جيله ، فإن ما حوته كتاباته جعله مادة ثرية لأكثر من 150 كتابا حول حياته باللغة العربية، ونحو 15 كتابا باللغات الاخرى . فضلا عن 7 رسائل دكتوراة منها واحدة باللغة الانجليزية فى جامعة مانشستر، وأخرى باللغة الفرنسية فى جامعة السوربون .
إن اخطر ما يبدو من أفكار سيد قطب كما يقول الباحث الجاد الدكتور محمد حافظ دياب فى كتابه سيد قطب الطاب والايديولوجيا» أنه اعتبر تصوراته مسلمات لا تقبل النقاش او الجدل ويعنى ذلك ان نقد الخطاب القطبى «مستحيل».
يقول سيد قطب فى صفحة 106 من كتاب «معالم فى الطريق»- دار الشروق - « الاسلام لا يعرف سوى نوعين من المجتمعات: مجتمع إسلامى ومجتمع جاهلى».
ويقول فى صفحة 98 من نفس الكتاب «ويدخل فى اطار المجتمع الجاهلى جميع المجتمعات القائمة على الارض ،الشيوعية والوثنية واليهودية والمسيحية، والمجتمعات التى تزعم انها مسلمة .» الا ترون معى ان هذه العبارات تشكك فى اطلاق وصف مجتمعات اسلامية على مجتمعاتنا التى يدين اغلبيتها بالاسلام ويصلى الناس الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان ويستهجنون من يفطر بلا عذر ، ويدفعون الزكاة ويسعون لحج بيت الله . الا يعد انكار الاسلام عن مجتمعاتنا نوعا من الغلو ، وترجيحا للتكفير.
ويقول الرجل ايضا ص 173 فى كتاب «معالم على الطريق»: «الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية . ليس هذا اسلاما وليس هؤلاء مسلمين».
وفى كتابه «خصائص التصور الاسلامى - طبعة دار الشروق، يقول ص 85 :
« إما أن يلتزم الناس الاسلام ديناً أى منهجاً للحياة ونظاماً والا فهو الكفر والجاهلية .» وبهذا المعنى يحكم الرجل على الراقصات واللصوص والعاهرات من المسلمين بالكفر ، فليس هناك شك أن أىاً منهم لا يلتزم بالاسلام منهجا للحياة . وبدون شك أو مدارة فإن ذلك القول هو التكفير بعينه، وهو مالم يقل به احد من علماء الاسلام عن اى من العصاة أو الفاسقين . لقد خلط الكاتب بين المعاصى والكفر بصورة خطيرة سيطرت على معظم كتاباته التى لم تكن تراجع فقهيا بسبب ظروف سجنه الطويلة.
وفى كتاب «فى ظلال القرآن .ج1» ص25 نجده يقول «القوى الانسانية نوعان، قوة مهتدية ،تؤمن بالله وتتبع منهجه وهذه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح.. وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه. وهذه يجب ان نحاربها ونكافحها ونغير عليها».
وعلى الرغم من صدامية هذه الافكار وحدتها ومجانبتها أصول الاسلام كما وضح بعد ذلك الدكتور يوسف القرضاوى والدكتور محمد عمارة والشيخ ناصر الالبانى وغيرهم من علماء الاسلام، فإن النظام الناصرى استغلها فى الايقاع به والصعود به الى طبلية الإعدام، وهو ما لا نقره ونعتبره جريمة من جرائم عبد الناصر.
وقد بقيت لنا وثيقة متهمة اشتهرت باسم «لماذا أعدمونى» يحكى فيها سيد قطب قصته كاملة مع الإخوان والثورة وقضية قلب نظام الحكم .
يقول «قطب» فى بداية الوثيقة « لقد آن الاوان أن يقدم انسان مسلم رأسه ثمنا لاعلان وجود حركة اسلامية وتنظيم غير مصرح به قام لاقامة النظام الاسلامى ايا كانت الوسائل التى سيستخدمها لذلك»، ويحكى الرجل بداية التحاقه بجماعة الاخوان عام 1953 واعتقاله بعد حادث المنشية واتهامه بأنه المسئول عن تحرير المنشورات وهو مالم يكن صحيحا حسب قوله. ثم يتحدث عن محن الاخوان المسلمين فى سجون ناصر ومذبحة طرة واتساع حجم الغضب بين شباب الاخوان ونمو تنظيمات عديدة تدعو للانتقام من الدولة التى لا تطبق الإسلام .
ثم يقول صاحب الوثيقة « كنا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة فى تغيير نظام الحكم وفى الوقت نفسه قررنا استخدامها فى حالة الاعتداء على التنظيم . وكان معنى ذلك البحث فى موضوع التدريب والاسلحة اللازمة لهذا الغرض »، ثم يقول «اخذ الاخوة فى محاولات لصنع قنابل نجحت بالفعل لكنها كانت فى حاجة لتحسين»،
وتحكى الوثيقة كيف تم شراء اسلحة من ليبيا ثم يقرر كاتبها فى وضوح تحوله للرأى القائل بمشروعية تغيير نظام الحكم بالقوة فيقول «وكان امامنا المبدأ الذى يقرره الله سبحانه وتعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وكان الاعتداء قد وقع علينا بالفعل فى 1954 وفى 1957 بالاعتقال والتعذيب وإهدار الآدمية وتشريد الاطفال والنساء .» ثم يقول «ووفقا لهذا جاءوا فى اللقاء التالى ومع احمد عبد المجيد قائمة باقتراحات تتناول الاعمال التى تكفى لشل الجهاز الحكومى . وهذه الاعمال هى الرد فور وقوع اعتقالات لاعضاء التنظيم بإزالة رؤوس فى مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربى، ثم نسف بعض المنشآت التى تشل حركة المواصلات لضمان عدم تتبع بقية الاخوان . «وتتحدث الوثيقة بعد ذلك عن علاقات وزيارات ولقاءات لقطب بأفراد وشخصيات عامة ثم تنتهى بتقرير « ان العنف الذى عومل به الاخوان عام 1954 بناء على حادث مدبر لهم وليس منهم هو الذى أنشأ فكرة رد الاعتداء بالقوة .»
ولاشك أن هذه الوثيقة وما تحمله من اعترافات تدور فى محور تبرير العنف فى التغيير ، وهو نفس المنهج الذى اتبعته الجماعات المسلحة خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى وانتهت الى الاف الضحايا وتكريس للاستبداد السياسى وتبرير للقوانين الاستثنائية المقيدة للحريات.
كما ان المتابع لمقالات سيد قطب فى عامى 1952 ، 1953 يتعجب من ذلك التحريض الفظ من جانب الرجل ضد الحريات وتبنيه للدعوة الى نفى الآخر تماما ،بل والى اقتلاعه تماما من المجتمع .
يقول سيد قطب محرضا على الدستور فى مقال له بجريدة الاخبار بتاريخ 8 اغسطس 1952 تحت عنوان «استجواب الى البطل محمد نجيب»: «إن الرجعية اليوم تتستر بالدستور ، وهذا الدستور لا يستطيع حمايتنا من الفساد إن لم تمضوا أنتم فى التطهير الشامل الذى يحرم الملوثين من كل نشاط دستورى ولا يبيح الحرية الا للشرفاء».
ويتوسع خطاب سيد قطب المساند للديكتاتورية التى بدت على ثوار يوليو فيقول فى ذات المقال «لقد احتمل هذا الشعب ديكتاتورية طاغية باغية شريرة خمسة عشر عاما او تزيد.. افلا يحتمل ديكتاتورية عادلة نظيفة ستة أشهر!! .»..... وربما توضح هذه المقالة أصول فكرة المستبد العادل التى ترددت وقتها بين ثوار يوليو . إن الرجل يرى أن تحمل استبداد الثورة ضرورى ولازم لاقامة دولة حديثة . وهو رأى غريب عانى منه كافة المختلفين مع الثوار وكان الاخوان المسلمون من بينهم .
وينقل الكاتب حلمى النمنم فى كتابه «سيد قطب وثورة يوليو» نصوصاً كاملة من مقالات لسيد قطب كلها تصب فى التحريض على الساسة والاحزاب من خارج الثورة . فمنها مثلا ما كتبه فى جريدة الاخبار بتاريخ 15 اغسطس 1952 حول تظاهر العمال فى كفر الدوار احتجاجا على الفساد حيث قال «هذه الحوادث المفتعلة فى كفر الدوار لن تخيفنا . لقد كنا نتوقع ما هو أشد منها .إن الرجعية لن تقف مكتوفة الايدى وهى تشهد مصرعها» ثم يضيف قائلا: «فلنضرب بسرعة . أما الشعب فعليه ان يحفر القبر وأن يهيل التراب»، وبالفعل اعتبرت ثورة يوليو أحداث كفر الدوار تحدىاً قوياً لاختبار قدرة الساسة الجدد على اتخاذ القرارات وأخذت بنصيحة «قطب» وأصدرت أحكاما قاسية على عمال كفر الدوار منها حكم باعدام اثنين من العمال هما خميس والبقرى وصدق مجلس قيادة الثورة على الاحكام .
ويكشف مقال آخر فى مجلة روزاليوسف بتاريخ 29 سبتمبر 1952 آراء سيد قطب فى عودة الاحزاب السياسية، ورفضه الشديد لفكرة التعددية حيث يقول « هذه الاحزاب ليست صالحة للبقاء ، انها ستتفتت وتنهار سواء طلب الجيش ذلك ام لم يطلبها ، لقد استوفت ايامها وعاشت بعد أوانها».
ويكتب الرجل فى روزا ليوسف بتاريخ 10 سبتمبر 1952 مؤيدا قرارات حركة الضباط ومحاكماتهم قائلا : « لأن نظلم عشرة او عشرين من المتهمين خير من أن ندع الثورة كلها تذبل وتموت... هل يصدق احد أن يكتب شاعر ومفكر هذه الكلمات؟ فعلها الرجل واراشيف الصحف شاهدة ولا نملك الا ان نسأل الله له المغفرة .
وعلى هذه الأفكار خرج تلامذة أكثر عنفا وأشد دموية نادوا صراحة بتكفير الآخر والدعوة الى قتاله كان أبرزهم شكرى مصطفى الذى نادى بالهجرة من دار الكفر وتكفير المجتمع وأنتهى به الحال إلى اختطاف الشيخ الذهبى وزير الاوقاف عام 1977 واغتياله برصاصة فى عينه ليتم إعدامه عام 1978.
ومنهم أيضا محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب «الفريضة الغائبة» والعقل المدبر لاغتيال انور السادات فى اكتوبر 1981.
ومنهم ايضا ايمن الظواهرى القيادى بتنظيم القاعدة الذى يقول فى كتاب « فرسان تحت راية النبى»: كانت ولا تزال دعوة سيد قطب الى اخلاص التوحيد لله ولسيادة المنهج الربانى شرارة البدء فى اشعال الثورة الاسلامية ضد أعداء الاسلام فى الداخل والخارج.
الجماعة..من مساندة طغيان الملكية إلى التحالف مع العسكر
![](http://cdn.alwafd.org/images/news/1743501454msdnfmdsnfmsd.jpg)
فى النضال إلى الحرية لا تسقط الجرائم السياسية بالتقادم ، ولا تغفر الشعوب خطايا البشر .
كان الاخوان المسلمون دائما ضد الحرية ، وضد العدالة ، وضد الديمقراطية. لا يوجد طاغية مر بوادى النيل منذ تأسيس الجماعة ولم تتحالف معه، عبر كل العصور ساندوا الظلمة، وأيدوا المستبدين ثم ذاقوا مرار كؤوسهم .
فى عام 1930 ترفع الجهات الامنية تقريرا الى اسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء ببعض المخاوف من توسع جماعة الاخوان، ويقرر وقتها «صدقي» استغلال الجماعة ضد الوفد حزب الاغلبية ويعرض عليهم اعانات مالية مقابل تأييد الحكومة ضد الوفد، ويعرف وقتها البنا حجم جماعته وقوتها ويقرر الانتقال بها الى القاهرة.
وبالفعل تخرج مظاهرات الاخوان رافعة لافتات تستخدم الآية القرآنية «واذكر فى الكتاب اسماعيل إنه كان صديقا نبيا».
ويتوافد المنضمون الى الجماعة الوليدة وبعد عام واحد يرتفع عدد شعب الاخوان داخل القاهرة وقتها الى 50 شعبة ، ثم تعقد الجماعة أول مؤتمراتها عام 1933 ويتوالى الصعود والانتشار والتدخل فى السياسة .
وفى عام 1936 يقوم الاخوان بتسيير مظاهرات فى شوارع القاهرة تهتف « الله مع الملك» والمناداة باختيار فاروق خليفة للمسلمين . ويظهر أن البوليس المصرى كان لديه تعليمات وقتها بحماية الاخوان ومساندتهم وهو ما أسهم فى انفلات اعضاء الجماعة وأدى الى موجة خروج مبكر لبعض الاصلاحيين الاوائل فى الجماعة وعلى رأسهم الشيخ احمد السكرى نفسه . وقد اتهم المنشقون الشيخ بالبعد عن الشورى والاستبداد بالرأى والوقوف ضد الوفد حزب الاغلبية.
ويأخذ كثير من الباحثين على الشيخ البنا ما يعتبرونه انتهازية فى ذلك الوقت والوقوف الى جوار الظلم والطغيان . وقد دفع ذلك الزعيم احمد حسين الى كتابة سلسلة من المقالات يهاجم يها البنا ويشبهه بـ «راسبوتين» وهو أحد رجال الدين الذين ساندوا الحكومات المستبدة فى روسيا القيصرية.
ومنذ المؤتمر الاول والجماعة تتجه الى انشاء فرق للجوالة مهمتها القيام بالرياضة ، ثم تحولت بعد ذلك الى « كتائب « لحماية الدعوة والعمل العام ، ثم أصبحت تلك الكتائب ميلشيات خاصة، كثير من أعضائها سريون وتقوم بأعمال اغتيال وتصفية سياسية لحساب من تعتقد أنه يقف فى طريق الجماعة.
وفى جريدة «النذير» عام 1938 يكتب «البنا» لأعضاء جماعته «إننا سنتحول من دعوة الكلام الى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والافعال» ثم يقول «إنكم ستخاصمون جميع الساسة فى الحكم وخارجه خصومة شديدة إن لم يستجيبوا لكم».
إن حسن البنا يطالب بحل جميع الاحزاب السياسية وافساح الطريق امام جماعته. ويختلف مع كل من يقبل بمساندة الوفد أو اى حزب سياسى بل يفصله من جماعته . ومما كان يحكيه الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله انه كان حريصا على حضور لقاءات الثلاثاء فى جماعة الاخوان وكان وفديا وقال يومها لحسن البنا أن الاخوان يجب ان يساندوا رجلا نزيها مثل مصطفى النحاس ففوجئ بالبنا غاضبا وقال له : إن الوفد بشكل خاص هو أعدى اعدائنا ، لأننا يمكننا أن نبصق على جميع الاحزاب السياسية، الا الوفد. يومها ترك الشيخ الشعراوى الاخوان ولم يعد مرة اخرى .
وبعد قيام ثورة يوليو يتخذ الاخوان موقفا مساندا يدفع قادتهم ومفكريهم إلى الصمت عن حل الاحزاب وكتابة مقالات فى الصحف تحرض ضد الساسة القدامى وتؤيد ايقاف الدستور وكان من ابرزها مقالات سيد قطب فى روزاليوسف.
ولم تلبث أن انقلب عبد الناصر على الاخوان وساقهم إلى السجون والمشانق بعد أن لعبوا دور «سنمار « فى بناء دولته .
ويأتى انور السادات ليستعين بالإخوان فى مواجهة الناصريين واليساريين المعارضين، ويخرج الاسلاميون للعمل العلنى ويسيطرون على النقابات واتحادات الطلبة ثم لا يلبث أن يتم اغتيال السادات نفسه على أياديهم وسط رجاله .
لذا لم يكن غريبا على الجماعة أن تخاصم كل القوى السياسية الليبرالية وتتحالف مع المجلس العسكرى بعد ثورة 25 يناير وترفض المشاركة فى نصرة الشباب والثأر فى شارع محمد محمود ومجلس الوزراء ، بل تحرض ضدهم.
«تسييس الدين» لعبة الجبابرة لتصفية معارضيهم
![](http://cdn.alwafd.org/images/news/2002937284jsgfsdfsdi.jpg)
إذا كان الاسلام قد أزال سلطة رجال الدين عن السياسة، وأزال وسطاء الناس بالسماء، فإن البعض مازال راغبا فى استغلال الدين فى السياسة وهو ما يعرف مصطلحا بـ«تسييس الدين»، الذى يختلف تماما
عن مصطلح «تديين السياسة» الذى قصده بعض علماء الاسلام القدامى والمحدثين عندما كتبوا عما يسمى بـ«السياسة الشرعية».
إن «تسييس الدين» يعنى استخدامه كحصن لبعض القوى السياسية ضد المعارضة والنقد عن طريق اكساب الفعل البشرى « قداسة» زائفة.
ولاشك أن ذلك كان دافعا للامام محمد عبده أن يقول مقولته الشهيرة «اعوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن كل خيال يخطر ببالى من السياسة، ومن كل ارض تذكر فيها السياسة».
والمدهش ان تلك الظاهرة لم تستخدم إلا من خلال حكام ظلمة مستبدين يعانون ضعف الشعبية وكراهية الشعب طمعاً فى استجلاب تعاطف أو تأييد عن طريق التحصن بالدين. اما أصحاب الجماهيرية الشعبية فقد رفضوا رفضاً باتاً مبدأ «تسييس الدين» تقديراً لعظمته ورفعته وهو مثلا ما يجعل الدكتور محمد الجوادى، الباحث الشهير يقول فى كتابه الأخير عن مصطفى النحاس انه «كان مع ابعاد السياسة عن الدين، وليس ابعاد الدين عن السياسة».
وقديما استغل الجبابرة الدين فى صراعهم ضد قوى المعارضة. إن معاوية بن ابى سفيان مؤسس دولة بنى أمية يقول فى أول خطاب سياسى له: «إنى والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ، وإنما جالدتكم بسيفى هذا مجادلة».
ونجد زياد بن أبيه واليه على العراق يخطب يوما فى الناس فيقول: «أيها الناس إنا اصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا ، ونذود عنكم بفىء الله الذى خوله لنا »، وفى سبيل ذلك قتل آل البيت وشيعة على بن ابى طالب فى مختلف الاقطار .
ويقول الدكتور إمام عبد الفتاح فى كتابه الشهير «الطاغية» متحدثا عن يزيد بن معاوية :
أصبحت البيعة مجرد إجراء شكلي أقرب ما يكون إلى الاستفتاءات العصرية التي يجريها الرؤساء في بلادنا، وتكون نتيجتها ٩٩٬٩ % ولا أدل على ذلك من وقعة الحرة الشهيرة-تلك النقطة السوداء في تاريخ يزيد وما أكثر النقاط السوداء في تاريخه والتي باع فيها دينه وقتل فيها خلق من الصحابة وافتض فيها ألف عذراء. وكان قائد يزيد وقتها هو مسلم بن عقبة فكان يقتل من يقول «أبايعه على كتاب الله وسنة رسوله».
واستخدم عبد الملك بن مروان واحدا من أشهر وأسوأ محبى الدماء وسافكيها للقضاء على المعارضة السياسية وهو الحجاج بن يوسف الثقفى والذى سير الجيوش وقتل الشيوخ واهدر الدماء وانتهك الحرمات ولم يخش ربا ولم يجد رادعاً حتى صح عن عمر بن عبد العزيز انه قال «لو جاءت كل امة بظالميها وجئنا بالحجاج لفاقهم ظلما».
ومما ينقله الدكتور إمام عبد الفتاح عن أبى جعفر المنصور قوله : «أيها الناس أنا سلطان الله في أرضه أسوسك وكان من العجيب أن تتواتر الاخبار أن هارون الرشيد كان يصلى كل يوم مائة ركعة سنة لله وكان يحج سنويا ثم نجده يقتل وزراءه غدرا ويسفك دماءهم دون أى وازع من ضمير أو اخلاق أو دين!! بتوفيقه وتسديده وارادته وانا حارسه على ماله .»
وفى تاريخنا الحديث كم من الجرائم والمذابح ارتكبت تحت غطاء حماية الدولة للدين ! وكم من المعارضين قمعوا بزعم رفضهم حكم الله!!
إن السلطان فؤاد سعى فور سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال اتاتورك عام 1924 الى تنصيب نفسه خليفة للمسلمين على ما لديه من استبداد وفساد وسوء ادارة ، وهو ما دفع الشيخ على عبد الرازق الى التصدى له بإصدار كتاب «الإسلام وأصول الحكم» الذى استبعد فيه وجود شكل محدد للدولة فى الاسلام . وحاول الملك فاروق اختطاف شعبية الجماهير عند تنصيبه ملكا عام 1936 عن طريق مراسم دينية يحلف فيها الملك اليمين فى الازهر، وهو ما وقف ضده حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس قائلا «انه ليس لحرص على الاسلام منه، لكن الاسلام لا يمنح الحاكم سلطة روحية».
وكان الرئيس السادات أكثر حرصاً على استغلال الدين لمواجهة خصومه ومعارضيه، وكان أول ذلك اطلاقه مصطلح دولة «العلم والايمان» على دولته ، ثم اطلاق لفظ «الرئيس المؤمن» عليه فى وسائل الاعلام الحكومية وتمادى بعض أنصاره لدرجة الدعوة لاطلاق لقب «خامس الخلفاء الراشدين» عليه، وتلقيب البعض له بـ«الامام العادل» وهو ما كان موضع سخرية الداعية الاسلامى خفيف الظل المرحوم الشيخ عبد الحميد كشك والذى رد بأنه «ماحصلش عادل امام».
والغريب أن الرئيس السادات استعان بالآية الكريمة «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا» فى خطابه الذى أعلن فيه عن التحفظ على 1500 سياسى وعزل البابا شنودة ونقل بعض الصحفيين واساتذة الجامعات الى اعمال ادارية ! والاغرب من ذلك أن «السادات» نفسه هو صاحب عبارة الفصل التام بين الدين والسياسة عندما قال «لادين فى السياسة ولا سياسة فى الدين».
القتل باسم السماء..
اغتالوا «النقراشي» و«ماهر» و«الخازندار» وأسسوا تنظيماً لردع المعارضين
![](http://cdn.alwafd.org/images/news/774290025jfdghdfgr.jpg)