الدكتور رفعت رشوان أستاذ القانون الجنائي المشارك بكلية الحقوق جامعة بني سويف وكلية شرطة ابو ظبي

اتهمت النيابة العامة (س.م) انه بتاريخ 22/7/2005 بدائرة أبو ظبي قتل زوجته المجني عليها (أ.م) عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها ، وأعد لهذا الغرض أداة صلبة راضه ( سيخ حديدي وخرطوم بلاستيك) وما أن ظفر بها حتى انهال عليها ضربا على رأسها وعنقها قاصداً من ذلك قتلها . فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وطلبت عقابه طبق أحكام الشريعة الإسلامية والمواد 121/ 1، 332/2 و333/1 من قانون العقوبات الاتحادي .

محكمة أول درجة :  

وبجلسة 27/9/2005 حكمت محكمة الجنايات الشرعية بإدانة المتهم بجريمة ضرب المجني عليها ضرباً أفضي إلى الموت بخرطوم ، وعاقبته بالسجن مدة عشر سنوات مع الإبعاد .

محكمة الاستئناف :

استأنف المتهم الحكم ، كما استأنفته النيابة العامة، وبجلسة 30/4/2006 حكمت محكمة الاستئناف حضورياً  وبالإجماع بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بإدانة المتهم في استئناف النيابة بجريمة قتل المجني عليها عمداً عدواناً ومعاقبته بالقتل قصاصاً .

المحكمة الاتحادية العليا :

طعن المتهم في الحكم بالنقض ، وأيضاً النيابة العامة طالبة تأييد الحكم وتصديقه .

وتوجز الواقعة بالقدر اللازم في أن المتهم قد اعترف بتحقيقات الشرطة والنيابة العامة بأن المجني عليها بتاريخ الواقعة عاندته ولم تسمع كلامه ولا تعرف بعض الأمور الهامة، فضربها على وجهها مرتين وخرج، وفي المساء الساعة الحادية عشر ليلا عاد إلى المنزل وذهب ليشاهدها فوجدها في بلكونة المطبخ حاسرة الشعر ولم تغط رقبتها فغضب واعتدى عليها بالضرب في المطبخ بيده على وجهها ، وبعده سحبها من شعرها إلى الممر بجانب غرفتها وضربها بخرطوم الغاز الذي احضره معه عدة ضربات ،فحضرت زوجته الأخرى (م) لتبعده عنها،إلا انه واصل ضربها وبعدها ذهب للحمام ليستحم فأخبرته زوجته (م) بأن المجني عليها تبكي وتصرخ ، فذهب إليها وصرخ عليها بأن تسكت ، ورجع الحمام ، ثم خرج وشاهدها جالسة على الكنب ودخل غرفته ليلبس ولما خرج شاهدها ممددة بجانب الكنب وحاول أن يوقظها إلا أنها لم تتكلم وحملها وجس نبضها وأعادها وتفاجأ بخروج دم وبعده مادة صفراء من فمها فأبلغ الشرطة وعلم بوفاتها بعد نقلها إلى المستشفى ، وجاء بتقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليها جنائية ، والسبب المباشر للوفاة هو الإصابات الراضية بالرأس من تكدم بالمخ ونزيف بسحاياه التي أدت إلى توقف المراكز الحيوية بالمخ وحدثت بفعل المصادمة بشدة بأداة راضة أيا كان نوعها ، وقد استمعت محكمة الاستئناف إلى شهادة الطبيب الشرعي فشهد بان الضربات الموجودة بالرأس ليست من فعل المجني عليها بل من شخص آخر، وقد طلب ولى الدم القصاص أمام محكمة الاستئناف فكان الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل.

وأثناء نظر الطعن بالنقض تقدم أولياء الدم بمذكرة تفيد التنازل عن القصاص والحق الشخصي.

وحيث انه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن للمحكمة العليا أن تثير في الطعون المسائل المتعلقة بالنظام العام وان لم يثيرها احد من الخصوم ، وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة فان مؤدي المادتين 1 ،2 من القانون 3/1996 في شأن اختصاص المحاكم الشرعية ، والمادتين 1 ، 331 من قانون العقوبات الاتحادي ، أن جرائم القصاص تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية إذا ما توافر فيها شروط تطبيق عقوبة القصاص وأما إذا امتنع توقيع هذه العقوبة فانه يتعين معاقبة الجاني بالعقوبات التعزيرية المقررة في قانون العقوبات .

وإذ كانت المادة (13) من قانون العقوبات الاتحادي تنص على انه ( إذا صدر بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات قانون اصلح للمتهم فهو الذي يطبق دون غيره . وإذا صدر بعد صيرورة الحكم باتا قانون يجعل الفعل أو الترك الذي حكم على المتهم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية ما لم ينص القانون الجديد على خلاف ذلك . فإذا كان القانون الجديد مخففا للعقوبة فحسب فللمحكمة التي أصدرت الحكم البات- بناء على طلب النيابة العامة أو المحكوم عليه- إعادة النظر في العقوبة المحكوم بها في ضوء أحكام القانون الجديد)

وإذ عدل قانون العقوبات سالف البيان بالقانون 34/ 2005 الصادر في 31/12/2005 وعمل به من تاريخ نشره في 31/12/2005 ،حيث  نصت المادة 332/3 منه على أن ( تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى أو قبل تمام التنفيذ )

لما كان ذلك وكانت القضية متداولة أمام محكمة النقض ولم يصدر فيها حكم بات ، وأثناء تداولها قدم أولياء الدم مذكرة تفيد التنازل عن القصاص مقابل الدية .

لذلك حكمت المحكمة :

أولاً : برفض استئناف النيابة العامة

ثانياً : بقبول الاستئناف المقام من المتهم شكلاً وفي الموضوع بتعديل العقوبة المقضي بها عليه من الإعدام إلى حبسه مدة سنة ونصف السنة اعتباراً من 27/ 9/ 2005 تاريخ صدور الحكم المستأنف مع إبعاده بعد تنفيذ العقوبة المقضي بها .

تعليق :

وتعليقاً على قضاء المحكمة العليا يقول الدكتور رفعت رشوان أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية الحقوق جامعة بني سويف وكلية شرطة ابو ظبي انه إذا كان الأصل هو أن الطعن بالنقض لا يعتبر امتداداً للخصومة بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام، إلا أن اعتبارات العدالة قد تقتضي من المحكمة العليا أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لصالح المتهم وذلك عندما يتبين لها أسباب – غير ما وردت بتقرير الطعن – من شأنها إبطال الحكم، هذه الأسباب حددتها الفقرة الثانية من المادة (246 ) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي بنصها على أن " .... للمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت بالأوراق أن الحكم المطعون فيه مشوب بعيب يتعلق بالنظام العام أو مبني على مخالفة القانون أو على الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقا للقانون أو لم تكن لها ولاية الفصل في الدعوى أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون أصلح للمتهم يسري على واقعة الدعوى "

والواضح من الواقعة الماثلة أمامنا أن هناك قانون جديد في صالح المتهم صدر قبل الحكم البات في الدعوى خفض العقوبة المقررة للجريمة التي اقترفها الجاني فطبقته المحكمة العليا من تلقاء نفسها .

" لمزيد من التفاصيل حول فكرة القانون الأصلح  للمتهم راجع د. احمد عبد الظاهر ،رجعية القانون الاصلح للمتهم في القانون الجنائي الدستوري ،دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2004"

 

وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا في الواقعة الماثلة قد نقضت الحكم المطعون فيه وتصدت لموضوعه وهو الأمر الجائز لها إذا كان الموضوع صالحاً للحكم فيه إعمالاً لنص المادة (249) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي التي نصت في فقرتها الثانية على أنه :

( ... إذا قبلت المحكمة الطعن وكان الموضوع صالحاً للحكم فيه أو كان الطعن للمرة الثانية فإنها تتصدى للفصل فيه ولها استيفاء الإجراءات اللازمة أما في غير هذه الأحوال فتقضي المحكمة بنقض الحكم كله أو بعضه وتحيل الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ما لم تر دائرة النقض نظرها أمام دائرة مشكلة من قضاة آخرين أو تحيلها إلى المحكمة المختصة لتقضي فيها من جديد وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بحكم النقض في النقاط التي فصل فيها ...)  

المصدر: الدكتور رفعت رشوان
  • Currently 291/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
82 تصويتات / 3697 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2010 بواسطة justice

ساحة النقاش

law
<p>تنقصنا في العالم العربي ثقافة التعليق على أحكام القضاء، وأعني هنا التعليق الصادر من فقهاء القانون ورجالاته وليس المناقشة على صفحات الصحف اليومية من غير المتخصصين. ولعل هذا التعليق يكون بادرة طيبة نحو إثراء الفكر القانوني العربي ونحو لفت أنظار رجال القانون إلى أهمية تناول الأحكام القضائية بالتعليق والشرح والتحليل.&nbsp;وإلى الأمام دائما.&nbsp;</p>
law
<p>تنقصنا في العالم العربي ثقافة التعليق على أحكام القضاء، وأعني هنا التعليق الصادر من فقهاء القانون ورجالاته وليس المناقشة على صفحات الصحف اليومية من غير المتخصصين. ولعل هذا التعليق يكون بادرة طيبة نحو إثراء الفكر القانوني العربي ونحو لفت أنظار رجال القانون إلى أهمية تناول الأحكام القضائية بالتعليق والشرح والتحليل.&nbsp;وإلى الأمام دائما.&nbsp;</p>
law
<p>تنقصنا في العالم العربي ثقافة التعليق على أحكام القضاء، وأعني هنا التعليق الصادر من فقهاء القانون ورجالاته وليس المناقشة على صفحات الصحف اليومية من غير المتخصصين. ولعل هذا التعليق يكون بادرة طيبة نحو إثراء الفكر القانوني العربي ونحو لفت أنظار رجال القانون إلى أهمية تناول الأحكام القضائية بالتعليق والشرح والتحليل.&nbsp;وإلى الأمام دائما.&nbsp;</p>

عدد زيارات الموقع

14,150