استغراق المراهقين في النوم أيام العطلة الاسبوعية.. يؤخر تحصيلهم الدراسي
اضطرابات إيقاع النشاط اليومي تؤدي الى اعراض مماثلة لـ«الجت لاغ»
لفتت مجموعة من الباحثين الأميركيين أنظار المراهقين والمراهقات إلى مغبة تماديهم في النوم لساعات طوال في أيام عطلات نهاية الأسبوع، وقالت إن ذلك قد يكون أحد أسباب معاناة شهاداتهم المدرسية من تدني مستوى الدرجات فيها! وضمن فعاليات اللقاء السنوي لمجاميع رابطة المختصين بالنوم، الذي عُقد بمدينة منيابولس 13 يونيو (حزيران) الحالي، قال الباحثون من جامعة براون في بروفيدانس بولاية رود أيلند الأميركية، إن الذين يغطون في نوم عميق صبيحة يومي السبت والأحد، هم عرضة بشكل أكبر إلى تدني درجات شهاداتهم المدرسية مقارنة بالمراهقين الذين يُحافظون على وتيرة نظام نومهم اليومي المعتاد خلال أيام الأسبوع الدراسية.
لكن الإشكالية الصحية، عند النظر بموضوعية علمية، في نوم المراهقين أو المراهقات، هي أبعد من تحميلهم تبعات اضطرابات إيقاع ونظام نومهم اليومي التي تطول تحصليهم الدراسي ومستوى درجات شهادتهم، لأنهم وإن كان لهم دور في اضطرابات وتيرة وعدد ساعات نومهم عبر تماديهم في العبث غير المبرر أثناء النهار أو الليل، إلا أن ثمة تغيرات فسيولوجية طبيعية تطال في مرحلة المراهقة أنظمة عدة في أجسامهم، منها الهرمونية ومنها العصبية المركزية في الدماغ ومنها جوانب النمو الجسمي ومنها التغيرات النفسية والسلوكية لشخصياتهم في تعاملهم مع أنفسهم وفي تعاملهم مع الغير، وهي أمور تتطلب من الآباء والأمهات فهم تغيرات تلك الجوانب كما تتطلب من المراهقين والمراهقات تفهمها كي تسير الأمور المتعلقة بالنوم والاستيقاظ بطريقة لا تتأثر بها صحتهم ولا نفسيتهم ولا أداء واجباتهم العملية أو الاجتماعية.
ولذا فإن ملامتهم أو تعنيفهم على تأخرهم في النوم أو في الاستيقاظ صباحاً أو نومهم أثناء حضور ساعات الدراسة، هو سلوك غير حكيم من قبل الآباء أو الأمهات، أو حتى من قبل المُدرسين، لو أرادوا النظر إلى طلابهم وطالباتهم بعين التربية النفسية والرعاية الصحية، إضافة إلى التعليم، لأن المراهقين، كما تقول المصادر الطبية، يختلفون بشكل تام عن الأطفال الصغار وعن البالغين في وتيرة نظام إيقاع النوم.
* نوم وتحصيل دراسي وقالت ستيفاني كراولي، الباحثة الرئيسة في الدراسة من جامعة براون، إن المراهقين حينما يسهرون إلى أوقات متأخرة أثناء أيام عطلات نهاية الأسبوع فإنهم حتماً سينامون أوقاتا طويلة في صبيحة الأيام التالية. وكذلك لو أنهم حُرموا من النوم خلال أيام الأسبوع الدراسية، فإنهم سيُحاولون تعويض ذلك بالنوم لساعات طويلة أثناء العطلة الأسبوعية. وقالت إن هؤلاء المراهقين بسلوكهم هذا إنما يعبثون بوتيرة انتظام الساعة البيولوجية الموجودة لديهم في أدمغتهم. ويجعلونها بالتالي مبرمجة بطريقة مختلفة عن المعتاد. وهو ما يُؤخر نشاط منبهات الدماغ للاستيقاظ والذهاب إلى المدرسة في صبيحة أيام الاثنين من بداية الأسبوع. وبالنتيجة سيكون المراهقون في أسوأ حال عند إجبارهم على الاستيقاظ المبكر للذهاب إلى المدرسة. ويشعرون آنذاك بأنهم ليسوا في حالة ذهنية جيدة، ما يُؤدي إلى ضعف تحصيلهم العلمي أثناء ساعات اليوم الدراسي في بداية أيام الأسبوع.
وأضافت أن المراهقين بهذا الاضطراب المفتعل، في وتيرة نظام النوم اليومي، يُعرضون أنفسهم في الحقيقة لآليات مشابهة لتلك التي تحصل مع الإنسان عند السفر بالطائرة لرحلات ومسافات بعيدة، أي نشوء حالة من «جيت لاغ» خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدون ركوب أي طائرة على الإطلاق.
وتوصلت إلى هذه النتيجة بعد دراستها لوتيرة النوم ومؤشرات الساعة البيولوجية لدى مجموعة من المراهقين عند انتظامهم الطبيعي في النوم وعند تعريضهم لاضطرابات مفتعلة في نظام نومهم اليومي
وقالت إن أفضل طريقة للوقاية من الإصابة بحالة «جيت لاغ» نهاية الأسبوع، هي بالتأكيد على المراهقين والمراهقات الانتظام في وتيرة يومية من النوم والاستيقاظ المبكر طوال أيام الأسبوع. والعمل على إبقاء ذلك النظام في النوم حتى أثناء راحة أيام عطلة الأسبوع.
* ساعات نوم المراهقين وذكّرت الباحثة عموم الآباء والأمهات بأن الإرشادات الطبية لصحة المراهقين لا تزال تُصر على أن هؤلاء بحاجة إلى نوم تسع ساعات يومياً، وأثناء ساعات الليل بالذات. وذلك للإبقاء على مستوى جيد من صحة الجسم وللاقتدار على أداء الأنشطة اليومية، الذهنية والبدنية، بكفاءة عالية.
ومع هذه النصيحة الطبية بنوم المراهقين تسع ساعات يومياً للحفاظ على مستوى جيد من الوعي أثناء النهار، إلا أن الإحصائيات تُشير إلى أن 15% فقط منهم ينالون ذلك بانتظام يومي، وأن حوالي ثلثهم ينامون ست ساعات فقط أو أقل خلال أيام الأسبوع الدراسية.
والمتاعب المترتبة على هذا الحرمان تطال مستوى التحصيل العلمي كما دلت الدراسة الأميركية الحديثة عليه، ناهيك من التوتر والعصبية و«النرفزة» التي يتميز بها المراهقون بالأصل. كما تطال ارتفاع احتمالات ارتكاب الأخطاء في أداء الأمور التي تتطلب مستوى عاليا من الوعي والمهارة كقيادة السيارة، التي يُمارسها كثير من المراهقين بعيداً عن رقابة الوالدين، أو الدراجة بنوعيها الهوائي أو الناري.
ولعل أبسط الأمثلة هي الإحصائيات العالمية حول حوادث الطرقات، حيث تشير تقارير الإدارة القومية لسلامة الطرق السريعة (الهاي وي) بالولايات المتحدة إلى أن حوالي 1500 شخص يموتون سنوياً فيها بسبب الحوادث التي تنتج عن قيادة منْ هم بين سن 15 و 24 سنة، وذلك لأنهم كانوا مُتعبين ويشعرون بالإرهاق حال قيادتهم للسيارة أوقات الحوادث المميتة تلك.
* ساعة بيولوجية مختلفة
* وما تقوله المصادر الطبية هو أن المراهقين والمراهقات يمرون في مرحلة انتقالية من النواحي الجسدية والنفسية في تلك المرحلة من العمر، وأنه خلال أوقات تلك المرحلة غير المستقرة، يتم إعادة ضبط إيقاع الساعة البيولوجية لديهم، بحيث أنها من الطبيعي، في مرحلة المراهقة تلك، أن تقول للولد أو البنت: نم متأخراً واستيقظ متأخراً، أيضاً. هذا بخلاف نفس تلك الساعة البيولوجية التي تقول للطفل وللبالغ : نم مبكراً واستيقظ مبكراً، أيضاً.
والساعة البيولوجية للإنسان، الموجودة داخل تراكيب الدماغ، هي التي تُنظم حرارة الجسم وتضبط إيقاع النوم، وتتحكم في تغيرات وتيرة إفراز الهرمونات المتنوعة في الجسم. والعمليات البيولوجية الحيوية والنفسية التي تتبع دورة الـ 24 ساعة للساعة البيولوجية تُسمى بالإيقاع اليومي المتحول.
ولذا فإن لدى غالبية الناس ارتباط بين حرارة الجسم ووتيرة النوم، إذْ تبدأ حرارة الجسم بالارتفاع خلال الساعتين التي تسبق الاستيقاظ، ما يُسهل الاستيقاظ عملياً في الصباح. كما أن لدى غالبية الناس انخفاض طفيف في درجة حرارة الجسم في الساعات ما بين 2 إلى 4 بعد الظهر، ما يُسهل للبعض أخذ نصف ساعة كنوم خفيف. ثم لا تلبث حرارة الجسم بالارتفاع فيما بين 5 و 7 مساء، ولذا يصعب على كثيرين النوم اختياراً في تلك الفترة.
والسبب في هذا الاختلاف بين عمل الساعة البيولوجية لدى المراهقين عنها لدى الأطفال والبالغين هو أن لدى المراهقين يتم إفراز هرمون ميلاتونين في أوقات متأخرة من المساء مقارنة بالإفراز المبكر له لدى الأطفال والبالغين. وهو ما يجعل من الصعب على المراهق أو المراهقة النوم مبكراً. لأن الأطفال عموماً، والبالغين الذين يتبعون نظاماً طبيعياً في التعرض لضوء الشمس، ينامون في الغالب ما بين الساعة 8 و 9 مساء نتيجة للإفراز الطبيعي المنضبط لهرمون ميلاتونين، وتفاعل الساعة البيولوجية بشكل طبيعي مع الارتفاع المتدرج لنسبة هذا الهرمون في الدم. أما المراهقون أو المراهقات فإن الأمر يتأخر لديهم حوالي الساعتين بشكل طبيعي.
* عطلات نهاية الأسبوع.. ليست للتغلب على نقص النوم
* إن متطلبات أداء الواجبات الملقاة على المراهقين في تلك المرحلة، كزيادة المواد الدراسية وضرورات التفوق فيها، لأنها مفتاح نوعية مستوى حياة المستقبل لهم، مع زيادة الرغبة في ممارسة الأنشطة الرياضية أو الواجبات الاجتماعية والأسرية.. كلها تجعل وقت المراهق أو المراهقة أضيق من أن يتسع لأي شيء. ولذا نلحظ عبارة «أنا مشغول جداً» يكثر استخدامها من قبل المراهقين. وبإضافة إشكالية الانشغال الدائم، لضرورة أو لعبث، إلى إشكالية تأخر إفراز ميلاتونين أصلاً، فإنه يغدو من الصعب على هؤلاء المراهقين النوم مبكراً، وبالتالي يصعب عليهم الاستيقاظ مبكراً لا محالة.
وإذا ما أُضيف إلى هذا أن وقت حضور المراهقين إلى المدرسة هو نفس وقت حضور الأطفال الأصغر سناً إليها، فإن المراهق أو المراهقة التي تنام متأخرة عليها الاستيقاظ مبكراً للحضور إلى المدرسة بعد نوم 6 أو 7 ساعات فقط أي أقل بساعتين أو ثلاث مما يجب. ومع مرور الأيام، تتراكم المدة الزمنية التي يُحرم منها الجسم من أخذ كفايته من النوم، ما تتأثر به الصحة البدنية لهؤلاء المراهقين ومستوى تحصيلهم الدراسي، وغير ذلك.
ومحاولة كثير من المراهقين، التعامل مع هذه التغيرات بسذاجة لأنهم يُتركون وحدهم للتغلب عليها، خاصة مع عدم تفهم الآباء أو الأمهات للتغيرات الطبيعية لديهم في وتيرة النوم، وعدم مساعدتهم للمراهقين التعامل معها بحكمة، ويبدون بالتالي في لعبة شبيهة بمطاردة القط للفأر، حيث يُحاولون تعويض ذلك النقص في النوم خلال أيام الأسبوع الدراسية، من خلال النوم لساعات أطول أثناء عطلات نهاية الأسبوع، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً داخل الساعة البيولوجية، ويُبعدها حتى النظام الطبيعي غير المستقر لها خلال فترة المراهقة! ولذا يظل المراهق ينام لساعات أطول أو يقضي ساعات على السرير يتقلب بدون نوم، خاصة مع بدء لجوء المراهقين إلى المنبهات الموجودة في القهوة أو الشاي لمساعدهم في الحفاظ على مستوى، ولو أدنى، من اليقظة، لتزداد مشكلة النوم تعقيداً أكثر بدخول عمال المنبهات على الخط، كما يُقال
ساحة النقاش