جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
[6] فصل الخطاب
صفحة من كتابي: [نظرية النطق]
بقلم: يحيى محمد سمونة
3- صناعة المفاهيم
لا زلت أستعرض معكم أيها الأحباب مراحل صناعة و إنشاء المفاهيم حيث كنت توقفت معكم عند مفهوم الظلم الذي حاد و انحرف به أصحاب الأهواء عن حقيقته و جعلوا منه مطية لتحريك النفوس و الزج بها في أتون صراع مقيت بعد أن صنفوا الناس إلى ظالم و مظلوم و لا ثالث بين ذينك! حتى بات كل فرد من الناس يلبس جلد الضأن و يشتكي ممن ظلمه.
و إذن: لا بد من إعادة النظر في المفاهيم المتداولة في ربوع ثقافة هذه الأمة لعل ذلك يكون بداية انطلاقة لمجد جديد و راق لها.
تبين لنا من منشور سابق أن المرحلة الأولى في صناعة المفهوم هي التفريق في استعمالات الاسم عند العرب متى يكون على الحقيقة، و متى يكون على المجاز ؟ [قلت: يستعمل الاسم على الحقيقة حين يطابق الاسم المسمى من حيث الخصائص الملازمة له يوم أن تعلم آدم ـ عليه السلام ـ ذلك الاسم و ما يلازمه من خصائص ذاتية، بينما يستعمل الاسم على المجاز حين يراد التأكيد على خصيصة بارزة في المسمى لكنها ليست من أصل وضعه؛ و مثال ذلك كلمة /ظلم/ التي تعني في أصل وضعها الولوج في ظلمة ـ بخلاف النور ـ ثم استعير هذا اللفظ و أطلق بشكل مجازي على امرئ وضع الأمور مختارا في غير مكانها الصحيح فكأنه بذلك أقحم نفسه في ظلمة و ظلام و كان بمقدوره أن يتجنب ذلك! حتى غدا ظالما ـ أي: غدا يكتنفه الظلام من كل جانب ـ فالظلم إذا كلمة مجازية تعني الولوج طواعية في ظلمة
و لئن كانت الحكمة عند العرب تعني وضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن الظلم بذلك يكون خلاف الحكمة! و هذا يعني أن كل فرد منا ما لم يكن حكيما و يعرف كيف يسلك سلوكا سويا و سديدا فهو إذن: الظالم لنفسه!
و على هذا فالخطوة الأولى لصناعة المفهوم هي التفريق متى يكون الاسم على الحقيقة و متى يكون على المجاز في استعمالات العرب
الخطوة الثانية: الخروج بصيغة توافقية عندما يكون للكلمة الواحدة ذات الجذر الثلاثي المشترك أكثر من معنى أو أكثر من دلالة و مراد، فمثلا يقول ابن فارس معجم المقاييس في اللغة في مادة /ظلم/: الظاء و اللام و الميم أصلان صحيحان: أحدهما خلاف الضياء و النور ، والآخر وضع الشيء في غير موضعه تعديا. قلت: فمفهومنا للظلم أنه من الظلام الذي هو بخلاف النور ، ثم لما تعدى الظالم بفعله جادة الصواب فكأنما اختار لنفسه طريقا مظلمة
و كتب: يحيى محمد سمونة. حلب