كان لي صديقٌ يعاني من قلةِ الوقتِ وكثرة الأشغال ، وكان لديه هاجساً بأنه لن يستطيعَ أن ينجزَ شيئاً ويُعطِيه حقه على الوجه الأكمل .

شاهدته مرة في مقهى وعلى الطاولة أوراقٌ منثورة ومليئة بالخطوط والإشارات بالقلم الملون .

وإلى جانبها قائمة طويلة باحتياجات البيت ، ومشتريات الأطفال للموسم الدراسي وفواتير متعددة .

سألته ماهذا ؟ 
قال ألم أخبرك من قبل بحالتي ، وأشعر بالتقصير في عملي على حساب بيتي ، وأحيانا أشعر بالتقصير في حق والدي على حساب أبنائي ، وأشعر أحيانا أخرى بالتقصير في أمورِ آخرتي على حساب دنياي .

صديقي العزيز يشعر بالضياع والتشتت والتوهان ، فيضرب أخماسا باسداس … لماذا ؟

وكيف يسير حياته بحيث يفتخر بانجازه دون ان يشعر بوخز الضمير حين يتذكر بأنه انجز على حساب تقصيره في حق شيء ما أو شخص ما أو موقف ما .

لكل إنسان عدد من الشخصيات المخبوءة في داخل نفسه … فأنت مثلا موظف ، ورب أسرة ، وعضو النادي الرياضي ، وتمارس الكتابة ، وتطمح أن يكون لك عمل تجاري إضافي لزيادة دخلك .

أي أن لك خمس شخصيات متنوعة . ولكل جانب من جوانب حياتك هذه متطلبات من الاهتمام والوقت والجهد .

فهل يسمح وقتك أن تؤدي وظيفتك بجدارة ، وان تعطي زوجتك وأولادك حقهم من الرعاية والاهتمام ، وان تمارس رياضتك المفضلة ، وان تكتب وتكون كاتبا مجيدا ، وان تقوم بعمل تجاري إضافي لحاجتك إلى دخل إضافي ؟

إذا كنت تعطي كل ذي حق حقه من هذه الشخصيات الخمسة الموجودة في داخلك ، ولا تشعر بأنك ( موزع ) ، أو انك في صراع داخلي ، فانك في حالة انسجام .

ولكن في الحالات كثيرة لايكون الأمر كذلك .

وهنا نقول بان الإنسان هو في حالة عدم انسجام ( مع النفس) . فيصبح موزع الفكر ، مشتت الضمير ، كلامه غيرمطابق لسلوكه ( لم تقولون ما لا تفعلون ) . وإذا كان الانسان في حالة عدم انسجام داخلي فان فاعليته تكون ضعيفة .

ويمكن هنا أن يسأل المرء نفسه : ماهو الهدف الذي اريد تحقيقه ؟

لان حالة الانسجام أو عدم الانسجام مرتبطة ارتباطا وثيقا بالهدف ، فهل يريد هذا الإنسان أن يكون موظفا ناجحا ، أو أبا ممتازا ، أو رياضيا لامعا ، أو كاتبا شهيرا ، أو تاجرا مرموقا ؟ ربما يكون الجواب أنه يريد ذلك كله .

  أن الاعتقاد والقيم تهيمن على حياة الإنسان ، وربما تؤدي إلى نشوء الصراع بينه وبين الآخرين .

فالقيم تحدد ماهو هام بالنسبة لنا .

وينشأ الصراع إذا أصررنا على أن ما هو هام بالنسبة لنا هو هام بالنسبة للآخرين كذلك .

كذلك يمكن أن تتولد حالة صراع داخلي في نفوسنا بسبب قيم غير متجانسة نؤمن بها ..أي أننا نكون أمام خيارات ( صعبة ) .

هل أفعل هذا الأمر ، أم لا أفعله ؟ 
هل أذهب لممارسة رياضتي المفضلة ، أم أزور أصدقائي ؟ هل أساعد هذا المحتاج ، أم أدخر المبلغ الذي لدى ؟ هل أتزوج هذه المرأة التي احبها والتي هي من عائلة أو مجتمع مختلف ، أم لا ؟ .

هل حصل أنك قمت من مكانك لفعل شئ ، كأن تريد الاتصال بالتلفون مثلا ، وقبل أن تدير الرقم ، وربما بعد أن أدرت الرقم ، غيرت رأيك فأوقفت المكالمة ؟ أو أنك تذهب بسيارتك إلى مكان معين ، وقبل وصولك تستدير راجعاً ؟ تلك هي أجزاء في نفسك لها آراء مختلفة فيما تفعله . 

أجزاء متعددة نجد في القران الكريم وصفا لثلاثة أنواع من ( النفس ) : النفس الأمارة والنفس اللوامة ، والنفس المطمئة .

وقال الزهاد والعباد إن هذه الأنواع الثلاثة موجودة ، بدرجات متفاوتة ، لدى كل إنسان . وكانوا يوصون في وعظهم أن يحاور الإنسان النفس لأمارة ليردعها عن سوئها .

يمكن أن يكون لدى الإنسان تسعة أجزاء في داخل نفسه يتعامل معها ، وجزء واحد خارجي في الوقت نفسه . ويعتمد عطاء الإنسان وفاعليته على مدى انسجام أجزائه الداخلية .

ولكن كيف يعلم الإنسان أنه في حالة انسجام أو عدم انسجام ؟ تذكر وقتا كنت فيه مترددا بين أمرين احضر في ذهنك تفاصيل ذلك الوضع .

ماذا ترى ، وماذا تسمع ، وماذا تحس به مما يجعلك مترددا ؟ تلك هي إشارة عدم الانسجام . ربما كانت صورة تراها في ذهنك ، أو صوتا تحدث به نفسك ، أو يحدثك به أحد ، أو شعورا وإحساسا معنيا . تذكر أحداثا وحالات أخرى مشابهة لتتأكد من طبيعة إشارة عدم الانسجام . كذلك هناك إشارة اللانسجام يمكنك التعرف عليها بالطريقة ذاتها .

إشارة الانسجام : إن اكتشاف إشارة الانسجام أو عدم الانسجام لدى الآخرين يساعد على التعامل معهم بسهولة . إذا كنت بائعا يمكنك معرفة الجزء الذي يرفض الصفقة لدى المشتري .

فإذا كنت تعرف إشارة الرفض ( وهي إشارة عدم الانسجام لدى المشتري ) فيمكنك التغلب عليها ، وبالتالي تحقيق الصفقة .

إن نجاح رجال المبيعات يتوقف على معرفة إشارة الموافقة أو الرفض لدى المشترى . وقد يظهر عدم الانسجام هذا لدى المقابل في تعبيراته .

فعندما يقول لأمر نعم يقوله بصوت منخفض يفهم منه التردد ، وتبدو قسمات وجهه غير مستبشرة لهذا الأمر .

وعندما يهز رأسه كعلامة على الموافقة تكون الهزة بطيئة وخفيفة وربما يكون معها ( اممم ……) انسجام الاجزاء يعني اتفاقها على الحصيلة ماذا يعني انسجام الأجزاء في داخل النفس ؟

انه يعني انه يعني انسجامها أو اتفاقها على ( الحصيلة) ومن دون تحديد للحصيلة لن يكون هناك انسجام .

الحصيلة هي الهدف النهائي الكبير الذي تسعى أليه ( أو يجب أن تسعى أليه ) الأجزاء كلها .

لكن في بعض الأحيان لا تكون جميع الأجزاء متفقة على الحصيلة ، فيكون هناك عدم انسجام . هل تعدد الأجراء ( أو الشخصيات ) هو نوع من أنواع انفصام الشخصية ؟

الجواب : لا لأن تعدد الأجزاء هو من خصائص الطبيعة البشرية التي خلقها الله ،  إن تعدد الشخصيات هو أمر طبيعي ما دام كل جزء على علم بوجود الأجزاء الأخرى .

أما انفصام الشخصية ، فهو الحالة التي يكون فيها جز من الأجزاء لا يعلم بوجود الأجزاء الأخرى .

وفي الختام لو سأل صديقنا نفسه او اي منكم اعزائي القراء سأل هذا السؤال ؟

بما انه لدي اجزاء ، فلم لا اتفهمها واتقبل رغباتها واحدث بينهما انسجاما وتعايشا وتفاهما اخرج منه براحة ضمير وراحة بال وسعادة لاني حققت اهدافي بدون تعارض ولا تناقض ولا صراع ولا تحدي .

journaliste

من أجلك ..دائما نبحث عن الحقيقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2014 بواسطة journaliste

الصحفي الاستقصائي

journaliste
دائماً نبحثُ عن الحقيقة من أجلك »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

26,540