مع اللواء/ رضا يعقوب ايمن بحر يبدو أن إشتياق النقيب سعيد نقرش (أبو جمال) للقاء إخوانه، كان أقوى من إحتياطاته الأمنية التى يتخذها منذ أن وجه الجهاديون له تهديداً قبل أشهر. نقرش وهو من أوائل المنشقين عن الجيش السورى النظامى قاد لواء عسكرياً يطلق عليه "شهداء الإسلام" فى داريا، إحدى ضواحي دمشق، بدأ كفصيل لحماية المتظاهرين السلميين من السلطات السورية. لاحقا أصبح نقرش مدير المكتب السياسى للواء "شهداء الإسلام" في الشمال السورى، وشارك فى محادثات إستانة التى ترعاها تركيا وروسيا وإيران. لكن مقاتلى اللواء، وحتى اللجنة المدنية، أخرجت الى تركيا الآن. ويبدو أن نقرش دفع ثمن مشاركته فى المحادثات، فما أن عبر الى ادلب من تركيا للقاء أقاربه، حتى تم إختطافه فى الخامس والعشرين من ابريل/ نيسان من العام الجارى. ويعتقد "أبو وائل" (مؤيد حبيب) الذى ترأس اللواء لاحقاً، وكان مطلعاً على مفاوضات الإفراج عن رفيقه، يقول إن "هيئة تحرير الشام" تقف وراء خطفه. الهيئة أنكرت ذلك، فى بيان نشرته على الإنترنت، لكن أبو وائل يقول إن مكان إختطافه (سرمدا) هى منطقة نفوذ للجبهة، على اطراف المحافظة. منذ أن بدأت عملية إجبار المسلحين، والمدنيين فى حالات كثيرة، بالإنتقال الى ادلب فى الشمال السورى، تحولت المحافظة التى تضاعف عدد سكانها الى مليونين ونصف تقريباً، الى مراكز قوى ونفوذ لفصائل المعارضة. نأى "لواء الإسلام" بنفسه عن التفاوض المباشر حول مصير النقيب المخطوف، وبدأت المفاوضات مع أشقائه، ولكن بإطلاع أبو وائل، يقول أبو وائل: "بدآنا التواصل مع كافة الفصائل، وقد أنكر أبو محمد الجولانى القائد العام للجبهة وجود أبو جمال لديهم". ومع إستمرار غياب أى معلومات "فتح الهاتف الجوال لنقرش، وظهرت الإشارة، بأنه فى مركز مدينة إدلب، التى تخضع لسيطرة الجبهة"، ثم إختفت الإشارة، ومن ثم تم الافراج عن شخص آخر من داريا إختطف سابقاً، و"أفرج عنه لقاء 17 الف دولار"، هذا الشخص أكد لأبو وائل وأشقاء نقرش وجود النقيب المخطوف مع الهيئة، مشيراً الى أنه تعرض للضرب والإهانة هناك. يقول أبو وائل الذى التقيته فى مقهى إسطنبولى، يطل على مسجد الفاتح المشهور، فى منطقة بات الوجود العربى فيها بادياً بحكم تزايد عدد اللآجئين السوريين فيه: "سكرت الأبواب بوجهنا، العمل العسكرى لإنقاذ أبو جمال مستحيل فى ظل قوة الجبهة المهيمنة فى مناطق كثيرة من ادلب". هنا بدأت المفاوضات عبر شخص يدعى أنه وسيط، طالب الخاطفون بمبلغ 300 الف دولار أمريكى لقاء الإفراج عن القيادى فى الجيش الحر. تظهر التسجيلات التى إطلعت عليها بى بى سى، أن التفاوض أخذ أياماً، ليقبل الخاطفون بمبلغ 75 الف دولار، ويجرى التسليم فى إحدى مناطق الساحل. يدخل أحد أشقاء أبو جمال الى منطقة يحددها الخاطفون، وفى الليل يقترب منه أحدهم على دراجة نارية، ويأخذ المبلغ. فى اليوم التالى تم إطلاق سراح أبو جمال. تتراوح أسعار الفدى من 300 دولار الى 300 الف دولار، وفقاً لأحد المطلعين الذى فضل عدم الكشف عن إسمه. لدى الكثير من فصائل المعارضة إعتقاد بأن جبهة تحرير الشام تطلق مجموعات كتلك التى خطفت أبو جمال، وتنأى بنفسها عن تلك العمليات، خاصة وأنها تريد تقديم أوراق إعتماد للجارة الأهم فى الشمال السورى تركيا. تركيا التى نشرت نقاط مراقبة وصولاً للداخل السورى فى إدلب، باتت الضامن الأساسى لمناطق "خفض التوتر" هناك. لكن تركيا، كما يقول أورهان سالى، الصحفى المقرب من الحكومة التركية، "لن تفتح خطاً مع الجهاديين فنحن لا ننس من أساء لنا، والجهاديون آذوا الدولة التركية". لكن الجهاديين فى إدلب، يبقون الرقم الأصعب، فهم يسيطرون، على النقطة 106، حسب مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته. النقطة 106 تقع على الطريق الى إدلب من تركيا، "ومن يسيطر على هذه النقطة يسيطر على معبر باب الهوى من الجانب السورى"، يقول المصدر. يفرض "الجهاديون" رسوماً على الشاحنات، التى يتجاوز عددها 150 شاحنة بمعدل يومى، حسب مصادر رسمية تركية. الشاحنات التركية تفرغ حمولتها على المعبر، لشاحنات محلية، والأخيرة تضطر الى أن تدفع "الرسوم" للجهاديين. أبو محمد المقدسى، منظر الجهاديين الأشهر، يرى أن شرعيى الجبهة، باتوا يعتبرون التعاون مع تركيا - رغم علمانيتها وديمقراطيتها- خياراً أساسياً، بل ينظًرون لذلك الخيار. وكان المقدسى، وجه نقداً لتوجه جبهة تحرير الشام هذا، بشكل متكرر على قناته على التيلغرام. ويرى المقدسى أن الجولانى بات كـ "الغراب الذى حاول تقليد مشية الحمامة، لم يتقنها فحسب، لا بل نسى مشيته الأصلية". كان الجولانى قد فك إرتباطه بالقاعدة فى تموز/ يوليو عام 2016، وغير إسم النصرة الى الجبهة. وقد شهدت "جبهة تحرير الشام" خروجاً من قبل الأفراد الأقرب إلى خط تنظيم القاعدة، وتشكيل تنظيم جديد يعرف بإسم "حراس الدين". وبالمقابل أقدم الجولانى على إعتقال قيادات التنظيم الجديد، مثيراً ردة فعل غاضبة بين أوساط الجهاديين، والفصائل المسلحة فى المنطقة. ويسعى تنظيم "حراس الدين"، الى إعادة ربط الجهاديين فى سوريا، بتنظيم القاعدة، بزعامة أيمن الظواهرى، ومسئول الفرع السورى للتنظيم نجل أسامة بن لادن، حمزة. لكن إحتجاج الأفراد الجهاديين على إعتقال قيادات "حراس الدين"، "دفع الجولانى الى التراجع وإطلاق سراحهم خشية فقدان شرعيته"، حسب المحلل والناشط السورى أحمد أبازيد، المقرب من المعارضة السورية. ويقول أبازيد إن الجولانى "بات يقدم خطاباً جديداً يحاول من خلاله تقديم بناء جديد لا يخالف شرعيته الجهادية". "الجولانى يقدم الفوضى بديلا له أمام تركيا"، حسب أبازيد، الذي يرى أن الجولانى، حاول حتى التواصل مع الأمريكيين عبر منظمات إنسانية تعمل فى الشمال السورى. ووضعت الولايات المتحدة "جبهة تحرير الشام" على لائحة الإرهاب مما دفع الجولانى الى العودة جزئياً الى تعميق شرعيته الجهادية، وأعاد تمويل "حراس الدين". وقال مصدر جهادى مطلع إن "حراس الدين" حاول مراراً دعوة جهاديى تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية الى التعاون معهم، "لكن تعنت قيادات تنظيم