فائز رشيد السالم
(لا وليَّ إلا علي.. نريد "حاكم جعفري")، بهذه العبارة التي لا تحتاج إلى تفسير لكي يَعرف القارئ مدى طائفيتها النتِنَة، افتتَحت العصابات الغوغائية التي تَحكم العراق اليوم ما تُسمى بـ "الانتفاضة الشعبانية" عام 1991م، مستغلة الظروف التي أتيحت لها بعد أحداث حرب الخليج الثانية، وكانوا يترنَّمون بهذه الأهزوجة بشكل فظيع ومثير للأحقاد والكراهية بين أبناء الشعب والمجتمع الواحد.
كانت شرائح كبيرة من الشعب العراقي ساخطةً على نظام الرئيس الراحل صدام حسين؛ لاعتبارات سياسيَّة تخصُّ أسلوب إدارة البلد، وزجه في الحرب تلوَ الحرب، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في العراق، إضافة إلى تحكُّم نجل الرئيس عديِّ بالأموال العامة، واستهتاره بكرامة الشعب في كثيرٍ من الأحيان، وكذلك ما كان يَبدر من بعض الأفراد المقرَّبين من عائلة الرئيس وغير هذا الكثير، ولكن لم يكن أي مِن أبناء الشعب العراقي الموحد يفكِّر بأسلوب طائفي مطلقًا، سوى الأحزاب والمليشيات التي نشأت وترعرعتْ في أحضان نظام الملالي والدجالين في إيران، فجاؤوا محمَّلين بكل ما تعلموه مِن أحقاد، وبكل ما رضعوه مِن ثدي الشعوبية من غل وكراهية، جاؤوا إلى العراق ليقيئوا قُرح أفكارهم المسمومة في أرض العراق جمجمة العرب، وبعد أن تكشَّفت نياتهم المريضة بهذه العبارة، نأى شعب العراق بكل مُكوِّناته من الشيعة والسنة والكرد والعرب والتركمان وغيرهم بنفسه عن هذا العمل، الذي يَستهدِف نظام الحكم بنظام طائفي خبيث، فاندحرَت فُلولهم، وفشلوا وخابوا، وكان في طليعة المتصدِّين لهم أبناء العشائر العربية من الشيعة في جنوب العراق، ليُقتَل منهم من قُتل، وليهرب من هرَب إلى أوكار الشرِّ والعمالة في إيران.
ومنذ عام 1991 م كانوا يُنظِّمون صفوفهم مرة أخرى متربِّصين بعراق الفاتحين العرب، حتى جاءتهم الفرصة باحتلال العراق مِن قِبَل أمريكا، وكانوا هم أدلاَّءها وأعوانَها، فوصلوا إلى الحكم مُتناسين كيف وصلوا، وليعيدوا لعبتَهم الطائفية الحاقدة في العراق، فيقعوا بأبناء هذا الشعب تقتيلاً وتهجيرًا وتفجيرًا، حتى بلغ السيل الزبى، وشعب العراق الذي حلَب صروف المنايا، وعجَم أعواد البلاء، أكبرُ مِن أن يرضَخ لجانٍ مُحتلٍّ، أو عميلٍ وغْدٍ، فقاوَم الاحتلال الأمريكي عبر فصائل المقاومة العراقية الوطنية المنظَّمة، فأجبرها على أن تسحَب القسم الأكبر من قواتها، ثم بدأ مرحلة ثانية من المقاومة تمثَّلت في الثورة الشعبية الجماهيرية؛ تمهيدًا لإسقاط نظام المحاصصة الطائفية، التي نصبَها المُحتلُّ لتُكمل تقسيم البلاد إلى أقاليم طائفية وتسليمه إلى إيران (الصديق المستتر للأمريكان).
واليوم يُتَّهم هذا الحراك الوطني المبارك بالطائفية، ومندعاة الطائفية أنفسهم، وكما يقول المثل العربي قديمًا: "رمتْني بدائها وانسلَّت"!
كيف تكون هذه الثورة طائفية وهي تطالب بالمساواة وعدم الإقصاء والتهميش والتعسف والإعدام بحق أبناء طائفة دون أخرى، وكيف تكون الحكومة وطنية وهي تَعدم من ينتمي لأي فصيلِ مُقاوَمة وطني لمجرَّد أنه من أبناء أهل السنَّة والجماعة، وإن كان بريئًا من دماء العراقيِّين، وناره كانت موجهة على الأمريكان فقط؟! وكيف تغضُّ هذه الحكومة الطرْفَ عن مقتدى الصدر وهو قاتل نجل أكبر مراجع الشيعة في النجف الإمام الخوئي لمصالح دُنيوية، ويداه ملطَّخةٌ بدماء العراقيين وإحراق مساجدهم؟!
وكيف تكون الحكومة وطنية وهي تنظِّم وتنسِّق وتدعم وتَحضر بنفسها وبممثلين عنها استعراض مليشيات مثل "عصائب أهل الحق"؟! في حين تعدم مَن يَنتسِب لفصيل مقاومة وطني؟! وليتها اكتفت بمن يَنتسِب، لقلْنا: شرفٌ لأمثال هؤلاء الرجال أن يُسجنوا في طريق التحرُّر والانبعاث الوطني والعربي للأمة، وفي طريق تمكينها لتأخُذ دورها الريادي في طليعة أمم العالم، ولكن الاعتقالات أخذت تطول الأبرياءَ من الشباب وكبار السن والنساء، والتصفية بواسطة القضاء المسيَّس في العراق شملت الشخصياتِ المحسوبةَ على أهل السنَّة فقط، ولم تشمل فاسدًا واحدًا من الأحزاب الطائفية الحاكمة؛ لأنهم يُريدونه جعفريًّا فقط وإن كان فاسدًا، وهذا ما قالوه بأفواههم، والإمام جعفر الصادق براءٌ منهم كبراءة الذئب من دم يوسف.
هل رفع الحراك الشعبيُّ في العراق شعاراتٍ طائفيةً؟
بقيت ثورة العراقيين سلميةً رغم كل ما أُريدَ لها أن تنجرَّ إلى العنف والاصطدام المسلح.
بقي أن نقول: إن الطائفي والعقائدي المريض المتعصِّب في العراق يعرف نفسَه جيدًا، والوطني في العراق والشريف يَمتلِك الثقة والإرادة الكافية لإنقاذ البلاد من شراذم الطائفيِّين والشعوبيِّين، طال الزمان أو قصر.