إبراهيم بن صالح الزهراني


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، والدين الحق الذي نسخ ما قبله، وهو صالح لكلَّ ما يأتي بعده، "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"، ومن طلب غير هذا الدين وأنظمته وتشريعاته الربانية فلن يهتدي إلى صواب، ولن يسير على هدى ورشاد، "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".

تلك الشريعة المباركة، والملة المهيمنة، والأمانة الثقيلة، بلغها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فأخذوا الكتاب بقوة، ورعوا الأمانة حق رعايتها، وسالت في سبيل ذلك دماؤهم، وجادوا لنصرتها بأموالهم وأهليهم، فأعز الله بهم دينه، ورفع بهم راية الحق، ومكن لهم في الأرض، وذلك ما تكفل الله به لكل من سار على أمره وشريعته "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا"، ثم حمل العلم بعدهم التابعون الأجلاء، ينافحون عنه، ويعلون رايته، ويؤدون الأمانة التي هم عنها مسؤولون، وهكذا الشأن في ديننا العظيم، نسير فيه على الاتباع لا الابتداع، وهذا الاتباع ليس تقليداً لأعيان العلماء وذواتهم، وإنما اتباع لما ينقلون لنا من العلم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فشأن العلماء عظيم، ومكانتهم عالية، إذ الدين يحفظه الله بهم، ويحصل البيان للناس بتبيينهم، ومن هذا الوجه كانوا ورثة للأنبياء، فالأنبياء كلفهم الله بالبلاغ، وليس أي بلاغ، بل بالبلاغ المبين "فهل على الرسل إلا البلاغ المبين"، وكذلك العلماء مأمورون بالبلاغ، وعدم الكتمان، ولذلك ذم الله أهل الكتاب لكتمانهم الحق فقال: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ"، قال ابن كثير -رحمه الله- بعد هذه الآية: "فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئا، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)".

وما كان هذا الوعيد الشديد إلا لعظم الأمر المتوعد عليه وهو الكتمان، لأنه يعتبر تغييباً لأحكام الشريعة، وإخفاء لها، ومن جانب آخر يشعر بالرضى بما يناقضها، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، بل قرر بعض العلماء أن الكتمان يجري في القبح مجرى الكذب، وبيان ذلك أن الكذب إخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه، والكتمان يؤدي إلى أن يكون الشيء عند المكلفين على خلاف ما هو عليه، فتقابل هو والكذب، فكلاهما تغيير للحقيقة وتبديل لها.

لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى معنى بديع في قوله عن عقوبة الله لكاتم العلم: "ألجمه الله بلجام من نار"، فشبه السكوت باللجام، واللجام مستعمل لقيادة الدابة وسياستها، وهذا الساكت عن الحق قد يمنعه عن الحق هوى متبع، أو حاكم مبتدع، أو غير ذلك مما يذم العالم به، وهو يسير خلف هذا المانع، فكان الجزاء على وفق العمل، إضافة إلى ما في اللجام من المناسبة الواضحة مع السكوت.

إن العلماء إذا سكتوا عن الحق ترتب على ذلك مفاسد عديدة، ومنها تقوية الباطل، والجناية على عموم المسلمين من حاكم ومحكوم، وفتح المجال أمام المتعالمين الذين غصت بهم القنوات والصحف، والرويبضات الذين هم أحقر من أن يتكلموا.

ويزداد الحمل ثقلاً على العلماء كلما تعاظمت الوقائع، وتفاقمت الأحداث، فتحدث الفتنة من سكوت العلماء لا من كلامهم، فلا يمكن للعلم الصحيح أن يؤدي إلى الفتنة المذمومة شرعاً، ولا يمكن أن يكون حكم الله وشرعه فيه حرج وعنت على المكلفين.

فإلى كل عالم جليل، لم يتدنس علمه بالمدنسات، ولم يخالطه دخن ولا ريبة، إني أعيذك بالله من لجام النار.

المصدر: صيد الفوائد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 3 إبريل 2013 بواسطة islammy7

إسلامي

islammy7
»

ابحث

عدد زيارات الموقع

180,030