موقع الدكتور نجاح

موقعنا منارة فكرية تهدف إلى تفعيل القيم الإيجابية من خلال التوعية وتقديم البديل العملي للقيم السلبية

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في مسألة الهدى والضلال

                                                       د/ نجاح عبد العليم أبو الفتوح

                                                     كلية البنات الإسلامية، جامعة الأزهر

 

خلاصة البحث

 

       يثبت القرآن الكريم، بما لا يدع مجالا للشك، أن الله هو الذي يهدي من يشاء

ويضل من يشاء، ومع ذلك يقرر مسئولية المكلفين عن أعمالهم  ، وقد يبدو هذا أمرًا محيرًا، في إطار عدل الله I، ويتبَدَّى إعجاز القرآن الكريم، فيما يتبَدَّى، فيما تقدمه آياته الكريمة من منطق محكم مُفحِم، وتناسق بديع، يثبت، ويبين عدل الله I الحق المبين في هذه المسألة.:

 

1- فيفند القرآن الكريم، بما لا يدع مجالا للشك، مزاعم الضالين لإسقاط مسئوليتهم عن ضلالهم

2-ويبين القرآن الكريم أن مشيئة الله عن علم، وحكمة.

3- ويتبين من آي القرآن الكريم أن هناك فارقًا بين إرادة الله I للشيء، والأمر به، والعلم، والرضا عنه.وفي هذا الصدد فإن إرادة الله I إضلال الضالين لا تعني أن الله أمرهم بالضلال، وفرضه عليهم، بل هم اختاروا الضلال، وأصروا عليه، فأراده لهم لأنه خالق كل شيء. كما أن علم الله المسبق باختيار الضالين لا يعني بحال أنه I فرض الضلال عليهم، وإنما هو سبق علم بما سيختارون، ويفعلون، بحكم علمهI الأزلي الأبدي.

4-كما أنه إذا استعرضنا في آيات القرآن الكريم صفات، وأفعال، من لا يهديهم الله I سنجد أنهم لا يستحقون الهداية،  ومن هؤلاء الظالمون، والفاسقون، والكاذبون، والكافرون، وأمثالهم.

5-وكذلك إذا استعرضنا صفات، وأفعال، من يهديهم الله I لتبين لنا أنهم يستحقون الهداية، ومن هؤلاء الذين اتبعوا رضوان الله، والذين جاهدوا فيه، والمحسنون، وأمثالهم.

6-وأخيرًا فقد بين القرآن الكريم أن الله I هو القادر القدير المقتدر، العزيز، العليم ، الحكيم، ومن ثم فلا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، ويندرج في إطار ذلك قدرته جل وعلا على أن يخلق خلقا تكون له من صلاحية، وقدرة، الاختيار ما يجعلهم  حقًا ،وعدلا، مسئولين عن أعمالهم، ويحاسبون عليها.

7- ولم يترك القرآن الكريم المكلفين بلا هاد أو مرشد، بل بين لهم في وضوح لا لبس فيه، وفي إجمال،  وتفصيل، جامع، معالم طريق الهدى، والرشاد، وذلك بترتيب معجز، على ما سنبين بمشيئة الله تعالى.

 

 

1/ مقدمة البحث

يقول الله I فى كتابه العزيز ) وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلـَكِن يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( [سورة: النحل – الآية : 93]

ونفس هذه المعاني تستفاد من آيات كثيرة من آي الذكر الحكيم، ولدى قصوري تملكتني الحيرة، كيف أن الله I يضل من يشاء ويهدى من يشاء ، ثم يقرر مسئولية المخاطبين عن أعمالهم؟

وفى أتون حيرتي أريت في المنام تفسيراً لذلك، ما أرجو أن يكون رؤيا صالحة، ثم هديت لأن أبحث عن تفسير لهذه المسألة في رياض القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكان نتيجة ذلك هذا البحث المختصر الذي يقدم مجرد تأملات رأيت من خلالها إعجازًا قرآنيا تَبدَّى، فيما تبدَّى، في المنطق المحكم المفعم، والتناسق والتكامل البديع بين آي القرآن الكريم، وكذا بين الآيات القرآنية الكريمة والسنة النبوية المشرفة، إيضاحًا، وتفصيلاً لهذه المسألة. وقد نظمت العرض طبقا للتقسيم التالي:

2/ التعريف بمفهوم الهدى والضلال لغة وشرعًا.

3/ معضلة الهدى والضلال.

4/ عدل الله I في مسألة الهدى والضلال.

5/ الطريق إلى الهدى في القرآن الكريم.

6/ نتيجة البحث.

7/ هوامش البحث.

2/ التعريف بمفهوم  الهدى، والضلال، لغة، وشرعا:

2/1 فأما الهدى، فإن له معان لغوية واستخدامات قرآنية عديدة نختار من بينها ما يتناسب مع موضوع بحثنا:

المعنى الأول: "يقول هداه الحق ونحوه، وإليه، وله: أرشده ودله عليه بلطف ودلالة من شأنها أن توصل إلى البغية، ويكون ذلك في الخير" و "تقول هديته للرشاد فاهتدى، وهديته إلى الرشاد فما ارعوى عن غيه".

المعنى الثانى: يقال "هداه إلى الإيمان: دله عليه وأدخله فيه ووصله إليه، وهذا للهدى المضاف إلى الله I، وأكثر ما يكون ذلك في مقابلة الإضلال، وهذا غالب الأمر، وقد وردت نصوص فيها الهدى من المعنى (الأول) ويصح أن يفسر به الهدى المنسوب إلى الأنبياء والكتب السماوية على المجاز فإنها أسباب لهذا الهدى إذا شاء الله ذلك"[i]

2/2 وأما الضلال: فإن له، أيضا، معان لغوية، واستخدامات قرآنية عديدة نختار من بينها ما يتناسب مع موضوع بحثنا:

فيقال أضله "جعله ضالاً، وأضله: وجده ضالاً، كما يقال:أحمدته،  وأبخلته، أي وجدته محموداً وبخيلاً، وبهذين المعنيين يمكن تفسير ما ورد من إسناد إضلال الضالين إلى الله I في مثل ) فَيُضِلّ اللّهُ مَن يَشَآءُ( [الآية: 4/ إبراهيم]،  ) وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ( [الآية: 33/ الرعد] ، فإضلال الله I على معنى الجعل هو: وضع جبلة الإنسان على أنه إذا راعى طريقاً محموداً كان أو مذموما ألفه ولزمه وتعذر صرفه وانصرافه عنه، ويصير ذلك كالطبع الذي يأبى على الناقل، والعادة طبيعة ثانية، وكل شئ يكون سبباً في وقوع فعل يصح نسبة الفعل إليه، فصح لذلك نسبة الضلال الناجم عن إلف الإنسان لعادته السيئة إلى الله الذي جعل فيه تلك الفطرة، فصحت نسبة الإضلال إلى الله على هذا الوجه، ولهذا البيان في الإضلال يُردُّ في القرآن ذلك الإضلال إلى الله، في الكافر، والفاسق، بإلفهما الضلال، ولم يرد في المؤمن بمثل )وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّىَ يُبَيّنَ لَهُم مّا يَتّقُونَ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( [الآية: 115/ التوبة] ومثل ) فَلَن يُضِلّ أَعْمَالَهُمْ *  سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( [4، 5 / محمد] ، وعلى هذا الوجه تقليب الأفئدة وحكمه على القلوب، وزيادة مرض القلوب المريضة، وهكذا ينتهي الأمر إلى أن الإضلال سببه ضلال الإنسان، فيحكم الله I عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به إلى نتيجة ذلك في الآخرة"[ii].

3/ معضلة الهدى والضلال

       تتبدى معضلة الهدى والضلال فيما أثبته القرآن الكريم، والسنة النبوية المشرفة من كون الله I هو الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ثم يقرر، مع ذلك، مسئولية المكلفين عن أعمالهم. وفيما يلي بيان لذلك:

 3/1 الله I هو الذي يضل من يشاء ويهدى من يشاء:

هذه حقيقة ثابتة بصريح نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع أهل الحق.فالقرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة في آيات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال الآيات ) أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ( [8/فاطر] ونظائر ذلك كثير من الآيات (213، 272/ البقرة)، (16/ الحج)، (35، 46/ النور)، (99، 100/ يونس).

كذلك فالسنة النبوية الشريفة تقرر هذه الحقيقة، ومن ذلك ما روى عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم، عن طاووس اليماني أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله e يقولون "كل شئ بقدر"، قال طاووس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله e "كل شئ بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز"[iii].

ومن ذلك أيضا ما ورد عن رسول الله e أنه قال "أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعون يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله I ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة"[iv].

وكذلك فمذهب أهل الحق "إثبات القدر، ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدَّر الأشياء في القِدم وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى"[v].

3/2  تقرير مسئولية المكلفين عن أعمالهم:

الله I هو المُقدِّر، الذي يهدى ويُضِلُّ، هذا ما هو ثابت بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع أهل الحق، كما بينا، وإلى جوار ذلك يقرر القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، مسئولية المكلفين عن أعمالهم.

فأما القرآن الكريم فيتضمن آيات عديدة تقرر هذه الحقيقة، ومنها ) لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( [51/ إبراهيم]، ) وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلـَكِن يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( [93/ النحل]، ) يَدَاوُودُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقّ وَلاَ تَتّبِعِ الْهَوَىَ فَيُضِلّكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِنّ الّذِينَ يَضِلّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ  ( [26/ ص]، ) وَإِنّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ  ( [44/ الزخرف]، ) بَلِ الإِنسَانُ عَلَىَ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىَ مَعَاذِيرَهُ ( [14-15/ القيامة]، ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ ( [7-8/ الزلزلة].

وأما السنة النبوية الشريفة، فمن ذلك ما روى عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن النبي e : "يقول الله I إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف"[vi].

4/ عدل الله  I في مسألة الهدى، والضلال

      من استقراء آيات القرآن الكريم تبَدَّى لنا التناسق، والتكامل، المحكم، والبديع، الذي يبين، ويؤكد، عدل الله I في هذه المسألة ، فيفند القرآن الكريم الحجج التي يتذرع بها البعض لإسقاط مسئوليتهم عن كفرهم، وعصيانهم ، ثم يبين القرآن الكريم أركان عدل الله I في هذه المسألة، وهي :

1- أن مشيئة الله I عن علم، وحكمة.

2- أن هناك فارقًا بين الإرادة، والأمر، والعلم، والرضا.

3- أن الله I يضل من يستحق الضلال.

4- أن الله I يهدي من يستحق الهدى.

5-  أن الله I يحب من هو أهل لهذا الحب.

6- أن الله عليم قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يستطيع أن يخلق خلقا لهم قدرة، وصلاحية الاختيار، وعلى نحو يكون فيه من العدل محاسبتهم على أعمالهم.

4/1 تفنيد حجج الضالين

يورد القرآن الكريم حججاً يتذرع بها البعض لإسقاط مسئوليتهم عن كفرهم وعصيانهم، ومن هذه الجج:

1-   إلقاء تبعة إشراكهم على آبائهم المشركين.

2-   إلقاء تبعة إشراكهم على مشيئة الله I .

3-   إلقاء تبعة كفرهم ومعصيتهم على آبائهم، والزعم بأن الله I هو الذى أمرهم بالكفر والعصيان.

وقد فند القرآن الكريم مزاعم هؤلاء القوم، فقد بين أن الله I فطر الناس على الهدى، وأخذ عليهم جميعا العهد بذلك وهم ذر فى ظهور آبائهم، ) وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوَاْ إِنّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنّا ذُرّيّةً مّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ( [172-173/ الأعراف].

كذلك فقد نفى الله I زعمهم بأن الله I أمرهم بما هم فاعلون من المعاصى، ) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ  ( [28/ الأعراف].

كما بين القرآن الكريم أن الله I قد جعل لهم وسائل الإدراك، وبين لهم طريق الهدى، والضلال  )قُلْ هُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ ( [23/ الملك]،  )أَلَمْ نَجْعَل لّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَينِ ( [8، 9، 10/ البلد]، ) إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ إِمّا شَاكِراً وَإِمّا كَفُوراً  ( [2، 3/ الإنسان].

وأخيراً فقد بين القرآن الكريم أن الله I أرسل للمخاطبين الرسل، وأنزل كتاب الهدى المبارك، وصَرَّف فيه الآيات ) يَامَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ *  ذَلِكَ أَن لّمْ يَكُنْ رّبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ( [130، 131/ الأنعام]، ) وَهَـَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتّبِعُوهُ وَاتّقُواْ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَن تَقُولُوَاْ إِنّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىَ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنّآ أَهْدَىَ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيّنَةٌ مّن رّبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن كَذّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوَءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ( [155، 156، 157/ الأنعام]، ) وَلَقَدْ صَرّفْنَا لِلنّاسِ فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ فَأَبَىَ أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً ( [89/ الإسراء].

وهكذا تتكامل، عدلاً وحقاً، حلقات مسئولية المخاطبين عن أعمالهم، فليس لأحد أن يلقى تبعة كفره وعصيانه على أحد، وليس لأحد أن يلقى تبعة كفره وعصيانه على المولى عز وجل، ) رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( [165/ النساء]، ) إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىَ وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـَكِن لّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَىَ مَنْ حَيّ عَن بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ( [42/ الأنفال]، ) وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَيْءٍ كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ( [21/ الطور]، يتحمل تبعة أعماله. فأسباب كفرهم، وعصيانهم، تكمن فيهم، وفى أعمالهم: في اتباع الشيطان الذي سول لهم وأملى لهم ) إِنّ الّذِينَ ارْتَدّواْ عَلَىَ أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشّيْطَانُ سَوّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىَ لَهُمْ ( [25/ محمد]، وفى اتباعهم أهواءهم ) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلَـَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ ( [23/ الجاثية]، وفى ظلمهم وبغيهم ) وَمَا تَفَرّقُوَاْ إِلاّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى لّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنّ الّذِينَ أُورِثُواْ الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ ( [14/ الشورى]، وفى غلبة كسبهم المعاصي على قلوبهم فصدئت وطبع عليها ) كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( [14/ المطففين] ، وفى استكبارهم ) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ مّفَصّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مّجْرِمِينَ( [133/ الأعراف]، وفى إعراضهم عن آيات الله I وتكذيبهم وجحودهم ) وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ( [132/ الأعراف]، ) وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( [14/ النمل]،  )وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ آيَةٍ مّنْ آيَاتِ رَبّهِمْ إِلاّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( [46/ يس].

4/2 مشيئة الله عن علم، وحكمة

     من يستقرئ آيات القرآن الكريم يلاحظ، بجلاء، أن مشيئة الله I إنما عن علم وحكمة ، وتثبت آيات القرآن الكريم هذه الحقيقة، ومن ذلك: ) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ  ](125 /النحل [ ،) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ](53/الأنعام[.، )وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نّؤْمِنَ حَتّىَ نُؤْتَىَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ( [124/ الأنعام]، ) وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( [231/ البقرة]، ) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنّىَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ الْمَالِ قَالَ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( [247/ البقرة]، ) وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّواْ وّهُمْ مّعْرِضُونَ(  [23/ الأنفال]، ) وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمينَ ( [95 البقرة]، ) فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ( [63/ آل عمران]، ) وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّىَ يُبَيّنَ لَهُم مّا يَتّقُونَ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( [115/ التوبة]، ) وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ( [30/ الإنسان].

     فمشيئة الله I ، إذن، عن علم وحكمة. يقول ابن كثير في تفسير آية ) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاّ يَسْمَعُونَ بهَآ أُوْلَـَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ( [179/ الأعراف]، "فإنه I لما أراد أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون، قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله e قال " إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء"[vii]، ويقول ابن كثير، أيضاً، في تفسير آية ) أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ( [8/ فاطر]، يقول ) فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ( أي بقدره كان ذلك ) فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ( أي لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره إنما يضل من يضل، ويهدى من يهدى لما له في ذلك من الحجة البالغة، والعلم التام، لهذا قال تعالى ) إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ([viii].

4/3 التفرقة بين الإرادة، والأمر، والعلم، والرضا:

     يبين القرآن الكريم أن كل شيء في الكون هو بإرادة الله I ،)وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( [30/الإنسان]، ولا ينفي ذلك أنه I يؤتي كل إنسان من الحرث الذي يريد، ) مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ( [20/الشورى]، فالله I لا يريد ظلما للعباد،        )وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَاد( [ِ 31/غافر]، بل يأمر I بالعدل، والقسط، ) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون( [َ 90/النحل]، ) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ................. (. [. 29 /الأعراف].

 وبين القرآن الكريم أيضًا أن الله لا يأمر بالفحشاء،       )إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون ( [َ 28/الأعراف]، ولا يرضى I لعباده الكفر، ) إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور( [ِ 7/الزمر].

والله I "قد يريد ويأمر كإيمان من علم الله منهم الإيمان، فإنه تعالى أراده منهم وأمرهم به، وقد لايريد ولا يأمر كالكفر من هؤلاء فإنه، تعالى، لم يرده منهم ولم يأمر به، وقد يريد ولا يأمر كالكفر الواقع ممن علم الله عدم إيمانهم، و كالمعاصي فإنه أراد ذلك ولم يأمر به، وقد يأمر ولا يريد كإيمان هؤلاء فإنه أمرهم به، ولم يرده منهم، وإنما أمرهم به مع كونه لم يرده منهم لحكمة يعلمها I ، لا يُسأل عما يفعل"[ix]. فالإرادة ليست عين الأمر ولا مستلزمة له، كما أنها ليست عين الرضا ولا مستلزمة له، فالإرادة قد تتعلق بما لا يرضى به الله I ، كالكفر الواقع من الكفار فإنه تعالى أراده (عن علم بعدم إيمانهم) ولا يرضى به، كذلك فإن الله I قد يعلم ولا يرضى، فيعلم بمعصية العصاة ولا يرضاها منهم، وقد يعلم ويرضى، فيعلم بطاعة الطائعين ويرضاها منهم.

وعِلْمُ الله I "صفة أزلية متعلقة بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات على وجه الإحاطة على ما هي به من غير سبق خفاء ... فيعلم الله I الأشياء أزلاً على ما هي عليه، وكونها وجدت في الماضي أو موجودة في الحال أو توجد في المستقبل أطوار في المعلومات لا توجب تغيراً في تعلق العلم، فالمتغير إنما هو صفة المعلوم لا تعلق العلم"[x].

 

4/4 يضل الله I من يستحق الضلال:

ومن هؤلاء: الظالمون، والكافرون، والفاسقون، والكاذبون، والمسرفون، ومن لا يؤمنون بآيات الله I ، ويجحدونها، كما يتبين من آي القرآن الكريم:

) أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّيَ الّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللّهَ يَأْتِي بِالشّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ( [258/ البقرة]، ) يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنّ وَالأذَىَ كَالّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاّ يَقْدِرُونَ عَلَىَ شَيْءٍ مّمّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ( [264/ البقرة]، ) كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوَاْ أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَآءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ( [86/ آل عمران ]، ) إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لّمْ يَكُنْ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً  ( [137/ النساء]، ) ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يَأْتُواْ بِالشّهَادَةِ عَلَىَ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوَاْ أَن تُرَدّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  ( [108/ المائدة]، ) إِنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( [104/ النحل]، ) أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرّبُونَآ إِلَى اللّهِ زُلْفَىَ إِنّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفّارٌ  ( [3/ الزمر]، ) وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ ( [28/ غافر].

هذا ونورد جانبا من آي الذكر الحكيم يبرز استحقاق الضالين بأعمالهم، ومن ذلك ) وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مّا يُؤْمِنُونَ ( [88/ البقرة]، ) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً ( [155/ النساء]، ) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ( [175، 176/ الأعراف]،  كَذَلِكَ حَقّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الّذِينَ فَسَقُوَاْ أَنّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [33/ يونس]، ) وَلَقَدْ مَكّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مّكّنّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَحَاقَ بِه مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( [26/ الأحقاف]، ) وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تّعْلَمُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمّا زَاغُوَاْ أَزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( [5/ الصف].

4/5 يهدى الله I من يستحق الهدى:

ومثلما سبقت مشيئة الله I ، ألا يهدى أقواما لا يستحقون الهدى، فقد سبقت مشيئته، عز وجل، أن يهدى أقواماً يستحقون الهداية. وتتعدد الآيات القرآنية الكريمة الدالة على ذلك، ونذكر منها: ) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ ( [16/ المائدة]، ) وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ( [27/ الرعد]، ) وَالّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ ( [17/ محمد]، ) وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ( [69/ العنكبوت].

وهكذا فإن الله I إذا هدى وإذا أضل (وإذا أحب وإذا أبغض وإذا فضل أقوام على أقوام) فهو العدل العليم الحكيم، مشيئته في خلقه عن استحقاق لذلك منهم، وهو يعلم من يستحق الهداية، ومن يستحق الضلال، فإذا ذرأ لجهنم كثيراً من الجن والإنس، وإذا طبع وختم على القلوب والأسماع وجعل على الأبصار غشاوة، فعن علم وحكمة واستحقاق، وهذا عين العدل، فالله I (إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى وليس بقبيح)[xi].

4/6 أحباب الله:

وانظر يا أخي إلى من يحبهم الله I ، ومن لا يحبهم الله I ، فيستبين لك استحقاق كل منهم لمشيئة الله I فيهم، فالله I يحب المحسنين، ) وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ ( [195/ البقرة]، والتوابين، والمتطهرين ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ ( [222/ البقرة]، والمطهرين ) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ ( [108/ التوبة]، والمتقين ) بَلَىَ مَنْ أَوْفَىَ بِعَهْدِهِ وَاتّقَى فَإِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ ( [76/ آل عمران]، والصابرين ) وَكَأَيّن مّن نّبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ(  [146/ آل عمران]، والمتوكلين ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ ( [159/ آل عمران]، والمقسطين ) سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ ( [42/ المائدة]، والذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مّرْصُوصٌ ( [4/ الصف]، والذين يتبعون الرسول e ) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ ( [31/ آل عمران].

والله لا يحب المعتدين ) وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ( [190/ البقرة]، والمفسدين ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيراً مّنْهُم مّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ ( [64/ المائدة]، وكل كفارٍ أثيم ) يَمْحَقُ اللّهُ الْرّبَا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّارٍ أَثِيمٍ ( [276 البقرة]، والكافرين ) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ فإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ ( [32/ آل عمران]، والظالمين ) وَأَمّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ(  [57/ آل عمران]، ومن كان خوانا أثيما ) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ خَوّاناً أَثِيماً  ( [107/ النساء]، والجهر بالسوء من القول ) لاّ يُحِبّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ( [148/ النساء]، والمسرفين ) وَهُوَ الّذِيَ أَنشَأَ جَنّاتٍ مّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنّخْلَ وَالزّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزّيْتُونَ وَالرّمّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ ( [141/ الأنعام]، والخائنين ) وَإِمّا تَخَافَنّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىَ سَوَآءٍ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الخَائِنِينَ ( [58/ الأنفال]، والمستكبرين ) لاَ جَرَمَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ( [23/ النحل]، وكل خوان كفور ) إِنّ اللّهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ ( [38/ الحج]، والفرحين ) إِنّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىَ فَبَغَىَ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْفَرِحِينَ ( [76/ القصص]، وكل مختال فخور ) وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( [18/ لقمان].

4/7 الله العليم القدير

     يبين القرآن الكريم أن علم الله I محيط، وقدرته مطلقة فلا يعجزه شيء في السماوات

المصدر: أبحاث الدكتور نجاح
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 1485 مشاهدة
نشرت فى 13 ديسمبر 2010 بواسطة islamicvaluessociety

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

17,077