ـ الهدف من النظام القانوني الجديد: يُنَظَّم استغلال منطقة قاع البحار والمحيطات وباطن تربته على أنها ميراث مشترك للإنسانية كافة A commen heritage of mankind وإن مبدأ التراث المشترك جديد في إطار القانون الدولي العام. وهو يعني أن الاستغلال الدولي للمنطقة المذكورة لمصلحة البشرية جميعها، بصرف النظر عن الموقع الجغرافي للدول، ساحليةً كانت أو غير ساحلية، بل تتمتع بهذا النظام الشعوبُ التي لم تنل بعد استقلالها الكامل أو غيره من أوضاع الحكم الذاتي. ويترتب على إقرار مبدأ التراث المشترك للبشرية انتفاء أي ادعاء بالسيادة على منطقة قاع البحار والمحيطات وما تحت قاعها. وكذلك يسقط أي دفع باكتساب أي حقوق على موارد المنطقة المذكورة؛ فتتساوى الدول والشعوب كافة في الانتفاع بالقواعد المقررة في هذا الشأن.

ومع إقرار مبدأ التراث المشترك للبشرية الذي يؤيد فكرة المساواة وعدم التفريق بين الدول فإن اتفاقية جمايكة راعت مصالح كل من الدول النامية والدول المتقدمة.

فأما بخصوص الدول النامية فقد ربطت الاتفاقية بين استغلال موارد المنطقة التي هي موضع التنظيم وبين التنمية الاقتصادية. وللمشكلات المتعددة التي تواجه الدول النامية فإن الاتفاقية حاولت أن تكفل لهذه الدول المشاركة في ثروات قيعان البحار والمحيطات من خلال مبدأ التراث المشترك وذلك بالعمل على ضمان حصول هذه الدول على نصيب من تلك الثروات والحيلولة دون إطلاق يد الدول الغنية في استغلالها؛ وضمان معاملة تفضيلية للدول النامية إلى جانب ضمان عدم إلحاق الضررباقتصاديات تلك الدول (مثلاً المواد 150 -144/2- 148-150).

وأما ما يتصل بالدول المتقدمة فإن اتفاقية جمايكة لعام 1982 أخذت بمبدأ الاستثمار الرائد لحماية الاستثمارات التي بدأت فعلاً في قيعان البحار وما في حكمها وذلك بالسماح للدول التي كانت قد باشرت نشاطها في تلك المناطق بمتابعة ما بدأت به بوصفها من الرواد في هذا المجال. وأهم شروط التمتع بفكرة «الاستثمار الرائد» أن يكون قد تم إنفاق مبلغ 30 مليون دولار على الأقل في هذه النشاطات قبل أول كانون الثاني 1983 وأن يتم التوقيع على الاتفاقية المذكورة من قبل الدول المعنية. إن هذا الامتياز ينطبق انطباقاً رئيسياً على الدول المتقدمة، وإن كان هذا لا يمنع من إفادة بعض الدول النامية ـ إذا توافرت لها الشروط ـ من هذا الامتياز، مع تأكيد استخدام المنطقة المذكورة في الأغراض السلمية حصراً؛ وأيا كانت مراعاة أوضاع بعض الدول فإنه يبقى أن اتفاقية جمايكة لعام 1982 قد استهدفت استغلال قاع البحار والمحيطات وباطن التربة لمصلحة البشرية بوصفها تراثاً مشتركاً لكل الإنسانية وأوجدت لتحقيق ذلك وسيلة فعالة هي إنشاء جهاز دولي يباشر الاستغلال المذكور.

4) الجهاز الدولي أو السلطة

أنشأت الاتفاقية الجديدة جهازاً دولياً يعرف بالسلطة الدولية لقاع البحار، يتكفل باستكشاف ثروات التراث المشترك واستغلالها بوضع القواعد المناسبة في هذا الشأن. فهذا الجهاز يدير لدى تشكيله موارد المنطقة، ويمنح تراخيص الاستغلال والدخول في مشروعات استغلال مشتركة. وتضم السلطة في عضويتها جميع الدول الأطراف في الاتفاقية وتتألف من ثلاثة أجهزة:

ـ الجمعية وتضم جميع أعضاء السلطة.

ـ المجلس ويضم 36 من أعضاء السلطة تقوم الجمعية بانتخابهم.

ـ الأمانة وهي الجهاز الإداري للسلطة.

ـ المؤسسة وهي الهيئة التي تقوم بمباشرة النشاطات من نقل المعادن في المنطقة وإعدادها وتسويقها أي مباشرة النشاط المادي.

ويلاحظ أنه بسبب إقرار مبدأ التراث المشترك للبشرية ولأسباب أخرى، تمنعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الأخرى المهمة عن التصويت والتوقيع على اتفاقية جمايكة، وهذا ما قد يعرقل سريانها ويحد من الفعالية المطلوبة لها. ذلك أن الاتفاقية أوردت نصا يمنع التحفظات عليها فإما أن تقبلها الدول كلها وإما أن ترفضها (المادة 309).

ثانياً ـ البحر الإقليمي (المياه الإقليمية) والمياه المجاورة

1) المياه الإقليمية

يطلق مصطلح المياه الإقليمية أو البحر الإقليمي على الجزء من البحر الذي يجاور إقليم كل دولة وتمتد إليه سيادتها. وخضوع المياه المجاورة لإقليم الدولة لسيادتها قديم ظهر في القرون الوسطى واستقر في القرن السادس عشر، سنده أن لكل دولة بحرية تجاه سواحلها مصالح حيوية يجب أن تتولى حمايتها من الأخطار التي تتعرض لها من جهة البحر. فالسواحل حدود للدولة في عرف كل الدول. فهي بذلك منطقة هجوم محتمل يجب أن تجهز بوسائل دفاع دائمة، ولا يكون هذا الدفاع فعالاً إلا إذا سيطرت الدولة على مسافة معينة من المياه المتاخمة لسواحلها. وليست هذه السيطرة ضرورة استراتيجية فحسب، وإنما هي أيضاً ضرورة اقتصادية وصحية؛ فهي أمر ضروري من الناحية الاقتصادية لمراقبة أعمال التهريب ومنعه، وللمحافظة على مصالح السكان في الصيد الساحلي، وجعل هذا الصيد وقفاً عليهم دون غيرهم. وهو أمر ضروري من الناحية الصحية لمنع اقتراب السفن الموبوءة أو التي يخشى منها على الصحة العامة من الاتصال بشواطئ الدولة تجنباً لانتقال العدوى منها إلى إقليمها. وهذا يفسر رغبة كل دولة بحرية في السيطرة على أكبر جزء ممكن من المياه المجاورة لإقليمها وإخضاعها لسيادتها وسلطاتها.
على أن استقرار فكرة المياه الإقليمية لم يتبعه استقرار القواعد القانونية التي تتصل بها، ومردّ ذلك إلى اختلاف وجهات النظر بشأن الكثير من هذه القواعد، والتطور المستمر في وسائل الهجوم والدفاع. وقد كان هذان الاعتباران سبباً في إخفاق الجهود التي بذلت في لاهاي سنة 1930 لإنجاز تقنين دولي خاص بالبحر الإقليمي، وظلا عقبة في سبيل وضع نظام ثابت لهذه البحار تتحدد فيه كل القواعد الخاصة به وتقبله الدول جميعاً وتلتزمه. صحيح أن مؤتمر البحار الذي عقد في جنيف سنة 1958 أقر اتفاقية خاصة بالبحر الإقليمي، لكن هذه الاتفاقية أغفلت المسائل التي كانت محل خلاف بين الدول وتركتها على حالتها، واكتفت بتدوين القواعد المستقرة التي لا خلاف بشأنها، فضلاً عن أن كثيراً من الدول التي أقرتها لم تصدق عليها، ولعل أهم ما يثيره موضوع البحر الإقليمي من نقاش هو أولاً تحديد طبيعة حق كل دولة على بحرها الإقليمي، وثانياً تعيين حدود هذا البحر ومداه. ولذا جاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982 لتحل ما كان عالقاً من إشكالات قدر الإمكان (المواد 2-33).

طبيعة حق الدولة على البحر الإقليمي: ينقسم الشرّاح في تحديد طبيعة حق الدولة على بحرها الإقليمي إلى فريقين، فريق يرى للدولة على هذا الجزء من البحر جميع الحقوق التي تمارسها على إقليمها ويعدّه امتداداً للإقليم داخلاً في ملكيتها وخاضعاً لكامل سيادتها. وفريق يرى أن البحر الإقليمي لا يدخل في ملكية الدولة كبقية أجزاء إقليمها، وإنما لها عليه فقط بعض الحقوق التي تقتضي سلامتُها ومصالحُها الدفاعية والاقتصادية والصحية مباشرتَها في هذا الجزء الملاصق لها من البحر.

ولعل هذا الرأي الأخير أكثر اتفاقاً من سابقه مع أصل فكرة البحر الإقليمي، فالغرض من إخضاع جزء من البحر لسلطانالدولة المجاور لها هو حماية إقليمها وشواطئها من الأخطار التي قد تهددها من جهة البحر، ويجب أن يكون سلطان الدولة على هذا الجزء من البحر بقدر ما يلزم لهذه الحماية ولا يتعداه، فالبحر الإقليمي لا يخرج عن كونه جزءاً من البحر العام، فالأصل أن يسري عليه ما يسري على البحار، وإخضاعه لسيادة الدولة المجاورة للاعتبارات المتقدمة استثناء من مبدأ حرية البحار، وهذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه إلى حد القول بتملك الدولة للبحر الإقليمي كأي جزء آخر من إقليمها. ويؤيد وجهة النظر هذه أنالدولة لا يحق لها أن تمنع المراكب الأجنبية من المرور في بحرها الإقليمي سواء في ذلك المراكب التجارية والمراكب البحرية، وأن هذه المراكب تظل خاضعة لقضاء دولتها في كل ما يقع على سطحها في أثناء هذا المرور، وليس للسلطات المحلية أن تتعرض لها خاصة في غير حالات محددة تتصل بالمحافظة على أمن الدولة أو سلامتها أو بسلامة الملاحة في مياهها، وهذه القواعد ثابتة متفق عليها بين جماعة الدول، وواضح أنه لا تستقيم معها فكرة اختصاص الدولة بالبحر الإقليمي، وعدها إياه جزءاً من إقليمها لها عليه من الحقوق ما ليس لغيرها.

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1087 مشاهدة
نشرت فى 7 فبراير 2011 بواسطة investmarine

ساحة النقاش

maha karamallah

investmarine
ماجستير فى العلاقات الدولية - كلية الحقوق جامعة عين شمس »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

33,637