د.ايمان مهران

أعمال تهتم بالإبداع والمبدع والتواصل الإنساني عن طريق الفن

الفخار فن وعلم إرتبط بحضارة وادي النيل، فهو يحمل ملامح الخصوصية المصرية، والتي وضعت أسس لمدرسة فنية عريقة عاشت مع المصري من البداية .

      والفخار يصنع من طينات سهلة التشكيل عندما تجف وتحرق تصبح صلبة وتكتسب صفات جديدة. 

     وتتميز مدرسة الفخار الشعبي المصرية بالتجريد والبساطة المحملة بالتعقيد ، فهو إسلوب سهل ممتنع ، يذكرك بجدران المقابر ذات الحفر الدقيق الذى يمثل قمة الإنسيابية والتبسيط ، وعظمة التقنية مع إكتمال المعرفة بفنون التشكيل.

      إن الفخار المصري هو فن تواصل طوال تاريخ حضارة وادي النيل ليحافظ على نمط ميزه ، وليعيش مترسباً في الطرز المختلفة للمنتجات الفخارية الشعبية المصرية.

  

والفخار الشعبى كمنتج تشكيلى من خامة الطين يصنعه الفخرانى بغرض تلبية حاجة الناس حاملاً رموز الشعب وقيمه ، وهو يمثل فى بساطة مجموع التراكم لمعتقدات الجماعة الشعبية .

 وهناك أسرار حول الحرفة، وأشكالها عاشت منذ القدم توارثها الحرفيون الفخرانية، بينما ظلت الوظيفة للشكل الفخارى هى سر استمراره كما عكست تقنيات الفخرانى تأثيرها على هذا الاستمرار.

 

 

الفخرانى :

إن صانع الفخار مشارك فى المناسبات الاجتماعية والدينية، فيشكل أشكالاً خاصة لكل المناسبات كل حسب المناسبة. فهذا إبريق المولود، وهذه مبخرة تمر عليها الأم فى السبوع، وهذا حصان وهذا ديك، وتلك عروس تحمل الفاكهة كل ذلك للبيع فى الموالد .

     وليس أدل على مكانة الفخرانى فى المعتقد المصرى القديم من أن المصريين القدماء عدوه هو الإله خنوم إلة الخلق الذي  يجلس على عجلة الفخار ليشكل الإنسان.

إن الفخرانى يتعامل دائماً فى حدود تشكيل الأوانى بحرص وبسرية لذا ظلت أسرار المهنة داخل أسرة الفخرانى يتوارثها أبناؤه..ونادراً ما يتعلم المهنة أحد من خارج الأسرة، فالأسرار لهذه المهنة غالباً ما تورث.

 

 

الفخار والحضارة الإنسانية

 

   كان لظهور الفخار بشكله الحالى قصة ما، لعبت فيها صدفة معرفة الحريق لهذا الشكل الطيني دوراً كبيراً فيها ، واستقرت مع الوقت طرق التشكيل والحريق وانتشرت كجزء من المعرفة الإنسانية.

  ولقد سجلت النقوش والعلامات على اتلسطح الطيني ليعكس كل مكان رموزه وعقائده على أشكاله الطينية سواء المنفذة بالخدش أو الحذف أو بالتلوين عليها بالأكاسيد الطبيعية.

   ومع تطور الإنسان وظهور الحضارات المختلفة تنوع إنتاج الفخار ليزود كل عصر باحتياجاته التى تخدم إنسان هذا العصر، لذا فقبل الكتابة دون التاريخ على الفخارمعارفه وفنونه ، وقبل الدين رسمت الخرافات ودونت المعتقدات على السطح الطينى.

    ولقد كانت حضارة الصين والهند والعراق ومصر من أقدم الحضارات الإنسانية التي تميزت في إنتاجها الفخاري ، ففي الصين عرف البورسلين والفخار الأبيض ، بينما في العراق وجدت قوانين حمورابي على ألواح طينية ، كما عثر على أدبيات  الآشوريين مدونة بالخط السومرى .أما في مصر فقد كان لوجود نهر النيل وإستقرار الإنسان المصرى على ضفافه الأثر في إزدهار تلك الصناعة وتميزها.

 

مدرسة الفخار المصري

كان للمدرسة المصرية في فن الفخار أهمية في ترسيخ السمات الفنية ذات الصلة بالحضارات المتنوعة التي عاشت في مصر ، وكان من الممكن لتنوع تلك الحضارات أن تؤثر بالسلب على الأسلوب الفني للففخار المصري ، ولكنها أثرته وأكدت على رموزه وإستوعبت رموز جديدة لتتآلف مع الإسلوب المحلي المميز للفخار المصري .

 إن الفخار المصري يمثل همزة الوصل بين العصور المصرية المختلفة ، وهو الموروث الحي بأغلب ملامحه رغم المدنية والحداثة .

      إن الوضع الحالى للفخارالشعبي في مصر لا يعكس هذا التاريخ العريق ، فالفخار الآن يقتصر إستخدامه على طبقات إجتماعية فقيرة، كما إنه لا يعبر عن مستوى المنتج التى كانت مصر قد بلغته فى السابق في العديد من مراحلها التاريخية  .

 

الفخار المصري والبيئة

         لقد وهبت مصر البيئة التى منحتها أنواع عديدة من الطينات ، والتى ساهمت فى تنوع المنتج الفخاري. بل إن التاريخ جعل من مصر والصين والعراق والهند مناطق تميز حضارى يعكسه فن الفخار كمنتج يعتمد إعتماداً أساسياً علي الطين المحلي .

       والطينات أنواع فهى (طينات جيرية، و وطينات كوالينية وطفل أبيض وغيرها ).. ويمكن خلط طينة بطينة أخرى للحصول على تركيبة طينية جديدة.

  أما الطينات المستعملة فى صناعة الفخار فى عهد المصرى القديم فهى (طمى النيل، وطينات قنا والبلاص والتبين)، أما الطينات المستخدمة حديثاً فهى طينات (أسوان وسيناء وقنا والمقطم وطينات خارجية). وهذه الأنواع ليست واحدة فى تركيبها وإنما تتفاوت إلى حد كبير فى طبيعتها، وفى المواد الغريبة التى تؤثر على لونها وعلى صلاحيتها لصنع منتجات الفخار والخزف([1]).

      وعن الفخار كمنتج يشكل ويحرق فقد إعتمد المصري على خامات بيئته لكى يصل إلى المراحل التقنية التي تميزت بها حرفية الفخار في مصر .

 فقد اكتشفت أول عجلة خزفية يدوية فى مصر القديمة، حين عثر على نموذج صغير مثل خزافاً أمام عجلة يشكل الأوانى، (وقد وجد هذا التمثال فى حفائر سقارة وهو من الحجر الجيرى وموجود الآن بمتحف شيكاغو) ولكنها الآن أصبحت كهربائية([2]).

وقد مرت عملية التسوية للمنتج الفخارى بمراحل بدأت من حفرة فى الأرض لتستقر الآن للفرن الكهربى. وفى الدولة القديمة فى سقارة وبنى حسن كانت هذه الحفرة مخروطية الشكل أو منشورية تبدو متسعة من أسفل، وتطبق من أعلى مثل صرح العمائد فى المعابد، وقد استخدم الخشب كمادة للوقود فى العصور الإسلامية وتطورت الأفران واستقرت على الفرن الكهربائى المعروف الآن للحرفيين([3]).

 

 

 

 

رؤية للتطور التاريخي لفنون الفخار المصري

 

 

فخار عصر ما قبل التاريخ (عصر ما قبل الأسرات)

 

  لقد  عثر علي الفخار فى أغلب المناطق ومنها المناطق التالية(1):

1- العمرى: تقع شمال حلوان ووجد بها (17) نوعاً من الفخار. 

2- ديرتاسا: وهى في أسيوط وتعرف الآن بساحل سليم ووجد بها(5) أنواع من الفخار.

3- الفيوم (أ,ب): وجد فى الفيوم فخار مصنوع باليد ومخلوط بالتبن.

4- مرمدة بنى سلامة: تقرب من القاهرة بـ (50) كيلو متراً ووجد بها نوعان من الفخار ذا اللون الأحمر والأسود ووجد بها نموذج من الفخار لقارب.

5- نقادة الأولى والثانية: وهى تقع بقنا ولها حضارة مستقلة ولها مائة نوع عرف (70) منها وظل (30) فى الجزء الذى يستجد من الاكتشاف. (رسم رقم1)

6- المعادى: ضاحية بالقاهرة وتميز فخارها بالشكل المنقوش بالرسوم الملونة بالأحمر ولها أرجل. 

7- سمانية: بلدة قريبة من نجح حمادى بقنا وتتميز بفخار ذى حافة سوداء وهو مصقول.

8- منشأة أبو عمر: وتقع قرب دسوق بكفر الشيخ وعثر على هذا الفخار عام 1981م وهو يتميز بأشكال عليها خطوط تشبه الموجودة على أشكال نقادة الأولى والثانية بقنا.

9-           البدارى: تقع في أسيوط وقد وجدت ستة أنواع فخارية([4]2)

 

الفخار فى مصر الفرعونية

وكانت للفخار منزلة فى مصر الفرعونية  حيث قدس الفراعنة (الإله خنوم) وهو على هيئة رجل ذي رأس كبش وقرون مزدوجة، ويمثل الإله الخالق للحياة والكائنات الحية فى معتقداتهم والذى كان يصور جالساً أمام عجلة الفخار يشكل عليه الإنسان من الصلصال ، وهو ما يعنى أن صناعة الفخار على العجلة عرفت فى مصر منذ العصور الأولى التى نشأت فيها هذه الأسطورة ؛ لذا يمكن أن نقول أن هذه الحرفة من أقدم الحرف التى عرفتها مصر.

ونلاحظ فى الأوانى المصرية القديمة المحفوظة بالمتاحف أن معظمها ليس له قواعد تستقر عليها وتنتهى بشكل مخروطى (كالزير الحالى)، وذلك لأنها كانت تثبت فى أرضية المنزل أو توضع على قواعد أو حوامل خشبية، وقد كانت الأوانى تتحلى بصورة محفورة أو ملونة(3).

أننا نستنتج من هذا ان الفخار استقر فى العصر الفرعونى، وأصبحت له ملامح خاصة مازالت أثارها موجودة على الإنتاج الفخارى الحالى. وتكاد ترى ملامح هذه الأشكال فى كثير من أدوات الطعام والتخزين التى تنتجها الكثير من المناطق الفخارية فى مصر.

 

الفخار الشعبي قراءة لملامح المكان

   يمثل الفخار لدي الأثريين قراءة للمجتمع المنتج له من حيث الصناعة والمستوى الإقتصادى وشكل الحياة فى كافة المناحي. فالفخار هو الأدوات المستخدمة في  الطعام والشراب والتخزين والعديد من أشكال الزينة، بالإضافة إلى كونه يحمل علماً من خلال التراكيب الكيميائية وخصائص  الخامة ومستوى الشكل والتصميم ، والوصول بالهدف النفعي بالتوازي مع الهدف الجمالى من الشكل الطيني يحتاج لعشرات السنين كي ينضج كشكل محمل بالقيم الجمالية .

    وهو ما يعكس عبقرية المكان التي تنتج الشكل و أهمية جمال التصميم للسطح الخارجي للفخار ، و الذى لم يكن أبدًا عفوياً بل هو نتاج مراحل مر بها لمئات السنين ليصل لمراحل متميزة في فنون التشكيل  ، ولكنه ما يلبث أن يعود ليهبط المنحنى بالمنتج الفخاري  لعوامل كثيرة ولكنه يرفض الإندثار .

   والفرق الدقيق بين ما هو مجرد مفيد أو صناعي هو أن الأولى تقدم إحساساً بالرضا المباشر ، على حين أن الأخيرة تقدم الوسائط لمباهج أخرى مرضية.([5])

 

الفخار الروماني

     إشتهرت الفنون  الرومانية بالمنتجات الفخارية ، وتركت مقابر كوم الشقافة دليلاً على تنوع المنتج الفخاري إبان هذا العصر ، وهى المقبرة الرومانية التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي ، وقد  نحتت في الصخر تحت الأرض وسميت بهذا الاسم نسبة الي “الشقف” وهو كسر الاواني الفخارية والتي كونت ما يشبه التل “الكوم” والسبب فيها العادة الرومانية القديمة التي كانت.واسم كوم الشقافة هو الاسم العربي الذي أطلق على المنطقة إحياءً للاسم اليوناني القديم .. وقد وجدت جرار لحفظ رماد الجثث بعد حرقها  .وتعتبر تلك المقبرة أكبر المقابر الرومانية عامة والتى عثر عليها و تقع هذه المقبرة الأثرية بمنطقة كوم الشقافة في حي كرموز و هي جزء من مدينة الإسكندرية القديمة.

 

عرائس التناجرا

تماثيل صغيرة مصنوعة من الطين المحروق، وترجع التسمية إلى وجودها بكثرة في منطقة بهذا الاسم قرب (بومبي)، وإنتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء الإمبراطورية اليونانية القديمة، ووجدت مجموع ضخمة منها في مصر، وهي تروي أحداثًا شعبية يومية ولها ألوان زاهية ولها زى طويل يصل للقدمين، ويوجد الكثير منها في المتحف الروماني اليوناني بالإسكندرية.. ([6])

 

الفخار القبطى

  

      إعتمد الفخار القبطى على الإستمرارية للأشكال القديمة التي كانت موجودة في مصر الفرعونية ، ولكنه حمل رموزاً إرتبطت بالعقيدة المسيحية ، والفن القبطي فن شعبى له رموزه ودلالاته الخاصة به والتى تجعله متفرداً بين الفنون الأخرى، وقد ترك أشكالً كثيرة إعتمدت علي الإستمرار في نفس طريقة التشكيل مع وضع عناصر ومفردات تتلاءم مع التشكيل وتعكس العناصر الرمزية في العهد القبطي، لتجد السمكة وعنقود العنب والصلبان وغيرها من الرموز القبطية التي تعب عن المعتقد المسيحي، ليصبح الفخار القبطي فن له خصوصيته التى تميزه كإسلوب وسط الأساليب الأخرى.

 

 

فخار العصر الإسلامى

وكان الخزف موازياً فى تقدمه لصناعة الفخار، والدليل على ذلك شبابيك القلل التى تشبه فى دقتها (الدانتيلا) شباك القلة يوجد بين بدن القلة ورقبتها والقلة تستخدم لشرب الماء حيث انتشرت في عهد الفاطميين والأيوبيين.وهى بالمتحف الإسلامى شاهداً على ازدهار الفخار الإسلامى.وقد حدث فى عهد العثمانيين الذى بدأ فى مصر من عام 1516م انحدار فى مستوى الإنتاج الحرفى بشكل كبير جاء نتيجة لهجرة الحرفيين والفنانين المصريين إلى تركيا بأمر من السلطان العثمانى([7]).

 

 

الفخار في دولة محمد علي

بعد إقامة (محمد على) لدولة مصرية حديثة لم ينل الفخار تقدماً، بل بدأ الخزف فى نهاية القرن (19) نهضة، حيث أنشأ (جونسون) باشا مصنع فى منطقة فم الخليج، وتبعه (ماثيو) بالإسكندرية مستعينا بخزافين يونانيين وخزاف فرنسى، واستمرت إقامة المصانع الخزفية بشكل فردى حتى بدأت هدى شعرواى فى إرسال بعثات دراسية إلى أوروبا. وكان أول المبعوثين (محمود صابر) والذى تعلم فى مصنع سيفر بفرنسا، ثم عاد لمصر ليدرس فى مدرسة الفنون التطبيقية فى قسم الخزف، وبعد فترة قصيرة نقل إلى مدرسة الصناعات الزخرفية ببولاق حيث أنشأ قسماً للخزف.

وفى أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، أرسل الفنان سعيد الصدر مبعوثاً لإنجلترا لتعلم الخزف فى (كلية كمبرول)، وكان له الفضل فى نهضة الخزف المعاصر فى مصر. وعندما عادت البعثات المصرية من الخارج بعد نهاية الحرب العالمية بداية من عام 1945م، كان من هؤلاء المبعوثين رائد فن الخزف ا.د. عبد الغنى الشال الذى أثرى المجال بخبراء وتوسع في نشر علوم الخزف الكيميائية على المستوي الإقليم العربي.

كما أقامت وزارة الثقافة بينالى دولى للخزف بدأ منذ عام 1992م وكان يقام كل عامين، وبشكل منتظم وصل عدد المشاركين فيه إلى (66) دولة وكان يعرض لفنون الخزف والفخار .

أنه من الملاحظ أن كل هذه المراحل التى تحدثنا عنها لمست فن الخزف أكثر من الفخار، وأن التواصل بين الفنان والأكاديمى وبين الحرفيين في مصر  يكاد ينعدم، ولذا ظلت خبرة الفخرانى التقنية هى التى توارثها فقط دون أى تغيرأو تنمية.

وقد رأى (ف.هـ.نورس)([8]) أن هناك تطوراً دورياً للفنون والحرف الفنية فى كافة المدنيات والحضارات العظيمة، قد اتخذت صوراً متماثلة حيث قسمها كالتالى:

أولاً: البدء بإنتاج الأدوات البسيطة الساذجة ذات الطابع النفعى البحت.

ثانياً: أدى تكرار الإنتاج لهذه الأدوات إلى تناسق أعظم فى المرحلة الثانية وأدخلت عليها زخارف بسيطة.

ثالثاً: بدأ اختيار المواد بدقة لتكون ملائمة للأستعمال وأصبحت الزخرفة أكثر شيوعاً وصارت النسب ممتعة للعين بقدر ما هى نافعة ومجدية.

رابعاً: استقر الأسلوب التقليدى وكثرت الزخارف وأنتج التقدم الصناعى الفنى خامات ومواد جديدة ووسائل شتى للتنفيذ العملى، وهذه قمة الإتقان وذروة التطور.

خامساً: بعد بلوغ القمة لابد من الانحدار، فذهبت البساطة والأمانة وصارت الزخارف أكثر تعقيداً.

سادساً: فى هذه المرحلة الأخيرة يبدو التدهور واضحاً، وتنعكس صوره فى الانحلال والمغالاة والمبالغة، وهذه نهاية عصر من العصور.

الفخار والحياة الشعبية

 

    طوال التاريخ المصري كان الفخار جزء أساسي من أدوات الحياة فهو يعيش كترجمة للعديد من الإحتياجات الضرورية للإنسان ، فقد كان مشاركاً فى الممارسات العقائدية وفي العادات الحياتية، وفي سد الإحتياجات الاساسية  من أدوات الطعام والشراب والتخزين والنقل للأغذية سوائل وحبوب، ليصبح الفخار شريك طوال العصور حتى وقتنا الحالى.

 

1. الفخار الشعبي وعادات الحياة اليومية

ويرتبط المنتج الفخارى بعادات الحياة كما سنجد في :

أ. الميلاد:

الحمل:

على سبيل المثال في محافظة قنا بجنوب مصر تسمع إنه عندما تفقد الأم جنينها (والذى فقد في شهور الحمل الإولى) فإنها تحتفظ به فى (قلة) بها حنة وذلك عقب تجفيف هذا الجنين فى الشمس ، حيث يتم وضع ملح وسكر عليه ولفه بشاش أبيض ، ثم يتم (نشر) القلة ووضعه فيها وإغلاق القلة عليه بعد جمع جزئيها بالجبس .

وعندما نحلل هذه الطريقة نجد أن القلة بديل الأرض وأن الاعتقاد فى الاحتفاظ بالجنين لإعادة استخدامه حين الحاجة إليه ، ففي حين تحتاج أى أمرأة من القريبات أو الصديقات أو هى نفسها لعملية الإنجاب وعندما تتأخر رغم المحاولات العديدة، فإنها تستعين بتلك القلة التى تحمل الجنين وتقوم بكسرها فى صباح نهار باستخدام جنيه ذهب وزيارة معبد دندرة والدخول فى الممر الضيق وذلك نهاية نفس اليوم.

و تنتشر في منازل فقراء مدينة قنا العديد من هذه القلل حتى أن الزائر لتلك الديار غالباً ما يجد قلة أو أثنتين في كل منزل على الأقل  .

الوضع:

عندما تنجب السيدة طفلها في مركز إسنا بجنوب مصر تأخذ مشيمته وتدفنها داخل أى إناء فخارى وتضعها تحت عتبة مدخل البيت. وهذه العادة وهذه الأوانى لابد أن تكون كاملة الحريق وليست (طينية أو نيئة)..

السبوع:

  تنتج فى مدن وقرى مصرية عديدة القلل والأباريق التي تجلب في إحتفالية السبوع  حسب نوع المولود ، وهى على تنوع طرزها فقد حافظت على تشكيلها المعروفة به منذ العصور المصرية القديمة .

لقد ارتبطت أشكال القلل  والإباريق والشمعدانات بعادة السبوع .

ويظهر انعكاس السمة الإنسانية على منتجات الفخار الخاصة بالسبوع، (فالقلة) المزركشة بالغوايش والمليئة بالمياه توضع عند رأس المولود الأنثى بينما تستخدم الأم (الإبريق) المزين بسبحة صلاة توضع عند رأس المولود الذكر..

تقوم (القابلة) بحمل الصينية الموجود بها القلة والمنقوع بها سبعة أنواع من الحبوب ويُحمل المولود الموضوع فى غربال، حيث تطوف به النساء والأطفال من الأقارب والجيران ويكون ذلك فى صحن المنزل الداخلى وساحته الخارجية.

 

ب . الزواج:

  أن التغيرات التى طرأت على الخامات والصناعة والتكنولوجيا قد غيرت الأحوال لتصبح العروس ليست فى حاجة لأى شئ من الفخرانى، بل أن أى فرد يجهز ابنته من منتج فخارى ولو بسيط يُلام على ذلك فالأساس من الصينى والزجاج والمعدن مع ثلاجة حفظ أطعمة وشراب، وبذا تم التخلى نهائياً عن عادة إعداد العروس لمنزلها من منتج الفخار.

لا يوجد الآن من منتجات الفخار سوى الطبلة التى تشارك فى مراسم الاحتفال بالزواج حيث تستخدم ليلة الحنة وليلة الزفاف.

جـ. الموت:

  تنتشر فى مصر عادة وضع الأزيار وأدوات تخزين الماء فى الطرقات والشوارع كصدقة جارية على أرواح الموتى، وبذلك كان للزير مكانة وسط العادات المرتبطة بالوفاة..

 

2ـ المنتجات الفخارية المرتبطة بالأعياد والمناسبات الدينية والرسمية

 

    هناك العشرات من النماذج التي يصعب حصرها ، ولكننا سنورد نماذج منها حيث تنتشر لعب الأطفال والحصالات فى أعياد المولد النبوى وموالد الأولياء، كما تقترن بعض المنتجات بشهر رمضان، وقد اختفت أغلب هذه الأشكال باستثناء (الطبلة والمنقد والحصالات) وهذه الأشكال هى:

-       طبلة صغيرة: يطلق عليها ويستخدمها الأطفال فى رمضان ووقت الموالد كذكرى من زيارة المولد.

-       زير صغير: ويستخدمه الأطفال فى اللعب كذكرى من المولد.

-       الديك: وله أحجام متعددة وهو إما للتعليق أو يستقر على قاعدة.

-       المئذنة: ولها عدة أحجام وهى كذكرى من زيارة مولد الشيخ.

-       الحصالات: أحجام وأشكال وتكسر عند الحاجة لها.

-       شمعدان: وله أحجام عديدة يباع الصغير منه فى الموالد.

-       العرائس: وهى عروسه الرمّان وعروسه البلاص وكانت تباع الصغيرة فى الموالد.

-       المنقد : لجلسات السمر لتسهر المصاحبة للموالد كما يستخدم كمبخرة للبخور.

-       الإبريق السحرى: وكان يحتفظ به بغرض الزينة ويشترى وقت الموالد لهذا الغرض.

3ـ المنتجات الفخارية المرتبطة بالاستخدام اليومى

إن المنتج الفخارى فى الأساس له وظيفة نفعيه قد نشأت لتلبية الاحتياج لأدوات الطعام والشراب وتخزينهما و وظيفة كل نوع من أنواع المنتجات الفخارية تركن على مدى الحاجة إليه ، وهي تتركز في  أدوات الشراب، والطعام والتخزين ، وما زال يستخدم العديد منها حتى اليوم.

4ـ الأدوات الفخارية المرتبطة بالزينة داخل المنزل و أماكن العبادة

   وكانت فى  الماضى تصنع أشكال أخرى بغرض الزينة مثلالديك و الإبريق السحرىو وحدات الإضاءة المختلفة وغيرها.

 

الفخار والسحر

 

اقترن الفخار الشعبي بالسحر فالاعتقاد السائد هو أن أى شكل طينى يُمكن استعماله فى السحر لو تم التدوين عليه قبل حرقه بما يريد صاحبه، وبالتالى ظل هذا الاعتقاد المضاد لدى الفخرانية حيث أنهم يعتقدون أنه فى حال بيعهم لأى قطعة طينية تم تشكيلها ولم تحرق تنعكس على الفخرانى الذى شكلها إما بالمرض أو بالعجز الحركي الكامل أو (النحس) وغلق فاخورته ، وبالتالى يرى أى فخرانى أن أى مال لا يعوض كل هذه المصائب التى قد تصيبه فى حال بيعه للطين المشكل.

ويعود هذا الاعتقاد للمصرى القديم حين كان السحر يتم باستعمال قطع طينية يكتب عليها ثم تحرق وترمى فى النهر، وهى بذلك لا تبلى ولاتمحى فهى محروقة وتصييب صاحبها طوال الحياة.

أما الآن فقد استبدل القائمون بأعمال السحر الشقف الطينى بالقلة أو البلاص أو أى شكل طينى لم يحرق ولم يجف ، حيث يتم كتابة المراد فعله على سطحها وحرقها وبالتالى يصبح المراد تحقيقه سهل المنال.

 

الفخار فى الموروث الشفاهي المصرى

  الفخار فى الدب الشعبي إقترن بالأمثال والأقوال المأثورة  وغيرها من ألوان الأدب، كم كان الغناء الشعبى المصرى مليئاً بالنصوص الغنائية التي تعكس إرتباط المنتجات الفخارية بالذهن الشعبى والذي أفرز إبداعات عكست هذه العلاقة ، والقلة هي الأكثر شيوعاً فى نصوص الأغانى الشعبية ، وتعود تسمية القلة إلي الإسم الهيروغليفى (أُرا) – (Ora) التى حرفت إلى (قله) فى العصر القبطى.ومن بين هذه النصوص الشهيرة التى عرفت في الموروث الغنائي المصري نص مطلعه التالي :

 

ومليت لو الجلة من لبن البجر (البقر)



ولا عايز الجلة ولا لبن البجر

 

ولا عايز إلا إنتى ياضى الجمر (القمر)




ومليت له الجلة من لبن الجاموس

 




ولا عايز الجلة ولا لبن الجاموس

 




ما عايز إلا إنتى يا ضى الفانوس






ومليت له الجلة من لبن الجمال

 

 

ولا عايز الجلة ولا لبن الجمال

 

 

ما عايز إى إنتى يا ضى الهلال

 

 

* * *

 

 

 

    بعد هذه القراءة السريعة لفن الفخار الشعبي في مصر ،  نجده وقد إحتل مكانة متميزة في الحضارة المصرية تجعله قراءة صادقة لعبقرية الفنان الشعبي، والذى توارى وراء إبداعه لهذا الكم من الإنتاج الفنى ، كما أمد الفخار الشعبي في مصر  التاريخ بعناصر كانت همزة الوصل في الفنون البصرية المصرية طوال عهودها .



(3)  محمد يوسف بكر، صناعة الفخار والخزف في مصر (الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة)، القاهرة: الدار العربية للطباعة والنشر، 159م، ص43.

(1) د.عبد الغني الشال- مصطلحات في الفن والتربية الفنية، مرجع سبق ذكره.

(3) د. عبد الغني الشال، فن الخزف، مرجع سبق ذكره، ص51.

(1،2) رمضان السيد، تاريخ مصر القديمة، مرجع سبق ذكره، ص252، ص147، ص148،ص149.

 

[5] أروين أدمان، ترجمة م

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 2691 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2011 بواسطة imanmahran

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

66,472

د.إيمان مهران

imanmahran
فنانة تشكيلية وكاتبة »