مكتب الاستشارات القانونية واعمال المحاماة المستشار القانونى ابراهيم خليل و الأستاذ خالد إبراهيم المحامي بالاستئناف

استشارات قانونية جنائية ومدنية واحوال شخصية وعمل وقضاء ادارى

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

الحكم الثامن عشر نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 ديسمبر 2009 في العدد رقم 2928

      

 

باسم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة

 

ملك مملكة البحرين

 

المحكمة الدستورية

 

 

 

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الاثنين 21 ديسمبر 2009م ، الموافق 4 محرم 1431هـ ،

 

برئاسة السيد / إبراهيم محمد حسن حميدان ، رئيس المحكمة الدستورية .

 

 

 

وعضوية السادة القضاة : محمد أسامة عباس عبدالجواد ، وعباس الشيخ منصور الستري ، وسلمان عيسى سيادي ، والدكتورة ضحى إبراهيم الزياني ، والدكتور محمد المشهداني ، ونوفل بن عبدالسلام غربال ، أعضاء المحكمة الدستورية .

 

 

 

وحضور السيد/ عبدالحميد علي الشاعر ، أمين السر.

 

 

 

أصدرت الحكم الآتي :

 

في الدعوى المُقيدة بجدول المحكمة الدستورية برقم (د/4/07) لسنة (5) قضائية .

 

 

 

المقامة من :

 

أحمد حامدين شقيفة بخيت .

 

وكيلته المحامية / فاطمة حسن الحواج .

 

 

 

ضـد

 

1)         النيابة العامة .

 

2)         صاحب السمو رئيس مجلس الوزراء ( بصفته ) وتمثله دائرة الشئون القانونية .

 

 

 

الإجراءات

 

 

 

بتاريخ التاسع والعشرين من شهر يوليه سنة 2007 ، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة الأمانة العامة للمحكمة بطلب الحكم بعدم دستورية المواد 2/2-1 (بند أ-ج) والمادة 3/3–2/2 (بند ج) ، والمواد (6و7) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، مع إلزام المطعون ضدهما بمصروفات الطعن ومقابل أتعاب المحاماة .

 

 

 

وقدمت إدارة القضايا بدائرة الشئون القانونية مذكـرة طلبت فيها الحكم : أصليًا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيًا  : برفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة ، ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات ، وقررت المحكمة النطق بالحكم لجلسة اليوم .

 

 

 

المحكمة

 

 

 

بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة.

 

 

 

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية رقم (2137/2007) ضد المدعي وآخرين متهمة إياه ، بأنه في غضون عامي 2005 و 2006 بمملكة البحرين أجرى عمليات تحويل برقي لمبالغ متحصله من نشاط إجرامي تمثل في الاحتيال مع علمه بذلك ، وطلبت عقابه بالمواد (64 مكررًا) و (111) من قانون العقوبات ، والمادتين (2/2-1) (أ-ج) و (3/3/-2/2) (بند ج) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، وأحالته إلى المحكمة الكبرى الجنائية .

 

وأثناء نظر الدعوى أمام المحكمة الكبرى الجنائية ، تقدم المدعي بجلسة 10/6/2007 بمذكرة ضمنها الدفع بعدم دستورية المادتين (2/2-1) (بند أ و ج) و (3/3/-2/2) ( بند ج) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعّدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، وبجلسة 2/7/2007 قررت المحكمة جدية هذا الدفع ، وأجلت نظر الدعوى لجلسة 9/9/2007 وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية خلال شهر ، فأقام الدعوى الماثلة .

 

 

 

وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة بأن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها إعمالاً لنص المادة (18/ج) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية يتحـدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع ، وفي الحدود التي تقـدر فيها تلك المحكمة جديته ، وإذ كان المدعي قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المادتين (2/2-1) (بند أ-ج) و(3/3-2/2) (بند ج) مـن المرسـوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشـأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدل بالقانون رقم (54)  لسنة 2006، فصرحت له محكمة الموضوع بإقامة دعواه الدستورية في هذا النطاق ، إلا أنه أقامها طالبا الحكم بعدم دستورية المواد (2/2-1) (بند أ-ج) و (3/3-2/2) (بند ج) و(6و7) من قانون حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 المعدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، فمن ثم ينحسر عن نطاق الدعوى الماثلة كل من المادتين (6و7) من هذا القانون حيث لم يشملهما التصريح الصادر عن محكمة الموضوع ، و يضحى التداعي بشأنهما متعينا عدمُ قبوله لعدم اتصالهما بالمحكمة الدستورية اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة قانونًا .

 

 

 

ولمـا كـان المدعـي قـد دفـع بعـدم دستوريـة المادة (3/3-2/2) (بند ج) والتي تنص على أنه : (( ....وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف دينار في أي من الحالات الآتية :

 

أ-          ....................

 

ب-         ....................

 

ج-                     إذا أرتكـب الجاني الجريمـة بقصد إظهار المال المتحصل من نشاط إجرامي أنه من مصدر مشروع )) .

 

 

 

دون أن يورد أي مخالفة لهذا النص للنصوص الدستورية ولا أوجـه هـذه المخالفة ، وإنما ضمن صحيفة دعواه مخالفة نص الفقرة (3-3) من المادة (3) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويـل الإرهاب ، بعد تعديل ترقيمها بموجب الفقرة (2) مـن المادة الثانية مـن القانون رقم (54) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 ، بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للنصوص الدستورية . وإذ كان من  المقرر وفقًا لنص المادة (19) من قانون المحكمة الدستورية أنه يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها ، بيان النص المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعي مخالفته وأوجه المخالفة . وحيث أنه لما كانت الدعوى الدستورية هي السبيل إلى إرساء الشرعية الدستورية التي تتوخي صون حقوق الأفراد وضمان حرياتهم ، ومن مقتضياتها أن يكون موضوعها محددًا تحديدًا جليًا ، ليتيح هذا التحديد لإطرافها بما فيهم الحكومة إبداء دفاعهم بشأن النصوص القانونية الطعينة ، ذلك أن إبداء دفاع في دائرة من الفراغ هو ما يقع بالضرورة إذا أغفل المدعي في الخصومـة الدستورية بيان أوجه مخالفة النصوص المطعون عليها للدستور ، وهو مالا يستقيم .

 

وإذ كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة الدستورية بما لها من هيمنة على الدعوى هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح ، وذلك على ضوء طلبات رافعها وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها دون التقيد بمبانيها ، فإن المحكمة ترى بأن الدعوى الماثلة يتحدد نطاقها بنص كلاً من الفقرة (2-1) (البند أ-ج) من المادة (2) والفقرة (3-3) من المادة (3) من المرسوم بقانـون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظـر ومكافحـة غسـل الأمـوال وتمويـل الإرهاب المعّدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 .

 

 

 

وحيث إن الفقرة (2-1) (بند أ-ج) من المادة (2) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعّدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، تنص على أن : (( يعد مرتكبًا لجريمة غسل الأموال من أتى فعلاً من الأفعال الآتية وكان من شأنه إظهار أن مصدر هذه الأموال مشروع :

 

 

 

( أ )       إجراء أية عملية تتعلق بعائد جريمة مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأنه متحصل من نشاط إجرامي أو أي فعل يعد اشتراكًا فيه .

 

(ب)       إخفاء طبيعة عائد جريمة أو مصدره أو مكانه أو طريقة التصرف فيه أو حركته أو ملكيته أو أي حق يتعلق به مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأنه متحصل من نشاط إجرامي أو من فعل يعد اشتراكًا فيه .

 

(ج)        اكتساب أو تلقي أو نقل عائد جريمة مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأنه متحصل من نشاط إجرامي أو من أي فعل يعد اشتراكًا فيه .

 

(د)        ....................

 

 

 

وحيث أن الفقرة (3-3) من المادة (3) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، تنص على أنه (( مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية يحكم على كل من ارتكب جريمة من جرائم غسل الأموال بالإضافة للعقوبة المقررة ، بمصادرة الأموال موضوع الجريمة أو أية أموال مملوكة له أو لزوجه أو لأبنائه القصر مساوية في القيمة للأموال موضوع الجريمة . كما يقضى بمصادرة هذه الأموال والأملاك في حالة انقضاء الدعوى الجنائية لوفاة المتهم ولم يثبت ورثته مشروعية مصدرها )) .

 

 

 

وحيث إن إدارة القضايا بدائرة الشئون القانونية ( المدعي عليها الثانية ) قدمت مذكرة بدفاعها ضمنتها دفعًا بعدم قبول الدعوى الدستورية لوجهين ، أولهما : تجهيل الدعوى الدستورية وعدم اتصالها بالمحكمة بالطريق الذي رسمه القانون ، وذلك على سند من القول أن محكمة الموضوع لم تقدر جدية الدفع بعدم الدستورية بعدم تحديدها بياناته الجوهرية ، والمواد القانونية التي أرتأت مخالفتها للدستور ، بما مؤداه أن اتصال المحكمة الدستورية بالدعوى يكون قد افتقد أحد شرائط صحة الإجراءات الواجب إتباعها ، وثانيهما : لرفع الدعوى الدستورية من أجنبي .

 

 

 

وحيث إنه عن هذا الدفع في وجهه الأول فهو غير مقبول ، ذلك أنّ المُشرع قد رسم طريقًا لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها ، فحتم ألا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته ، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي حددته المادة (18 فقرة ج) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية ، ولما كان الأصل أن هذه الأوضاع الإجرائية تعد من الأشكال الجوهرية في التقاضي لتعلقها بمصلحة عليا غايتها أن ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقًا لقانون إنشاء المحكمة الدستورية . وحيث إن البيّن بأن المدعي قد دفع بعدم دستورية المواد (2/2-1) ( بند أ-ج) و (3/3-2/2) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، وذلك وفقًا لما جاء بمذكرته المقدمة لمحكمة الموضوع بجلسة 10/6/2007 ، فأجابته محكمة الموضوع إلى طلبه بعد أن أجالت بصرها في المواد المطعون عليها لتقدر جدية المطاعن الموجهة إليها من وجهة نظر أولية ، فهي لا تسبر أغوارها ، ولا تعبر عن كلمة فاصلة في شأن اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليها . ومتى كان ذلك فإن الدفع بعدم قبول الدعوى في وجهه الأول يكون قد جاء على غير سند ، حريًا بالالتفات عنه .

 

 

 

وحيث إن الدفع بعدم قبول الدعوى في وجهه الثاني مردود أيضًا ، ذلك أن دستور مملكة البحرين المعّدل قد حرص في الباب الثالث منه على تأكيد حق الأفراد في التمتع بمجموعة من الحقوق والحريات دون تمييز في كفالة هذه الحقوق ، وهي حقوق تتكامل فيما بينها ، فلقد نصت المادة (20) فقرة (و) من الدستور المعّدل على أن : (( حق التقاضي مكفول وفقًا للقانون )) ، وحق التقاضي الذي نص عليه الدستور يفترض ابتداء وبداهة ، أن لكل شخص – وطنيًا أو أجنبيًا – الحق في النفاذ الميسر إلى المحاكم والهيئات القضائية على اختلافها ، فلا توصد أي منها أبوابها في وجهه ، بل يكون الفصل في الخصومة التي يطرحها عليها مقتضىً جوهريًا لتأكيد الحق في التقاضي الذي كفله الدستور المعدّل في المادة (20) فقرة (و) منه .

 

 

 

ولما كانت الغاية التي يتوخاها مبدأ الحق في التقاضي تتمثل في الترضية القضائية التي يسعى إلى تحقيقها المتقاضون وصولاً إلى جبر الأضرار التي لحقتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يدعونها ، وإن إنكار أو تقييد الحق في الترضية القضائية ، سواء بحجبها عمن يطلبها إبتداء ، أو من خلال إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة في ذاتها عيبًا جوهريًا ، إنما يعد إهدارًا لا يستقيم مع ما أكده الدستور المعّدل من حماية لحقوق الأفراد ، بما لا ينال من جوهر الترضية القضائية ، ولا يدفعها لكامل مداها ، ليتمخض ذلك عدوانًا على حق التقاضي ، وينحل إلى إنكار للعدالة في أخص مقوماتها .

 

 

 

وحيث إن حق الدفاع من الضمانات التي أكد عليها الدستور المعّدل ، وهي ضمانة يتمتع بها كافة الأفراد – مواطنين وأجانب - ، فلا يتمايزون فيما بينهم وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لنيل حقوقهم ، وضمانة الدفاع التي كفلها الدستور المعّدل للأفراد لا يمكن فصلها وعزلها عن حق التقاضي ، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا في دائرة الترضية القضائية ، ويضحى أكيدًا أن التوازن بين حقوق الدفاع وحقوق الاتهام في الحصول على الترضية القضائية عبر الطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية ، يجد سنده وأساسه في مبدأ الحق في التقاضي ومبدأ المساواة أمام القانون ، وذلك حتى لا يكـون تقييد وإنكار حق الأفراد في الطعن أمام المحكمة الدستورية وسيلة إذعان وخضوع للأفراد ، وأداة للتمييز فيما بينهم ، ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الدستورية لهذا السبب جديرًا بالرفض .

 

 

 

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصـل المحكمة الدستورية في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، وهو كذلك يقيد مباشرتها لولايتها في شـأن هـذه الخصومة ، فـلا تفصـل في غير المسائـل الدستورية التي يؤثـر الحكم فيها على النزاع الموضوعي . وإن شـرط المصلحـة الشخصيـة المباشرة – وهو شرط لقبول الدعوى الدستورية – يتحدد على ضوء عنصرين أوليين يحددان معًا مضمونه ، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه ، ويتمثل هذان العنصران في الآتي :

 

 

 

أولاً :      أن يقيم المدعي – وفي حدود الصفة التي أختصم بها النص المطعون عليه – الدليل على أن ضررًا واقعيًا – اقتصاديًا أو غيره – قد لحق به ، سواء أكان هذا الضرر يتهدده وشيكًا ، أم كان قد وقع فعلاً ، ويتعين دومًا أن يكون هذا الضرر مباشرًا ، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور . مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية ، وليس ضررًا متوهمًا أو نظرياً أو مجهلاً ، بما مؤداه أن الرقابة الدستورية يجب أن تكون موطئَا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية .

 

 

 

ثانيًا :      أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص المطعون عليه ، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعي أصلاً ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه ، دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها .

 

 

 

وحيـث إن المدعي قـد أحيـل إلى المحكمة الكبرى الجنائية الأولى بوصف أنه في غضون عامي 2005 و 2006 بمملكة البحرين قد أجرى عمليات تحويل برقي لمبالغ متحصله من نشاط إجرامي تمثل في الاحتيال مع علمه بذلك ، وإذ دفع المدعي بعدم دستورية نص المادتين (2/2-1) ( بند أ-ج) و (3/3-2/2) (بند ج) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، وقدرت المحكمة الكبرى الجنائية الأولى جدية دفعه بعدم الدستورية وصرحت له بإقامة دعواه الدستورية ، ولما كان المدعي من المخاطبين بأحكام النصوص المطعون عليها ، وأن هناك ضرر يعود عليه في حالة تطبيقها يمس مركزه القانوني ، فمن ثم يرتبط الفصل في دستورية النصوص المطعون فيهـا بالمصلحة القائمة للمـدعي في الدعوى الموضوعية ، وتتحقق بالتالي المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في دعواه الماثلة .

 

 

 

وحيث إن المدعي ينعي على نص البند (أ-ج) من الفقرة (2/2) من المادة (2) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، مخالفتها لمبدأ أصل البراءة المنصوص عليه في الفقرة (ج) من المادة (20) من الدستور ، والتي تقضي بأن : (( المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقًا للقانون )) ، وقال شرحًا لذلك بأن النص المطعون عليه قد أفترض إدانة المتهم بمجرد الشك في مصدر أمواله ، كما افترض في أموال المتهم أنها متحصله من جريمة لمجرد الشك في مصدر تلك الأموال أو ما يحمل على الاعتقاد بأن أموال المتهم تتعلق بعوائد جريمة ، أو أنه أخفى هذا العائد ، أو مصدره أو مكانه ، أو طريقة التصرف فيه ، أو حركته ، أو ملكيته ، أو أي حق يتعلق به .

 

وحيث إن افتراض براءة المتهم ، وصون الحريات الشخصية من كل عدوان عليها ، أصلان كفلهما الدستور المعّدل بموجب المادتين (20/ج) و (19/أ) ، فلا يجوز أن تأتي السلطة التشريعية عملاً يخل بهما ، وعلى الأخص بانتحالها الاختصاص المخول للسلطة القضائية في مجال التحقق من قيام الجريمة بأركانها التي حددها المُشرع ، بما في ذلك القصد الجنائي إذا كان متطلبًا فيها ، وحيث إن افتراض براءة المتهم ، لا يعدو أن يكون استصحابًا للفطرة التي جُبل الإنسان عليها ، وشرطًا لازمًا للحرية المنظمة ، يكرس قيمها الأساسية التي لا يتصور أن تنفصل الجماعة عنها ، وهو كذلك وثيق الصلة بالحق في الحياة ، وبدعائم العدل التي تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها ، ومن ثم كان أصل البراءة لازمًا لحماية الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور المعدّل للمتهم بموجب حكم المادة (20/ج) منه ، وبما مؤداه أن افتراض البراءة لا يجوز تعليقه على شرط يحول دون إنفاذ محتواه ، ولا تعطيله ، ولا نقضه سواء بإعفاء النيابة العامة من التزامها بالتدليل على صحة الاتهام ، أو عن طريق تدخلها هي أو غيرها للتأثير في مسار الدعوى الجنائية ، ومحصلتها النهائية .

 

 

 

وحيث إن أصل البراءة يعتبر جزء لا يتجزأ من محاكمة تتم إنصافًا ، بإعتباره متساندًا مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها ، وتمثل في مجموعها حدًا أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها ، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الاتهام ، الوسائل عينها التي يتكافأ بها مركزاهما سواء في مجال دحض التهمة أو إثباتها ، وهي من بعد حقوق لا يجوز الحرمان منها ، أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهمًا أو مشتبهًا فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها – لا لتظل المذنبين بحمايتها – وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء الجنائي ، في شأن جريمة غير مقطوع بوقوعها ممن أسند إليه الاتهام بإتيانها ، إذ لا يعتبر هذا الاتهام كافيًا لهدم أصل البراءة ، ولا مثبتًا لواقعة تقوم بها الجريمة ، ولا حائلاً دون التدليل عليها ، بل يظل هذا الأصل قائماً إلى أن ينقض من خلال حكم قضائي بات . وهذا يعني أن كل جريمة يُدعى ارتكابها لا يجوز القول بثبوتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعًا ، ولا يجوز كذلك افتراض ثبوتها ، ولو في أحد عناصرها ما كان منها ماديًا أو معنويًا من خلال قرينة قانونية تحكمية ينشئها المُشرع تعسفًا ، ودون ذلك كله لا يكون أصل البراءة إلا وهمًا .

 

وحيـث إن الدستور المعّدل ، قد كفل للحقوق التي نص عليها في صلبه الحماية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، وكان استيثاق محكمة الموضوع من مراعاة القواعد المنصفة عند فصلها في الاتهام الجنائي تحقيقًا لمفاهيم العدالة حتى في أكثر الجرائم خطورة ، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التي كفلها الدستور للجميع – بغير الوسائل القانونية التي لا يترخص أحد في التقيد بها ، ولما كان افتراض البراءة يمثل أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها ، وليس بنوع العقوبة المقررة لها ، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها ، وعلى امتداد إجراءاتها ، فقد غدا من المحتم أن يرتب الدستور ، على افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلـص إليها المحكمة ، وتتكون من جماعها عقيدتها ، ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها ، وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها .

 

 

 

وحيث أنـه وبالنظر إلى أحكام نص المادة (2/2-1) ( بند أ-ج) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأمـوال وتمويل الإرهاب المعّدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، يتضح جليًا بأن المُشرع البحريني ، اعتبر جريمة غسل الأموال من الجرائم العمدية ، بأن تطلب في جميع صور السلوك أو النشاط الإجرامي في غسل الأموال أن يقع الفعل مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأن المال متحصل من نشاط إجرامي أو من أي فعل يعد اشتراكًا فيه ، ولا شك أن سياسة المُشرع البحريني بالنص على تطلب القصد الجنائي ، يرجع مردها إلى استلهام المُشرع للأحكام والقواعد التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية المعتمدة في ديسمبر 1988 والمعروفة باتفاقية (فينا) ، والمصادق عليها من مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم (17) لسنة 1989 ، إذ بينت هذه الاتفاقية في الفقرة (ب/1/2) من المادة الثالثة منها ، بأن العمد هو فحوى الركن المعنوي ، ونصت صراحة على أن عنصر العلم الذي يقوم عليه القصد الجنائي ، يتضمـن العلم بأن الأموال مستمدة من أية جريمة أو جرائم منصوص عليها في الاتفاقية .

 

وحيث إن  من المُقرر أن جريمة غسل الأموال من الجرائم العمدية التي يعتبر القصد الجنائي ركنًا فيها ، وكان الأصل هو أن تتحقق محكمة الموضوع بنفسها ، وعلى ضوء تقديرها للأدلة التي تطرح عليها ، من علم وإدراك المتهم بحقيقة الأمر في شأن كل واقعة تقوم بها الجريمة ، وكان الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها ، لا يخولها التدخل بقرائن تنشئها لغل يد محكمة الموضوع عن القيام بمهمتها الأصيلة في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المُشرع إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية .

 

 

 

ولما كان المُشرع البحريني قد حرص على السير مع الاتجاه الغالب الذي اختطته التشريعات المقارنة فيما يتعلق بالمشتملات التي يتعين أن يحيط علم مرتكب جريمة غسل الأموال بها ، والمتمثلة في العلم بكافة العناصر الواقعية والقانونية للجريمة ، فلقد حرص على تأكيد أن المال الذي وقع عليه الفعل محل التجريم متحصل من نشاط إجرامي ، أو من أي فعل يعد اشتراكًا فيه ، ويقصد بالعلم هنا ، ذلك العلـم الذي ينصرف إلى الجريمة الأصلية أو الأولية . وإذا كان العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للحقيقة فإن المُشرع لم يفرق بين العلم أو إمكانية العلم متى قامت أسباب قوية تدعو إلى أن المتهم كان يعلم أو كان يعتقد أو كان هناك ما يحمل على اعتقاده بوقوع الجريمة الأصلية أو الأولية ، تلك الجريمة التي تمثل الشرط المفترض لجريمة غسل الأموال والتي محلها أو موضوعها وجود فائدة أو منفعة أثمرتها الجريمة الأصلية وتحصل عليها مرتكب الجريمة الثانية - غسل الأموال - ، فإذا زايل المحكمة شك حول علم هذا المتهـم أو اعتقـاده أو ما يحمـل على اعتقاده بوقوع الجريمة الأولية فسرته لصالح المتهم وهذان المبدآن – اليقين القضائي والشك يفسر لصالح المتهم – ينبعان من معين واحد هو أن الأصل في الإنسان البراءة ، وهو المبدأ الذي حرص الدستور المُعّدل على تكريسه بنص المادة (20/ج) منه .

 

وحاصل ما تقدم أن المُشرع البحريني حين تطلب على النحو السالف بيانه توافر العمد في جريمة غسل الأموال ، فإنه بذلك يكون قد أستوجب إدراك مرتكب الجريمة لحقيقتها ودلالتها الإجرامية لتحقيـق نتيجتها المؤثمة ، ولا تعدو بذلك ألفاظ (( العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل  على الاعتقاد )) التي أوردها المُشرع في النص الطعين ، أن تكون من حيث حقيقة فحواها صياغة تعددت بها المباني واتحدت فيها المعاني في دلالتها على وجوب علم وإدراك الجاني لمختلف العناصر التي تقوم عليها الجريمة ، سواء كان هذا العلم والإدراك قد خالج وجدان الجاني ، وأفصح عنه أمام القاضي ، أو كان إدراكًا استخلصه القاضي من الثابت من أوراق الدعوى الجنائية ووقائعها ، استخلاصًا سائغًا وكافيًا لحمل قضائه .

 

 

 

ولا مراء أن الحكمة التي توخاها المُشرع من مضمون نص المادة (2/2-1) الفقرة (أ-ج) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، المعدّل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، وتطلبه العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد هي حرصه على ألا يفلت مرتكب جريمة غسـل الأموال من العقاب كونها جريمة تتم بالخفاء والدقة والتقنية العالية في تنفيذها ، وهي جريمة بالغة الخطورة حرص المُشرع الدولي على مكافحتها ووضع الوسائل اللازمة لمواجهتها والحد منها لما لها من تأثير بالغ على اقتصاد الدول .

 

 

 

لما كان ذلك وكان النص الطعين ، قد خلا من القرائن القانونية بافتراض القصد الجنائي ، إذ لم يحدد النص المطعون عليه واقعة بذاتها جاعلاً ثبوتها بالطريق المباشر دالاً بطريق غير مباشر على افتراض علم المتهم للواقعة الإجرامية علمًا منتحلاً ، كما لم يغل النص الطعين يد القاضي عن تقدير أي مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع لاتصالها بالتحقيق الذي تجريه بنفسها تقصيًا للحقيقة الموضوعية عند الفصل في الاتهام الجنائي ، ولم يعف المُشرع النيابة العامة من خلال النص الطعين مـن إثباتها لواقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائي ، ولم يحجب بالتالي محكمة الموضوع عن تحقيقها ، وعن أن تقول كلمتها بشأنها ، فلا يوجد في عمل المُشرع أي انتحال لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية ، أو إخلال بمبدأ الفصل بينها وبين السلطة التشريعية ، كافلاً بذلك للمتهم تمتعه بأصل البراءة من التهمة المنسوبة إليه في كل وقائعها وعناصرها ، ليغدو نعي المدعي على هذا النص بعدم الدستورية لنقضه أصل البراءة مفتقدًا لما يظاهره ، ومفتقرًا لما يسانده متعينًا الرفض .

 

 

 

وحيث إنه عـن طعن المدعي بعدم دستورية الفقرة (3/3) من المادة (3) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، المعّدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 ، فهو طعن مقبول ، ذلك أن المُشرع الدستوري قد أعطى الحرية الشخصية منزلة عالية ، وأحاطها بسياج يأمن الأفراد من خلاله ممارستها على الوجه الذي يحدده القانون ، فنص في المادة (19/أ) من الدستور المعدّل على أن : (( الحرية الشخصية مكفولة وفقًا للقانون )) ومؤدى ذلك أن الحرية الشخصية تعد من الحقوق الجوهرية التي يتمتع بها الإنسان ، والتي لا يمكن فصلها عنه ، وأن المُشرع منحها الرعاية الأوفى و الأشمل توكيدًا لقيمتها ، وبمـا لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها ، الذي لا ينال من قيمتها وجوهرها ، وبمراعاة أن النصوص العقابية قد تفرض على هذه الحرية بطريق مباشر أو غير مباشر أخطر القيود وأبلغها أثـرًا . ويتعين بالتالي أن يكون إنفاذ القيود التي تفرضها النصوص العقابية على الحرية الشخصية ، رهنًا بمشروعيتهـا الدستورية ، وأن لا تكون هذه النصوص منفلته عن مقاصدها ، متجاوزة لحدود التحريم ، وغير متناسبة معه ، ومن ثم كان أمرًا لازمًا أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون إنسيابها ، أو تقرير المسئولية الجنائية في غير مجالاتها عدوانًا على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور المعدّل وفقًا لحكم المادة (19/أ) منه ، ولئن جاز القول بأن تقرير العقوبة ، وتقرير أحوال فرضها مما يدخل في إطار تنظيم الحقوق ، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمُشرع ، إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور .

 

 

 

وحيث إن الدستور المعّدل بما نص عليه في المادة (20/أ) من أنه : (( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها )) ، قد دل على أن لكل جريمة ركنًا ماديًا لا قوام لها بغيره ، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي ، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه النص الجنائي إبتداء في زواجره ونواهيه ، هو مادية الفعل المؤاخد على ارتكابه ، إيجابيًا كان هذا الفعل أم سلبيًا ، ذلك أن العلائق التي تنظمها النصوص العقابية في مجال تطبيقها على المخاطبين بأحكامها ، محـورها الأفعال ذاتها ، في علاماتها الخارجية ، ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية ، إذ هي مناط التأثيم وعلته ، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجيًا في صورة مادية ، فليس ثمة جريمة ، وتبعًا لذلك لا شرعية لعقوبة بدون ركنها المادي .

 

 

 

وحيث إن العدالة الجنائية في جوهر ملامحها ، هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا ومنصفًا ، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا ، ويفترض ذلك توازنًا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها ، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه ، أو تفتقر هذه الصلة إلى الدليل عليها ، ولا يجوز بالتالي أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التي تكفل لكل متهم حدًا أدنى من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها ، ولا أن تخل بضرورة أن يكون التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية .

 

 

 

ولما كان الجزاء الجنائي عقابًا واقعًا بالضرورة في إطار اجتماعي ، ومنطويًا غالبًا على تقييد الحرية الشخصية ، ومقررًا لغرض محدد ، ومرتبط بسلـوك نهى المُشرع عنه إستيفاء لقيم ومصالح اجتماعية لها وزنها ، وكان الأصل في العقوبة معقوليتها ، وأن تكون مبررة ، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر ، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مرتبط بسلوك نهي المُشرع عن إتيانه ، فالعقوبة هي جزاء المسئولية ، ومن ثم لا توقع إلا على من يعد قانونًا مسئولاً عن مقارفتها ، في ضوء دوره في الجريمة .

 

 

 

وحيث إن الدستور المعّدل في الفقرة (ب) من المادة (20) منه ، نص على أن : (( العقوبة شخصية )) ، ومؤدى ذلك أنه من الضرورة بمكان أن يتوافر الإسناد المادي للفعل كضمان لشخصية المسئولية ، فالأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها ، وهي بعد عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها ، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله ، وأن جريرة الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها ، ولا ينال عقابها إلا من قارفها ، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها ، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة – التي كفلها الدستور المعّدل بنص الفقرة (ب) من المادة (20) – شخصية المسئولية الجنائية ، وبما يؤكد تلازمهما . وفي النصوص التشريعية التي تحدد التجريم والعقاب ، يجب أن يكون واضحًا بأن العقوبة هي جزاء من اعتبر مسئولاً عن ارتكاب الجريمة ، فلا تضامن في العقوبات ، ولا مسئولية عن فعل الغير ، ويكفي لتقدير شخصية العقوبة في النص التشريعي ، تقدير إرتباطها بالفعل الذي أتاه الجاني في إطار الضرورة والتناسب .

 

 

 

وحيث إن الدستور المعّدل كفل في الفقرة (ج) من المادة (20) الحق في المحاكمة المنصفة بما نص عليه من أن : (( المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقًا للقانون )) وهو حق نصت عليه المواثيق الدولية ، واخصهـا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولاهما : (( أن لكل شخص حقًا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره في محاكمة علنية ، ومنصفة ، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة تتولى الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية ، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه وتؤكد ثانيتهما : في فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية في أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه ، وهذه الفقرة هي التي تستمد منها الفقرة (ج) من المادة (20) من دستور مملكة البحرين المعّدل أصلها ، وهي تحدد قاعدة استقر العمل على تطبيقها في الدول المتحضرة ، وتقع في إطارها مجموعة الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة ، كما أنها تعتبر في نطاق الاتهام الجنائي ، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي أكد دستور مملكة البحرين المعدّل في الفقرة (أ) من المادة (19) بأنها من الحقوق الأساسية التي لا يجوز الإخلال بها ، أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه .

 

 

 

ولما كان مؤدى مبدأ افتراض البراءة وعلى ما سلف بيانه أن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إقرار القوانين وما يتصل بها من إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها ، لا يخولها التدخل في أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية واختصها بها ، ولا يجوز كذلك أن يمتد اختصاص السلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها ، إلى إحداثها لقرائن قانونية ذات طابع تحكمي تنفصل عن واقعها ، ولا تربطها أي علاقة بماديات الجريمة ، لتحول بها بين السلطة القضائية ومباشرة مهامها في نطاق الدعوى الجنائية ، مما يعد أفتئاتًا وعدوانًا ينال من اختصاص السلطة القضائية ، لمخالفته أحكام الفقرة (أ) من المادة (32) من الدستور ، والتي أكدت على مبدأ الفصل بين السلطات .

text

ibrahimkhalil

المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية والأستاذ خالد إبراهيم المحامي بالاستئناف موبيل 01005225061 - 01021141410 القاهرة مصر

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 444 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2012 بواسطة ibrahimkhalil

ساحة النقاش

المستشار القانونى ابراهيم خليل

ibrahimkhalil
المستشار القانوني إبراهيم خليل بالنقض والدستورية والإدارية العليا الاستاذ خالد ابراهيم عباس المحامي بالاستئناف عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية موبيل 01005225061 01021141410 القاهرة مصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,499,714

المستشار القانوني إبراهيم خليل

المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية  موبيل 01005225061   تليفون 23952217 القاهرة مصر