السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت أقلب في دفاتري القديمة، كعادتي دائما عندما يحتل راسي موضوع ما... فوجدت مقالة عن الحب، لا أعرف متى كتبتها، وهل سبق نشرها أم لا .. ولكني احضرتها إليكم فربما أخذتنا كلمات الرحمن فيها إلى حيث تهدأ نفوسنا وترتاح قلوبنا، ويسكن فينا القلق ... ارجو أن يحقق الله فيها المراد، فهو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا..
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
{ آل عمر ان }
*******
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54)آل عمران. إذا المسألة ليست فقط صلاة وصوم .. إنما هي علاقة بين العبد وربه، أساسها الحب.. حب كبير .. منزه عن كل شيء .. حب إلهي ورباني .. حب خالد بخلود السموات والآرض.. حب متبادل ، قد بدأ به المولى عز وجل، بدليل الآية.
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
عيون الإنسان العاقل، يكون أول نطباع يشعر به عندما ينظر إلى صفحات الكون، هو أن يقول سبحان الله فيما خلق وابدع...
فأنت يعقلك إن كان واعيا ويقظا لا تملك إلا أن تحب هذا الخالق العظيم... لأن الإنسان جبل{ أي خُلق } على حب الكمال والنوال والجمال... فأنت أينما وجهت عقلك فلا تملك إلا أن تقول تبارك الله أحسن الخالقين... وهذا في حد ذاته حب وأعجاب..
ثم إذا سمعت القرآن وأنصت له .. فإنك تجد نفسك قد ذابت وتلاشت وتضائلت من هول وعظمة ما سمعت من كلام الله.... وهذا في حد ذاته حب وأعجاب بالله العلي العظيم...
وأنت عندما تقرأ كتابا به كم هائل من المعلومات الرهيبة، فإنك لا تملك إلا أن تقول سبحان من علم الإنسان ما لم يكن يعلم، وهذا في حد ذاته حب وأعجاب وتقدير لله العلي العظيم...
وأنت عندما تتزوج وتستمع بما أحل الله لك... فلو كان عندك قلب حي يؤمن بالله لسجدت لله شكرا على أن أنقذك من الحرام ومتعك بالحلال..... وهذا في حد ذاته حب وإعزاز وتقدير لله العلي العظيم ...
ثم إليك أخي في الله وأختي في الله كلام رب العالمين الذي يتكلم فيه كلاما واضحا وضوح الشمس عن الحب....
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ التوبة 24 ثم إليك مزيد من الآيات التى تثبت محبة الله للعبد.... والإنسان عادة يحب من أحبه...
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ(108) التوبة. أيات كثيرة تدلنا على كيفية الحصول على حب الله لنا... ثم كيف بالله عليك أن يكون هناك عاقل يتمتع بعقل سليم ولا يخر ساجدا لله العلي العظيم ...
إن القلب يؤمن بالحقائق لأنه يراها أكثر يقينا ووضوحا من العقل الذي يعتمد على الحواس الخمس، ... ومع ذلل فكثيرا من الأحيان يقع الإنسان في حب الله بعقله قبل قلبه... لأن العقل قد أدرك حقائق الكون بالنظر والبحث فيها فعرف قدرة الخالق العظيم سبحانه فأحبه...
حتى الذين هم بعيدين كل البعد عن الدين والإيمان.. عندما يتكلمون عن الحب فإنهم يصنفونه إلى صنفين ، صنف عاطفي ، أن يحب الإنسان بعاطفته، وصنف عقلي بحت، وهو أن يحب بعقله....
أما المؤمن فكل خلجة فيه تحب خالقها.. كل شعرة في جسده، كل نفس، كل ضخة دم تجري في قلبه، كل عاطفة ، .. وإن لم تكن تصدق ذلك ، فاسمع كلام ربك:
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم هنا يخر ساجدا لله من شدة تأثره بما سمع من آيات الله... لكن قل لي بالله عليك لماذا يبكي؟ .. أنه يبكي من شدة الوجد.. يبكي لوعة وحسرة على ماضاع من عمره بعيدا عن مولاه وطاعته، يبكي خوفا وطمعا.. ويبكي شوقا وحبا.. يبكي لوعة من البعد، يبكي متمنيا رضا ربه.... هذه حال المحب المطيع لربه وخالقه...
إن أحببت شخصا بشدة، وخفت فراقه، وأردت الإحتفاظ به دائما في حياتك، أجعل حبك له في الله، خذ بيده وسيروا معا في طريق مرضاة الله والتفكر في آيات الله وخلقه، تقربوا إلى الله بعبادة مشتركة تقومان بها معا، ولينظر كل منكما إلى نعم الله عليكما الظاهرة والباطنة ، ثم كونوا مع الراكعين... تفكرا سويا في الآية التالية:
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم
هنا أجتمع الزوج والزوجة وكل منهم يرى في الآخر آية من آيات الله.. فمهما كان حبها له أو حبه لها .. فمعرفته ويقينه بآيات ربه أقوى.. فيتحول هذا الحب إلى حب في الله لأنهم رأوا معا آية الله في كل منهما.. وفي هذه الحالة يهديهم الله المودة والرحمة، والتى ربما لا يستطيع أن يقدمه الحب وحده..
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(18) النحل.
ساحة النقاش