إن أردت أن تكون وجيها بين الناس
فاجعل كلامك وسلامك ابتغاء وجه الله
۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۩
[ سورة البقرة النداء السادس آية رقم 208 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أول خمس نداءات في سورة البقرة تساعدنا على إعادة برمجة أنفسنا من جديد وكذلك تعتبر فرصة عظيمة من الرحمن لتجديد الإيمان في قلوبنا، واليوم نبدأ مرحلة جديدة مع نداء السلام، وهي مرحلة يُثبت فيها كل من آمن بالله أنه على خُلق من أخلاق القرآن، فخُلق السلام من أحب الأخلاق للرحمن الذي خلق الإنسان علمه البيان
مفاتيح السلام في خطوات من القرآن
لقد أعطانا الله الصورة الدقيقة التى يجب أن نكون عليها إذا أردنا تحقيق السلام مع أنفسنا والناس ورب الناس، وذلك في الآيات التى سبقت النداء وهي كالتالي:
<!--وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
هذه الآية تكلمنا عن مجتمع الحجاج زوار بيت الله الحرام، الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو المجتمع المثالي والذي أسسه سيدنا رسول الله ﷺ والذي سيظل قائما حتى تقوم الساعة، لأن هذا الدين قد ارتضاه الله لنا.. فعلينا أن نُحقق السلام مع أنفسنا أولا ومع الناس وذلك بإتباع الخطوات التى حددها لنا ربنا قبل النداء وهي كالتالي:
<!--وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
بعد أن صور لنا ربنا الصورة التى يجب أن يكون عليها زوار بيت الله الحرام نقلنا نقلة كبيرة ليصور لنا الوجه الآخر للبشرية، وهي فئات كثيرة جدا وكلنا والحمد لله يعرفها من خلال تجاربنا اليومية في الحياة.. ثم نواصل لنعرف عنهم أدق التفاصيل:
<!--وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205).
إذا انفرد بنفسه والناس سعى لتحقيق أهدافه الدنيئة متبعا خطوات الشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء.
<!--وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
وعندما تنصحه بتقوى الله يثور ويغضب وتأخذه العزة بالإثم والعياذ بالله متبعا خطوات الشيطان.
<!--وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)
ثم يٌبين لنا ربنا فئة من أسعد الناس حالا وأصدقهم كلاما وأحسنهم عملا وأرفعهم مكانة عند مليكهم تستوي سريرتهم وعلانيتهم فهي بيضاء ناصعة للناظرين، فقد كرسوا حياتهم وحددوا غاياتهم في غاية واحدة وهي ابتغاء مرضاة ربهم، فأصبحوا بذلك أهلا لتحقيق السلام والدخول فيه بأمر الله تبارك وتعالى:
<!--يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
[ سورة البقرة النداء السادس ]
الآن وقد جاءنا من ربنا بيان خطوات الدخول في السلم كافة والعيش في سلام دائم من الله العزيز الرحيم، وذلك ليكون حالنا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ربنا يا ذا الجلال والإكرام..
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
[ سورة الرعد ]
الآن لدينا النتيجة الفعلية لكل من يستخدم عقله وقلبه ولسانه ليُحقق السلام فيكافئه ربه بنعم عقبى الدار، دار السلام والملائكة الكرام يدخلون عليهم ويحيونًهم بتحية الإسلام وهي من أطيب وأجمل ثمار السلام.
قال الله تبارك وتعالى:
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
[ المائدة 16]
إن أول سُبُل السلام إتباع رضوان الله عز وجل، أي نحرص كل الحرص على رضاه حتى يكون هدفنا الأول في الحياة وغاية وجودنا ابتغاء مرضاة الله.
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " .
وقال تبارك وتعالى :
{ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }
[ النساء 86 ] .
ساحة النقاش