الجودة و الفسيخ والشربات !!
بادئ ذى بدء الصدمة فى العنوان تجعل القارئ يقول ساخرا : سمك لبن تمر هندى أو ما الذى جمع الشامى على المغربى !! جودة وفسيخ وشربات .. ما هذا ؟ نعم هناك علاقة وثيقة بين الجودة والفسيخ والشربات إذا أخذنا فى الإعتبار المثل الشعبى الذى يصف مهارة إنسان ما ومدى تميزه " إنه يصنع من الفسيخ شربات !!" أعتقد أن غرابة القارئ بدأت تتبدد بعض الشىء ويعى ما أقصده من العنوان .. نعم هذا ما أقصده بالضبط .
أقصد أن الإنسان الذى يستطيع أن يقوم بتغيير واقع يصنع فيه الفسيخ بملحه وزفارته , إلى واقع أخر يصنع فيه الشربات برائحته الزكية وألوانه الزاهية وسكره , الإنسان الذى يصنع هذا لهو إنسان غير عادى بمهارته ، وحسن صنعه وإدارته ، ولباقته ، ومرونته ، .. إلخ ، وقل ما شئت فيه من الصفات الجميلة أوليس صنع من الفسيخ شربات ؟ هكذا الجودة بكل ما قيل عنها وفيها ، ونظريات ومقاييس ومكاييل !! الجودة أن تحاول أن تصنع من الفسيخ شربات ، تغير الواقع المؤلم لواقع أقل إيلاما أو لواقع بلا ألم .
فالجودة بلا " دوشة " خبرات أو خبراء يأكلوا من خلالها على " أقفيتنا " خبزا !! أقول الجودة : أن تبحث عن حب الله وتتقن عملك ، فالله يحب إتقان العمل ، وإتقان عملك ، أن تعرف مواعيده وتحترمها ، وكافة العلوم التى تخدمه وتكتسبها ، وكافة القوانين واللوائح التى تنظمه وتحفظها ، وتبحث عن رضا الأخرين فيما تقدمه ، وأن لا تعمل بمنطق " على أد فلوسهم " !! فكم من الموبقات أرتكبت تحت هذا المنطق المعوج ، رغم طول اللحية والمسبحة وكثرة التردد على المسجد والكنيسة .
الجودة بلا صخب عالمى ، أن تحاول تغيير ظروفك الحالية للأحسن والأفضل ، وفى ظل مواردك المتاحة رغم قلتها وشحتها ، ولا تظل تندب حظك لقلة موارد ، وتترك الواقع المرير بألمه الموجع ، وتبحث عن التميز ، وأن يكون لك كثافة خاصة كقطرة زيت فى دلو من الماء تحتفظ بكثافتها ولا تذوب ! ، وتصنع لنفسك موضعا راسيا وراسخا ، كموضع سفينة فى بحر لجى ، ولا يكون نصيب موضعك نصيب عود من القش بهذا البحر.
الجودة هى أن تبدأ بهمة وإرادة فى الفعل ، بان تغير إدارتك والوصول بها لحالة من الإنسيابية والسيولة والسهولة فى الإجراءات ، وبعيدا عن التعقيد والجمود والصعوبة وإزالة كافة المعوقات لتحقيق هذا الأمر ، وتخلق ميزة نسبية لها وعلى قدر إستطاعتك ومواردك المتاحة فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم .
الجودة هى أن تبعث الشعور بالأمن والأمان لمن حولك ويعملون تحت إدارتك ، وتبحث دائما فى زيادة الجزء المملوء من الكوب لديهم ، وتصل بهم لحالة أن يعملوا معك بقلوبهم وليس قوالبهم فهم فى النهاية وسيلتك ، وأن تجعل الرضا فيما تقدمه من عمل لمن يتعامل مع إدارتك هو غايتك ، فإن أجدت فى تثقيف وسيلتك وصلت سهلا لغايتك ، وإن جعلت غايتك هى غايتك ! ودست على أعصاب وسيلتك فلن تصل لغايتك ، فالموازنة بين الوسيلة والغاية هى من صنع إجادنك وجودتك ، وبهذا يمكن لك ان تصنع من الفسيخ شربات ، وأعتقد الأن وضحت العلاقة بين الجودة والفسيخ والشربات . والله أعلى وأعلم