الثواب والعقاب فى إدارة المال العام
من أمن العقاب أساء الأدب ، مقولة صحيحة ولها فى الواقع ما يجعلها بمثابة قانون يربط بين مقدمة ونتيجة ! فلا نتائج بلا مقدمات ، فلا شطط لدينا إن قلنا بأن العقاب والأدب كلاهما مرتبطان إرتباط النتيجة بالسبب ، فلا أدب بدون عقاب ولا عقاب بدون أن يعقبه أدب ، ولهذا جعل المولى عز وجل الحساب فى الأخرة والجنة والنار، الجنة لمن آمن وعمل صالحا وأتقن عمله ، والنار لمن كفر وسعى فى الأرض فسادا .
هذا القانون! أو القاعدة التى تربط بين العقاب والأدب ، ليست قانونا طبيعيا يعمل فى الكون كسنة من سنن الله الكونية مسخرة وتعمل بذاتها ، وأنما هى قانون إجتماعى يشرعه الإنسان لنفسه وبطبقه على نفسه أيضا ، فالأنسان غايته وهو أيضا وسيلته للوصول لتلك الغاية .
ولكى يأخذ هذا القانون أو القاعدة مجراها فى التطبيق ، ويكون لها أثرا نافعا فى بناء الأفراد والمجتمعات فلابد من يد قوية وحديدية ! تقوم بتفعيله وتطبيقه ، ومن هنا يأتى أهمية ودور النظام الذى يحكم ويدير ، بدءا من الأسرة ونهاية بالمجتمع الذى يأخذ شكل الدولة بأركانها كاقليم وشعب وسلطة ، فإن كان النظام قويا وجادا ونزيها فى الأخذ بها ، كان المنتج فردا ومجتمعا ذو سلوك منتظم ومعتدل ، وإن كان النظام رخوا وغير جاد وفاسد ، كان المنتج فردا ومجتمعا ذو سلوك منحرف ومختل .
وإن كان ذلك كذلك ، فى شتى جوانب الحياة على مستوى الفرد والمجتمع ، فما أحوجنا لهذا القانون أو القاعدة فى إدارة المال العام ، ذلك الشىء الذى يكاد أن يكون " هلاميا " لا حدود له ولا قيود رغم القوانين واللوائح المنظمة !! إن إجتهدت بالمحافظة عليه لا تجد من يشكرك ، وإذا سطوت عليه وتجرأت فلا تجد من يحاسبك ، وأصبح يدار بما يمكن أن نسميه " العرف السلبى " بعيدا عن أى قوانين أو لوائح رغم وجودها !! متروكا ومنهوبا بين أهواء سلطة مكتبية تنازعها الأهواء والأطماع والجشع ، وجهل وإستخفاف ورداءة أفراد من المفترض فيهم أنهم يحظون بلقب " أمناء "وهم غير ذلك إلا من رحم ربى وقليل ما هم .
والعرف السلبى الذى يدار به المال العام الأن برغم وجود القوانين واللوائح المنظمة ، من نتائجه أن الدورة المستندية قد طمست معالمها تعمدا وجهلا وإن كان الجهل هو المسيطر لهذا الطمس ، جهل الموظف فى إدارة المخزون قبل إدارة المخازن ولا يدرى الفرق بينهما ، ضعيف القراءة والكتابة والحساب ، فكيف لهذا أن يقرأ لائحة بمواد وضعت فى أربعينيات القرن الماضى وما زالت تحكم ، لائحة ما زالت تتكلم عن " أحبال الدبارة " و " وكيس الكتان " و " لبس السعاة الكاكى " ونحن الأن فى زمن " الدفع الإلكترونى " .
إن الضمير وحده لا يكفى فهذا أمر بين العبد وخالقه ، ولكن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، فلابد من تفعيل جاد وقوى لوسائل الردع والعقاب لكل من يعمل فى المال العام ويحاول العبث به ، وان يكون عقابه فورى بمحاكم إستثنائية وعلى مرأى ومسمع من الجميع ، بان يشهد العقاب كل الناس مذاعا بكافة الوسائل المسموعة والمرئية والتواصل الإجتماعى ، وأن يعى الجميع بأننا جميعا بمركب واحد بعرض البحر، فإن قام أحدنا بخرقه وتركناه غرق وغرقنا معه ، وإن شددنا على يديه نجى ونجونا جميعا . والله تعالى أعلم