الرباط ـ حسن الأشرف
تسعى منظمات مغربية عديدة إلى جمع مليون توقيع على عريضة تطالب بتجريم تشغيل الخادمات القاصرات واللواتي يبلغ عددهن بالمغرب حوالي 66 ألف طفلة دون سن 15 عاماً، وفق إحصاءات هذه المنظمات.
وتطالب هذه المنظمات بضرورة الإسراع بإخراج قانون خاص وقابل للتطبيق يمنع تشغيل الفتيات الصغيرات خادمات في البيوت، وتشديد العقوبات على الوسطاء والسماسرة الذين يتاجرون في تشغيل هؤلاء الخادمات القاصرات، فيما اعتبرت مسؤولة حكومية أن المغرب عرف تراجعاً في عدد الأطفال الذين يخدمون في البيوت، مبررة أن الفقر لا يمكن اتخاذه ذريعة من طرف الآباء لإجبار بناتهم على العمل في المنازل خادمات لمساعدتهم مادياً.
الفقر ليس مبرراً
وأشادت نزهة الصقلي، وزيرة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، بالحملة التوعوية للمنظمات المغربية التي تعنى بالأطفال وترمي إلى جمع مليون توقيع، مشيرة إلى أنها مبادرة جيدة يمكن أن تدعمها مبادرات أخرى لتكثيف جهود جميع الفعاليات والقطاعات لحظر عمل الخادمات الصغيرات بالبيوت.
وأبرزت الصقلي أن عدد الأطفال العاملين دون السن القانوني تراجع من 517 ألف طفل عام 1999 إلى 170 ألف طفل عام 2009 وفق إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة رسمية تعنى بالتخطيط والإحصاءات.
وعزت الوزيرة هذا التراجع الملموس إلى الديناميكية الحقوقية والإجتماعية التي يشهدها المغرب، وإلى انخراط البلاد في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، و ثمار جهود الخطة الوطنية للطفولة 2006 ـ 2015 تحت شعار "مغرب جدير بأطفاله".
لكن الصقلي عادت لتؤكد أن تشغيل الخادمات القاصرات ظاهرة مشينة تؤدي إلى مشاكل اجتماعية خطيرة جداً، فالخادمة تتهدم أحلامها وينهار مستقبلها في التعليم والتكوين، وتكون معرضة للاستغلال الجسدي والجنسي، الأمر الذي يجعل الخادمات الصغيرات مشاريع لأمهات عازبات، ومن ثم تفريخ لأطفال الشوارع.
وأكدت المسؤولة الحكومية أن الفقر لا يجب أن يكون المشجب الذي يعلق عليه الآباء خطأهم بإرسال بناتهم إلى البيوت للاشتغال بذريعة مساعدتهم على مصاريف الحياة الصعبة، مشيرة إلى أنه يلزم مع ذلك العمل على محاربة الفقر والهشاشة التي تعيشها العديد من الأسر.
وأوضحت الصقلي أن هناك مناطق في البادية بالمغرب تقبل بتشغيل بناتها في حين أن مناطق أخرى مجاورة لا تقبل بذلك إطلاقاً، مضيفة أنه يجب تغيير عقليات بعض الآباء الذين يتعايشون مع واقع إرسال بنات قاصرات إلى البيوت للاشتغال مقابل مبالغ زهيدة دون الاكتراث بما قد يلحق بهن.
وشددت الصقلي على أنه يجب الردع القانوني في حق هؤلاء الآباء الذي يسمحون بتشغيل بناتهم دون سن 15 عاماً في البيوت، كما أن العقوبات الرادعة ستنفذ أيضاً في حق المشغلين والوسطاء.
الوسطاء.. مصاصو دماء
وقالت نبيلة التبر، مديرة المؤسسة الوطنية للتضامن مع النساء (المعروفة بجمعية إنصاف)، إن مبادرة جمع توقيع مليون توقيع فكرة طموحة لتحسيس الرأي العام المغربي بقضية تشغيل الأطفال خدماً، ولتذكير السلطات المعنية بضرورة التسريع بإخراج قانون متكامل وقابل للتطبيق يجرم تشغيل هؤلاء الخادمات القاصرات.
وأكدت التبر موافقتها على ضرورة وضع قانون يردع مشغلي القاصرات خادمات بعقوبات تصل للحبس لردعهم على القيام بذلك، لكنها لا تتفق على تجريم الآباء الذين يقبلون بتشغيل بناتهم القاصرات قبل إعطائهم حقوقهم وتحسين ظروف عيشهم أولاً.
وشرحت التبر أنه يلزم تمكين هذه الأسر، التي تسمح لبناتها الصغيرات بالعمل في البيوت مقابل دريهمات قليلة، على الخروج من شرنقة الفقر والحاجة قبل الحكم عليهم بقوانين رادعة أو غرامات مالية على تشغيل بناتهم.
وأضافت أن هناك حالات لأسر فقيرة تعيلها المرأة في ظل غياب الزوج بسبب المرض المزمن أو الوفاة أو الطلاق، فتعمل المرأة طيلة النهار في الحقل ولديها سبعة أو ثمانية أبناء، فكيف تستطيع إعالة أولادها وبناتها خاصة حين يكونوا صغار السن.
وشددت التبر على ضرورة تفعيل قانون التعليم الإلزامي والحد من عوامل الهدر المدرسي المتفشي خاصة في البوادي بسبب عدم توفر المدارس الكافية أو القريبة من مساكن الفتيات، مشيرة إلى أنه لو تم تطبيق إجبارية التعليم لما كانت هناك طفلة خادمة.
وذكرت التبر أنهم في جمعية إنصاف، من خلال تجربتهم الميدانية لإقناع الآباء بعدم السماح لبناتهم الصغيرات الاشتغال خادمات، عانوا من ظاهرة الوسطاء الذين يتاجرون بتشغيل هؤلاء الفتيات بالبيوت في المدن.
ودعت رئيسة جمعية إنصاف إلى التطبيق الصارم للقانون في حق هؤلاء السماسرة الذين يشجعون الآباء على تشغيل القاصرات خادمات في المنازل، مبدية استغرابها من كون بعض الجامعيين والمثقفين يقبلون تشغيل أطفال في بيوتهم رغم وعيهم بحقوق الأطفال.