سعدى علوه
لم يكن من السهل محو الإحساس بالخيبة الذي خيّم على المشاركين في جلسة النقاش التي نظمتها منظمة «كفى» حول نظام الكفالة الخاص بالعاملات الأجنبيات المهاجرات في لبنان، والمـتأتي من استقالة وزير العمل السابق شربل نحاس.
فمنظمو الجلسة، ومعهم الجمعيات والناشطين في مجال حقوق العمال الأجانب، كانوا يعدّون العدة على مدى الشهور الماضية، للإفادة من وجود نحاس على رأس وزارة العمل، لتحقيق ما عجزوا عنه على مدار سنوات طويلة. كيف لا، والوزير الذي فضّل قناعاته وانسجامه مع نفسه على السلطة و«بهورة» المناصب، كان يسبق بطروحاته الإنسانية والحقوقية والقانونية المنصفة للعمال، والأجانب من ضمنهم، من يسمون أنفسهم بالنقابيين، وجميع العاملين من منظمات وناشطين على إنصاف العاملات في المنازل، كما أكدت مديرة «كفى» زويا روحانا خلال ترحيبها بنحاس.
قبل استقالة نحاس، وفي ظل التسريبات عن القرارات التي كان يعدّها، كان إلغاء نظام «الكفيل»، الذي لا يرفضه وزير العمل السابق فقط، وإنما يحذر من مجرد الانزلاق إلى مجرد استعمال التوصيف، على بعد قوسين أو أدنى.
وفي ظل التسريبات التي كانت ترشح عن الرؤية التي كان يعمل عليها مع فريق عمله لمقاربة قضية العاملات الأجنبيات، بدت القضية التي «شوهت» على مدار السنوات الطويلة الماضية سمعة لبنان والعائلات اللبنانية لناحية انتهاك البعض لحقوق العاملات في المنازل، تأخذ وجهة مختلفة تكتسي صيغة الاحترام، والأهم إعادة التوازن المفقود بين رب العمل والعاملة، مع حفظ حقوق الطرفين.
ومع ذلك، ساهمت جلسة نقاش الأمس في رسم خريطة طريق للمنظمات والجمعيات العاملة في مناصرة العاملات المنزليات في لبنان، عبر الرؤية التي أصبحت جاهزة وصيغت في قرار من ضمن صلاحيات وزارة العمل، ولا تحتاج إلاّ إلى إقراره، كما أكد نحاس أمس.
واعتذر نحاس عن عدم تمكّنه من توقيع القرار «في الفترة الفاصلة ما بين لحظة تقديم الاستقالة وما بين لحظة قبولها بالحفاوة التي شهدتموها، لأسباب بيروقراطية»، تتعلق بآلية عمل إدارات الدولة. ودعا نحاس المنظمات والجمعيات والناشطين إلى الضغط لإصدار القرار، بدل الغوص في البحث عن قوانين خاصة يرفضها هو شخصياً عن «قناعة تامة بضرورة عدم تمييز العاملات الأجنبيات عن بقية عمال لبنان، وأهمية شمولهن بقانون العمل اللبناني والضمان».
وإلى أن يتم تعديل المادة السابعة من قانون العمل اللبناني الموضوع في العام 1946، والذي قدمه نحاس كاقتراح، وضع مع فريق عمله «من الأصدقاء»، كما سمّاهم، آلية تسمح صلاحيات الوزير بإصدارها في قرار إداري.
وعلمت «السفير» أن القرار - الآلية يغيّر كل نظام استقدام العاملات المعمول به حالياً، على أن تنحصر مهمة مكاتب استقدام العمال باستقدامهم فقط، بعد الاتفاق المسبق ما بين العامل أو العاملة وبين رب العمل على حرية التعاقد بينهما، خصوصاً بالنسبة لإقامتها في منزله أم في سكن مستقل، على أن يحدد الراتب وفقاً للعقد ومحتواه. وبذلك، تصبح علاقة العاملة لدى وصولها في لبنان مستقلة عن المكاتب ومرتبطة برب العمل وحسب. ووفقاً لعقد العمل يحق للعاملة التعاقد مع رب عمل آخر، ولا تبقى إقامتها محكومة بصلتها برب العمل فقط. وتكون هذه العملية مضبوطة وفق آلية محددة تشرف عليها المؤسسة العامة للاستخدام بهدف حماية مصلحة الطرفين، بما يحول دون تحوّل العاملة إلى رهينة من جهة، ودون ضياع حق رب العمل من جهة ثانية.
وتحدّد الرؤية أيضاً ساعات العمل والعمل الإضافي والراتب وفقاً للعقد المسبق الموقع قبل مجيء العاملة إلى لبنان، ويتم وضع آلية مصرفية لدفع الراتب عبر إنشاء حساب مصرفي مرفوعة عنه السرية. وإذا لم يتم دفع الراتب يبلغ المصرف وزارة العمل مباشرة للتدخل. والأهم أن العقد ينص على وجود شخص له الصلاحية بمتابعة شؤون العاملة لدى وزارة العمل، وتحدده العاملة بعد فترة من قدومها، وقد يكون محامياً أو جمعية مهتمة بقضاياهن.
وبذلك يعيد نحاس الاعتبار والمهمة إلى «المؤسسة العامة للاستخدام» التي أكد رئيس اتحاد نقابات الطباعة والاعلام ورئيس المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين اديب أبو حبيب، ان مرسوم إصدارها يلغي وجود مكاتب الاستخدام، مؤكداً انه تم استبدال الاستخدام بالاستقدام للتلاعب على القانون واستيلاد حوالى 400 إلى 500 مكتب كما هو حاصل حالياً.
وكان نحاس الذي أكد انه يشارك بصفة شخصية وليس رسمية، قد رأى «أن مبرر وجود وزارة العمل بالنسبة للعديد من الناس كان يقتصر على العمال الأجانب ولا سيما الخادمات المنزليات، لكون الوزارة مستقيلة من أي مهمة أخرى منذ عقود».
ورداً على سؤال عن علاقة الأمن العام الذي يبدو أنه «يحتكر» التعامل مع العمال الأجانب، أكد نحاس انه ناقش الموضوع مطولاً مع المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، وأن الأخير أكد أن الأمن العام يهتم فقط، «وهذا حقه» وفق نحاس، بمعرفة مكان إقامة العامل، وأنه مستعد للتعاون في الآلية التي تراها الوزارة مناسبة. وأشار نحاس إلى انه اقترح على الأمن العام إنشاء وحدة مشتركة بينهم وبين وزارة العمل لتوفير ذهاب المواطنين وإيابهم ما بين دوائر المؤسستين، وأن توافقاً تاماً يوجد حول هذا الموضوع.
وكانت منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً» خصصت جلسة الأمس التي أدارتها غادة جبور لمناقشة نظام بديل عن نظام الكفالة، وفقاً لورقة عمل أطلقتها للحؤول دون «جعل أكثر من مئتي ألف عاملة مقيمة في لبنان عرضة للاستغلال والاتجار بالبشر، كما وتعريضهنّ لاستلاب أبسط حقوقهنّ من خلال ترسيخه لعلاقة «الخادم والمخدوم» وتعزيزه للاختلال القائم في توازن القوى بين طرفي هذه العلاقة»، كما أكدت روحانا.
وعليه، عرضت المحامية والباحثة كاثرين هاميل مضامين الدراسة التي خلصت إلى أنّ «نظام الكفالة» يعزز علاقة التبعية بين صاحب العمل والعاملة، ولا يؤمّن المرونة اللازمة لانتقال العاملة إلى عمل آخر، وينتقص من حقها في التمتع في حرية التنقل، وكذلك حقها في الحماية القانونية والحصول على تعويضات.
وبناء على نتائج تحليل معطيات الواقع اللبناني من جهة، والمقارنة بين الإجراءات المتبعة من قبل دول بريطانيا والبحرين وهونغ كونغ من جهة ثانية، أوصت هاميل بزيادة المرونة في انتقال عاملات المنازل المهاجرات إلى عمل آخر، وفصل العلاقة بين صاحب العمل والعاملة، وتحسين آلية الاستقدام والتشدّد في تنظيم المكاتب، وتخفيض عدد المهاجرات غير الشرعيات، والحدّ من هشاشة وضعهن، وضمان الحماية الاجتماعية والتعويضات القانونية، وإنشاء هيئة تنسيق وطنية وبناء وتطوير قدرات المؤسسة الوطنية للاستخدام.
وشدد أبو حبيب على ضرورة رفض مبدأ الكفيل وإعادة الاعتبار للقوانين، من خلال ضم فئة العمال الزراعيين وعاملات المنازل لقانون العمل. ورأى أن الحركة النقابية اللبنانية لم تتعاط مع هذه الفئة من العاملات جدياً، وانه لا بد من قوننة حقوق العاملات بالمنازل بما فيها حقهن بالسكن خارج المنزل. وأبدى أبو حبيب أسفه لأن لبنان لم يصدق على الاتفاقية المتعلقة بالخدم المنزلي لغاية الآن.
نشرت فى 27 فبراير 2012
بواسطة housemaids
محاربة انتهاك حقوق عاملات المنازل، من خلال إعداد برامج توفر المساعدة القانونية والاجتماعية لهن، وشملهن في مظلة قانون العمل، وتغيير الأفكار النمطية المتعلقة بعملهن. »
تسجيل الدخول
ابحث
عدد زيارات الموقع
18,256