لطالما سمعت عن شارع المعز دون أن أذهب إليه حتي وقت قريب، حيث ذهبت إلي هناك في رحلة نظمتها مجموعة علي الفيس بوك. كان أول ما زرنا في هذا الشارع مستشفي قلاوون، لم ندخل المستشفي ولكننا فقط مررنا من أمام البوابة. من أطرف وأجمل المعلومات التي سمعتها عن هذا المستشفي هي أنه كان به قسم لعلاج الأرق من خلال حكي القصص وعزف الموسيقي لمن يجدون صعوبة في النوم. ذكرني ذلك بالأوقاف التي كانت موجودة في الدولة الإسلامية من قبل، والتي كانت تسمي "مسلي المريض" أو "جلساء الخير" أو "المؤنسين" حيث كان يدفع من أموال الوقف أجر لأشخاص نظير جلوسهم للتحدث بجوار المريض بالمستشفي عن حالته لتسليته ورفع معنوياته، وآخرين يجلسون إلي المرضي يتحدثون إليهم ويؤانسونهم لرفع حالتهم المعنوية.
ثم زرنا ضريح ومدرسة قلاوون والتي كان يدرس فيها الفقه علي المذاهب الأربعة. ويعد ضريح قلاوون ثاني أجمل ضريح بالعالم بعد تاج محل بالهند.
كما زرنا قبة السلطان نجم الدين أيوب، وسبيل كَتُخدَا، وسبيل وكتاب ومسجد سليمان أغا السلحدار، وبيت السحيمي (الذي يحتوي علي 115 غرفة فقط!). لفت نظري في الأماكن التي زرناها بصفة عامة اتساع الأماكن وجمالها وذوقها. وظللت أتساءل: ماذا كانوا يفعلون بكل هذه المساحات الضخمة؟ فقلت لعلهم كانوا يستخدمونها كمدارس والتي كانت منتشرة في ذلك الوقت أيضا.
رأيت أحد المنازل مازال محتفظا إلي حد ما بالمعمار الإسلامي، وسرحت بخيالي قليلا لأتخيل شوارع القاهرة في ذلك الوقت والتي بدت لي جميلة، ذات بيوت متناسقة في أشكالها، وكيف أن ذلك كان يؤثر بالطبع علي نفسية الناس وذوقهم.
أيضا، كنت أنظر في الأرض، وفي المباني، والمحلات، وأتطلع إلي أوجه الناس الذين يعيشون في هذا المكان العريق الذي يصل عمره إلي آلاف السنوات. كنت أنظر وأقول في نفسي: هل هناك أناس يسكنون في هذه الأماكن؟ (لا أعرف ولِمَ لا!) هل يشعرون بنفس المشاعر التي يشعر بها زائرو الشارع من انبهار وفضول للمعرفة؟ أظن أن إلف المكان قد أخمد جذوة هذه المشاعر عندهم. وهكذا يفعل إلف الشيء.
أما أكثر مكان أعجبني فهو جامع الحاكم بأمر الله. المسجد واسع، وهاديء، يطير فيه الحمام ويعيش بأمان، مما ذكرني بالمسجد الحرام. شعرت في هذا المكان بهدوء وطمأنينة، وتمنيت لو أنني جلست وقتا أطول، لولا أنني كنت قد استنفدت كل طاقتي واشتقت فعلا إلي العودة إلي بيتي.
لو قُدِّر لي وكررت هذه الزيارة، فسوف أقرأ عن المكان قبل الرحلة ولن أعتمد فقط علي الإرشاد. كما أنني سألتقط صورا لكل شيء أشعر تجاهه بأي شعور، وتجول في بالي حوله أي خاطرة حتي أسجل تحت كل صورة هذه المشاعر والخواطر.
<!--<!--
ساحة النقاش