منذ شهر أو أكثر قليلا، كانت أمي تستمع إلي برنامج ديني في التلفاز، ثم قالت لي أن الشيخ ذكر أن الصحابة كانوا يستعدون لرمضان قبل قدومه بأربعة أشهر!
وفي الأيام الماضية لاحظت أن بشاير مسلسلات رمضان قد هلت علينا، فلقد بدأت بعض الفضائيات تستعد لرمضان بما "لذ وطاب" من المسلسلات من الآن، بل وتعرض منها بعض اللقطات إمعانا في التشويق. ويبدو أنهم أخذوا عن الصحابة فكرة الاستعداد لرمضان قبله بفترة كافية، ولكنهم لم يأخذوا عنهم كيفية هذا الاستعداد، وفضلوا الاستعداد بطريقتهم الخاصة!
وتزامن هذا "الاستفزاز الفضائي المسلسلي" أنني كنت أستمع إلي إحدي محاضرات الدكتور/ راغب السرجاني عن فتح الأندلس، وبالمناسبة.. هذا الفتح العظيم للأندلس (التي ظلت مسلمة لمدة ثمان قرون متتالية) تم في رمضان، وبدر كانت في رمضان، وعين جالوات التي كانت بداية النهاية للمغول كانت في رمضان، وانتصار 73 كان في رمضان، وغيرها وغيرها من انتصارات المسلمين.
المهم، وأنا أستمع إلي إحدي هذه المحاضرات، طرح د. راغب تساؤلا منطقيا: لماذا وكيف تحول شهر رمضان، شهر الانتصارات، إلي شهر المسلسلات الجديدة والفوازير؟ فبدأت أقارن في ذهني بين الحق والباطل (ولا أعمم كلامي طبعا علي كل ما يعرض، لأن مما يعرض في التلفاز مفيد.. إلا أنني معترضة علي توقيت عرض بعض هذه الأشياء. لماذا رمضان بالذات؟). وأنا أقارن، سألت نفسي، لماذا دائما صوت الباطل عالٍ؟ لماذا الباطل نشيط؟ لماذا الباطل يظهر بصور جذابة ومبتكرة وشيقة؟ وفي المقابل، لماذا أهل الحق نائمون هكذا؟ ولماذا لا يتفننون في استخدام أدوات العصر للظهور بطرق جذابة جديدة؟ هل يكتفون بأن معهم الحق؟ وأخذت أتساءل لماذا لا نستعد نحن أيضا لرمضان من الآن؟ وأين مقدمو البرامج الدينية؟ هل أعدوا ما سوف يقدمونه لنا في رمضان؟ هل بدأت القنوات الدينية مثل هذه التنويهات؟ الله أعلم.
وفي خضم هذه المقارنة المترتبة علي ذاك الاستفزاز، رأيت Event علي الفيس بوك يدعو أصحابه إلي الاستعداد لرمضان، فسعدت بهم جدا – جزاهم الله خيرا. إذن، يبدو أنني لست وحدي التي فكرت بهذه الطريقة. وهذه بشري.
أرجو أن تكونوا أنتم أيضا قد استُفُزِّيتُم، وبناء عليه ... ليأخذ كل منا خطوة يتقرب بها إلي الله، ولتكن هذه الخطوة هي أن ننشر فكرة الاستعداد لرمضان بين أهلينا، وأصدقائنا، ومعارفنا. واذكروا كيف تجري أيام رمضان كل عام قبل أن نكون تحمسنا و"سخنّا" بالدرجة التي تليق بهذا الشهر الذي ننتظره من العام إلي العام، وعندما يأتي نتمني ألا ينتهي.
سؤال أخير: هل سيستوي في الثواب والعتق من يترقب ويعمل لرمضان قبله بفترة طويلة، بالذي يترقبه قبلها بفترة قصيرة، بالذي يتذكره قبله بأيام قلائل، بالذي يفاجأ به وقد دخل عليه؟ طبعا، لا ننكر أن الثواب أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، ولا يمكننا قياسه أو تحديده، ولكننا فقط نأخذ بالأسباب.
اللهم أعلِ صوت الحق... اللهم بلغنا رمضان، وبلغنا ليلة القدر... اللهم تقبله منا...
قولوا آمين... وقولوا أهلا رمضان :)
ساحة النقاش