الأحد 28 مارس – الساعة السادسة عصرا تقريبا – في البلكونة
في الأسابيع الأخيرة، بدأت تجذبني ألوان الأزهار في الشوارع حتي أنني أتوقف لأتأمل أوراقها وألوانها. وبالأمس علمت أن معرض الزهور مقام الآن بحديقة الأورمان. اقترحت علي صديقتي أن نزوره معا، فلبيت النداء فورا :)
وأنا صغيرة، كنت أتخيل أن الوردة عبارة عن دائرة صفراء صغيرة، تحوطها غالبا دوائر حمراء، ولها عود أخضر. ولكن يالهذه الأشكال والألوان المتنوعة التي رأيتها أمس بالمعرض. ألوان لم تخطر لي علي بال، وأشكال لم تخطر لي علي بال. فهذه زهرة تتدرج ألوان أوراقها من الأصفر إلي اللبني. وهذه الزهرة تتكون من دورين من الأوراق الصغيرة: أحدهما بنفسجي والآخر أزرق. وهذه زهرة تشبه السمكة، وهذه ملمسها كالقطيفة. هذا إلي جانب توليفات الألوان التي لم أكن أتخيل أن تتناسق مع بعضها، والأزهار مختلفة الألوان التي تنبت من نفس الشجرة. سبحان الله.. هذه هي الكلمة التي رددناها مرات ومرات ونحن نسير بين الأزهار. من ضمن الأزهار التي استوقفتني والتي قلت لصديقتي عنها "بجد أنا مش قادرة أشيل عيني من عليها" زهرة صغيرة ذات أوراق رفيعة لونها موف فاتح تتوسطها دائرة صفراء (معذرة لو أنني لا أستخدم الأسماء العلمية في وصف الأزهار، ولكن هذا لأن دراستي كانت أدبية، وبصراحة لم أكن أحب الأحياء!). المهم، أعجبتني جدا هذه الزهرة لدرجة أن صديقتي أصرت أن تشتريها وتهديها لي. في البداية، ترددت في اقتناء هذه الأزهار بصراحة لأنني لم أتعلم كيف أعتني بالأزهار، وقلت في نفسي: "هو انت عندك وقت ولا فيك دماغ؟" ولكنني رددت علي نفسي قائلة: "وماله.. اسألي البياع وانت بتشتريها هاتعتني بيها إزاي، ولو الموضوع صعب بلاش منه.. أما لو سهل، فليه متجربيش حاجة جديدة مجربتيهاش وانت صغيرة؟"
عدت إلي المنزل وأنا سعيدة جدا بزيارتي لمعرض الزهور، وبالزهور التي أهدتها لي صديقتي. وقد وضعتها بالبلكونة، وبين الحين والآخر، أزيح الستارة وأنظر إليها ثم أمشي. وأحيانا أقترب منها وأتأمل أوراقها، وأتأمل الأزهار التي بدأت تتفتح منها، وأتأمل ألوانها. وأنا الآن أكتب هذه الكلمات وأنا جالسة أمامها، أكتب قليلا ثم أتطلع إليها وأبتسم وأقول "سبحان الله".
خطر ببالي وأنا في المعرض خاطرة وهي أن الإنسان فعلا يتغير، فأنا لم يخطر ببالي يوما أن أهتم بزيارة معرض للزهور وأكون متحمسة لمثل هذه الزيارة، بل قد أتعجب ممن يزورون مثل هذه المعارض، وأتصور أنهم أناس مرفهون و"بالهم رايق"، ولكني غيرت رأيي هذا بالطبع، لأنها فعلا زيارة "تروق" البال.
هذا كان في النصف الأول من اليوم. أما النصف الثاني من اليوم فقد زينته ضحكات ابن خالي محمد – حفظه الله- ذي الربيعين من العمر. لم أستطع مقاومة اللعب معه متناسية تعب اليوم وما علي من مسئوليات، فأنا لا أراه إلا كل حين وحين. وأتعجب أحيانا من الأطفال، إذ أنهم يضحكون علي حركة بسيطة قد لا تجد أنت أنها مضحكة أو مسلية من الأصل. ولكنك تفاجأ أنهم يضحكون، بل يقهقهون، منها مرات ومرات حتي أنك تمل ولا يكونون هم قد ملوا. وضحكات محمد علي لعبي معه هي من الأشياء التي تشعرني بالسعادة، وتشعرني بأنني قمت بشيء كبير كبير كبير جدا علي بساطته. وأشعر أن اللعب مع الأطفال الصغار هو من الأشياء التي تملأ القلب بالرحمة والرقة، وجربوا بأنفسكم.
وهكذا كان يوما زينته ألوان الزهور وضحكات محمد :)
ساحة النقاش