"التأثيرات الحيوية والفسيولوجية والنفسية لصيام رمضان" معز الاسلام عزت فارس ماجستير تغذية الانسان/ كلية الزراعة - الجامعة الأردنية التأثيرات النفسية للصيام وانعكاساتها على الحالة الصحية والتغذوية للصائم جعل الله عز وجل صيام رمضان فريضة يتعين على كل مسلم بالغ عاقل أن يؤديها، وقد أبان الشارع الحكيم عظم الفوائد التي ينطوي عليها صيام رمضان، فقد قال عز من قائل: ( وأن تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون ) وهذه الخيرية الواردة في الآية الكريمة لا تقتصر فقط على الجانب الروحي والنفسي فحسب، بل وعلى الجانب الجسمي والحيوي، بحيث يكون صيام رمضان نشاطا روحيا وجسميا يرتقي بالانسان جسما وروحا. وفي هذه العجالة، سنحاول أن نلقي الضوء على بعض التغيرات الوظيفية والحيوية التي تحدث خلال شهر رمضان الفضيل. التأثيرات الحيوية والفسيولوجية لصيام رمضان لقد أثار صيام شهر رمضان عند المسلمين اهتمام وعناية العديد من الباحثين، الذين رأوا ان في صيام رمضان تغييرا في السلوك التغذوي والمعيشي خلال فترة زمنية محددة تصل الى 29- 30 يوما، وفي فترة زمنية يومية تصل الى 17 ساعة، الأمر الذي يترتب عليه احداث تغييرات فسيولوجية وحيوية في جسم الانسان بسبب طول وانتظام فترة الصيام، حيث تظهر هذه التغيرات في القياسات الفيزيائية للجسم (الأنثروبومترية) ومن اهمها وزن الجسم، وفي مكونات الدم ومن اهمها سكر الدم (الجلوكوز) والدهون وحمض البول. اولا: القياسات الفيزيائية للجسم (الأنثروبومترية) او (القياسات الجسمية):- االوزن: تشير الدراسات التي اجريت على مجموعات من الصائمين أن وزن الجسم قد تغير في نهاية شهر رمضان على شكل زيادة أو نقصان في الوزن مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل الشهر او بعده، بنسبة تصل الى -3.6 % و +2.4 % كمعدل للنقصان والزيادة على التوالي. ومن الأسباب التي يعتقد أنها تؤدي الى زيادة الوزن تناول كميات كبيرة من الحلويات الغنية بالدهون والسكريات خلال فترة الافطار، بالاضافة الى الافراط في تناول الطعام بعد فترة الصيام، كما تعزى هذه الزيادة الى بعض الممارسات الخاطئة لدى بعض الصائمين والمتمثلة بكثرة النوم والجلوس وقلة العمل، خلافا لما يجب أن يكون عليه حال المسلم من العمل والعبادة خلال الشهر الكريم. أما نقصان الوزن وهو ما اشارت اليه معظم الدراسات، ونسبته اكبر من نسبة الزيادة في الوزن (-3.6 الى + 2.5 %)، فهو يختلف أيضا باختلاف الوزن الأصلي والجنس وطبيعة العمل والممارسات الغذائية، فمن خلال الدراسة التي اجراها الأستاذ الدكتور حامد التكروري (2) والتي اجريت على ثلاث مجموعات مختلفة الوزن: أظهرت النتائج أن نسبة الانخفاض في الوزن كانت للمجموعة الأولى (مجموعة مفرطي الوزن) اكبر من نسبة الانخفاض في المجموعات الأخرى ( 2.62 كغم للمجموعة الأولى، 2 كغم للمجموعة الثانية، و 0.64 للمجموعة الثالثة)، وقد عزى الباحث ذلك التباين في نسبة الفاقد من الوزن الى عوامل عدة، منها: كما أظهرت الدراسة أن معظم النقصان الذي طرأ على وزن الجسم قد حدث في النصف الأول من شهر رمضان، حيث كانت نسبة النقصان في التصف الأول 67% و 70 % من الوزن الكلي المفقود للمجموعتين الأولى والثانية على التوالي، وتشير بعض الدراسات الى ان معدل الفقد في الوزن خلال النصف الأول من الشهر تراوح ما بين 56% و 81 % (1) وسوف نأتي لاحقا على ذكر العامل المسبب لذلك. وقد بينت الدراسة أن الانخفاض في وزن الجسم يتباين تبعا للجنس، حيث كان الانخفاض في الوزن عند الصائمين الذكور أعلى منه عند الاناث، بمقدار 0.34 كغم، أي بنسبة 18.18 % لصالح الذكور، وهذا الامز يتغير تبعا للطبيعة المعيشية والاجتماعية لأفراد المجتمع، فقد أظهرت دراسة أجريت في ماليزيا على مجموعة من النساء الماليزيات المسلمات أن نسبة الفقد في الوزن كانت عند النساء أكثر منها عند الرجال. (4)(1) ويمكن تفسير هذا التغير في الوزن الى أسباب أهمها: وفيما يتعلق بتأثير صيام رمضان على وزن الاطفال حديثي الولادة، فقد أثبتت الدراسات التي اجريت على النساء الحوامل واللاتي يمارسن فريضة الصيام انه ليس لصيام شهر رمضان أي تأثير سلبي على معدل وزن الأطفال حديثي الولادة، وبغض النظر عن فترة الحمل التي حدث خلالها الصيام، بل ان بعض الدراسات التي أجريت على هذه الفئة من الأطفال أظهرت أن معدل الوزن لهذه الفئة كان أكبر عند الأمهات اللواتي مارسن فريضة الصيام خلال فترة حملهن منه عند الأمهات اللواتي لم يمارسن هذ الفريضة (1). ويمكننا أن نستنتج مما سبق أنه وبالرغم من كل الممارسات الخاطئة المتبعة خلال شهر رمضان المبارك، فيما يتعلق بالسلوك التغذوي والمعيشي، الا ان شهر رمضان كان له الأثر الواضح في التقليل من وزن الجسم والمحافظة عليه من الآثار المدمرة للوزن الزائد والسمنة، ولنا ان نتصور كيف سيكون عليه حال الصائم لو حافظ على آداب الصيام وسننه وحرص على تطبيق أهدافه وفلسفته، فعندها ستكون النتائج أعظم والفوائد أعم وأشمل (2). فقد أظهرت احدى الدراسات والتي اجراها خمايسة ورفاقه، أنه قد طرأ ارتفاع كبير وملحوظ على محتوى الدم من الكوليسترول النافع وبنسبة تصل الى 31.9 % مقارنة مع محتوى الدم لهذا النوع من الدهون بعد شهر من انتهاء شهر رمضان (بناء على ان الجسم يرجع الى وضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل الصيام بعد مرور شهر على صوم رمضان)، لأن كل التغيرات تزول بعد شهر واحد، ما عدا وزن الجسم، وهذا بدوره سيعمل على تقليل نسبة الكوليسترول الكلي الى الكوليسترول النافع وتقليل نسبة النوع الضار الى المفيد في الدم ومن المعروف من الناحية الطبية أنه كلما أنخفضت تلك النسب فان ذلك سيقلل من الاصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، لما للنوع النافع من دور في ازالة الكوليسترول الضار المترسب على جدار الأوعية الدموية ونقله الى الكبد لتمثيله هناك (11). 2. الجليسيريدات الثلاثية: اظهرت العديد من الدراسات ان معدلات الجليسيريدات الثلاثية في الدم تميل الى الانخفاض بشكل طفيف خلال شهر رمضان كما اظهرت دراسات اخرى ان معدلات الجليسيريدات الثلاثية قد زادت خلال هذه الفترة ويرجع هذا التغير بشكل اساسي الى محتوى الاغذية المتناولة خلال فترة الافطار من المواد السكرية والنشوية (الكربوهيدرات) حيث ان الزيادة في تناول الاغذية الغنية بهذه المغذيات يرتبط بشكل وثيق مع الزيادة في محتوى الدم من هذا النوع من الدهون ولكن وبسبب انخفاض محتوى الطاقة المتناولة خلال شهر رمضان سواء من المصادر الكربوهيدراتية او الدهينة بالنسبة لما قبل شهر الصوم فان معدلات الجليسيريدات الثلاثية تميل الى الانخفاض مع نهاية الشهر ومن الادلة على ذلك انخفاض معدلات الاوزان بشكل عام خلال هذا الشهر (كما اشرنا الى ذلك سابقاً) والتي تعكس انخفاضاً في محتوى الطاقة المأخوذة الامر الذي سيقلل حتماَ من محتوى الدم من هذه الدهون (1) (6) (7). 3. التغيرات في محتوى الدم من سكر الجلوكوز: لاحظ الباحثون الذين اجروا فحوصات على محتوى الدم من سكر الجلوكوز ان مستوى هذا السكر يميل الى التغير بشكل طفيف وغير ملحوظ خلال شهر رمضان سواء بالزيادة او النقصان وذلك تبعا لطبيعة الاغذية المتناولة خلال فترة الافطار وخاصة فيما يتعلق بمحتوى الاغذية من الدهون والسكريات فقد لاحظ احد الباحثين ان محتوى الاغذية من الكربوهيدرات والدهون تاثيراً ايجابياً وسلبياً على التوالي لكل منها فيما يتعلق بمحتوى الدم من سكر الجلوكوز (1) (6) (9). 4. التغير في محتوى الدم من حمض البول: يحاول بعض المغرضين في الغرب الايحاء بأن الصيام قد يؤدي الى جفاف الجسم واضطراب محتوى الدم من الاملاح المعدنية وارتفاع نسبة حامض البول فيه. الدم وفي الحقيقة فقد لوحظ ان هنالك ارتفاعاً ملحوظاً في محتوى الدم من حامض البول في نهاية شهر رمضان حيث وصل هذا االرتفاع الى 38% (1) عن المحتوى الاصلي كما في بعض الدراسات وفي المقابل اثبتت بعض الابحاث الرصينة التي اجريت على عينات من الصائمين ان محتوى الدم من حاض البول لم يتغير خلال فترة الصيام، كما اشارت دراسة اخرى الى ان حاض البول قد انخفض خلال الاسبوعين الاولين من الصيام الا انه ازداد زيادة طفيفة في الاسبوعين الاخيرين (3)، وبالرغم من حصول ارتفاع في محتوى الدم من هذا الحامض الا ان هذه الزيادة لا ترقى الى الحد الذي تسبب فيه اعراضاً مرضية كداء النقرس او مايعرف بداء الملوك. والسبب في ذلك ان هذه الزيادة تحدث مرة واحدة في السنة خلال فترة مؤقتة وتزول مباشرة بعد انتهاء شهر رمضان ولا ندري فقد تكون لهذه الزيادة فوائد صحية وطبية لم يشأ الله عز وجل ان يظهرها على اهل العلم والاختصاص ونبقى نحتكم الى اصل عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الا وهو قول الحق جل وعلا (وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون) وقد لاحظ الباحثون في احدى الدراسات أن تناول غذاء غني بالدهون أحادية اللااشباع، مثل زيت الزيتون، خلال شهر رمضان قد منع حدوث ارتفاع في مستوى حمض البول، والذي يعتمد في زيادته على محتوى الأغذية من الدهون المشبعة، (3) وبهذا فانه يمكننا ان نقلل من الزيادة في هذا المركب من خلال تناول كميات اضافية من زيت الزيتون والتقليل من تناول الاغذيةالغنية بالدهون المشبعة ومصادر البيورينيات والبيرميدينات (والتي ينتهي تمثيلها بتكوين "حمض البول" في وجبات الافطار والسحور). التأثيرات النفسية للصيام وانعكاساتها على الحالة الصحية والتغذوية للصائم: ان المتأمل في فلسفة الصيام وغايته يجد ان عملية الصيام لا تعدو عن كونها عملية تربوية تتم فيها تربية النفس وتهذيبها والأرتقاء بها عن الولوغ والاغراق في اشباع الغرائز والرغبات، فيصبح الانسان قادرا على تجنب اي أمر يتبين له ضرره أو أذاه، لذلك كان صيام رمضان أفضل وسيلة للتخلص من العادات السيئة، التغذوية وغير التغذوية، مثل الادمان على شرب الشاي والقهوة والمشروبات الغازية، والتدخين والتناول المتكرر والمستمر للأطعمة طوال اليوم كما يحدث عند بعض الناس، ولعل هذا الجانب من أهم العوامل التي تساعد المرضى المصابين بالسمنة على التخفيف من حدة هذه المشكلة، حيث يشكو الكثير من المصابين بهذا الداء من عدم المقدرة على مقاومة الطعام وضعف التحمل وضبط النفس عند وجوده، فيكون الصيام بذلك دافعا لهم على مقاومة النفس ودفع هواها تجاه شهوة الطعام. (6) كما ان آداب الصيام واخلاقه تلزم المسلم الصائم بالابتعاد عن كل مظاهر الغضب والانفعال، عملا بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: " اذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث ولا يصخب، فان سابه أحد أو شاتمه فليقل: اللهم اني صائم" متفق عليه، وهذا السلوك الاخلاقي على درجة عالية من الأهمية لأي انسان، وخاصة لدى المرضى المصابين بمرض السكري غير المعتمد على الانسولين، وذلك ان الانفعال والضغط النفسي لدى هذه الفئة من المرضى لهما آثار سلبية على صحتهم، حيث يعمل الانفعال والغضب على زيادة محتوى السكر في الدم نتيجة لافراز هرمون الانفعال "الكاتيكولامين"، وبالتالي فان اي عامل مهدىء للاعصاب كالاسترخاء أو غيره سيعمل على التخفيف من حدة الزيادة في سكر الدم، لهذا فان المرضى المصابين بالسكري غير المعتمد على الأنسولين ينصحون بالصيام كوسيلة لتخفيف محتوى السكر في الدم، بينما يمنع المرضى المصابين بالسكري المعتمد على الأنسولين من الصيام بسبب التغيرات الطفيفة التي تطرأ على محتوى الدم من هرمون الأنسولين المسؤول عن تنظيم السكر في الدم.(6) وكما أشرنا مسبقا، فان للعبادات البدنية كالقيام في شهر رمضان دورا في تنظيم عمليات هضم وتمثيل الغذاء وفي زيادة صرف الطاقة، وذلك ان الصلاة يتم فيها استعمال وتحريك معظم الأعضاء والعضلات في جسم الانسان، وهي تصنف من ضمن الأعمال خفيفة النشاط فيما يتعلق بالطاقة المصروفة. وفي النهاية يمكننا أن نستخلص أبرز الأسباب التي تجعل من الصيام وسيلة فاعلة للمحافظة على صحة الجسم وحيويته:
ساحة النقاش