شرح عمدة الأحكام – ح 8 ، 9 في صفة الوضوء

 ح 8

عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه ، فغسلهما ثلاث مرات ، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا ، ثم قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا ، وقال : من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه .

 هذا نص الحديث في العمدة .

والذي في الصحيحين من روايات تتعلق بغسل الرجلين :

ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك .

ثم غسل رجليه ثلاث مرات .

ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين .

م غسل كل رجل ثلاثا .

ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ، ثم اليسرى ثلاثا .

 قال ابن حجر – رحمه الله – :

قوله " ثم غسل كل رجل " كذا للأصيلي والكشميهني ، ولابن عساكر " كلتا رجليه " وهي التي اعتمدها صاحب العمدة .

 

ح 9

عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال : شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فدعا بتور من ماء ، فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكفأ على يديه من التور ، فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل يديه في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ، ثم أدخل يديه فمسح رأسه ، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه

وفي رواية : بدأ بمقدّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه .

وفي رواية : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجنا له ماء في تور من صُفر .

التور : شبه الطست .

 

فيهما مسائل :

1 = من روايات الحديثين في الصحيحين :

 في رواية لحديث عثمان رضي الله عنه : ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك .

 ومن روايات حديث عبد الله بن زيد :

فغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثاً .

فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين .

ثم غسل رجليه إلى الكعبين .

ثم غسل وجهه ثلاثاً ويده اليمنى ثلاثاً ، والأخرى ثلاثاً ، ومسح برأسه بماء غير فضل يده ، وغسل رجليه حتى أنقاهما .

 = لما فرغ المصنف – رحمه الله – من ذِكر حُـكم الماء ومن ذكر ما يُحمل فيه الماء - وهو الآنية – شرع في ذِكر صفة الوضوء .

 2 = المصنف عادة لا يذكر الراوي عن الصحابي إلا لفائدة .

والفائدة هنا أن حُمران يروي قصة عثمان وفعله وقوله .

وفي حديث عبد الله بن زيد أورد الراوي عن الصحابي وهو يحيى المازني لأنه يحكي مُشاهدته لمجيء عمرو بن أبي الحسن وسؤاله لعبد الله بن زيد رضي الله عنه .

وأورد الراوي عن يحيى المازني وهو ابنه عمرو وفائدة ذلك أنه جاء في رواية للبخاري : عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال : كان عمي يُكثر من الوضوء قال لعبد الله بن زيد : أخبرني كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فدعا بتور .

وعمّـه هو عمرو بن أبي الحسن . نصّ عليه ابن حجر – رحمه الله – .

 3 = أن حديث عثمان مع حديث عبد الله بن زيد عُمدة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

والوضوء جاء الأمر به في الكتاب والسنة

قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ )

 4 = قوله في حديث عثمان رضي الله عنه : دعا بوَضوء . بفتح الواو يعني به الماء الذي يُتوضّأ به .

وقد جاء في رواية في الصحيحين : دعا بإناء .

 وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه : فدعا بتور من ماء .

 5 = بدء الوضوء بغسل اليدين فيه دليل على أنه لا علاقة للوضوء بالاستنجاء .

فمن أراد الوضوء فلا يُشترط له ولا يُشرع له أن يغسل قبله أو دبره إلا لحاجة مثل من به سلس بول ونحوه .

 6 = جواز الاستعانة بالغير في الوضوء ، وفيه خدمة أهل الفضل في الوضوء ونحوه .

7 = حرص الصحابة على تعليم الناس أمور دينهم التعليم العملي ، دون الاكتفاء بالتعليم النظري .

وعثمان رضي الله عنه مع شدة حياءه لم يمنعه ذلك من أن يُعلّم الناس ابتداءً ويتوضأ أمام الناس .

فقد جاء في رواية للبخاري عن حمران أنه قال : أتيت عثمان بن عفان بطهور وهو جالس على المقاعد ، فتوضأ فأحسن الوضوء .

8 = حرصهم رضي الله عنهم على التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والسؤال عن هديه

 9 = الفرق بين الوَضوء والوُضوء .

الأول يُطلق على الماء الذي يُتوضّـأ به .

والثاني يُطلق على فعل الوضوء .

 10 = قوله " فأفرغ على يديه " فيه دليل على سُنيّة ذلك ولو لم يكن قام من نوم ؛ لأن اليدين مَظِـنّة الغبار والوسخ

 11 = استحباب التثليث في الوضوء . بمعنى أن يغسل كل عضو ثلاث مرات .

وإن غسل بعضها ثلاثاً وغسل البعض الآخر مرتين جاز .

وإن اقتصر على غسلة واحدة بحيث يعمّ الماء محل الغسل من العضو جـاز أيضا .

 12 = لم تُذكر التسمية على الوضوء هنا كما أنه لم يذكر النيّـة ؛ لأنه يصف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصف القول وما دونه .

 13 = وقد ثبت حديث التسمية على الوضوء ، وللشيخ أبي إسحاق الحويني رسالة لطيفة بعنوان " كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية على الوضوء " .

والصحيح وجوب التسمية على الوضوء ، غير أنه إذا نسي التسمية سقطت بالنسيان .

 14 = المضمضة والاستنشاق والاستنثار .

في حديث عثمان رضي الله عنه مُبهمة ، وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه جاء فيها التفصيل .

ثلاثا بثلاث غَرفات .

يعني يأخذ الماء بيده اليمنى ثم يقسم الغَرفة بين الفم والأنف ، فيتمضمض ببعضها ويستنشق ببعضها .

 14 = لا يُشترط في المضمضة تحريك الماء في الفم .

فلو وضع الماء في فمه ثم مجّه وألقاه أجزأه .

وقالوا : لو وضع الماء في فمه ثم بلعه أجزأه .

لكن لو حرّك الماء في فمه أو أمرّ أصبعه على أسنانه لكان أبلغ في المضمضة .

 15 = الاستنثار يكون باليد اليسرى ، وقد تقدّم في شرح الحديث الرابع .

 16 = جمهور العلماء على أن المضمضة والاستنشاق سُـنّـة .

واستدلو على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يتوضأ كما أمره الله .

والله لم يأمر بالمضمضة والاستنشاق .

17  = حـدّ الوجه الواجب غسله في الوضوء .

من الأذن إلى الأذن عرضا ، ومن منحنى الجبهة إلى أسفل الذقن طولاً .

 18 = حُـكـم الترتيب في الوضوء .

الذي يظهر أن الترتيب في الوضوء واجب لأن الترتيب في كتاب الله له مقصد .

ولم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فبدأ بغسل رجليه أو بدأ بغسل يديه قبل غسل وجهه .

والفعل إذا كان بياناً للواجب دلّ على الوجوب .

 19 = هل يُرتّب في غسل اليدين والرجلين ؟

إذا غسل اليد اليسرى قبل اليمنى ، أو غسل القدم اليسرى قبل اليمنى ، هل يجوز ؟

لا يجب الترتيب في العضو الواحد .

قال ابن قدامة رحمه الله : ولا يجب ذلك لأن اليدين بمنـزلة العضو الواحد ، وكذا الرجلان ، فإن الله تعالى قال : (وَأَيْدِيَكُمْ) و (وَأَرْجُلَكُمْ) ولم يُفصِّـل . والفقهاء يُسمون أعضاء الوضوء أربعة ؛ يجعلون اليدين عضوا ، والرجلين عضوا ولا يجب الترتيب في العضو الواحد . اهـ .

 20 = يُعفى عن تأخير المضمضة والاستنشاق إلى ما بعد غسل الوجه لفعله عليه الصلاة والسلام .

فقد أُتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء فتوضأ ، فغسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا ، ثم مضمض واستنشق ثلاثا ، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا . رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني .

فَدَلّ تأخير المضمضة إلى أنها منفصلة عن غسل الوجه .

ودلّ أيضا على أنه يجوز تأخيرها عن غسل الوجه .

 21 = هل غسل المرفقين داخل في غسل اليدين وكذلك الكعبين ؟

الصحيح أن غسل المرفقين داخل في مسمى غسل اليد .

وكذلك غسل الكعبين داخل في غسل القدمين .

 22 = الخطأ في غسل اليدين

بعض الناس إذا وصل إلى غسل اليدين بدأ بغسل اليد من المرفق إلى مفصل الكف أو من مفصل الكف إلى المرفق ، ولا يغسل الكف بِحُـكم أنه غسله قبل الوضوء .

وهذا خطأ لأن من أمر الماء على يديه من مفصل الكف إلى المرفق أو العكس لا يصدق عليه أنه غسل يده كما أُمِـر .

والواجب أن يغسل يده من أطراف الأصابع إلى المرفقين ويُدير الماء على مرفقيه .

23 = المسح على الرأس وكيفيته .

يبدأ المسح من مُقدّم رأسه إلى أن ينتهي بمؤخرة الرأس ثم يُعيد يديه إلى مقدّم رأسه .

وإن عكس ذلك فله وجه كما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه .

ففيه : فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة .

 وثبت عنه عليه الصلاة والسلام تكرار المسح أحيانا .

ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما . رواه أبو داود .

وعلى هذا تنخـرم قاعدة : كل ممسوح فتكرار مكروه . وهي قاعدة غير متفق عليها وغير مُطّردة .

 24 = ويمسح رأسه بماء جديد غير ما بقي بيديه من غسل يديه .

" ومسح برأسه بماء غيرِ فضل يده "

 25 = مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ناصيته وعلى العمامة ، ومسح على رأسه لما لبّده في الحج .

وعليه فيجوز للمرأة أن تمسح على الحناء أو ما تضعه على رأسها إذا كان يشق إزالته .

 26 = غسل القدم إذا كانت مكشوفة .

والمسح عليها إذا لبس الجوارب بشروطها وسيأتي الكلام عليه استقلالاً .

 27 = لا يُشرع للمسلم عند الوضوء ذِكر إلا التسمية قبل الوضوء ، والتشهد بعده ، ولا يصح حديث في الذِّكر على أعضاء الوضوء .

 28 = لا يُشرع مسح الرقبة عند الوضوء بل هو من المُحدَثات ، وكل مُحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .

 29 = ما المقصود بحديث النفس في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يُحدّث فيهما نفسه "

حديث النّفس ينقسم إلى قسمين :

قسري ، وهو الذي لا يُمكن ردّه .

اختياري ، وهو الذي يُمكن ردّه ، ولو تمادى فيه لا تحصل له فضيلة المغفرة الواردة في حديث عثمان رضي الله عنه .

 30 = ما يُكفّر من السيئات في قوله صلى الله عليه وسلم : " إلا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه "

الصحيح أنها الصغائر دون الكبائر ، والكبائر تحتاج إلى توبة واستغفار .

ولابن رجب – رحمه الله – تفصيل حول المسألة في جامع العلوم والحِكم .

ولابن القيم – رحمه الله – تفصيل آخر أيضا في الجواب الكافي .

 31 = الفروق بين حديث عثمان وحديث عبد الله بن زيد

حديث عثمان رضي الله عنه تضمن وصف الفعل والقول وذكر صلاة ركعتين .

في حديث عثمان فأفرغ على يديه ، وفي حديث عبد الله بن زيد فأكفأ وهما بمعنى واحد .

في بعض روايات حديث عبد الله بن زيد غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ، بينما التّثليث في جميع الأعضاء هو الوارد في حديث عثمان .

في حديث عبد الله بن زيد نُصّ على أن المضمضة والاستنشاق كانت ثلاث مرات بثلاث غرفات ، بينما هي مُبهمة في حديث عثمان رضي الله عنه .

في حديث عبد الله بن زيد تفصيل كيفية المسح على الرأس ، وأخذ ماء جديد لرأسه ، بينما هذا لم يُفصّل فيه في حديث عثمان .

 32 = سُنن الوضوء

تخليل الأصابع .

المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم .

تخليل اللحية .

الذِّكر بعد الوضوء .

 33 = هل للمتوضئ أن يُنشّف أعضاء الوضوء ؟

نعم . لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فقد روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له خرقـة يُنشِّف بها بعد الوضوء .

 وقد أطلت وجمعت بين شرح الحديثين ؛ لأن موضوعهما واحد وهو صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

والله تعالى أعلى وأعلم .

المصدر: عبد الرحمن السحيم
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 19 يوليو 2010 بواسطة heavenbliss

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

51,478