تهدف الخدمة الاجتماعية إلى المساهمة في تحسين المستوى المعيشي للناس اقتصاديا واجتماعيا أي المساهمة في تحقيق المصالح العامة للمجتمعات وهي لا تهدف إلى تحقيق أهداف شخصية للقائمين بها أو العمل على إشباع رغباتهم وميولهم.
وتستند المهنة إلى معرفة عملية وأساليب فنية ومهارات تدربوا عليها لكي يستطيعوا تأدية مهامهم بكفاءة بهدف مساعدة الناس على معرفة مشكلاتهم والتوصل إلى حلول لها في حدود الإمكانيات المتاحة وذلك في إطار تغيرات في النظم الاجتماعية. ومن المشكلات التي تواجه الدول في الوقت الراهن وأيضاً الأفراد والجماعات فيها ما انعكس من نتائج سلبية للعولمة وبات لنا من الدافع الحاجة الماسة إلى ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية بأسلوب يلائم هذه الأوضاع الجديدة سواء على مستوى الدول أو الوحدات الأصغر لكي ما تضطلع بمسئولية مهنية مهمة في هذا الصدد وهذه المسئوليات لا تستهدف المواجهة الشاملة لأنها تسهم مع تخصصات إنسانية أخرى من خلال أساليبها العلمية ومهاراتها الفنية للتخفيف والحد من الآثار الضارة التي تتمثل في صورة خروج عن الأمر والتوجيه مما يفقد الولاء والانتماء للهوية الوطنية واختراق للكيانات والدول في خصوصيتها مما أدى إلى استحكام الأزمة الاجتماعية كزيادة معدلات البطالة في الدول النامية وإفلاس المرافق العمومية وانهيار في سياسات الضمان الاجتماعي وزيادة نسبة الفقر وفساد نظام الإدارة. وتتضح العلاقة بين ممارسة الخدمة الاجتماعية ومواجهة الآثار السلبية للعولمة حيث أنها إحدى المهن التي تعمل في مجال مواجهة التحديات التي تواجه العلاقات الإنسانية الطبيعية وأصبحت الرعاية الاجتماعية ركناً هاماً تقدم في إطارها العديد من الخدمة الاجتماعية التي بدأت في التقلص سواء في حجم أو نوع هذه الخدمات وذلك كنتاج لتلك السياسات المنتهجة من قبل الشركات الضخمة التي أصبحت أساساً قوياً من أركان المجتمع المعاصر تؤثر في حياة كل فرد بشكل أو بأخر وعلى الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل الذي حققه المجتمع حديثاً فمازال الإنسان هو محور الحياة على هذا الكوكب وأنه يتفاعل مع غيره ذلك التفاعل الذي يؤدي إلى إثراء حياته من ناحية ولكنه من ناحية أخرى قد يكون مصدراً لكثير من المتاعب والمشكلات ومن ثم فالمشكلات الفردية والجريمة تؤثر على حياة الإنسان ومن هنا يظهر إسهام الخدمة الاجتماعية مع المهن الأخرى في هذا المجال حيث تقوم الخدمة الاجتماعية بمساعدة الأفراد على التكيف مع النظم الاجتماعية ومحاولة تغيير نظم المجتمع في مناطق الخلل وبهذا يتضح أهمية هذا الدور الذي يمكن أن تقوم به المهنة في مكافحة تلك الآثار السلبية من زاوية تخصصها بالتنسيق مع بقية التخصصات لمواجهة العواقب الخطيرة للعولمة التي تتجسد في تهميش دور الدولة والعمل على غياب خدماتها الأمنية والصحية والثقافية وغياب الضوابط والقواعد الحاكمة للسلوك وظهور القوى الطامعة والجريمة المنظمة وقوى الاستغلال والانتهازية والقهر والبلطجة ونمو آليات ووسائل ساحقة كاسحة ضارة بالمنظومة القيمية في المجتمع مما يعنى ذلك الهيمنة وإلغاء الهوايات الثقافية والقومية والحضارات وهنا لابد أن تسعى الخدمة الاجتماعية إلى إقناع الأفراد والجماعات بالتعامل الصحيح مع ظاهرة العولمة وذلك بتحديد الذات الوطنية في كل أبعادها والعمل على تغيير الكثير من الاطروحات والمشروعات التي تتخذ أبعاد حضارية تدعو إلى التخلي عما يتمسك به الشعوب من قيم ونظم اجتماعية تجعل نسيج المجتمع متماسكا قادراً على مواجهة تلك التيارات الوافدة التي تستهدف انهيارها بصورة مباغته وشاملة. ويمكن بلورة ما دفع الباحث لإجراء هذه الدراسة العديد من العوامل وأهمها:- - طغيان العولمة على المجتمعات وما تتركه من أثار مدمرة تتطلب التدخل المهني للمواجهة. - معرفة الأدوار المهنية التي يمكن أن تسهم بها الخدمة الاجتماعية في مواجهة الآثار السلبية للعولمة وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة. - اتساع نطاق تناول الظاهرة في العديد من التخصصات وردود الأفعال واسعة النطاق حول الظاهرة في معظم دول العالم بصفة عامة وفي الدول النامية بصفة خاصة. - استمرار جهود ومتطلبات مناهضو العولمة في كل مناسبة وكان آخرها المظاهرات التي صاحبت المؤتمر الاقتصادي بدبي وكل منتدى أو مؤتمر يكون البنك الدولي أو صندوق النقد طرفا فيه.
* ويمكن أن نحدد مفهوما للخدمة الاجتماعية في الصياغة التالية:- هي مهنة ذات طرق علمية لخدمة الإنسان والنظام الاجتماعي ويساعد كل منهما على حل مشكلاته وتنمية قدراته ويساعد النظم الاجتماعية على حسن القيام بدورها كما تعمل على إيجاد نظم اجتماعية جديدة تظهر حاجة المجتمع إليها في سبيل تحقيق رفاهية أفراده وتقوم على أسس وحقائق علمية وبهذا تؤدي ممارسة الخدمة الاجتماعية إلى التحسين والتغيير في المجتمع وتتضمن هذه الأنشطة العمل السياسي وتنظيم المجتمع ونشر التعليم في إدارة الخدمات الحكومية والتطوعية.
المعايير المهنية لممارسة الخدمة الاجتماعية
والجدير بالذكر هنا المعايير المهنية لممارسة الخدمة الاجتماعية وهي كالآتي:-
1- وجود عميل.
2- وجود مؤسسة (هيئة – منظمة – جمعية).
3- الأسلوب الفني المستخدم.
4- تحديد طبيعة سمات العميل.
5- تحديد المشكلة.
6- تحديد الاستخدام المهني.
7- تحديد الخدمة المطلوبة.
8- خدمة مهنية كافية.
9- مهارات فنية.
10- الالتزام بقيم وأخلاقيات المهنة.
11- نظم ولوائح مهنية.
12- المسئولية المهنية.
* أما العولمة فتعددت الرؤى حول تحديد مفاهيم لها باعتبارها نظام عالمي جديد يقوم على ثورة معلوماتية قائمة على تقنية غير محدودة دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العمل وبهذا تتضمن أعداد هائلة من الاقتصاديات المحلية والإقليمية والوطنية في اقتصاد عالمي شامل لا مكان فيه للمخالفين وبهذا تعبر عن عالم يتحرك فيه رأس المال بغير قيود وتعتمد على الهيمنة الثقافية والاقتصادية وإزالة الحدود التفكيرية للدول الصغيرة وتعتمد في ذلك على آليات جديدة تحقق المستهدف. وأجريت هذه الدراسة على عينة قوامها مائتين من الأخصائيين الاجتماعيين في المجالات التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية بالمنطقة الغربية وعينة قوامها مائة من طلاب وطالبات جامعة أم القرى من أبناء المنطقة الغربية (العاصمة المقدسة ومحافظة الطائف ومحافظة جدة) لمعرفة آرائهم حول كيفية إسهام مهنة الخدمة الاجتماعية في مواجهة الآثار السلبية للعولمة وكانت دراسة وصفية تعتمد على استخدام "استمارة استبيان" وتضمنت بيانات حول المبحوث ومدى المعرفة حول العولمة ودرجة تأثيرها وكيفية مواجهة الآثار السلبية من خلال الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية وآراء لوضع سياسات نوعية لمواجهة الآثار السلبية للعولمة من خلال متخصصين آخرين إيماناً من مهنة الخدمة الاجتماعية بضرورة معالجة هذه القضايا بأسلوب ديناميكية العمل الفريقى وتبلورت أدوار الخدمة الاجتماعية من خلال مداخل علمية يمكن ممارستها في المجالات السابق ذكرها مثل العلاج المعرفي والعلاج السلوكي والتمركز حول العميل ويتم تدريب خريجي الخدمة الاجتماعية عليها من خلال مناهج الدراسة في طريقة خدمة الفرد.
* نتائج الدراسة وتوصياتها:-
1- أوضحت نتائج هذه الدراسة أن 99.4% من العينة سمعوا عن العولمة وشكلت وسائل الإعلام حوالي 64.9% من مصادر المعلومات حولها.2- جاءت نتائج الدراسة بتصورات متباينة للمبحوثين حول مفهوم العولمة وآثارها.
3- أكدت نتائج الدراسة أن أخطر الآثار السلبية للعولمة تمثلت في القضاء على الهوية الوطنية ونشر ثقافات مخالفة وتهميش دور الدولة وغياب ضوابط السلوك وزيادة معدلات الجريمة وظهور تيارات سلوكية وافدة تؤدي إلى ظهور أنماط جديدة من العلاقات مما يؤثر سلبيا في الجوانب الثقافية والاجتماعية والمعرفية والسياسية والتعليمية والسلوكيات الدينية لدى بعض الناس.
4- أوضحت الدراسة اختلاف المبحوثين حول وجود جوانب إيجابية للعولمة وكذا تأثرهم بها.
5- وافق غالبية المبحوثين على أن للخدمة الاجتماعية دور يمكن أن تقوم به من خلال المداخل العلمية المشار إليها في مواجهة الآثار السلبية.
6- جاءت الدراسة بتصور علمي حول الدور المقترح للأخصائي الاجتماعي في المجالات التي شملها البحث (التعليمية/ الصحية/ الرعاية والشئون الاجتماعية) من خلال مجموعة من الخطوات كما يلي:- أولاً: مهام عملية يمارسها الأخصائي الاجتماعي:- أ- حصر المشكلات من خلال استطلاعات الرأي والاستبيانات التي يقوم بها. ب- دراسة الظواهر المرتبطة بظهور العولمة وخاصة لدى الشباب للوقوف على أسبابها ومظاهرها والآثار المترتبة عليها. جـ- الاشتراك في وضع الخطة العلاجية مع المتخصصين الآخرين حسب أهداف ووظائف المؤسسة التي ينتمي إليها. د- العمل على تعديل الأفكار والاتجاهات من خلال متطلبات العلاج المعرفي والعلاج السلوكي وتنمية روح الولاء والانتماء لدى الشباب من خلال تطبيق فنيات العلاج الوجودي وفنيات علاج التمركز حول العميل. هـ- إعداد قيادات شبابية في المؤسسات التعليمية لتحمل المسئولية من خلال برامج جماعية تهدف إلى تدعيم النسق القيمى وتدعيم النسق الأخلاقي للشباب. و- الاشتراك في برامج التوعية الدينية مع رجال الدين لتقوية الوازع الديني لدى الشباب. ز- مراقبة سلوك الشباب ورصده وتحليله للوقوف على درجات التأثر من الظواهر العالمية. ح- الإسهام في إقامة مشروعات خدمية لتنمية الوعي الديني وخدمة المجتمع والارتباط به. ط- عقد لقاءات مفتوحة قائمة على الحوار الصريح لمناقشة الأطروحات الفكرية في هذا السياق الفكري للبيئة الإسلامية والعربية والمحلية. ثانياً: التكنيكات المستخدمة لتحقيق هذه المهام:- أ- فنيات العلاج السلوكي. ب- فنيات العلاج المعرفي. جـ- فنيات العلاج الوجودي. د- فنيات علاج التمركز حول العميل.
7- أشارت نتائج الدراسة إلى أن هناك تأثيرات سلبية أخرى اتسمت بالطابع الاجتماعي وتبلورت فيما يلي:- - السيطرة على ثقافة الأطفال بشكل كبير وتفكك أسرى أضعف الانتماء الوطني وتشويش أفكار أكسب مجموعة من العادات السيئة وانخفاض الوازع الديني أدى إلى انحرافات سلوكية وأخلاقية.
8- أوضحت نتائج الدراسة أن رجال الدين لهم دور هام في المواجهة من خلال:- أ- تضمين الخطب والدروس الآثار السلبية للعولمة في كافة الأبعاد. ب- التوضيح من برامج إعلامية مخططة. جـ- نشر الوعي الديني من خلال عقد ندوات ومناقشات مفتوحة مع الشباب تتضمن الأفكار الإسلامية الصحيحة والرد على استفسارات الشباب التي يطرحونها.
9- أوضحت نتائج الدراسة أن المدارس والجامعات والمعاهد عليها مسئوليات محددة للإسهام في مواجهة هذه الآثار السلبية وذلك متمثلا فيما يلي:- أ- توضيح مفاهيم العولمة من خلال تطوير في البرامج التعليمية. ب- التحري والدقة في نشر المعلومات الصحيحة على الطلاب. جـ- حث الشباب على التمسك بالقرآن الكريم والسنة والمصادر التي توجه الشباب وتنشئهم على الدين الحنيف والسلوكيات المرتبطة بذلك. د- التوسع في الندوات والمحاضرات وفتح الحوارات مع الطلاب في المؤسسات التعليمية والجامعية. هـ- القيام بدراسات وبحوث حول الظواهر السلوكية للطلاب للعمل على المواجهة الفعالة القائمة على أسس علمية لتوصيفها.
10- أكدت نتائج الدراسة على ضرورة تضافر جهود الأسرة مع المؤسسات المجتمعية للإسهام الفعال في مواجهة هذه الآثار وذلك من خلال العمليات والخطوات التالية:- أ- التوجيه الأسري للأبناء الذي يتضمن فتح الحوارات مع الأبناء ومناقشاتهم فيما يتعرضون إليه من مشكلات والرقابة والتوجيه اللذان يحققان نمو في شخصية الأبناء وليس الحد من سلوكياتهم حتى لا يحدث مزيد من الضغوط تؤدي إلى انهيار انحرافي إن آجلاً أو عاجلاً. ب- دعم فئات الشباب وزيادة تدعيمهم وفتح مزيد من الأندية ومراكز الشباب التي تمتص طاقتهم وتوجه إبداعاتهم في إطار سياسة موجهه تستهدف بلورة المشاركة الفعالة لهم وكذلك تنمية الولاء والانتماء للوطن والدين. جـ- تدعيم أدوار المعلمين والتدريب المستمر لهم لكيفية التعامل بأسلوب يتفق مع روح العصر من خلال إطار ديني لمناقشة الطلاب في مشكلاتهم وحثهم على التفوق وتنمية القدرات الإبداعية والمهارات لديهم. د- تفعيل أدوار رجال الفكر والثقافة من خلال المنتديات الثقافية وترسيخ الثقافات الصحيحة والرد على ما يفد من تيارات ثقافية أجنبية بالحجة والإقناع والتنوع والتجديد في شكل النشرات الثقافية والمطويات. هـ- حث رجال الأعمال والاقتصاديين لتولى دور في المواجهة من خلال فتح قنوات اقتصادية واستثمارية في البلدان النامية فضلا عن التوسع في المشروعات التي تستوعب المزيد من الشباب في سوق العمل والحد من انتشار السلع الغربية واتباع النظم الاقتصادية الإسلامية في التعامل مع الهيئات الأجنبية ودعم الجمعيات مالياً لتضطلع بمسئوليات في نشر الوعي ومكافحة الآثار السلعية للعولمة ووضع البرامج الكفيلة بالمنافسة في الأسواق العالمية لتحقيق الهوية الاقتصادية الإسلامية. و- هناك مسئوليات يضطلع بها كل فرد في المجتمع للإسهام في مكافحة هذه الآثار تتبلور في المحافظة على المبادىء والتقاليد الأصيلة ودعم وسائل الإعلام والتفاعل معها بإيجابية ودعم الثقة بين القيادات والناس للعمل على زيادة روح الولاء والانتماء وإصلاح ذات البين ومحاربة التقاليد الغربية الوافدة وقبل كل ذلك تدين دور الأسرة في تنشئة وتوحيد أبنائها لتعود إلى وظائفها التي ساهمت العولمة في تركها وهجرها واوكالها لمؤسسات أخرى جنت علينا بالآثار السلبية للعولمة.
11- وأخيراً توصى الدراسة كما جاء في إحدى نتائجها بتفعيل وتدعيم دور الأخصائي الاجتماعي في جميع المستويات والمجالات خاصة في المجال التعليمي نظراً لما تتعرض تلك الفئة العمرية (الموجودة في مراحل التعليم المختلفة) للآثار السلبية ومن ثم وجبت المواجهة من خلال متخصص قادر مُعد إعداداً مهنية يؤهله لممارسة هذه الأدوار ويساير التغيرات الحادثة في المجتمع.
ساحة النقاش