آثر الأزمة المالية العالمية
على الجهاز المصرفي المصري
من المؤكد أن الاقتصاد المصري سيتأثر بالأزمة المالية العالمية التي لحقت بالاقتصاد الامريكى وانتقلت إلى أوروبا خاصة بعد أن تتحول إلى أزمة اقتصادية ستهبط بمعدلات نمو الاقتصاد الامريكى وعدد من الاقتصاديات الأوروبية إلى الصفر ، ونظرا لان الاقتصاد المصري جزء من هذا العالم ومتشابك في علاقات شتى بالاقتصاد الامريكى والاقتصاديات الأوروبية ، فسوف يتأثر بالأزمة بشكل مباشر وسوف يؤثر تراجع معدلات نمو الاقتصاد المصري على البنوك المصرية وذلك في جانب الطلب على خدماتها بشكل اساسى، وسوف نتعرض في هذا الجزء إلى
:-
أولا
:- اثر الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري .
ثانيا
:-اثر الأزمة المالية العالمية على الجهاز المصرفي المصري.
***********
أولا
:
أثر الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري
حقق الناتج المحلى الاجمالى معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة الماضية بلغت 6.8% ، 7.1% ، 7.2% خلال الأعوام 2005/2006 ، 2006/2007 ، 2007/2008 ، ويقدر الناتج المحلى الاجمالى لعام 2007/2008 بنحو 783.2 مليار جنيه ( ما يعادل 142مليار دولار) إلا أن الأزمة المالية العالمية ستؤدى إلى حدوث تباطؤ في الاقتصاد المصري – نتيجة للركود الاقتصادي العالمي – ليتراجع معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى إلى 6% وفى أسوأ الظروف إلى 5% خلال العام المالي الحالي ، وذلك بسبب التشابك مع الاقتصاد العالمي حيث أن 75% من الناتج المحلى الاجمالى يتمثل في التبادل التجاري فنحو 32% من صادراتنا تتجه للولايات المتحدة الأمريكية، 32.5% من الواردات تأتى من أمريكا والاتحاد الاوروبى ، وثلثي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العامين الماضيين من أمريكا وأوروبا .
وتتوقع وزارة التنمية الاقتصادية أن تبلغ صافى الخسائر الناتجة عن الأزمة أكثر من 4 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي ، وأكثر القطاعات تضررا هو قطاع الصناعات التحويلية ، حيث من المتوقع تراجع الصادرات السلعية بنحو2.2 مليار دولار، ففي ظل الانكماش العالمي سيقل الطلب بشكل عام على المعروض من المنتجات مما سيجعل هناك أولوية للطلب على المنتج المحلى للدول التي يتم تصدير المنتج المصري إليها ومن ناحية أخرى سيزيد حجم المنافسة على التصدير ، ونظرا لانخفاض حجم الطلب ستقلل المصانع من إنتاجها مما سيقلل من حوافز العاملين وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للمنتجات مما يؤدى إلى الركود في الأسواق .
كما تتوقع وزارة التنمية الاقتصادية انخفاض الميزان البترولي بنحو مليار دولار حيث انخفضت أسعار البترول من
147 دولار للبرميل إلى 39.5دولار للبرميل ، وانخفاض تحويلات العاملين المصريين بالخارج بما يعادل 600 مليون دولار ، وانخفاض الإيرادات السياحية خلال عام 2009 بأكثر من 2 مليار دولار مما ينعكس على كافة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالسياحة (المقاولات – الأثاث – الصناعات الغذائية –الصناعات الحرفية ... الخ ) وانخفاض إيرادات قناة السويس بنحو 400 مليون دولار(نتيجة لتباطؤ حركة التجارة العالمية ). وبالنسبة للأثر الايجابي على الميزان التجاري فمن المتوقع انخفاض قيمة الواردات بنحو 4 مليارات دولار(انخفاض حجم وأسعار السلع المستوردة ) ومن المتوقع أن تؤثر هذه الخسائر على قيمة الجنيه المصري والذي انخفضت قيمته أمام الدولار من 530 قرشا إلى 550 قرشا .
وبالنسبة للموازنة العامة للدولة فان جانب الإيرادات سيتأثر سلبا نتيجة لتوقع تراجع حصيلة الضرائب والجمارك وحصيلة الخصخصة وستتزايد النفقات العامة على الرغم من توقع انخفاض فاتورة دعم السلع
( انخفاض أسعار البترول – أسعار المواد الغذائية) وسيتم ضخ 15 مليار جنيه لمواجهة أثار الأزمة المالية العالمية مما يزيد من حجم العجز في الموازنة .
ثانيا
: أثر الأزمة على الجهاز المصرفي المصري
يعد اثر الأزمة المالية على الجهاز المصرفي المصري محدودا لعدة أسباب
:-
أن تكامل القطاع المالي المصري في النظام المالي العالمي مازال محدودا وان النظام المصرفي المصري لم يندمج بقوة في النظام العالمي
.
تبنى البنك المركزى المصري خطة إصلاح الجهاز المصرفى خلال الفترة
2004-2008 والتى شجعت على الاندماجات لخلق كيانات مصرفية قوية ، وتضمنت إعادة الهيكلة المالية والإدارية للبنوك وتنقية محافظ البنوك من الديون الرديئة .
الضوابط التي وضعها البنك المركزى المصري في مجال منح الائتمان والقيمة التسليفية للضمان ونسب السيولة والاحتياطى والحدود القصوى لاستثمارات البنك في الأوراق المالية وفى التمويل العقارى والائتمان لأغراض استهلاكية
.. الخ وفى هذا الصدد فان البنك المركزى وضع قواعد ممارسة البنوك لأنشطة التمويل العقارى بما لا يتجاوز 5% من اجمالى محفظة القروض لدى البنك والتناسب بين آجال موارد البنك وآجال الإقراض لأغراض التمويل العقارى ، إضافة إلى حظر وضع اى بنك أكثر من 10% من مجموع ودائعه لدى بنك آخر خارجى لتجنب مخاطر الإفلاس .
الاهتمام بإدارة المخاطر بوضع البنك المركزى المصري مجموعة من القواعد التي تتعلق بأسس إدارة المخاطر الائتمانية وتكوين المخصصات لكل من القروض والالتزامات العرضية والارتباطات والقروض لأغراض استهلاكية ولأغراض عقارية
.. الخ .
توافر السيولة لدى الجهاز المصرفى المصري حيث أن نسبة الائتمان لا تتعدى
52% من اجمالى هذه السيولة ولا تزال في الحدود الآمنة التي تتراوح ما بين 75% إلى 80% .
قوة المراكز المالية للبنوك المصرية والتى تصل إلى
74مليار جنيه (13.4 مليار دولار) حاليا مقابل 37 مليار جنيه عام 2004 .
إن البنوك لازالت في الحدود الآمنة للائتمان العقارى حيث بلغ حجم التمويل العقارى
3 مليارات جنيه فقط .
انخفاض حجم الاستثمارات المالية للبنوك في الخارج مقارنة بحجم ودائعها، وبالنسبة للاحتياطيات الدولية فقد بلغت
35 مليار دولار، 98% منها مودع في سندات وأذون خزانه أمريكية وأوربية وهى سندات ممتازة ومضمونة ، 2% منها مودعه في بنوك عالمية وقوية .
ومع بداية الأزمة المالية العالمية تأثرت البنوك المصرية لعدة أسباب
انخفاض قيمة أسهم البنوك المصرية المدرجة في البورصة المصرية أو في البورصات العالمية
.
انخفاض قيمة أسهم الشركات المصرية المدرجة في البورصة والتى تساهم فيها البنوك المصرية وانخفاض قيمة استثمارات البنوك في الأوراق المالية والتى اشترتها بغرض المتاجرة
.
استثمارات البنوك المصرية في الخارج
( لا تتوافر تقديرات رسمية عن حجمها) وهى حجمها محدود نظرا لضوابط البنك المركزى المصري، ومن غير المتوقع حدوث خسائر كبيرة لها فعلى سبيل المثال تبلغ استثمارات بنك مصر باريس فى سندات ليمان براذرز مليون يورو وهى مضمونة الاسترداد من خلال برنامج حماية الدائنين وأصول البنك التي تغطى التزاماته ، وأيضا خسائر استثمارات البنك الاهلى المصري بنيويورك في ليمان براذرز والتى تبلغ 3 ملايين دولار .
تواجه البنوك أو فروع البنوك العربية والأجنبية في مصر بعض المشاكل بسبب تكبد مراكزها الرئيسية خسائر نتيجة الأزمة ومنها بنك بيريوس مصر ، وبنك عودة مما يؤثر على نشاط هذه البنوك في السوق المصرية وقد يلجأ بعضها إلى تقليص أو عدم التوسع في نشاطها وعلى قيمة أسهمها في البورصة ، وقد يلجأ بعضها الى تقليص حجم العمالة بها
.
تأثرت المحافظ الائتمانية للبنوك نتيجة منح قروض للعملاء بضمان الأسهم والتى سجلت انهيارات حادة في أسعارها
.
تخوف البعض من تأثر البنوك الخاصة بالأزمة المالية وتعرض هذه البنوك لعمليات سحب للودائع منها
(وهو ما حدث مع سيتى بنك )، وهى ودائع لم تخرج من الجهاز المصرفى حيث تم إيداعها بالبنوك العامة .
زيادة الطلب على تحويل المستثمرين الأجانب في البورصة لأموالهم إلى الخارج
.
ومن المتوقع أن يستمر تأثير الأزمة المالية العالمية على البنوك المصرية نتيجة لتأثر الاقتصاد المصري بالأزمة خلال الفترة القادمة نتيجة للعوامل التالية
:-
انخفاض حصيلة الجهاز المصرفى من النقد الاجنبى
(نتيجة انخفاض المتحصلات من السياحة – البترول – تحويلات العاملين من الخارج – قناة السويس – الصادرات السلعية) ويعوض ذلك جزئيا تراجع المدفوعات عن الواردات والناجم عن تراجع الواردات من السلع الوسيطة والرأسمالية والاستهلاكية إضافة إلى توافر السيولة حاليا بالجهاز المصرفى من العملات الأجنبية.
انخفاض معدل النمو في الودائع
(الحكومية – قطاع الأعمال العام – قطاع الأعمال الخاص – القطاع العائلى ) والناجم عن تراجع معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى سواء بالعملات الأجنبية أو بالعملات المحلية .
تراجع حجم نشاط البنوك في مجال التجزئة المصرفية
(قروض شخصية – قروض تمويل سيارات – تمويل عقارى ..الخ) نتيجة لتوقع انخفاض الطلب الكلى على السلع الاستهلاكية أو الإغراض العقارية ، وقد تفرض بعض البنوك ضوابط جديدة على منح قروض التجزئة المصرفية .
تأثر كافة تعاملات البنوك المرتبطة بالتجارة الخارجية أو الداخلية
(الاعتمادات المستندية – خطاب الضمان – الشيكات – التحويلات – البطاقات الائتمانية .. الخ) نتيجة لتراجع نشاط الصادرات والواردات وتراجع معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى ومن ثم تأثر حركة التجارة الداخلية .
اتجاه اسعار العائد الى التراجع حيث سيتجه معدل التضخم الى الانخفاض نتيجة للركود العالمى وانخفاض اسعار السلع المستوردة وقد بدات البنوك بالفعل في خفض اسعار العائد وخاصة على الاوعية الادخارية بالدولار واليورو
.
اثر الأزمة المالية على عملاء البنوك
ستؤدى الأزمة المالية بالإضافة إلى تأثر تعاملات العملاء مع البنوك في مجال الإيداع والاقتراض وكافة الخدمات المصرفية إلى تعثر البعض لعدة أسباب :-
تأثر قطاع الصناعة التحويلية وخاصة المنشآت التي تقوم بالتصدير وأيضا تأثر المنشآت الصناعية التي تقوم ببيع منتجاتها في أسواق محلية نتيجة لتأثر الدخول ، ومن ثم انخفاض قدره هذه المنشات على سداد مديونياتها نتيجة لظهور الطاقات العاطلة أو توقف عمليات التوسع والتطوير وبالتالى تراجع الطلب على الائتمان .
تأثر المنشات السياحية والقطاعات المرتبطة بها نتيجة الانخفاض المتوقع لعدد السائحين والذى يقدر بحوالى
2 مليون سائح عام 2009 .
عدم قدرة بعض أفراد القطاع العائلى على سداد مديونياتهم في مجال قروض التجزئة المصرفية والقروض العقارية والذين تأثرت دخولهم
.
وفى النهاية فان البنوك سوف تتأثر في جانب الطلب على خدماتها خاصة من جانب القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالعالم الخارجى وفى جانب العرض فان قوة المراكز المالية للبنوك وتوافر السيولة سوف تمكنها من تقديم خدماتها المصرفية بدون معوقات ، وسوف تتعاون البنوك مع العملاء المتضررين من الأزمة وذلك في شكل تيسيرات سواء في آجال السداد أو فترات السماح أو إعادة الجدولة
.
اعداد/حازم ابوحبيشي
ساحة النقاش