استزراع شواطئ البحار يؤمن غذاء العالم من الأحياء البحرية
إعداد/محمد شهاب
القاهرة : فى 4/6/2004- د. مصطفى محمد سعيد حسين- رئيس قسم الاستزراع السمكي في مركز بحوث الصحراء - مصر
مع تنامي الزيادة السكانية وتقلص المخزون العالمي للأحياء البحرية، نتيجة التلوث من المصادر المختلفة، وأهمها صرف النفايات وإجراء التجارب النووية في البحار والمحيطات، إضافة إلى استنفاذ المخزون السمكي نتيجة تطور وسائل الصيد، اتجه الإنسان إلى تنمية المصادر الطبيعية التي يحصل عليها من الأسماك وخصوصا البحار والمحيطات. وقد لجأت بعض الدول إلى استزراع شواطئ البحار بعد أن أصبحت تكلفة الصيد مرتفعة وأصبحت السفن تجوب البحار بحثا عن الأسماك وأضحت عمليات الصيد في المياه الإقليمية لدول أخرى تؤدي إلى نشوب خلافات قد تسيئ إلى العلاقات بين الدول. ومع التقدم العلمي اصبح من الممكن إنتاج اسماك بنفس الجودة وبأسعار منافسة من المزارع السمكية البحرية تقل عن أسعار الأسماك التي يتم الحصول عليها بطرق الصيد المختلفة.
* مزرعة طبيعية
* لقد لاحظ العلماء منذ فترة طويلة أن الثلاثة أمتار العليا من سطح البحار والمحيطات هي مزرعة طبيعية لسلسلة من الكائنات النباتية الدقيقة التي تعرف باسم ال«فيتوبلانكتون» التي يعيش عليها سلسلة أخري من الكائنات الحيوانية الدقيقة التي تعرف باسم ال«زوبلانكتون»، وعليهما تتربى كائنات اكبر فيما يعرف بالسلسلة الغذائية التي تتطور حتى تصل إلى كائنات حيوانية ونباتية تعيش في قاع البحار والمحيطات. ويتم بناء مادة هذه الخلايا النباتية فيما يعرف بعملية التمثيل الضوئي التي تتم في الخلايا الخضراء مستخدمة ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء الملاصق لسطح الماء وأشعة الشمس التي تسقط على مياه المحيط.
ومن الغريب أن اكبر الكائنات التي تعيش في عصرنا هذا وهي الحيتان، معظمها مخلوقات نباتية تحصل على غذائها من هذه المزرعة الطبيعية بالحصول على اكبر قدر من المياه ثم إخراجه بعد ترشيحه في شكل نافورة من فتحة أعلى الفم بعد احتجاز الخلايا الموجودة به. وبتكرار هذه العملية تحصل على احتياجاتها الغذائية من هذه الكائنات. ولقد قامت بعض الدول مثل اليابان بتسميد سطح البحار المحيطة بها لتوفير الأملاح الغذائية خاصة الآزوتية والفوسفاتية اللازمة لنمو الغذاء الطبيعي للأسماك لزيادة إنتاجها.
* «استزراع السمك»
* وقد بدأ الاستزراع السمكي (أي تربية الاسماك) البحري في دول جنوب شرق آسيا بحفر أحواض ساحلية بجوار الشواطئ تستغل ظاهرة المد والجزر في تغيير مياهها من دون أن تتكلف مبالغ طائلة في عمليات الإنشاء المختلفة التي تحتاج إليها المزارع السمكية التقليدية. ونظرا لان هذه المزارع تقام على الشواطئ فان مساحة بعضها يصل من 20 الى 40 فدانا للحوض، وبعضها لا يحتاج إلى مفرخات لانتاج الزريعة بل يسمح بدخول الزريعة الطبيعية من مياه البحر والتي تجد ملجأ آمنا في هذه الأحواض. كما يتم تقديم الأغذية المصنعة لها، حيث أن الجدوى الاقتصادية لهذه الأنواع من المزارع عالية بالمقارنة بباقي أنواع الاستثمار الأخرى، كما أنها تقوم باستزراع الأنواع الغالية من الأسماك مثل الدنيس والقاروص والجمبري الذي يجود في مثل هذه المزارع حيث يربى ويتغذى ويتكاثر على الرمال.
أما النوع الثاني من المزارع البحرية فهي الأقفاص السمكية وقد تطورت تطورا كبيرا في السنوات السابقة، فبعد أن بدأت بأقفاص البامبو في دول جنوب شرق آسيا أصبحت الآن تصنع من الخشب المعوم ومن أنابيب الـ PVC والبولي ايثيلين ومن الحديد الغير قابل للصدأ. واصبح لكل شركة التقنية الخاصة بها، وهي تتنافس على زيادة حجم هذه الأقفاص، حتى أن بعضها وصل إلى سعة 100 طن للقفص الواحد، وأصبحت الآن تستخدم وسائل تثبيت يمكن بواسطتها وضعها في المناطق البعيدة من البحر وتشغيلها بأنظمة تحكم من الشاطئ. وقد أحدثت هذه الأقفاص قفزة كبيرة في اقتصادات كثير من الدول خاصة دول حوض البحر الأبيض مثل تركيا واليونان وقبرص حيث تنتج هذه الأقفاص اسماك الدنيس والقاروص المرغوبة في شمال أوربا والتي لا تعرف سوى اسماك المياه الباردة مثل السالمون والتراوت. وتكونت كثير من الشركات في هذه الدول نتيجة العائد الكبير من تصدير هذه الأسماك حتى أن بعضها اصبح يملك اكثر من 7 مفرخات بحرية بطاقة من 2 الى 10 ملايين زريعة لكل مفرخ.
والوسيلة الأخيرة لاستزراع البحار تمثلت في استغلال اللاجونات الساحلية والمنتشرة على امتداد الشواطى وهى عبارة عن أحواض طبيعية موجودة داخل اليابسة ولها فتحة تبادل مع مياه البحر وهذه الفتحات يقام عليها حواجز ذات اتجاه واحد تعرف باسم one way barrier تسمح بدخول الأسماك ولا تسمح بخروجها وهذه اللاجونات يتم استغلالها كمزرعة طبيعية حيث تقام مفرخات الأسماك على حوافها وتنقل إليها زريعة الأسماك إضافة إلى ما يدخل طبيعيا إليها من البحر كما يتم تغذية الأسماك بها بتسميد المياه لزيادة الأملاح الغذائية بها والتي تساعد على نمو الغذاء الطبيعي للأسماك من فيتوبلانكتون وزوبلانكتون، كما توضع بها الغذايات الأتوماتيكية في المناطق الفقيرة في الغذاء الطبيعي. وتحصل الأسماك على غذائها منها عند الحاجة بتحرك مؤشر حساس يتدلى منها ويفتح الغذاية بمجرد تحريكه. وفى اليابان يقوم العلماء بجمع الأسماك الناضجة المحملة بالبيض ويضعونها تحت ظروف التحكم حتى يفقس البيض وتنمو اليرقات ولا يعيدونها إلى مياه اللاجون إلا بعد أن تكون قادرة على مواجهة الظروف البيئية بما يسمح بزيادة معدل حياة هذه اليرقات إلى اكثر من عشرة أضعاف معدلها لو تركت للظروف الطبيعية.
* احواض مصرية
* وفي مصر يوجد العديد من هذه اللاجونات، ففي جنوب سيناء يوجد لاجونا مطارمة والأكمة وفى الساحل الشمالي الغربي يوجد لاجون العلمين واللاجون الشرقي والغربي بمطروح إضافة إلى لاجون السلوم. أما ساحل البحر الأحمر فبه أغنى اللاجونات التي تمتد بطول شواطئه التي تبلغ اكثر من 1000 كيلو متر. أما بالنسبة للأحواض الساحلية فقد أقيمت عدة مزارع في المنطقة من دمياط حتى بور سعيد مستغلة وقوعها بين البحر الأبيض ومياه بحيرة المنزلة، حيث تساهم البحيرة في تخفيف ملوحة الأحواض وتعمل على جذب زريعة الأسماك البحرية من البحر إليها، كما تساعد الملوحة المنخفضة لمياه البحيرة على نمو الغذاء الطبيعي من طحالب وكائنات نباتية وحيوانية دقيقة واللازم لنمو الأسماك.
أما بالنسبة للأقفاص البحرية فلا تزال تجريبية حتى الآن، اذ قامت جهات مختلفة باجرائها مثل الشركة المصرية للصيد ومعداته، ومعهد علوم البحار في مرسى مطروح، والأقفاص السمكية التي أقامتها هيئة الثروة السمكية في منطقة فايد والأقفاص السمكية البحرية التي أقامها مركز بحوث الصحراء في جنوب سيناء.
ويعتبر الاستزراع السمكي البحري حاليا هو الأمل لجمهورية مصر العربية لأحداث طفرة في الإنتاج السمكي من الأنواع البحرية المتميزة ذات القيمة التصديرية العالية التي يمكن أن تجعل من هذا المجال مصدرا هاما للدخل من العملات الصعبة وتوفير العديد من فرص العمل للشباب خاصة أننا نملك الشواطئ التي تحوي افضل مواقع الاستزراع السمكي والتي تتفوق على العديد من دول العالم التي سبقتنا في هذا المجال.
ساحة النقاش