الثورة الزرقاء تجعل الأسماك المستزرعه أكثر من أسماك البحر
إعداد/ محمد شهاب
في أجواء ماطرة على الساحل الغربي للنرويج، يجري ثور هالفور نيجور مسحا للأسماك في الأقفاص الطافية في أكبر مجاري المياه الضيقة في النرويج. يقول نيجور، مدير الموقع الخاص بمزرعة سكريدستيفيك منذ 15 عاما: "هذا مكان جيد للأسماك". كان نيجور يقول ذلك وهو يشير إلى تيار الماء القوي في المضيق الذي يوفر الأوكسجين للأسماك ويساعد في إبعاد الفضلات الناتجة عنها.
تشتهر منطقة سوجنفيورد بمناظرها الرائعة التي تخلب الألباب ومنحدرات الجبال السحيقة التي تمتد لتصل إلى وديان تغمرها المياه. لكن هذا المجرى الضيق هو أيضا واحد من أفضل الأمثلة على زيادة تربية الأسماك، أو ما يسمى بالاستنبات المائي. تمتلك هذه المزرعة شركة مارين هارفيست النرويجية، وهي أكبر منتج لسمك السالمون والتراوت في العالم. وخلال أشهر قليلة سيتم شحن محتويات تسعة من أقفاص سكريدستيفيك إلى محال السوبرماركت وبرادات البقالات في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، التابعة للأمم المتحدة، من خلال هذه العملية، ستكون هذه الشركة ساهمت في نقطة تحول مهمة في موارد الغذاء العالمية: لأول مرة ستفوق الأسماك والأغذية البحرية المستنبتة في هذه السنة الأسماك التي يتم صيدها من البحر مباشرة. قبل ثلاثة عقود فقط كان يتم استنبات 11 في المائة فقط من الأسماك والأغذية البحرية من مزارع الأسماك. ويمكن القول إن هذا أصبح يشكل ضمانة للحصول على مورد ثابت من الأسماك للأعداد المتزايدة من السكان، ولكن لذلك أخطار بيئية أيضا.
وبحسب ألف هيلجي أورسكوج، الرئيس التنفيذي لشركة مارين هارفيست: "الثورة الزراعية تعني أن الناس لم يعودوا بحاجة للصيد، وهو ينطبق على ما نفعله الآن في صيد الأسماك".
وانتشرت تربية الأسماك منذ قرون عديدة، إذ تشير مخطوطات إلى أن الصينيين مارسوا تربية أسماك الشبوط في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبا. كذلك حاول المصريون القدماء تربية الأسماك وهناك دلائل على أن حضارات البحر المتوسط ربت المحار. لكن الاستنبات المائي لم يتطور ليصبح صناعة إلا في نصف القرن الماضي.
وارتفع إنتاج الأسماك المستنبَتة بنسبة 13 في المائة منذ عام 1980. وأنتجت هذه الصناعة في عام 2012 ما قيمته 144 مليار دولار من أسماك السالمون والروبيان والتراوت والأسقلوب وكثير من الأنواع الأخرى. أما كمية الأسماك التي تم صيدها من عرض البحر فقد بقيت ثابتة منذ التسعينيات عند نحو 90 مليون طن في السنة، نتيجة لاستنزاف مناطق أساسية وإدخال نظام الحصص على الصيد.
وأطلقت الزيادة المستمرة في الطلب على أغذية البحر عملية إنتاج للأسماك المستنبَتة لتجعلها تتفوق على إنتاج اللحم البقري من حيث الكميات في عام 2010. ويقع الروبيان والسالمون، وهي الأنواع التي دعم إنتاجها الاستنبات، على رأس قائمة الإجمالي الكلي لتجارة أغذية البحر في العالم، والتي بلغت قيمتها 136 مليار دولار في عام 2013.
ويقول تنفيذيون في الصناعة إن الاستنبات جلب معه تغييرين حاسمين دعما نموها، هما استمرارية الطلب وأسعارا استهلاكية أدنى بكثير من قبل.
وجذبت النظرة المتفائلة لهذه الصناعة مستثمرين جدد. ومن الأمثلة على ذلك شراء ميتسوبيشي، شركة التداول والتجارة اليابانية، أخيرا لشركة الاستنبات النرويجية سيرماك، المختصة في تربية السالمون، مقابل 1.4 مليار دولار، الأمر الذي يشير إلى صحوة الشركات متعددة الجنسيات على الإمكانات الاقتصادية لهذا القطاع.
لكن بعد عقدين من الأداء القوي لهذه الصناعة، بدأت زراعة أغذية البحر تواجه مشاكل متزايدة. وكانت عملية استنبات الأسماك التي أطلق عليها في منتصف القرن العشرين اسم "الثورة الزرقاء" اعتبرت أساسا طريقة صديقة للبيئة من حيث إنتاج الطعام باستخدام موارد ونفايات زراعية محدودة. لكن لم يعد ذلك صحيحا. ففي منتصف الثمانينيات تعرضت الصناعة لضغوط بسبب استخدامها الزائد للمضادات الحيوية في غذاء الأسماك وقضايا بيئية أخرى، مثل تدمير أشجار القَرام (المانجروف) والتلوث من المياه العادمة.
وعلى بعد آلاف الأميال من مجاري المياه الضيقة في النرويج، فإن رحلة طيران فوق منطقة سورات ثاني، في الجزء الجنوبي من تايلاند، تكشف عن أغلب التحديات الخطرة التي تواجه صناعة استنبات الأسماك.
في بحر الصين الجنوبي، يبدو واضحا للعيان الأثر المدمر لما يسمى متلازمة الموت المبكر الذي يضرب الروبيان. فقد اجتاح هذا المرض صناعة تربية الروبيان في تايلاند منذ عام 2012. وهذا يشير إلى مشكلة أكبر بكثير من ذلك، هي القدرة العالية للملوثات الزراعية على تعزيز انتشار الأمراض.
وبحسب أودان ليم، الخبير في صناعة أغذية البحر في منظمة الأغذية والزراعة في روما، على الرغم من عمل هذا الاستنبات بجد على تحسين سجله في المجال البيئي، إلا أن المشاكل التي نشأت من ذلك في الثمانينيات والتسعينيات لا تزال تلطخ سمعة هذه الصناعة".
وبدأت تايلاند التي كانت يوماً أكبر منتج للروبيان في العالم، بتخفيض إنتاجها بمقدار الثلث ليصل إلى 200 ألف طن. كذلك ضرب هذا المرض الدول المجاورة؛ ماليزيا وفيتنام والصين، وانتشر إلى مسافات أبعد وصلت إلى المكسيك. وكانت نتيجة ذلك انخفاض حاد في موارد الروبيان، الأمر الذي تسبب في زيادة الأسعار بنسبة 35 في المائة في السنوات الخمس الماضية.
وقال دانيال جرونبيرج، المستشار في تايلاند: "منذ أن ضرب المرض، انخفض مستوى البقاء على قيد الحياة بين أسماك الروبيان إلى النصف".
وساعد هذا الوباء، إضافة لمرض البقع البيضاء الذي ضرب مزارع الروبيان في التسعينيات، وفقر الدم في السالمون الذي دمر صناعة الروبيان في تشيلي قبل أربع سنوات، على جعل صحة الأسماك من الأولويات. لكن في حين ارتفعت التحديات التي سببها المرض، إلا أن العلوم الخاصة بطب الأسماك - التي لا تزال في مراحلها الأولى مقارنة بالعلوم الزراعية - بدأت تكافح للتصدي لهذا المرض.
فرانك آشه، وهو اقتصادي مختص بعلوم البحار وأستاذ في جامعة ستافانجار في النرويج، يجادل بأن صناعة استنبات الأسماك لا تزال تتعلم الطرق التي تساعدها على التعامل مع المرض. ويقول: "مثل الزراعة، نحن بحاجة إلى الوقاية والعلاج".
وبدأ العلم بالمساعدة. ففي اليابان يتم الجمع بين أساليب المعلومات الجينية والأساليب التقليدية في التكاثر من أجل تطوير سلالات من الأسماك تكون أقل عرضة للمرض. واستطاع تاكاشي ساكاموتو، وهو باحث في جامعة طوكيو للعلوم البحرية والتكنولوجيا، تطوير نوع من أسماك الترس المفلطح يتمتع بالمناعة ضد بعض الالتهابات الفيروسية. ويقول: "باستخدام المعلومات الجينية، نستطيع أن نطور المزيد من الأسماك المقاومة للمرض. هذه هي الوجهة التي يذهب إليها العالم الآن".
آرون ماكنيفن، مدير الاستنبات المالي في صندوق الحياة البرية العالمية، يقول إن الجهود الرامية إلى محاربة المرض خففت من التلوث، لأن الأسماك السليمة تتطلب كيماويات أقل. ويضيف: "لا يزال التلوث في كل مكان، لكن الوضع آخذ في التحسن. الأمن الأحيائي يعمل على التسهيل وتخفيف الأعباء من التلوث".
ويشعر التنفيذيون في الصناعة والمدافعون عن البيئة بالقلق من أن التوجه إلى البلدان التي لا توجد فيها قوانين تنظيمية كثيرة يمكن أن يؤذي الصناعة. وأصبحت ميانمار مركزا جديدا لإنتاج الروبيان. والصناعة في الهند تتوسع بصورة سريعة، في حين أن سمك البلطي، الذي لا يعيش إلا في المياه العذبة، كان محبوبا في البرازيل وعدد من البلدان في إفريقيا.
إلى جانب الأمراض والتلوث، المشكلة الكبيرة الأخرى التي تواجه صناعة المأكولات البحرية هو ارتفاع التكاليف.
ريك باروز، وهو باحث في وزارة الزراعة الأمريكية، يدرس منذ فترة أنواعا بديلة للأغذية التي تعيش عليها الأسماك من أجل التحول عن الطعام التقليدي الذي أخذ يصبح مكلفا بصورة متزايدة، وهو الأسماك الأخرى.
في العادة تتغذى الأسماك المستنبتة على الأنواع التي تكون في البحر، خصوصا الأنشوفي الذي يتم صيده قبالة سواحل تشيلي والبيرو وغيرهما. مثلا، يستخدم مزارعو السالمون 1.4 كيلوجرام من وجبة الأسماك لإنتاج كيلوجرام واحد من السالمون، التي انخفضت من نسبة 3 إلى 1 في عام 2000. وتشتمل الوجبات التدريجية التي يستخدمها باروز على كائنات حية مثل الخميرة والبكتيريا والطحالب.
وحين كان القطاع في مهده، كانت إمدادات طعام الأسماك وافرة وكانت الأسعار رخيصة نسبيا. لكن في السنوات الأخيرة، مع الارتفاع في استهلاك الزراعة المائية، سجل سعر طعام الأسماك في البلدان المنتجة، مثل البيرو، أيضا أرقاما قياسية عالية.
والارتفاع الحاد في الأسعار يعجل بالجهود الرامية إلى استبدال النباتات، مثل فول الصويا وبذور زهرة الشمس، بالبروتينات من الأسماك. لكن هناك عقبة في الطريق. ففي حين أن الشركات تمكنت من تخفيض محتوى الأسماك إلى نحو ربع الإجمالي المستخدم في إطعام الأسماك، إلا أنها لا تزال تعتمد على الأسماك البحرية من أجل الأحماض الدهنية "أوميجا 3"، المفيدة لصحة الإنسان.
إن تجربة قطاعي الزراعة والمواشي تبين أن التحديات قابلة للحل. لكن السنة السهلة من النمو، حين كانت هناك طفرة في الناتج وتراجعت الأسعار، هي الآن وراء صناعة المأكولات البحرية على نحو لا رجعة فيه. لقد دخل القطاع مياها مجهولة.
لمزيد من المعلومات يمكن التواصل مع الروابط التالية المتعلقة بالمزارع السمكية:
http://www.facebook.com/groups/210540498958655/
http://kenanaonline.com/hatmheet
http://kenanaonline.com/users/hatmheet/posts
https://twitter.com/shihab2000eg
http://www.youtube.com/results?search_query=shihabzoo&sm=3
https://www.facebook.com/pages/%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D9%83%D9%8A%D8%A9-Aquaculture-Press/745767408789564
ساحة النقاش