أسماك الزرد قادرة على تجديد خلايا القلب بعد إصابتها بنوبة قلبية
إعداد/محمد شهاب
كتب محمد شعبان:
على الرغم من الجهود الواعدة التي تتطلع إلى استبدال أو إصلاح تلف القلوب، فإنها ما زالت غير ناجعة، فهل نتعلم طريقة جديدة لإصلاح تلف القلوب من أسماك الزرد؟
عندما يعاني الإنسان نوبة قلبية ولا يتلقى العلاج بالسرعة الكافية، فإن خلايا عضلة قلبه تتضرر بسبب نقص الأكسجين، ومن ثم تتكون ندبات القلب (تلف خلاياه)، وتبدأ خلاياه في الموت. ولأن القلب لا يستطيع إنتاج خلايا جديدة، تتراجع القدرة على ضخ الدم كما ينبغي، مما يؤثر على وظيفة القلب وكفاءته.
إعادة القلب
وهناك اليوم العديد من الجهود الواعدة في مجال الطب التجديدي التي تتطلع إلى استبدال أو إصلاح تلف القلوب. ففي وقت سابق من هذا لعام، زرع جراحون قلب خنزير في مريض بشري لأول مرة، أملا في إبقائه على قيد الحياة، لكنه للأسف توفي بعد شهرين من هذه الجراحة. غير أن بعض الفقاريات السفلية -مثل سمكة الزرد التي تُعرف أيضا باسم "الدانيو المخطط" (Zebrafish)- يمكنها تجديد الأعضاء، بما في ذلك القلب. ولذا، فإن دراسة هذه السمكة بشكل جيد وفهم آليات تجدد القلب فيها قد يساعد على تطوير علاجات تعتمد على الخلايا، أو أدوية تحاكي الجزيئات الموجودة في هذه الأسماك. وأظهرت الدراسات السابقة أن هذه الأسماك الصغيرة والشفافة يمكنها تجديد أنسجة شبكية العين. والآن، أظهرت دراسة بحثية جديدة نشرت في دورية "نيتشر جينتكس" (Nature Genetics) في 21 يوليو/تموز الجاري، أن أسماك الزرد يمكنها أن تجدد أنسجة القلب بعد إصابتها.
إصلاح تلف القلوب
وفي بيان صحفي نشره مركز "ماكس ديلبروك للطب الجزيئي" (Max Delbrück Center for Molecular Medicine) بألمانيا، يقول عالم الأحياء التطورية مؤلف الدراسة جان فيليب يونكر "لقد أردنا أن نعرف الكيفية التي تُمكن هذه السمكة الصغيرة من القيام بذلك".وأشارت الدراسة إلى أن أسماك الزرد قادرة على إعادة إنماء ما يتلف من خلايا القلب لنحو يصل إلى 20% من حجم قلبها الذي يبلغ مليمترا واحدا، وذلك في غضون شهرين فقط من التعرض للإصابة. وأظهرت الدراسة أن خلايا النسيج الضام التي تسمى الخلايا الليفية، هي الموصلات المنوطة بعملية تجديد القلب في أسماك الزرد، وذلك بإنتاجها بروتينات تعمل كإشارات إصلاح.والمثير للإعجاب أن هذه النتائج تأتي معضدة للجهود الرامية إلى استبدال أو إصلاح تلف القلوب. ففي مايو/أيار من هذا العام، تمكن الباحثون من تحديد الخلايا البشرية التي تساعد قلب الإنسان على ترميم نفسه بعد الإصابة بأزمة قلبية.وفي يونيو/حزيران، نجح العماء في مداواة أزمة قلبية لدى الفئران مستخدمين تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) التي تقدم المعلومات الوراثية لخلايا عضلة القلب لتمكنها من إصلاح نفسها.
التعرف على آلية التجدد
وقام الباحثون بصعق قلوب أسماك الزرد بإبرة شديدة البرودة لمحاكاة ما يحدث في الأزمات القلبية البشرية، والتي تعرف أيضا باسم احتشاء عضلة القلب أو الذبحة القلبية (Myocardial Infarction)، ويذكر يونكر أن "من المدهش أن نرى أن الاستجابة الفورية لتلك الإصابة كانت في الأسماك مشابهة لما هو في البشر. لكن بينما تتوقف العملية عند نقطة ما في البشر، فإنها تستمر في الأسماك، إذ تكوّن أسماك الزرد خلايا عضلية قلبية جديدة قادرة على الانقباض".
فحص الباحثون بعد ذلك ما يقرب من 200 ألف خلية قلبية معزولة من أسماك الزرد قبل وبعد الإصابة للكشف عن تسلسلها الجيني، حتى يتمكنوا من اكتشاف الأدلة الجينية التي كانت نشطة في خلايا القلب التالفة.واكتشف العلماء وجود 3 أنواع من الخلايا الليفية التي تنشط مؤقتا لتفعّل الجينات المسؤولة عن إنتاج البروتينات البانية للعضلات، مثل النوع 12 من بروتينات الكولاجين الذي يعزز نمو الأنسجة الضامة.وعندما قام الباحثون بتثبيط هذه الجينات في أسماك الزرد، لم تعد خلايا قلوبها قادرة على التجدد مرة أخرى. ويذكر يونكر أن تلك الخلايا الليفية التي تنتج هذا النوع من الكولاجين "تتكون في منطقة الإصابة الصحيحة".
مسارات جديدة
وعلى الرغم من الدور الرئيس الذي تلعبه الخلايا الليفية، فقد أشارت بعض الدراسات السابقة التي أجريت على أسماك الزرد أيضا، أن الملتقمات البلعمية الكبيرة (نوع من الخلايا المناعية) هي التي توفر الاستجابة السريعة اللازمة لتجديد القلب. كما أشارت دراسة أخرى إلى أن النخاب (epicardium) -الطبقة الخارجية من القلب- هي المحور الأساسي لتجديد القلب، وهو ما أيدته أيضا الدراسة الحالية.وقام الباحثون بهندسة الخلايا جينيا ومن ثم تتبعوا الخلايا الليفية المُنَشطة، ووجدوا أنها تكونت في منطقة النخاب، وأن الكولاجين -من النوع 12- قد أُنتج في تلك المناطق فقط.
ويشير باستيان سبانجارد -وهو أحد مؤلفي الدراسة- أن تجدد القلب في أسماك الزرد يعد عملية معقدة للغاية، تتأثر بالعديد من العوامل الأخرى. وقد أنتجت التجارب كمية هائلة من البيانات، ولذا كان اختيار الإشارات البيولوجية الصحيحة من بين هذا الكم الهائل من البيانات أمرا شاقا للغاية".
وسيكون هناك حاجة للمزيد من الدراسات التي تؤكد تطابق هذه النتائج في نماذج أخرى من الكائنات، كالفئران والبشر.
ساحة النقاش