التلوث يهدد المزارع السمكية فى وادى مريوط
إعداد/محمد شهاب
«الأهرام التعاوني» زارت وادى مريوط وجمعية الاستزراع السمكى بها، والتقت بعدد كبير من منتجى الأسماك، واستمعنا لشكاواهم ومشكلاتهم.
تحقيق تامر دياب
وتستمر معاناة منتجى الأسماك البحرية فى وادى مريوط نتيجة لمعدلات التلوث الزائدة والتى تتسبب فى نفوق الأطنان من السمك البحرى الفاخر مرتفع الثمن.ارتفع منسوب مستوى الماء فى البحيرة لنحو ثمانية أقدام تحت مستوى البحر. وكانت تغطى مساحتها نحو 200 كم عند بداية القرن العشرين، ثم تقلصت مساحتها لتبلغ نحو 50 كم عند بداية القرن الحادى والعشرين. يفصلها عن البحر الأبيض المتوسط ما يعرفه الجغرافيون بالـ«برزخ»، وعليه بنيت الإسكندرية. يشرح يسرى أبو ريده، صاحب مزرعة سمكية فى وادى مريوط، وسكرتير جمعية وادى مريوط للإستزراع السمكى، أبعاد المشكلة فيقول: نحن نستزرع نوعين رئيسيين من الأسماك البحرية وهما الدنيس والقاروص، إضافة لبعض المزارع التى تربى الجمبرى والسهلية وأحيانا البلطى فنحن نعتمد عى إستزراع الأسماك البحرية، لأن مياه بحيرة الوادى مالحة. ويضيف يسرى أبو ريده: نعانى فى الفترة الأخيرة من تدمير مزارعنا نتيجة إنشاء محور أبو ذكرى الذى دمر معظم المزارع السمكية القائمة المنتجة إضافة لما نجم عنه من تلوث جراء إلقاء آلاف الأطنان من الرمال والأتربة والصخور فى البحيرة فاتجه حوالى 90 % من أصحاب المزارع للإستزراع فى الأقفاص، والتى لا تصلح لتربية الجمبرى ويقتصر التربية بها على القاروص والدينيس، وننتظر انتهاء إنشاء المحور لنعرف مصير ومستقبل الأحواض المتبقية ونعود لإستزراع الجمبرى.
ويكمل سكرتير جمعية وادى مريوط للإستزراع السمكى قائلا إن القاروص هى السمكه المميزة فى الإستزراع ببحيرة وادى مريوط لتناسب البيئة تماما معها كمياه ملوحتها مناسبة فتعطى معدل نمو مميز، وعند حساب تكلفة إستزراع فدان أسماك يجب أن نعلم أن البنية الأساسية هى أصل نجاح المشروع فالفدان يستوعب 4-5 ألف زريعه إصبعيات وزن 40-50 جراما محضنين وكنا العام الماضى نشترى 2 جرام من المفرخات الحكومية بـ 3-3.5 جنيه وصلت فى سعرها هذا العام لأكثر من الضعف وكذلك العلف الذى كنا نشتريه حتى شهر يناير 2023 بـ 17-20 ألف حسب معدل البروتين به لكنه وصل الآن إلى 54 الف جنيه من أرض المصنع بنسبة بروتين 42 % وهذه زيادة فى السعر تتعدى الـ 200 %.ويضيف أبوريده: سمكة القاروص المصرية معروفة عالمياً بتميزها وجودتها أما سمكة اللوت التى تتعدى بعد عامين أو ثلاثه من التربية وزن الـ 4-5 كيلو جرامات ولذا نناشد المسؤولين سرعة حل مشكلات المزارع السمكية بوادى مريوط جراء إنشاء محور أبو ذكرى.
إغلاق المزارع
ويكمل سكرتير جمعية وادى مريوط للإستزراع السمكى: أغلقت معظم المزارع عملها وأوقفت التربية خاصة مع إيقاف جهاز تنمية البحيرات عمليات التأجير فى المنطقة لحين انتهاء إنشاء المحور، وعندما تواصلنا مع إدارته فى القاهرة أخبرونا أن هذا المشروع بعد إنتهائه سيتم النظر ما الذى سيتم فى المزارع، فنحن حالياً 110 مزرعه فى وادى مريوط تبلغ مساحتها الإجمالية حوالى 33 أف فدان قبلى وبحرى، متوسط كل مزرعه من 50-100 فدان ولا توجد مزارع صغيره حيث تعدى الإنفاق على إنشاءات كل مزرعه 30-50 مليون جنيه .وأكد أن هذه الملايين التى أنفقت ليست بأسعار اليوم بل هى سلسلة من الإنشاءات إمتدت لـ 15-20 عام أى كانت مبالغ هائله آنذاك، أنفقت على البنية الأساسية والمعدات والإنشاءات والأقفاص والمولدات والمخازن وخلافه فقد كنا نشترى لفة الغزل بـ 800 جنيه هى الأن بـ 15 ألف جنيه وكان متر الخشب بـ 600 جنيه هو الأن بـ 15 ألف جنيه.وتابع أبو ريده: حصلنا على دورات تدريبية على أعلى مستوى للوصول لإنتاج أفضل منتج سمكى عالمى نافسنا به جميع دول العالم ونجحنا فى دخول السوق الأوروبى والأميركى التى تصلنا وفود تقييم منها بشكل دورى ولدينا شهادات جوده عالمية لمزارعنا.
جهاز البحيرات
ويقول أيمن كمال فهمى، خبير الإستزراع السمكى وأحد أصحاب المزارع بوادى مريوط: أنا فى الأساس خريج إقتصاد وعلوم سياسية وكنت أول من أنشاً أقفاص ببحيرة مريوط وقبل دخولى القطاع كان لدى مصنع للموبيليا وملاحات فى دمياط وأراض زراعية، لكنى أعجبت بتربية الأسماك البحرية وكان حلمى أن تكون هذه الـ 33 ألف فدان مساحة وادى مريوط مصدراً لإطعام مصر كلها من السمك البحرى الفاخر، بل لم يكن لدى غرض أخر والدليل أننى كنت أملك بالفعل عدة مشاريع مربحة. ويضيف أيمن كمال فهمى: عندما بدأت الإستزراع السمكى 2007 بوادى مريوط كان إرتفاع مستوى المياه 70 سم فقط وقالوا لنا فى هيئة الثروة السمكية عليكم اولا شراء الأرض من البدو وواضعى اليد ثم إنشاء الأحواض وبعدها يتم الترخيص، وبعد إنشائنا للأحواض بدأ إرتفاع المياه فى الوادى لتتعدى الـ 3.5 متر ثم وصلت لـ 4-5 متر فأغرقت جميع الأحواض وكان البديل لجميع أصحاب المزارع الإتجاه نحو التربية فى أقفاص.
ويضيف خبير إلإستزراع السمكى: شخصياً أنشأت 42 قفص ومددت جسراً بمنتصف المزرعة للوصول للأسماك وتغذيتها ورعايتها ثم لم تقتصر المشكلات على إغراق الأحواض والمزارع بل إمتد الأمر إلى التوقف عن سحب المياه الموجوده فى الوادى فأصبح سطحها مثل «الجيلى» فاختنق كل السمك ومات فى المزارع وفى مزرعتى وحدها مات سمك بحرى عمر 18 شهرا قبل إسبوعين فقط من موعد بيعه وثمنه حوالى 4.5 مليون جنيه، حيث بلغ وزنه 65 طن فقمت ببيعه لمصانع الأعلاف بـ 6.5 ألف جنيه فقط حتى أننا واجهنا مافيا عند البيع ولم يقف مسؤول بجوارنا وضاعت هذه الكميات الهائله من الدينيس والقاروص واللوت. ويكمل قائلا: كان عقدى فى عهد الدكتور محمد فتحى عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية الأسبق 10 سنوات الذى ظل بمزرعتى حتى 5 صباحاً ليتابع بإنبهار كمية الأسماك التى أنتجها وأسمانى يومها بالـ Pioneer أى الرائد فى الإستزراع السمكى بوادى مريوط، لأنى كنت أول من أنشأ الأقفاص السمكية هنا ومعها المسيَّجات، وكانت التغذية أوتوماتيك حيث كانت مساحة المُسيَّج 80 متر طول فى 80 متر عرض فكان يضم كميات هائلة من الأسماك التى كانت تعيش فى مياه الوادى وكأنها فى بيئتها الطبيعية.
حكم محكمة
وقال أيمن كمال فهمى: رغم حكم المحكمة والجهات الرقابية بإيقاف سداد الإيجارات منذ تاريخ ارتفاع المياه وغرق الوادى إلا أنه لم تتم الاستجابة لهذا الأمر وتستمر الهيئة ثم الجهاز فى تحصيلها منا.وتابع بالقول: كنت صاحب توكيل زريعة لمفرخ الوفا الموجود بالإسماعيلية التابع لشركات عثمان أحمد عثمان حتى أمنع شراء أصحاب المزارع للزريعة التى يتم إصطيادها من البحر وكنت أوفر كل ما يحتاجونه من زريعة الدينيس والقاروص فقد كان لدىَّ مبدأ رفض جلب أى زريعة بحرية من البحر نهائياَ، وأن ما يتم إستزراعه فى المزارع يجب أن يكون من إنتاج المفرخات حتى الأنواع التى لا يتم تفريخها كالبورى كنت أرفض جلب زريعتها من البحر حماية لها ولتعيش فى بيئتها الطبيعية.
غياب التخطيط
ويقول الخبير الملاحى دكتور أحمد نصار، أحد أصحاب المزارع السمكية بوادى مريوط، أن المستزرعين يستغيثون لإيقاف تدمير آلاف المزارع السمكية بوادى مريوط وهروب المستثمرين، فهناك 65 مزرعة تكلفت المليارات يتم ردمها وتشريد العاملين ولذا نطالب المسئولين الاستماع لشكاوى أصحاب المزارع لصالح الدولة لأن هناك تعمد لتدمير مزارع وادى مريوط والخسائر بالمليارات رغم أن المزارع تنتج الدينيس والقاروص والوقار واللوت والجمبرى إضافة للبلطى والبورى ويضيف الخبير الملاحى الدكتور أحمد نصار:» أنا مستثمر بالإستزراع السمكى بمنطقة وادى مريوط منذ 2007 وهذه المنطقة مساحتها 30 ألف فدان كان بها حوالى 65 مزرعة تقريباً تنتج جميعها أفخر أنواع الأسماك النيلية والبحرية ولقد أستحدثنا الكثير فى الاستزراع السمكى لتحقيق الإنتاج المرتفع القابل للتصدير خاصة الأجهزة الخاصة بالأوزون التى إستوردناها من كوريا الجنوبية والذى كان يقضى على كل البكتيريا المحيطة بالسمك وهذا يساعد على زيادة وإسراع النمو فى السمك بـ 15-20 % وتقليل دورة نمو وتربية الأسماك البحرية التى تمتد من 2.5-3 أعوام للوصول للأحجام والأوزان المناسبة للتصدير.
ويوضح الأمر أكثر قائلا: كان لدينا إنتاج الجمبرى المتميز بفضل توافر الأوزون، حيث إستطعنا أن نصل بإنتاجية الفدان الواحد لـ 3.5 – 4 طن جمبرى فاخر بمدة5 شهور من النوع الفنمى ونأخذ الزريعه من مفرخ غليون وبعض المفرخات الخاصة إلى أن بدأ ردم بحيرة وادى مريوط فى شهر يوليو 2020 لتنفيذ مشروع امتداد طريق محور التعمير وأبلغنا أنه سيجرى ردم فى الوادى وإنشاء طريق بعرض 120 متر ووضعوا الحدود للطريق الذى سيدمر الثلث الأخير من مزرعتى ومعظم المزارع الموجودة على نفس الجهة من الوادى.
ويضيف الدكتور أحمد نصار: كان يجب وجود تنسيق بين الجهة المنفذة ومستزرعى الأسماك بالوادى لأننا لسنا مزرعة واحدة بل 65 ستضرر من هذا الطريق والمشكله الأخرى أنه توقف الإنتاج وظلت معظم المزارع متوقفة بلا إنتاج.. لقد دخلت مزرعتى بالكامل ومعظم المزارع فى المنطقة التى ردمت لإنشاء الطريق بعدما تم تعديل مخطط الطريق ليكون عرضه 160 متر بدلاً من 120 أى أن البنية الأساسية والأحواض ومخازن الأعلاف والمهمات ومحولات الكهرباء ومواسير الصرف والرى وسكن العمال تم ردمها بالكامل فى معظم المزارع وهى خسائر بالمليارات لأن أقل مزرعة أنفقت 40 – 50 مليون جنيه على هذه الإنشاءات ومزرعتى على سبيل المثال أنفقت بهذه الإنشاءات والبنية الأساسية أكثر من 150 مليون جنيه وهى مبالغ كبيره فنحن بالمنطقة منذ عام 2007 ننتج ونصدر. ويؤكد الدكتور نصار أنه قدم ملفا كاملا بالبنية الأساسية التى تتم بالمزرعه سلمته اللواء الحسينى فرحات الرئيس التنفيذى للجهاز الجديد وكان الملف شامل صور وبيانات التجهيز والتطهير والتربية منذ وضع الزريعة حتى الحصاد وبيانات الإمكانيات وتفصيل الاستثمارات الضخمة التى تمت ووعدنا بمحاولة حل المشكلة لكن لم يتم شيء، علما بأن العمال بكل مزرعة من 30-50 فرد ما بين مهندس وعامل، والآن يعمل بكل مزرعه أقل من النصف وربما الربع.
ويشدد دكتور نصار على أننا كنا نتفاجأ بأوامر إخلاء الأحواض من الشركة المنفذة للمشروع لردم المنطقة فكنا نلجأ لجهاز تنمية البحيرات والدكتور صلاح مصيلحى واللواء الحسينى فرحات لكن لم يكن هناك دور فى إيقاف التدمير ولا أملك إلا أن أقول أنهم مشكورون أنهم حصلوا لنا على 4 أيام لحين إخلاء الأحواض من السمك ولولا هذه المهلة لخسرنا خسائر فادحة حيث عملنا 24 ساعه فى اليوم لنقل الزريعه ولولا ذلك لكانت الخسائر أكبر لكن فى النهاية الأمر سيئ ولم ينقذنا أو يساعدنا أحد.ويقول دكتور أحمد نصار، لقد كان إنتاج مزرعتى وحدها يتعدى الـ 450 طنا وكانت إنتاجيتى من الفدان تتعدى الـ 4 أطنان لكن كل هذا انتهى ولم يقدر أحد وجود هذه الإنشاءات فخسائر الوادى كله بالمليارات فلدينا 65 مزرعه أقل إنفاق بها 50-60 مليون جنيه أى خسائر تقريبية تتعدى الـ 3 مليارات و600 مليون جنيه.ويضيف دكتور نصار، مع هذا لا أحسب الخسائر بهذا الشكل فنحن كنا نوفر جزءا هاما من الأمن الغذائى وهناك عمالة كثيرة توقفت فقد كان لدى مثلا 65 عاملا مباشرا وضعفهم عمالة غير مباشرة لم يعد يعمل لدى الأن سوى 5 فقط.
مشاريع المياه العذبة
وفى حزن أكد دكتور نصار، كما أن المعاملة التى عاملونا بها سواء من جهاز تنمية البحيرات أو الشركة المنفذة للمشروع وكل الجهات الرسمية التى لجأنا إليها شعرنا اننا ليس لنا أهمية رغم أننى أعتبر نفسى مستثمرا على أعلى مستوى فى القطاع ونحن نشعر أن شقاءنا وتعبنا لأكثر من 20 عاما لا يهتم به أحد.وقال دكتور أحمد نصار لقد أدت مشاريع المياه العذبة التى تسربت إلى مياه الوادى المالحة لحدوث حاله من العسر بها وهذا العسر تسبب فى عدم تكون المادة اللزجة الموجودة على جسم السمكة وهى خط الدفاع الأول عنها وعند عدم وجود هذه المادة ستقضى أى بكتيريا وأمراض موجوده على السمكة ولا علاج لهذا العسر إلا بتغيير المياه وهو ما لم يحدث فأين جهاز تنمية البحيرات من هذه المشكلة.
ملاحظات محمد شهاب:
1-شىء مؤسف ما يتعرض له مستثمرين فى مجال الأستزراع السمكى، فى الإسكندرية و غيرها من محافظات،على الرغم من قانونية وضع مزارعهم، حيث وقعت فى معظم مناطق الاستزراع السمكى المصرى إزالات و عقوبات كثيرة آخرى، دون تعويض مادى لهم، فتعامل المزارع السمكية التجارية التى عمرها حوالى نصف قرن تعامل كلقيط!!
2-الإسكندرية منطقة تركز صناعات البتروكيماويات و الحديد و الصلب و الأسمنت و غيرها، و تتركز حول بحيرة مريوط و لهذا ليس بغريب تلوث هائل لمياه بالبحيرة.
3- ايضا منطقة المحيطة ببحيرة مريوط خاصة و الإسكندرية بشكل عام بزحف سكانى يؤثر بالتأكيد على الحالة الأمنية للمزارع السمكية و أيضا الحالة البيئية.
4-هناك مناطق ببحيرة مريوط قاعها تحت مستوى سطح البحر، و منطقة هضبة مريوط عامة مكونة كربونات كالسيوم و ماغنسيوم(حجر جيرى) مما يؤدى عند تنشيع مياه البحر و مرورة عبر طبقات الحجر الجيرى لحدوث عسر للمياه بسبب كربونات و بيكربونات كاسيوم و ماغنسيوم.
5-بشكل عام و منذ عام 2001 بصدور قرار وزارى بشروط تصدير اسماك و مأكولات بحرية لدول الأتحاد الاوروبى، و التى أصبحت تأخذ بها دول مستوردة آخرى مثل السعودية و دول الخليج العربى، فإن صادراتنا السمكية أصبحت فى خبر كان!!!
6- الإسكندرية متوسط إنتاجية مزارعها(اهلية و حكومية) أقل بينما المتوسط القومى حوالى 3 طن/فدان.
7- موقف(جهاز حماية و تنمية البحيرات و الثروة السمكية) فى ازمة مزارع السمكية بوادى مريوط يدعو للدهشة حسب تصريح مزارعين سكندريين كما جاء بالتحقيق.
ساحة النقاش