السمك و البلاستيك وتوجيهٌ صادم يطلقه فيلمٌ وثائقي
إعداد/محمد شهاب
كتبت – بشاير السليمية -
سأعترف في البدء أن لا شيء بالنسبة لي يضاهي طبقا من السمك على المائدة، ولطالما شعرت بالأمان حياله فهو لا يصاب بجنون البقر ولا يمكن أن يعدم بسبب أنفلونزا الطيور، وعليه لم أكن لأفوت هذه المرة الاحتفال باليوم العالمي للتونة الذي دعوت فيه مجموعة من الأصدقاء بأن يضمنوه في موائدهم الذي صادف الثاني من مايو، لكنني كنت مخطئة كليا.كانت فحوى وجود يوم عالمي للتونة هي الدعوة إلى التوقف عن تناول التونة وليس العكس، وبالنسبة لي هذا أمر قاس، لكنني تفاجأت بما هو أقسى حين اقترحت عليّ منصة نتفليكس بعد ذلك بأيام الفيلم الوثائقي: Seaspiracy (بحار ومؤامرات)."علي" المفتون بالبحار والمحيطات ومشاهدة عروض الدلافين وهو صغير، الشغوف بأفلام وثائقية عن ذات الموضوع لجاك كوستو وديفيد أتينبارا وسيلفيا إيرل، يصحبنا الآن وهو بعمر الـ٢٢ في فيلمه الخاص ليرينا مدى روعة المحيطات وأشكال الحياة تحت الأمواج. ولكن يبدو أنه بعد أن سمع بخبر نفوق حوت غير الوجهة إلى طريق أصعب، كانت فيه خشيته من الموت تعني عودته إلى الديار، طريق لم يكن من أجل تتبع سبب نفوق حوت وحسب.
يغير "علي" نظرته الرومانسية تجاه مصدر إلهامه (المحيطات)، منذ أن نفق حوت قبالة الساحل مبتلعا 30 كيسا من البلاستيك، ومعه بدأ يخفت تلهفي لمتابعة فيلمه، لأنني ببساطة لم أرغب في قضاء ساعة ونصف من أجل التوعية عن مخاطر البلاستيك. وفي اللحظة التي أقرر فيها مغادرة الفيلم، يرينا علي أن الأمر ليس بلاستيكا وحسب. فموت الحيتان والدلافين يعني موت المحيط كما وصفه، وإن مات المحيط، فسنموت نحن أيضا.
ماذا يمكن أن يهدد المحيط غير البلاستيك والمخاطر التي نعرفها جميعا؟ إن توجيه الأسئلة والتقصي، وأن علي ليس بذي علم مسبق لكل تلك الخبايا، يجعلنا وإياه في مرتبة واحدة، ونحن نصحبه في هذا الفيلم ويصحبنا لنعرف معه، ونتساءل عن أفضل طريقة يمكن بها إنقاذ الحياة البحرية.
قد لا نعي حجم ما يورده الفيلم من أرقام وإحصاءات، لكنهم كانوا دائما ما يجدون سبيلا لوضع حقائق ومرادفات لها بحيث يستوعبها المشاهد ثم يمعن في التفكير فيها أيا كان نوعه، سواء كان يلقي بالا للحياة البحرية أو كان معنيا فقط بحياته وبأكل السمك. وهنا سنضرب أمثلة: فحسب الفيلم فإن جسيمات الميكروبلاستيك تفوق الآن عدد النجوم في مجرتنا درب التبانة. وأن الصيد بالخيوط الطويلة التي تبقى في البحر وتؤذي الكائنات البحرية يحرر كمية خيوط كافية للالتفاف حول الكوكب بأكمله بقدر ٥٠٠ مرة في كل يوم، وأنه إن كان قد قتل أكثر من 4500 جندي أمريكي في حرب العراق على مدار 15 عاما فإن 360 ألف عامل في المسامك ماتوا أثناء تأدية عملهم، أي ما يقدر بنحو 24 ألف عامل يموت كل عام.
يبحث الفيلم السر وراء الصيد التجاري، وصناعة صيد الأسماك، والصيد المستدام وملصقات "تونة مصطادة بطرق آمنة" ، والعبودية، والمزارع السمكية، ويتجول "علي" حول العالم للبحث عن إجابات، لم يجد لها مجيبا غالبا، وإن وجد فإما من خلال كاميرات خفية أو من خلال أشخاص منعهم خوفهم من المخاطر والتهديدات المحتملة من الظهور الكامل أمام العدسة. لكن علي كان أمام خيارين إما أن يبقى في بلاده يجمع البلاستيك أو يكتشف تهديدات أكبر على المحيط.
يقوم الفيلم بوظيفة إخبارية، أطلعنا عبرها على كل هذه الأرقام والإحصاءات والممارسات مرتكزا في كل مرة على مقارنتها بما بدأ به "البلاستيك" كرة الثلج التي تتدحرج وتكبر، ففي كل عام أكثر من 700 حوت ودلفين يموت ليس نفوقا بسبب البلاستيك ولكنها تستهدف عمدا من قبل اليابانيين، ومن عام ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٥ كل دلفين يؤسر يقتل، إضافة إلى قطع زعانف أسماك القرش وشحنها إلى آسيا والصين. وعلى الرغم من حظر الصيد العالمي وتعيين مراقبي أنشطة الصيد الذين يتعرضون للقتل أيضا بسبب ذلك إلا أن هذه الأشكال من الممارسات مايزال مستمرا.
في وظيفة الفيلم التفسيرية، قد تتفاجأ أن قطع زعانف القرش كانت من أجل حساء عديم الفائدة الغذائية، واقتياد الحيتان والدلافين في اليابان كان من أجل صناعة الترفيه في المتنزهات البحرية -صيدها وبيعها للمتنزهات- إضافة إلى ما يسمى بـ(مكافحة الآفات) أي اعتقادهم أن هذه الحيتان والدلافين تأكل الأسماك التي يصطادونها للطعام وإن تمكنوا من قتلها ستتوفر لهم المزيد من الأسماك. أما أحد أغرب التفسيرات التي جاءت من أحد صيادي "غريند" فقال: "قتل حوت واحد أفضل من إزهاق روح ألف دجاجة"!!
نأتي الآن إلى دور الفيلم الاستشرافي، فما الذي سيحدث في قادم الوقت إن بقيت هذه الممارسات على نحوها المعتاد؟؟ يرجعنا الفيلم قبل ذلك إلى البلاستيك مجددا ويشير إلى: "حتى لو لم يدخل غرام واحد من البلاستيك للمحيط سنستمر في هتك النظم البيئية". وعليه فإن كنت من محبي التونة فإن سمكك المفضل سيتجه نحو الانقراض، حيث تبقى منها أقل من ٣٪ من فئة (الزعنفة الزرقاء)، وبالمقارنة بين القرن 19 والقرن 21 بعض أنواع الأسماك أصبحت أقل وفرة، فخبراء المصائد في العالم قالوا إن تعداد الأسماك العالمي في انهيار حيث يقدر إن استمرت توجهات الصيد الحالية، فسنرى محيطات شبه فارغة بحلول 2048.
قبل أن نسأل ما الذي علينا فعله؟ يطرح "علي" سؤالا إنسانيا صعبا: هل تشعر الأسماك بالألم؟ هل تخاف؟، وتشع بارقة أمل خلف السؤال يكمن في أن النظم البيئية البحرية تتعافى بسرعة في حال سمح لها بذلك، وأنه حتى ذلك الحين فإن الشيء الأخلاقي الوحيد الذي يمكن فعله هو "التوقف عن أكل السمك"، والسماح بأعداد الأسماك للعودة إلى عددها الطبيعي.
ساحة النقاش