النهى عن الخوض فى اعراض الاخرين
======
حفظ اللسان :
إن أهم ما يجب حفظه والعناية به اللسان ، فإنه يكب صاحبه إذا لم يحفظه في النيران ، وقد يبلغ به رضوان الله . قال r: ( إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا ، يرفعُ اللهُ بها درجاتٍ ، وإنّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ ، لا يُلقي لها بالًا ، يهوي بها في جهنَّمَ) رواه البخاري
و عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه: ( لبَّى عبدا لله t على الصَّفا ثم قال : يا لسانُ , قُلْ خيرًا تغنَمْ اسكُتْ تسلمْ من قبل أن تندَمْ قالوا : يا أبا عبدِ الرَّحمنِ هذا شيءٌ أنت تقولُه أم سمعتَه قال لا بل سمعتُ رسولَ اللهِr يقول : أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ في لسانِه) صححه الألباني .
فعلينا شغل ألسنتنا بذكر الرحمن وبما ينفعنا في ديننا ودنيانا , قالr : ( إذا أصبحَ ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللِّسانَ , فتقولُ اتَّقِ اللَّهَ فينا فإنَّما نحنُ بِك فإن استقمتَ استقمنا وإن اعوججتَ اعوججنا) قال الألباني : حسن .
فكفُّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله , قال r : ( من كانَ يؤمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه ، ومن كانَ يؤمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه ، ومن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ) رواه البخاري . ومن ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه , والإمساك عن حصاد اللسان يعدُّ من الصدقات , قال) : r على كل مسلم صدقة . قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق . قالوا : فإن لم يستطع أو لم يفعل ؟ قال : فيعين ذا الحاجة الملهوف . قالوا : فإن لم يفعل ؟ قال : فليأمر بالخير ، أو قال : بالمعروف . قال : فإن لم يفعل ؟ قال : فليمسك عن الشر فإنه له صدقة) رواه البخاري . وقال ابن مسعودt : "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان " .
وليحفظ المسلم لسانه من الغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفتوى بغير علم, والحديث في الأعراض وشهادة الزور والشتم واللعن ومن كل معصية حرمها الله .
حرمة الأعراض:
حُرمة الأعراض عظيمةٌ في الإسلام، لذا فمن أعظم الظلم: التجنِّي على أحدٍ من المسلمين، أو التعرُّض له بالغيبة أو النميمة أو السب .
ولقد حمى الإسلام الأعراض وصانها, قال r : ( ...... كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ،وعِرضُهُ ) صححه الألباني, قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح الحديث : " (وعرضه) بأن لا تنتهك عرضه ، وتتكلم فيه بين الناس، سواء كنت صادقاً فيما تقول أو كاذباً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة فقال : ) أتدرون ما الغيبةُ ؟ قالوا : اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال : ذكرُكَ أخاكَ بما يكره ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ ؟ قال : إن كان فيه ما تقولُ ، فقد اغتبتَه . وإن لم يكنْ فيه ، فقد بهتَّه) رواه مسلم, فالمسلم إذا اغتاب أخاه المسلم فقد انتهك عرضه .
فالواجب على من يخاف مقام ربه ويخشى المُثول بين يديه: البُعد عن الخوض في الأعراض مع الخائضين ، وألاَّ يُشغل نفسه بما يخدِش دينه، ويُعرِّضه لغضب ربه؛ فعن النبي r قال: (من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَهُ الله رِدْغَةَ الخَبالِ حتَّى يخرجَ ممَّا قال وليس بخارج ) صححه الألباني.
ورَدْغَة الخَبال: عِصارة أهل النار.
وقد شبه الله عز وجل من يغتاب بأبشع الصور في قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}الحجرات : 12 .
فمثّل الله الغيبة بأكل الميتة , لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبته من اغتابه , وقال ابن عباس : إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر , وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس . وقال قتادة : " كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حياً ".
وثبت في الحديث أن النبي r قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم ) صححه الألباني. بل جعلها الإسلام من الكبائر، قال : r ( و إنَّ أرْبى الرِّبا استطالةُ المرءِ في عِرضِ أخيه ) قال الألباني : حسن ، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في هذا الحديث : " فالواجب على المؤمن أن يحذر أنواع الربا ويحذر المعاصي كلها؛ لهذا جعل r الاستطالة في عرض المسلم من الربا؛ لأن ضررها عظيم وتسبب فتنة ونزاعات وفساداً في المجتمع وشحناء إذا بلغ الشخص ما قاله في الآخر، وبذلك وغيره من الأحاديث يعلم أن الغيبة والنميمة من أعظم الفساد في الأرض وهما من أربى الربا، فالربا ليس خاصاً بالبيع والشراء فقط، بل يكون في المعاصي والمخالفات والتعدي على الناس بالغيبة والنميمة، نسأل الله العافية؛ " .
فلنتذكر ...-أن أعراض المسلمين حفرةٌ من حُفر النار، كما قال التقيُّ ابن دقيق العيد: "فإياك أن تقف على شفيرها"، واعلم أنك إن جرحتَ مسلمًا بذلك ، ووسَمْتَه بميسَم سوءٍ سيبقى عليه عارُه أبدًا، ويبقى عليك إثمُه أبدًا.ويعظُم الجُرم إذا كان ذلك ذِكرا لأهل العلم والعبادة، والأعمال الصالحة، فإن بعضاً من الناس يُعمِّرون مجالسهم بتنقُّصهم والتجريح فيهم, فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r:
( إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ... ) رواه البخاري, ونقل النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" عن أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله أنهما قالا: " إن لم يكن العلماء أولياء الله، فليس لله ولي , وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، قال تعالى(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور : ٦٣.
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة - كما يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - :" أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة ، أي أن أهل السنة والجماعة ، يتقربون إلى الله – تعالى – بتوقير العلماء ، وتعظيم حُرمتهم ."
وقال الشيخ ابن عثيمين– رحمه الله – تعليقًا على " باب : توقير العلماء والكبار وأهل الفضل .. " شرح رياض الصالحين " : يريد المؤلف رحمه الله بالعلماء : علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي r؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء .. وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم ، فلمن ورثهم نصيب من ذلك ، أن يُبجل ويُعظم ويُكرم .. وبتوقير العلماء توقر الشريعة ؛ لأنهم حاملوها ، وبإهانة العلماء تهان الشريعة ؛ لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ذلت الشريعة التي يحملونها ، ولم يبق لها قيمة عند الناس ، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم ؛ فتضيع الشريعة " .
ومن سبل حماية الإسلام للأعراض :
لعظم مكانة المسلم , ولحماية عرضه من كلّ ما يشوبه شرع الإسلام هذه الأمور :
* النهي عن السخرية بالمسلم، وأن يعيب المسلم أخاه ويتنقّصه، سواء كان ذلك بالهمز أو اللمز؛ فالهمز: بالفعل. واللمز: باللسان، أن يعيبه بلسانه أو بعينه، أو يشير إليه، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} الهمزة : 1 .
* النهي عن الظن ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهr : (إيَّاكُم والظَّنَّ ، فإنَّ الظَّنَّ أَكذبُ الحديثِ ، ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا ، ولا تباغَضوا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا) رواه البخاري , فعِلل القلوب وأدواؤها مشهودةٌ في أفعال السلوك، فالمبتلَى والمأسورُ قلبُه بآفة الحقد والحسد والغل مفضوحٌ أمره بفلَتاتِ لسانه، وأفعالِ سلوكه. وكل ما في القلب من عوار تستخرجه الجوارح واللسان. فلا يليق بمجتمع الإسلام تداوُل أقاويل وأحاديث سندُها الظنُّ والتخمين، والرجمُ بالغيب من غير تثبيتٍ ولا تبيين، فذلكم مما يحمِل المفاسد العُظمى، ويتضمَّن الآثام الكبرى , وعلى المسلم أن يطهر قلبه من هذه الآفات ويدعو الله تعالى دائماً بذلك قال تعالى : ) وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر : 59
* النهي عن تتبع العورات , فبعض الناس شغل نفسه بتتبع عورات المسلمين ، والخوضِ في الأعراض والتشهيرِ بأخطائهم ؛ فلا يكاد يُذكر عنده أحدٌ إلا انتقصه وعيَّبه، وذَكرَ فيه مأخذاً ليُعيَّب به. قال النبي r: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ) صححه الألباني .
* النهي عن اللغو ،وكل مالا فائدة فيه ولا خير ، ومن ذلك التسارع في شتم أعراض المسلمين، والقدح في أديانهم وأمانتهم بغير حقٍّ ولا برهان، فربُّنا - جل وعلا - يقول في حق المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون: 3
ويقول سبحانه : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ( القصص: 55.
* النهي عن الاشتغال بعيوب الآخرين , فبعض الناس يرى النقص في غيره عواراً وعيباً، ويراه في نفسه جِبلّةً وطبيعةً بشرية، تراه بصيراً بعيوب الناس، متعامياً عن عيوب نفسه , فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال ( يُبصِرُ أحدُكم القَذَاةَ في عينِ أخِيه ، وينْسَى الجِذْعَ في عينِهِ) صححه الألباني , ديدنُه الخوضُ في الأعراض، وتتبعُ العورات، وانتقادُ العيوب؛ يلمز هذا، ويسبُ ذاك، يطعنُ في عدالة فلان، ويقدح في ديانة فلان.
واخيرا نقول
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران : 102.
اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإنها جماع الخيرات، وسبيل السعادة والنجاة، بها تزكو النفوس، وتستقيم الألسن، وتصلح القلوب، فاتقوا الله تعالى في كل ما تقولون وتفعلون) وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون (البقرة: 281)
========
حسن رزق
ساحة النقاش