* سبب وجود الانسان وقصى خلقة
   
     
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..



معالجة القرآن الكريم لمسألة الخَلق

قال تعالى:


ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين



1 – كل سورة تعالج قضية الخَلق من زاوية محددة :

 

أيها الإخوة الكرام ، هذه الآية والتي تليها تعالج مسألة الخَلق ، وقد تقدمت هذه المسألة في سورة البقرة ، وعولجت في سبعة مواضع من القرآن الكريم ، في سورة البقرة والأعراف ، والحج ، والإسراء ، والكهف ، وطه ، وص ، ولكن في كل سورة تعالج هذه المسألة من زاوية ، هناك من يتوهم أن في القرآن تكراراً ، والحقيقة لو تتبعت الموضوعات المتكرر في القرآن الكريم لوجدت أن كل رواية في كل سورة لها زاوية خاصة ، فهذا من إعجاز القرآن الكريم ، وفوق ذلك هناك قضايا أساسية جداً في العقيدة ، القرآن الكريم من أسلوبه الحكيم أنه يأتي بها في أماكن كثيرة كي تترسخ .

لا يعقل أن يقول الأب لابنه في كبر عمره : اجتهد مرة واحدة ، هذا الكلام يقوله له كل يوم ، وفي كل مناسبة ، وعقب كل حادثة ، وإبان كل تصرف ، يا بني انتبه ، اجتهد .

 

2 – تكرار القصص في القرآن لفائدة بلاغية :


أولاً : التكرار في القرآن الكريم له تفسير بلاغي ، أن كل رواية أتت على الموضوع من زاوية ، وبمعنى آخر أن التكرار من مهمته القصوى البلاغية أن يؤكد المعنى الذي هو أساسي .

الموضوعات الأساسية والموضوعات الثانوية :



كلكم يعلم أيها الإخوة أن في حياتنا موضوعات أساسية ، وهناك موضوعات ثانوية ، بتعبير آخر هناك موضوع مصيري ، فالإنسان مثلاً صحته موضوع مصيري ، لأن خللاً في قلبه ينهي حياته ، الصحة موضوع خطير ، لأنه قد ينهي حياة الإنسان ، الإيمان موضوع خطير ، قد ينهي سعادته .

فالموضوعات الخطيرة التي لها أثر مستقبلي ، أو الموضوعات المصيرية ، هذه موضوعات يعتني بها القرآن كثيراً ، لذلك في حياتنا موضوعات برأي الفقهاء فرائض ، تتوقف سعادتنا على تحقيقها ، بل تتوقف سعادتنا وسلامتنا على تحقيقها ، إذاً هي فرائض ، وهناك موضوعات تحت باب المحرمات ، هذه سبب شقائنا وهلاكنا في الدنيا والآخرة ، إذاً على طرفي الأحكام الفرائض والمحرمات ، بينهما في الوسط المباحات ، وهو موضوع حيادي ، طريقة جلوسك في البيت ، على الأرض ، على الكرسي ، على فراش معين ، ألوان ثيابك ، هناك ملايين الموضوعات حيادية ، ليس لها أثر إيجابي ولا سلبي في إيمانك .

لذلك الأنبياء والمرسلون عليهم صلوات رب العالمين الموضوعات التي لها أثر إيجابي أو سلبي في علاقتك بالله عز وجل جاء ذكروها بشكل واضح ، والأشياء التي سُكت عنها هي الأشياء التي ليس لها أثر إيجابي ولا سلبي في حياتك الإيمانية .

لذلك الأنبياء ما من شيء يقرب إلى الله عز وجل إلا وأتوا على ذكره ، وما من شيء يبعد عن الله عز وجل إلا أتوا على ذكره ، والذي أُغفل ذكره هناك حكمة من ذكره لا تقل عن حكمة التي ذكره الله عز وجل ، وهذا معنى قوله تعالى :


اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا..


( سورة المائدة الآية : 3 )

الإتمام عددي ، والإكمال نوعي ، أي أن مجموع القضايا التي عالجها القرآن الكريم والسنة المطهرة تامة عدداً ، وأن طريقة المعالجة التي عالجها القرآن الكريم في القضايا التي عرضها كاملة نوعاً ، فهذا الدين توقيفي ، لا يضاف عليه ، ولا يحذف منه ، لأنه من عند الخالق ، الخالق الذات الكاملة ، من عند الحكمة المطلقة ، والرحمة المطلقة ، والعلم المطلق ، والعدل المطلق .

إذاً : الدين لا يضاف عليه ، ولا يحذف منه ، وهو عند بعض المشككين تراث ، الدين ليس تراثاً ، الدين وحي ، وحي من السماء والمعصوم بينه ، وحي من عند الله ، والنبي الكريم بيّنَ دقائق هذا الوحي ، أما الحضارة والثقافة والتراث فهذه أشياء أرضية ، أما أن يوصف الدين بأنه تراث فلا ، الدين وحي ، ووحي السماء هو خطاب السماء للأرض ، هذا الخطاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لكن الذي يقول : لا بد من تجديد الدين ، الدين لا يجدد ، الدين توقيفي ، لعل الخطاب الديني يجدد ، الخطاب ، الخطاب الدعوي يجدد ، وإذا أصررنا على أن هناك تجديد بالدين فهو كما يلي :

أن ننزع عن الدين كلما علق به من ما ليس منه .

لذلك يقولون : الأشياء الأصل فيها الإباحية ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي الثبوت والدلالة ، بينما العبادات والعقائد الأصل فيها الحظر ، ولا يضاف على العقائد والعبادات أشياء إلا بالدليل قطعي الثبوت والدلالة .

(( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )) .

[ أخرجه الحاكم عن أنس ، السجزي عن أبي هريرة ] .


(( يا ابن عمر دينك ، دينك ، إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين قالوا )) .

[ عن ابن عمر ] .

حقيقة معترف بها عند الجميع : الله هو الخالق :


أيها الإخوة الكرام ، قصة الخَلق وردت في القرآن الكريم ، في سور عديدة وفي مواضع عديدة ، ومن زوايا عديدة ، ولكن يعنينا من هذه القصة أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق


فالإنسان حينما يتوجه إلى الله يكون عاقلاً ، أما إذا توجه إلى غير الله يكون غير عاقل لأنه قد قيل : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .

لكن أنت في حياتك اليومية إذا اقتنيت آلة بالغة التعقيد ، غالية الثمن ، عظيمة النفع ، وأصابها عطب أو عطل ، لا يمكن أن تذهب إلى من تحبه ، تذهب إلى من هو الخبير في إصلاحها ، وفي صيانتها ، وفي معرفة أسباب سلامتها ، وحسن مردودها



من هنا يمكن أن أقول : متى تحقق الهدف ؟ الجواب إذا صح عملك ، ومتى يصح عملك ؟ إذا عرفت سبب وجودك في الدنيا ، كلام دقيق ، الآن الناس في ضياع ، هناك من يتوهم أنه يعيش ليأكل ، أو يعيش ليستمتع ، أو يأكل ليعيش ، أو يعيش ليعرف الله عز وجل ، اسأل نفسك هذا السؤال سؤال دقيق وخطير ، وسؤال فلسفي ، لماذا أنت في الدنيا ؟ يعني أنت سافرت إلى بلد وسألتنا ماذا أفعل ؟ نقول لك : سؤالك عجيب ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، لماذا جئت لهذا البلد ؟ إن جئت طالب علم فالطريق واضح إلى المعاهد والجامعات ، إن جئت تاجراً فالطريق واضح إلى المعامل والمؤسسات ، إن جئت سائحاً فالطريق واضح إلى المقاصف والمتنزهات ، فلا تصح حركتك في مكان ما إلا إذا علمت لماذا أنت في هذا المكان بالضبط ، هذا معنى فرعي .

حينما تعلم لماذا أنت في الدنيا أن تعرف الله ، أن تستقيم على أمره ، أن تتقرب إليه بالأعمال الصالحة ، الآن ما دام الهدف واضح جداً تختار له ملايين الوسائل التي تعينك على بلوغ الهدف ، ولأضرب على هذا مثلاً :

أنت في باريس تحمل شهادة ثانوية ، وقد أرسلت لبعثة لنيل الدكتوراه ، هذا الهدف ، كل حركاتك ، وسكناتك ، ونشاطاتك ، واهتماماتك متعلقة بهذا الهدف ، الآن أنت مضطر أن تستأجر بيت ، الهدف وهو الدراسة يُحتم عليك أن تختار بيتاً إلى جانب الجامعة يوفر لك المال والجهد والوقت ، إذاً : اختيار البيت متعلق بالهدف ، الآن تشتري مجلة متصلة باختصاصك ، من أجل أن تحقق الهدف ، تصاحب طالباً يتقن اللغة المحلية ، كي يعينك على الحديث بهذه اللغة ، تأكل طعاماً يعينك على الدراسة ، تحتاج إلى دخل تعمل عملاً بوقت قصير جداً حتى يتيح لك هذا العمل وقتاً كافياً للدراسة ، كلامي دقيق جداً .

حينما تعرف لماذا أنت في الدنيا ، من أجل أن تعرف الله ، ومن أجل أن تستقيم على أمره ، ومن أجل أن تتقرب إليه ، ومن أجل أن يكون إعدادك لنفسك تمهيداً وثمناً لدخول الجنة .

فيا أيها الإخوة ، ولا أبالغ إذا قلت : إن الذين يعرفون أهدافهم في الحياة الدنيا لا يزيدون بحسب الإحصاءات الرسمية على 3 % ممن يعرف هدفه ، الآن يختار آلاف الوسائل لتحقيق الهدف ، أما الذي لا يعرف هدفه فهذا هو الإمعة ، والإمعة ؛ هو مع الناس ، إن أحسن الناس ، ومع الناس إن أساءوا ، هو تابع لصرعات الأزياء ، تابع للمفاهيم السائدة ، تابع للكلام المطروح ، تابع للإعلام ، تابع لكل مؤثرات البيئة ، هذا على هامش الحياة .


– السعادة تأتي مِ، تحقيق الهدف :

أيها الإخوة ، أضرب لكم مثلا بسيطا : أنت طالب جامعي في السنة الأخيرة وفي اختصاص جيد جداً ، عليك طلب بأهم مادة بالاختصاص ، وامتحانك بعد يومين ، ولك أصدقاء تحبهم حباً جماً ، أخذوك عنوة قبل الامتحان بيومين إلى الساحل ، ونزلت بأفخر فندق ، وتناولت أطيب الطعام ، واستمتعت بأجمل المناظر ، كل شروط السرور محققة ، أصدقاء تحبهم ، مكان جميل ، إطلالة جميلة ، طعام طيب ، لماذا تشعر بانقباض شديد ؟ لأن هذه الحركة لا تحقق هدفك ، لو جلست في غرفة قميئة ذات رطوبة عالية ، والإضاءة خافتة ، ومعك الكتاب المقرر ، وقرأته واستوعبته ، وشعرت أنك جاهز لأداء امتحان في هذه المادة يأتي شعور بالفرح لا يوصف ، وأنت في غرفة قميئة ذات رطوبة عالية والإضاءة خافتة ، لا مناظر أبداً ، والجدران ليست مطلية ، أنت مسرور ، إذاً : سعادة تأتي من تحقيق الهدف في دليل آخر :

التاجر إذا كان له بيع كثيف ، وإقبال شديد على البضاعة ، يمضي 12 ساعة لا يجلس ، ولا يأكل ، وهو في نشوة السعادة ، إذا انعدم البيع ، وما إنسان يقول لك : عندك مال ، وقاعد على مقعد وثير ، ومشروبات ، وقهوة ، وشاي ، وصحف ، ومجلات ، وأصدقاء تشعر بانقباض شديد ، لأن هذا المحل لا يحقق هدفه ، أما إذا حقق هدفه يغدو هذا المكان الضيق في سوق مزدحم ، في ظروف صعبة ، لا تدفئة ، ولا تكييف ، ولا الجلوس مريح ، ولا طعام ، وأنت في قمة السعادة .

لذلك نحن لا تصلح حركتنا في الحياة إلا إذا عرفنا سر وجودنا ، كما أنه لا نسعد إلا إذا جاءت حركتنا مطابقة لهدفنا .

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ .

ولكن حينما كلفنا الله أن نحمل الأمانة أو أن نعبده ، فهما معنيان يصبان في خانة واحدة ، حينما كلفنا حمل الأمانة ، أو حينما كلفنا أن نعبده ، أعطانا المقومات ، أعطانا الكون كما قلت قبل قليل ، سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض ، تسخير تعريف وتكريم ، إذاً : التفكر في خلق السماوات والأرض أحد بنود العبادة .

2 ـ العقــل :




الآن البند الثاني : أعطاك عقلاً ، العقل ميزان


هذا العقل إذا أعملته أعطاك النتائج ، تماماً : عندك بيت ثمنه خمسون مليونًا ، ودُفع لك ثمنه بالعملة الصعبة ، وفي الجيب الأيمن جهاز إلكتروني يكشف العملة المزورة ، وفي الجيب الأيسر فيها أرقام العملة المزورة ، في الجيب الأول جهاز إلكتروني ، وفي الثاني أرقام أوراق العملة المزورة ، وأنت قبضت ثمن هذا البيت بالعملة الصعبة ، لم تستخدم الجهاز الأول الإلكتروني ، ولم تدقق في أرقام العملة التي في بجيبك ، وكان المبلغ كله عملة مزورة ، من هو الخاسر ؟ أنت ، أنت السبب ، معك عقل باليمين ، ومعك منهج قرآني باليسار ، فلا عقلك استخدمت ، ولا القرآن الكريم استخدمت ، فشقي الإنسان .

الله عز وجل قال لك : افعل ولا تفعل ، تحب أنْ تحكم عقلك ، العقل ينطبق مع النقل ، لأن العقل مقياس أودعه الله فينا ، والنقل كلامه ، فمعك عقل لو أعملته بتجرد من دون انحياز ، من دون أسلوب تغطية ، تبرير ، تسويغ ، لهداك عقلك إلى الله عز وجل ، لأن الآيات التي تتحدث عن العقل ، وعن التفكر ، وعن العلم تقترب من ألف آية ، أعطاك القرآن فيه الحلال والحرام .

فلذلك الشقاء بسبب جهل الإنسان ، وعدم استخدام العقل والنقل معاً ، والعقل والنقل متطابقان والحمد لله


ـ الشـهـوة :

الآن : أعطاك شهوة هي ثمن الجنة ، ما أودع الله بالإنسان الشهوات إلا ليرقى بها مرتين ، مرة صابراً ، ومرة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، هذا الميل نحو المال نحو المرأة ، نحو العلو في الأرض ، أودع فيك الشهوات


أعطاك الشهوات لترقى بها ، وهي حيادية ، وما من شهوة أودعها الله فيك إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فلا حرمان بالإسلام ، وما من شهوة أودعها الله فيك إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .

لكن المحرمات ليست قيوداً لحريتك ، بل هي ضمان لسلامتك ، المحرمات تاماً كلوحة كتب عليها : حقل ألغام ممنوع التجاوز ، لا تشعر بحقد أبداً على من وضع اللوحة ، بل تشكره من أعماق أعماقك ، لأنه ضمن لك بهذه اللوحة سلامتك ، كما لو وضعت لوحة أمام تيار توتر عال : " ممنوع الاقتراب خطر الموت " ، اللوحة رحيمة ، اللوحة فيها علم ، فيها حكمة ، فيها رحمة ، فيها قيادة حكيمة للمواطنين ، ممنوع الاقتراب خطر الموت ، لذلك أودع فيك الشهوات لترقى بها صابراً ، أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات .

أعطاك كوناً سخره لك تسخير تعريف وتكريم ، رد فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم أن تشكر ، أعطاك عقلاً كي تتأكد به من صحة النقل ، وكي تفهم به النقل ، دون أن تلغي النقل بعقلك ، العقل ليس حكماً على النقل ، ولكن من تأكد من صحة النقل قبل النقل ولفهم النقل بعد النقل ، أعطلك الفطرة تكشف لك الخطأ ذاتياً .

الآن في أرقى الطائرات ما فيها عدادات أبداً ، فيها لوحات عاتمة ، إذا حدث خلل يظهر على الشاشة ، أن خللاً في المكان الفلاني .

وأنت عندك شاشة ، حينما تخطئ تشعر أنك تخطئ ، وحينما تصيب تشعر أن مصيب ، لذلك متوافقة توافق تاماً مع منهج الله عز وجل ، سواء عليك أأطعت أمر الله عز وجل أم استجبت لنداء الفطرة ، الأمر سيان ، لأن منهج الله متوافق تماماً مع فطرتك ، فأي شيء أمرك الله به نفسك تتوق إلى تطبيقه دون أن تشعر أعطاك كوناً ، وعقلاً ، وفطرة وشهوة



حــرية الاختيار :

أعطاك حرية ، أنت حر .


ما لم تكن حراً لا يثمن عملك ، ما لم تكن حراً فلا يمكن أن ترقى إلى الله عز وجل ، أنت حر فيما كلفت به ، لكن الذي لست حراً فيه ما إن كنت ذكراً أو أنثى ، ومن أبوك وأمك ، وفي أي مكان ولدت ، وفي أي زمان ولدت ، هذه لمصلحتك ، ومحض خير لك ، وليس في إمكانك أبدع مما أعطاك .

إذاً : أعطاك حرية الاختيار ليثمن عملك ، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، أنت حر ، مخير ، وأية آية يُشم منها رائحة الجبر يجب أن تحملها على الآية المحكمة التي أصل في الاختيار .



المنهج الإلهي :


وفضلاً عن كل ذلك أعطاك منهجاً ، لو أن الأمور التبست عليك ، هناك منهج ، وكتاب ، وسنة ، كتاب عقائد ، كتاب سيرة ، كتاب أحكام فقهية ، افعل ولا تفعل ، هذا المنهج قال عنه العلماء : الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ، والشريعة عدل كلها ، والشريعة رحمة كلها ، والشريعة حكمة كلها ، والشريعة مصلحة كلها ، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة ، ومن العدل إلى الجور ، ومن الحكمة إلى خلافها ، ليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل .

إذاً : نحن قد خلقنا ربنا ، ولأنه خلقنا أمرنا أن نعبده .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ .

وقد ورد في كتاب مدارج السالكين لابن القين رحمه الله تعالى أثر قدسي :

(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري )).

[ أخرجه الحكيم البيهقي عن أبي الدرداء ] .

(( خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها )) .

أيها الإخوة الكرام ، الآية الكريمة :


وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ



﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ .

لأن جنس البشر أعلى صنف عند الله ، رُكب الملك من عقب بلا شهوة ، ورُكب الحيوان من شهوة بلا عقل ، ورُكب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهواته على عقله أصيح دون الحيوان


إذاً :

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ ﴾

 

 *** مع تحيات الحسن صلاح ***

****

المصدر: الحسن صلاح

ساحة النقاش

الحسن صلاح احمد

hassan7190
الحسن لااعمال البناء والتشيد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,206