اداب التعامل فى العمل

.الإسلام دين العمل، ولكنه العمل الصالح النافع، وإيمان بدون عمل تمنّ وإدعاء، وعمل بدون إيمان فسوق وعصيان

 


قالتعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)( الكهف 107.) والرجولة في الإسلام، وكمال النضج فيه، أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحا، وإلى أبواب الرزق ساعيا، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره.

....


قال تعالى:( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِاللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)

(37)  النور..


وهو بذلك يضع حدا لمن يتخشعون أمام الناس في المساجد ركعا سجدا وقياما، فإذا عاملتهم بالأموال أو التجارات تبين أنهم أفاع سامة، أو عقارب مؤذية.


عن جابرقال: قال رسول الله:( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أجى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)

رواة البخارى


وإن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل، وحركة الأعمال فيها تتوقف على الجد والاجتهاد ولذلك كان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعرا بشعار الجد والنشاط، طارحا القعود والكسل وراءه ظهرة، حتى يقوم بما فرضته عليه الطبيعة وهي سنة الله في خلقه، ويعمل بما أوحته إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كلا على غيره، وهو لا يعلم أن الرزق مرتبط بالسعى وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاصله، وهناك تتبادل المنافع، وتدور الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل.

...


قال تعالى:( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (10) الجمعة.


والعمل على أنواع كثيرة فمنها ما له علاقة بالدين ومنها ما له علاقة بالدنيا فما له علاقة بالدين فهو العبادات وغيرها من الأعمال الصالحةالمختلفة.


وما له علاقة بالدنيا من معاملة وبيع وشراء وتكسب وتجارة أو أي حرفة كانت .فهو وإن كان باب للرزق والسعي للتكسب والعيش والحصول على المال من أجل القيام بحاجات الإنسان الضرورية في حياته. فهو مع كل ذلك اعتبره الإسلام عملامرتبطا بالدين بل حثّ الدين عى العمل وجعل له الثواب العظيم.


قال تعالى:( وجعلنا النهار معاشا)  (النبأ11 )


وقال أيضا سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (15)الملك.


وقال رسول الله: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ) .رواهالبخاري.


قال ابن عباس: كانآدم عليه السلام حراثا، ونوح نجارا، وإدريس خياطا، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجرا، وداود زرادا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة.


وأماالآثار فروي أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقرأحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذهالخصال استخفاف الناس به.


وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي، فقال أحمد: هذا رجل جهم العلم أما سمع قول النبي: إن الله جعل رزقي تحت ظل روحي وقال حين ذكر الطير: تغدو خماصا وتروح بطاناوكان أصحاب رسول الله يتجرونفي البر والبحر ويعملون في نخلهم، والقدوة بهم مطلوبة وإليكم بعض آداب هذاالموضوع:


1 »»حسنالنية في التجارة، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس، والقيام بكفايةالاعمال ليكون بذلك من جملة المجاهدين ولينو النصح للمسلمين.


عن أنسقال: مرّ بالنبي رجل،فرأى أصحاب النبي  يجد فى نشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟فقال رسول الله: (إن كان يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان). رواه الطبراني والبيهقي.


2 »أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وسوق الآخرة المساجد فينبغي أن يجعل أول النهار الى وقت دخول السوق لآخرته، فيواظب على الأورادو الأذكار والصلوات، فقد كان صالح وا السلف من التجار يجعلون أول النهار وآخره للآخرة ووسطه للجتارة، وإذا سمع أذان الظهر والعصر فينبغي أن يترك المعاش اشتغالا بأداءالفرائض.


قال تعالى:( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاءالزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار). النور 37.


3 »»أن يلازم ذكرالله تعالى في السوق ويشتغل بالتسبيح والتهليل وأن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة. فلا يكون أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه.


4 »»أن يطلب الحلال ويجتنب الحرام ويتوقى مواقع الشبه ومواضع الريب، وطلب الحلالا فرض على كل مسلم.


عن النعمان بن بشير أن النبي قال:( الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات ). رواهالبخاري ومسلم.


قال الله تعالى:( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا). المؤمنون 51.


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ). رواه مسلم.


5 »»البعد عن الاحتكار فهو حرام.


عن ابن عمرما عن النبي قال:( من احتكر الطعام أربعين يوما فقد بريء من الله والله بريء منه).  رواه أحمد والحاكم.


وقال:( لا يحتكر إلا خاطئ ). رواه مسلم.

وخاطئ أي آثم.


والاحتكار هو أن يخفي التاجر ما يحتاج الناس إليه حاجة ضرورية ليتحكم بالسعر في الوقت المناسب كالمواد التموينية بشكل عام.


6 »»البعد عن البيع عن طريق الغش لما ورد عن رسول الله: أنه مر برجل يبيع طعاما "حبوبا فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء أي المطرفقالعليه الصلاة والسلام: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراهالناس،( من غشنا ليس منا) رواهمسلم.


وروي عن رسول الله أنه قال: (لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بيّن ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بيّنه ( .رواه الحاكم والبيهقي.


والغش هو إظهار الشيء على خلاف حقيقته دون علم المشتري به.


7 »»تجنب حلف الإيمان لترويج البضاعة.


وعن أبي قتادة أنه سمع رسول الله يقول:"( إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق)." رواه مسلم.


ثم والذي يحلف وهو متيقن الكذب يكون حالفا بيمين الغموس.


واليمين الغموس: هو من الكبائروسمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في النار وليس له كفارة سوى التوبة الصادقة النصوح.


8 »»عدم التطفيف في الكيل والميزان وإتمام الكيل والميزان، وإرجاح الوزن زيادة في الاحتياط.


قال تعالى: ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) . (35)الإسراء.


قال تعالى:( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).  (3)المطففين.


وعن سويد بن قيس قال:( جلبت أنا ومخرمة عبدي بزا من هجر. فجاءنا النبي فساومنا سراويل، وعندي وازن يزن بالأجر فقال النبي للوزان: زن وأرجح ).رواهأبو داود والترمذي.

والتطفيف هو إنقاص المكيال والميزان أثناء التعامل التجاري ومزاولة البيع والشراء.


9 »»تجنب الثناء على البضاعة عند البيع ووصفها بما ليس فيها فهو كذب وتدليس وتمويه وخداع، وتجنب ذمها عند الشراء، والقيام بالتجارة بالصدق والحق والعدل والاستقامة والأمانة.


عن أبي سعيد قال: قال رسول الله:( التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) . رواه الترمذي.


10 »»البعد عن النجش. قال رسول الله:( لا تناجشوا) رواهالبخاري ومسلم.

والنجش أن يكون هناك بائع ومشتري وبينهما سلعة معينة وقد أوضحالبائع للمشتري الراغب في ثمنها فيأتي شخص آخر لا رغبة له في السلعة فيقول للبائع:" أنا أشتريها منك بثمن أكثر من الثمن المذكور" وقد قصد من ذلك تحريك رغبة المشتري الأول فيها.


11 »»تجنب الجلوس في طريق المسلمين من أجل البيع أو الشراء فيضيّق عليهم وتجنب الخوض في الباطل والإثم والخصومات ورفع الصوت والصياح أو الشتم.


12 »»الرضا بالربح القليل وهذا يؤدي الى محبة الناس وكثرة الزبائن وطيب المعاملة والبركة في الرزق.


13 »»تجنب البيع والشراء عن طريق السرقة والاغتصاب.


عن رسول الله أنه قال:( من اشترى سرقة ـ أي مسروقا ـ وهو يعلم أنها سرقة فقداشترك في إثمها وعارها) . رواه البيهقي.


14 »»تجنب التكسب عن طريق الربا والميسر.


قال تعالى: (وأحلّ الله البيع وحرّم الربا )البقرة 275.


ولقوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَابَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْفَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) البقرة.


ولما ورد عن النبي: (لعن رسول الله آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء) . أصحاب السنن.


15 »»تجنب بيع الأشياء المحرمة لما ورد عن رسول الله أنه قال:( إن الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنة).  رواه أحمد وأبو داود.

وعلى هذا فإن بيع الخمر وكل محرم محرم في نظرالإسلام.


16 »»عدم إعانة المشتري الظالم فإعانة التاجر للمشتري في الشر محرمة ويأثم منها التاجر ومثال لذلك التاجر الذي يبيع العنب أو التمر لمن يعلم أنه يتخذه خمرا.


17 »»الإحسان في المعاملة وفي إستيفاء الثمن إما بالمسامحة أو بالمساهلة أو بالإهمال أو بالتأخير.

قال تعالى:( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىمَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280). البقرة.


وعن جابرقال: قال رسول الله:( رحم الله امرئ سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء)رواه البخاري.


18 »»تجنب شراء شيء يساوم غيرنا لشرائه حتى ينتهي بشرائه أوبتركه.


عن ابن عمرما عن النبي قال:( لا يبع بعضكم على بيع أخيه ). رواهالبخاري.


19 »»البعدعن ترويج النقود المزيفة فقد ترد أحيانا الى يد التاجر نقود مزيفة أو نقود قديمةانتهى التعامل بها أو نقود بلد آخر لا يتعامل بها في بلده، فيجب على التاجر في هذه الحالة أن لا يروج هذه النقود بإعطائها لشخص آخر وإلا كان ظالما لأنه أضرّ بغيره من المسلمين وقد ذكر صاحب كتاب (موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين في شأن ترويج النقود المزيفة) ما نصه: قال بعضهم: إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن لبسرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت ومعصية إنفاق الزيف قد يكون عليه وزرها بعد موته الى مائة سنة أو مائتي سنة الى أن يفنى ذلك الدرهم والويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسأل عنها الى آخر انقراضها.


قال تعالى: (ونكتب ما قدموا وآثارهم) .  يس 12.

 


20 »»إقالة النادم: في بعض الأحيان قد يشتري أحدهم السلعة ثم يتضح له أنه في غير حاجة لها أو يرى أنه محتاج لثمنها فيندم على شرائه ويأتي الى التاجر ليقيله ( أي يقبل السلعة ويرد إليه ثمنها) فمن حسن المعاملة الشرعية أن يقبل التاجر السلعة من المشتري النادم وله من الله في هذا الفعل ثواب كثير كما يشير الى ذلك حديث المصطفى.

 


عن أبي هريرةقال: قال رسول الله:( من أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة) . رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان.


21 »»أن يتجنب العامل والموظف التأخر عن موعد العمل المتفق عليه واستغلال وقت العمل بكامله لصالح العمل وعدم إضاعة الوقت والانشغال بغير العمل فهذا الوقت من حق صاحب العمل وإلا فإن الإضاعة للوقت والانشغال عن العمل المطلوب تجعل أجرة هذا الوقت موضع شبهة لأنه أخذ أجرة بدون عمل.


22 »»أن يتجنب الموظف تأخير المعاملات وتأجيل أصحاب الحاجة ومماطلتهم والإسراع في أداء الأعمال وحل مشاكل الناس بوجه طلق وكلام حسن طيب لأنه يعمل في مضمار خدمة الناس وهذا عمله ولا يجوز له التصرف بما يؤذي الناس وتأخير حاجاتهم وإضاعة أوقاتهم والفرص لديهم.

 (وقل اعملوا فسيرا الله عملكم ورسوله والمؤمنين)

مع تمنياتى بالتوفيق


* * *

,الحسن صلاح,

 

المصدر: الحسن صلاح احمد

ساحة النقاش

الحسن صلاح احمد

hassan7190
الحسن لااعمال البناء والتشيد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,209