قد أَخْطَأَ مَنْ قال: إنّ قَوْلَ كَلِمَة: «رضي الله تعالى عنه»، مخصوصٌ بالصَّحابة، فقد ثبَت من الآيَةِ الكريمة أنّ هذه البِشَارةَ لكُلِّ مؤمنٍ يَخَافُ ربَّه ولا يُوْجَدُ تخصيصٌ للصَّحَابة وغَيْرِ الصحابة، فيجوز قَوْلُ: «رضي الله تعالى عنه» في حَقِّ الصَّحَابةِ وأولياء الله والصالِحين.
واعْلَمْ أخي: أنّ الصحابيَّ هو كُلُّ مسلمٍ، رأَى، أوْ لَقِيَ النبيَّ الكريمَ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم مُؤْمِناً به، ولو لَحْظَةً واحدةً، وماتَ على الإيمان، لكن لا يُمْكِن لأَحَدٍ من الأولياء، والصالحين: أن يَصِلَ إلى مَرْتَبةِ الصَّحَابة، وإنّ أصْحَابَ النبي صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم كُلَّهُمْ عُدُوْلٌ، وإنّهم مِنْ أهلِ الجنّة قَطْعاً، وإنَّنَا نُرِيْدُ بقولِنا عند ذكْرِ الصحابةِ: «رضي الله تعالى عنه» مَعْنَاها الحقيقي، وأمّا إذا كانت كلمةُ «رضي الله تعالى عنه»، في حقِّ غَيْرِ الصحابةِ، فهي تكون مِنْ قَبِيْلِ الدُّعَاء، وجاء هذا الكلامُ عن التَّرَضِّي ضِمْناً. وكان في الأَصْلِ إخبَارٌ بأنّ الصلاةَ والزكاةَ والْحَجَّ ومُسَاعَدةَ الْمُحْتَاج وعِيَادَةَ الْمَرِيضِ، ومَعْرِفَةَ أَحْوالِ الْمَسَاكِيْن، مِنَ الأسْبَاب التي، تُوْصِلُ إلى الجنّةِ، لكنّ الصومَ، هو العبادة الوحيدة التي نَجِدُ بها ربَّنَا. يُقَالُ: كان السُّلْطانُ محمود الْغَزْنَوي رحمه الله تعالى، قد نَثَر الْجَواهِرَ، والدُّرَرَ على الأَرْضِ، وأمَر جميعَ وُزَرَائِه: أن يَرْفَعَهَا كُلُّ واحد منهم، فرأَى وزيراً منهم، كان يُدْعَى: أياز لم يَلْتَفِتْ إلى الجواهر، ولم يَلْتَقِطْ منها، شيئاً، فسَأَلَه محمود الْغَزْنَوي، وقال له: يا أياز، لِمَ لَمْ تَأْخُذ منها شيئاً؟ قال أياز: مَنْ كان طالباً لِلْجواهر يَلْتَقِطُها، وأنَا لا أُرِيْدُ، إلاّ صاحبَ الجواهر. وَاسْمَعْ أخي الحبيب إلى الحديث من هذا الْقَبِيْلِ: عن سيدِنا رَبِيْعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَميِّ رضي الله تعالى عنه قال: كُنْتُ أَبِيْتُ معَ رسولِ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم فأَتَيْتُه بوَضُوْئه، وحاجَتِه فقال لي: «سَلْ»، فقُلْتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقتَك في الجنّةِ قال: «أَوْ غَيْرَ ذلك؟» قُلْتُ: هو ذاك، قال: «فأَعِنِّيْ على نَفْسِك بكَثْرَةِ السُّجُوْد»[1].
صلّوا على الحبيب! صلّى الله تعالى على محمد
احكام الصيام
[1] أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الصلاة، صـ٢٥٢، (٤٨٩).