انطباعات ريفية *** كنت صغير السن ارقب فضاء واسع جميل تحوطة الاشجار هنا وهناك فى الريف المصرى بقنتير فضاء تتلاقى فية السماء مع الارض فى الافق البعيد , ويتعبق الهواء النقى برائحة زهر الليمون و البرتقال , وتتألق سنابل القمح الذهبية متوهجة فى حبور عندما تنعكس عليها اشعة الشمس الساطعة وتتمايل شجيرات القطن بخيوطها البيضاء مبشرة بمحصول جيد ووفير يعين الفلاح على حياة جميلة هادئة و مستقرة , ويبشر بقرب زواج الابناء من ايراد هذا المحصول البديع . وكنت بعد صلاة الفجر ارقب من بعيد حشود الفلاحين ممسكين بحبال من التيل مربوطة فى مواشيهم فى طريقهم الى المزارع والحقول الخضراء لبداية يوم جديد آملين من الله سبحانة فى محصول طيب ووفير فى نهاية كل دورة زراعية . وكنت الاحظ ترابط العلاقات الطيبة بين جموع الفلاحين ومشاركتهم مع بعضهم البعض فى تعاون مثمر اثناء تواجدهم فى الحقول .. هذا يساعد اخاة فى حرث ارضة بالمحراث البلدى .. وذاك يدور مع النورج فى حلقة دائرية لدرس سنابل القمح وصوتة الجميل واغانية الاصيلة تحث الماشية على العمل فى دأب ونظام .. اما هذا فهو ينظف ارض جارة من الحشائش الضارة الموجودة فى حقل الارز المغمور بالمياة , وهذا يحصد مع اخية سنابل القمح .. وذاك يجمع مع اخية خضراوات حقلة وفاكهة حديقتة الصغيرة .. كلا فى تعاون وحب ورغبة فى الانتاج مع نشاط محبوب وتعاون مثمر ورضا بما تجود بة الارض لأنهم جميعا على علم جيد بفنون الزراعة وان هناك فى انتظارهم البركة عند جمع المحصول . اما الآن ... فبعد صلاة الفجر كالمعتاد .. جلست ارقب من قريب وليس من بعيد حيث لا افق ظاهر و لا سماء تتلاقى مع المحاصيل وذلك لتكدس المبانى المبنية من الطوب الاحمر بعضها بجوار بعض فى تلاصق دون تصميم للبناء يتيح فرصة للتأمل كما كان , فكادت الانفاس ان تختنق .. جلست ارقب .... اين حجافل وجيوش الفلاحين ومواشيهم فى الطرقات الى حقولهم ؟ !! فلم اجد شيئا .. لا حس و لا خبر .. حتى منتصف النهار بدت لى على استحياء قليل من الماشية العجفاء تجر ورائها نفر من البشر يسيرون فى تكاسل واضح فى طريقهم الى حقولهم , وعرفت السبب الا وهو لأنهم دائما الآن يسهرون ليلا وكل ليلة امام جهاز ( التليفزيون ) لمشاهدة فلم مثير او اغانى شبابية جرداء من الطرب الجميل . اقول انهم يسيرون فى تكاسل ملحوظ وهم اقرب الى النوم منهم الى اليقظة فى طريقهم الى حقولهم و مزارعهم المحتاجة اليهم بشدة الآن لكى تثمر لهم سنابل القمح وخبز الحياة .
ومن انطباعاتى الريفية ايضا .. اننى لم اشم رائحة الخبز البلدى من الافران البلدية ذلك الخبز الذى كان يصنع بأيدى ست البيت فى كل بيت من الريف . ولم تتهادى الى انفى رائحة السماد البلدى مصدر الخير للأرض الزراعية حيث ان لهذا السماد دور حيوى فهوصديق للبيئة مناسب للصحة العامة .
ثم , ما هذة المبانى الكثيرة المبنية من الطوب الأحمر فى تكدس ملحوظ صانعة طرق ضيقة ؟ وما هذا الكم من الذباب نهارا ؟ وتلك الكم من الناموس ليلا ؟ واين الفلاحة ( ست البيت ) التى تنظف وترش المياة امام بيتها كل صباح باكر ؟ !! اين اختفى منظر الافق الجميل وهو يداعب سنابل القمح عند الالتقاء فى بهجة وسرور وفى عناق كنت اظنة ابدى ؟ !! اين الريف الجميل ؟ بل اين قريتى قنتير التى كنت اعرفها جيدا ؟!!
اين المصلى الصغير المقام بجوار جسر الترعة امام كل حقل حيث تنساب فى الترعة مياة الخير و الحياة .
ثم ما هذة الطوابير الطويلة هذة امام الافران ؟ ولماذا لا تقوم كل ربة بيت فى صنع رغيفها ورقاقها و الاعتماد على الذات لها و لأولادها ؟ !! فتغرس فى اولادها الرغبة فى العمل و الاعتماد على الذات وحب الانتماء للمكان وهل اكون مبالغا اذا تسألت ... اين فطائر المشلتت المصنوع من عجينة دقيق القمح والمخلوط بالسمن البلدى ؟ وهل اذا استفسرت عن زرائب المواشى المحاطة بأشجار التوت والجميز اين هى .. اكون قد بعدت بعيدا ............؟ !! ان كل ما استفسر عنة هو عودة الى الطبيعة الجميلة وتأصيل الذات والرغبة فى العمل والانتاج الريفى فى كل بيت ... فى الريف هيا بنا الى نداء اصنع بنفسك واخدم نفسك وتعاون مع الجميع كل ذلك سوف يجعل من ريفنا الجميل صحوة مطلوبة وامر مرغوب فية ... الا ترى معى ذلك ؟
ثم اين حظائر الدواجن وجموع البط و الاوز وهى تتهادى فى طريقها الذى كان معروف الى الترعة المجاورة لكى تأخذ قسطا من النزهة بحرية بريئة لتتناول طعامها المفضل من الحشائش المبللة بالماء والتقاط بعضا من صغار السمك المنتشر فى الترعة .
كنت تزور اى مزارع او فلاح فى بيتة المبنى من الطين اللبن فتجد الهواء رطب شبة مكيف بطريقة طبيعية حيث المساحات واسعة لا حر شديد كهذا , بل نسمات تنساب فى اجزاء البيت الواسع الرحب العامر بالخيرات ... فتجد ارنب يقفز بجوارك وبطة تتهادى الى خارج البيت للاستحمام فى الترعة القريبة , وهذة دجاجة تسير فى عزوة بصغارها الكتاكيت بصوتها الجميل تلتقط حبوب القمح الملقاة هنا وهناك .. كل ذلك مع صياح ديك اعلتى جزع شجرة قديم .
وكل ذلك وانا اشرب تحية الضيف التقليدية .. كوب من الشاى الثقيل فى الشاى و السكر دليل الكرم الريفى المعروف .
اين صوت السواقى ليلا ؟!! وهى تشكل سيمفونية لحن الخلود مع صوت الفلاح يشدوا بالغناء الاصيل وسط الليل تحرسة نجوم السماء المتألقة ترقبة فى صمت وترسل الية قمر السماء ليضىء لة المكان و الزمان ؟
اين هذا الفلاح العجوز الذى كان يجلس القرفصاء ساندا ظهرة الى جذع نخلة تتساقط منها رطبا جنيا نأكل منها جميعا فى شهية لذيذة وهو ينسج لنفسة طاقية من الصوف من وبر جملة المربوط فى الشجرة المقابلة هناك ؟
اين ابراج الحمام بحمامها الذى كان يغطى سماء الريف يطير هنا وهناك فى سلام ؟!!
*** مهندس هانى سويلم
|
ساحة النقاش