نباتات شوكية
***
كانت جلسة تحت ظلال نباتات شوكية.. بعيدا عن الاقدام بجوار قبر قديم
صنع الزمن بة فجوة كبيرة.. صنعها الدهر بعد ان صنع بصاحبة الكثير
جعلة الدهر رمال بيضاء هشة , و بجوار هذة الرمال بقايا عظام
طعام الدهر المفضل حين يشتد بة الجوع
و هنا و بالقرب من تلك الرمال المخيفة كانت ترقبنى راس خاوية
لم اتبين أكانت تبتسم لى
أم انها تسخر منى
و من العالم اجمع ككائنات بشرية , لم تعرف بعد حقيقة الحياة
بعد الموت .
لم اتبين تلك الابتسامة مليا , فقد ازحت عينى عن هذة الرأس الخاوية
سريعا , ولكن مازال خيالها جاثم يراودنى الفنية بعد الاخرى
انها رأس آدمى انتزع الدهر جلدها وافرغ عينيها وترك مكانها الغموض
اسفل بقليل كانت فجوة مثلثة الشكل تقريبا وهى بقايا انف او مكانها فيما مضى
بقايا اسنان صفراء .. بجوار رمال صفراء , هنا ساق وهناك ترقوة .. بقايا عظام
واصابع واقدام.
تحسست بعضى بحركة لا ارادية اقرب الى التلقائية
امسكت اذنى ولمست عينى وضممت يدى الى صدرى.
عالم آخر لا يعرفة حقيقة الا من يدخلة وكلنا داخلين طوعا او كرها
**
كانت رهيبة الجلسة هذة , بعد وداع عزيز لدينا واخذت الملم نفسى تحت
ظلال النباتات الشوكية غريبة الاطوار والاشكال وهى مخيفة فى حد ذاتها
اصابها الجفاف كما اصاب صاحب القبر , تلك النباتات التى تقف صابرة
امام الدهر تحاول ان تجد الماء لكى تعيش ولو بعض الوقت.
الرمال امامى وكأنها تخرج انفاس الموتى .. وهل للموتى انفاس ؟ !!
الشمس فوق راسى اراها من خلال تشابك السيقان تنتظر خروجى من بين الظلال.
بالقرب منى جيش ضخم من النمل , نمل يعمل فى دأب متواصل يدخر لنفسة
سبل الحياة ممن لا حياة لهم الان , اظن انها كانت تتجمع على بقايا عين بشرية
تحاول حملها الى مملكة النمل .
غربان تزعق فوق النخيل الذى ليس ببعيد عن مكاننا وجلستنا .
لاغيات واصوات اسمعها من بعيد .. بكاء طفل ونهيق حمار وصفير رجل
فى حالة انسجام وهو يدور مع الساقية البعيدة لرى ارضة العطشى ,
صراخ نسوة وبكاء رجال ... وصراخ صامت من بعيد .
النخيل يحوطنى من بعيد وكأنها تنظر هنا وهناك تراقب الاقدام وتحرس الايام
بالقرب منى كان عود جاف .. مددت يدى الية وامسكت بة وانفلت منى وتهشم دقيقا !!
الرمال الصفراء تزفر هواءا ساخنا , حرارة الجو شديدة و اشعة الشمش تتلصص
من خلال سيقان النباتات الشوكية , شعرت بالعطش الشديد وانى فى حاجة الى شربة ماء
فمن الماء كل شىء حى , هذة نسمة هواء تعبرنى اسقطت فوق رأسى عود من الحطب
الجاف فأحدث ذلك رعبا .
ماهذا ؟ !!
خيط بنى اللون مائل الى الاصفرار يتحرك ببطء شديد على القبر المهجور
ماذا ؟ ... هل تأثرت بهذا الجو المحيط بى فأصبحت ارى اشياء غير موجودة !!
لايمكن ان يتحرك خيط كتلك الحركة .. خيط يتصل حينا و ينقطع اخرى
فركت عينى بشدة لكى استوعب ما انا فية , ثم نظرت اخرى الى الخيط
انة يتحرك .. وهل للجماد ان يتحرك ؟ !!
انها حركة بطيئة لكنها مستمرة .. الخيط يمتد الى .. الى تحت حذائى الايمن
ما هذا ؟ !!
انها تلك الجيوش المنتظمة والتى تعمل فى صمت دؤب ونشاط لا يعرف الملل
وظن لى انها كانت تحتشد لهجوم كبير على ذلك الشىء الجاثم على بوابة المملكة
آة انة حذائى الايمن اغلق فتحة باب المملكة !!
سحبت رجلى سريعا كما لو كنت اعتذر الى النمل , و امسكت ببعض النمل
الفدائى الذى تسلق بعض اجزاء من حذائى , ووضعتها برفق بجوار باب المملكة
وكأنى اعتذر بأسف شديد
لاحظت بعض القتلى من النمل , قتلتهم قدمى دون ان ادرى وبعضها يزفر
انفاسة الاخيرة .
الشمس قد اخذت منى مقربا , وكان على ان ابحث عن مكان آخر حيث الظل
او قل بقايا ظلال من طلال , ووجدتها ... الظل بجوار قبر جديد , عرفت ذلك لوجود
بعض اوراق النخيل الخضراء مغروسة على رأس القبر .
الارض هنا رطبة قليلا ولها رائحة غريبة
تذكرت سريعا ان القبر جديد فنهضت من مكانى فلربما اكون قد جلست
على عقل انسان قد محاة الدهر وابقى تلك الرمال الرطبة التى كانت
تنبض بالحياة ذات يوم .
وبجوار جذع نخلة عجوز اسندت ظهرى اليها وجلست القرفصاء
وانا اصرخ فى صمت كان يبدو لى بعيدا
****
مهندس
هانى سويلم
ساحة النقاش