د. سمير محمود
ضرب الحشرات!
الثلاثاء، 26 أغسطس 2008 - 00:19
<!-- AddThis Button BEGIN --><!-- AddThis Button END -->
تأكد لى بالبرهان القاطع، أن مصر تعانى أزمة حقيقية مع الحشرات، وأن "ضرب الحشرات" تحول من مجرد عادة عالمية إلى واجب قومى مصرى، وهدف استراتيجى تقف وراءه سواعد شابة تنتمى لمؤسسات وهيئات وأكاديميات ضخمة لها اسمها ووزنها ومساحاتها الكبرى، فى إعلانات الصحف التى توزع بالمجان فى عموم بر مصر.
انزعجت قبل سنوات من تكرار شكوى زوجتى من النمل الذى غزا منزلنا دون شرعية، ودون مزاعم تفتيش أممى، ربما بحثاً عن بقايا طعام أو حبات سكر هاربة هنا وهناك، كما انزعجت أكثر حين قرأت عموداً كاملاً لأحد كتابنا الكبار عن مصرى حصل على الدكتوراه فى علم النمل، وعاد ليكون واحداً من أربعة فى تخصصه فى المنطقة بأسرها، ولا يجد عملاً، راجياً من صاحب العمود الأستاذ صلاح منتصر، مساعدته فى إيجاد فرصة عمل يفرغ فيها طاقته فى ضرب الحشرات.
أسوق هذه المواجع بمناسبة وقوع جريدة إعلانية مجانية فى يدى بمحض الصدفة، وبها صفحات كاملة عن "ضرب الحشرات"، ومن بين العناوين المستخدمة فى الغرض نفسه ما يلى: المجموعة الفرنسية لإبادة الحشرات، الألمانية لبحوث الحشرات، الأكاديمية العلمية للبحوث "إبادة حشرات"، مركز بحوث الحشرات "إبادة حشرات"، الهيئة القومية للبحوث "لضرب الحشرات"، وأخيراً المركز العلمى للبحوث "لإبادة الحشرات".
أقسم أننى فجعت من كثرة الهيئات والمؤسسات التى تحمل الصفة العلمية والأكاديمية فى أسمائها، إلى حد اقتباس أسماء قلاع علمية مصرية راسخة تضرب بتاريخها لما قبل منتصف القرن الماضى مثل المركز القومى للبحوث بالدقى، والذى خلته قد غير نشاطه وتفرغ "لضرب الحشرات" والإبادة الفورية للصراصير والنمل والبق وسوس الخشب والأبراص، ورش المطبخ بالموجات والتبخير.
المضحك فى هذا الأمر أن بريد القراء بصحافتنا المصرية القومية والخاصة والحزبية على السواء، يضج بالشكوى المتكررة والمملة من لصوص المنازل الذين يقتحمون البيوت تحت الأقنعة الزائفة للرش والتنظيف "وضرب الحشرات"!.
ونعاود السؤال: ألا توجد ضوابط أو أطر تنظم أو تقنن الأسماء والعلامات التجارية، بحيث لا نجد فى الغد مسمى أكاديمية البحث العلمى لإزالة الشعر الزائد، ومعهد القياس والمعايرة لإنقاص الوزن وعلاج السمنة والنحافة، على غرار المركز العلمى للبحوث لضرب الحشرات ؟!
المؤسف أكثر أن تترك الجهات الرقابية، هؤلاء المدعين فى بيوتنا، يقتحمونها مسلحين بمسميات علمية وأكاديمية ترويجية، وإعلانات تملأ عين الشمس وكله بثمنه، بينما لا يجد خبراء ضرب الحشرات الحقيقيون أى فرصة عمل.
الأكثر إيلاماً أن لا تتدخل مؤسساتنا العلمية المرموقة والمعروفة، للمحافظة على اسمها وسمعتها ضد محاولات هؤلاء العابثين، وضد النصب على المواطنين البسطاء بانتحال أسماء علمية لها وزنها وثقلها، حتى لو كان هدفهم الاستراتيجى "ضرب الحشرات"!
ساحة النقاش