<!--<!--
تعتبر مشكلة البطالة من اْخطر المشاكل التي تواجهها دول العالم المتقدم والنامي ، بحيث أصبحت اليوم إحدى السمات الرئيسية للاقتصاد العالمي ، فالبطالة اليوم أصبحت أزمة عالمية ، ومن النادر جدا أن نجد دولة من دول العالم لا تعانى من آثارها سواء على أفراد المجتمع أو علي الاقتصاد القومي ، وليس أدل على ذلك من معاناة معظم دول العالم من الإرهاب والتطرف والأمراض الاجتماعية المختلفة التي من أسبابها الحقيقية تزايد معدلات البطالة ، وعدم وجود فرص عمل أمام أفراد المجتمع بصفة عامة ، والشباب منهم على وجه الخصوص .
وبالنظر إلى مصر فان المجتمع المصري منذ الثمانينات يواجه مشكلة رئيسية تتمثل في التفاقم الملحوظ لمشكلة البطالة بين خريجي التعليم العالي والمتوسط وفوق المتوسط ، حتى أوشكت أن تصبح عنصرا من عناصر تهديد كيان المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، ذلك أن خطورة هذه المشكلة لا تكمن فقط في عدم الاستغلال الأمثل لقوة عمل قادرة على الإنتاج والعطاء ، وما يتضمنه ذلك من أهدار وتبديد لإنتاج كان يمكن تحقيقه واستخدامه في توفير إشباع أفضل للمجتمع ، وإنما تكمن الخطورة أيضا فيما يمكن أن يترتب عليها من آثار سلبية كانتشار ظاهرتي الإدمان والتطرف واتساعهما ، وازدياد الشعور بالإحباط واليأس واللامبالاة ، مع ما يعنيه ذلك من فقدان للروح الوطنية والقومية ، وعدم الشعور بالانتماء ، وهى أمور تؤثر _بلا شك _ على حركة المجتمع ككل وعلى مدى تماسك النسيج الاجتماعي الداخلي له .
ولما كانت مشكلة البطالة بين الخريجين تمثل اْحد التحديات الرئيسية التي يواجهها متخذو القرار في مصر ، وذلك لاْن مواجهتها تتطلب علاجا دقيقا يسعى إلى تحويل هذه القوى العاملة الزائدة عن حاجة السوق إلى عمالة منتجة ، فان لابد من التفكير في مواجهة هذه المشكلة بشكل متكامل اْى كجزء من عملية تنمية شاملة اقتصادية واجتماعية يعمل على حلها أو تخفيف حدتها بكل أبعادها . لذلك اتجهت الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة إلى إتباع سياسة جديدة ألا وهى تشجيع شباب الخريجين على إقامة المشروعات الصغيرة باعتبارها مشروعات محدودة الحجم لا تحتاج في تمويلها وإدارتها إلى أموال طائلة ومعدات رأسمالية ضخمة وتكنولوجيا معقدة على غرار المشروعات الكبيرة ، ولكنها تتميز بكونها أسرع من غيرها في توفير فرص عمل منتجة لكل راغب في العمل وقادر عليه .
وهنا يبرز رأى بعض الاقتصاديين في إن الدول التي تعانى من نقص في فرص العمل ، إنما يكمن في داخلها طاقة ادخارية تتمثل في المجهود البشرى الموجود في تلك الطاقات التي تبحث عن فرص عمل ولا تجدها . وباستيعاب تلك الطاقات في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي عن طريق تشغيلها في مجالات إنتاجية خاصة تلك التي يكون للعمل فيها جزء هام بالنسبة لباقي عوامل الإنتاج ، فسوف يؤدى ذلك إلى تكوين حقيقي لرأس المال ، وهنا يبرز دور المشروعات الصغيرة في هذا المجال .
ويمكن إبراز خصائص ومميزات المشروعات الصغيرة التي تجعلها الأكثر فاعلية في خلق فرص العمل على النحو التالي :
1- أنها كثيفة العمالة ، بمعنى أنها تعتمد على قوة العمل أكثر من اعتمادها على الآلات والمعدات .
2- أنها تحتاج إلى رؤوس أموال قليلة ، وبالتالي فان تكلفة فرص العمل بها صغيرة تتناسب مع الظروف التي يمر بها الاقتصاد المصري .
3- إن منتجاتها متنوعة ومتعددة ، ولا تحتاج لتوزيعها إلى أسواق كبيرة ، ومن ثم فان هذه الصناعات من الممكن أن تنمو في المجتمعات العمرانية الجديدة والمناطق النائية لاستيعاب قوة العمل هناك ، واْيضا تجذب فائض العمالة الموجودة بالمدن الكبيرة.
4- أنها تضيف إلى مجالات الاستثمار والإنتاج مجالات جديدة تستوعب أعدادا لا باْس بها من العمالة .
5- أنها تتلاءم مع أنماط الملكية التعاونية والعائلية ، وبالتالي يمكن أن يجذب الأفراد إلى تأسيس وحدات إنتاجية تعاونية صغيرة تخلق مزيد من فرص العمل .
مما تقدم يتضح إن للمشروعات الصغيرة خصائص ومزايا تتماشى مع ظروف وطبيعة الاقتصاديات النامية بصفة عامة ، والاقتصاد المصري بصفة خاصة ، كما إنها الأكثر ملائمة لظروف المجتمع المصري الذي يعانى في الوقت الحالي من العديد من المشكلات ،والتي من أهمها : نقص رؤوس الأموال اللازمة لخلق فرص عمل جديدة ، واختلال جانبي العرض والطلب في سوق العمل المتعلم ، الأمر الذي يجعل بدوره من المشروعات الصغيرة أداة فعالة ورئيسية لما لها من خصائص ومميزات تساعدها على مواجهة المشكلتين السابقتين .
وفى ضوء ذلك فان هناك مجموعة من الآليات لتنمية المشروعات الصغيرة في مصر حتى يتسنى لها القيام بدور أكثر كفاءة وفاعلية في مواجهة مشكلة بطالة الخريجين في المجتمع المصري ، ألا وهى :
1- أن يتم وضع إستراتيجية متكاملة للمشروعات الصغيرة على مستوى الجمهورية تحدد أهدافها في ضوء أهداف الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة بحيث يتم تشجيع إقامة هذه المشروعات في جميع محافظات الجمهورية بما يتلاءم مع البيئة المحلية لكل محافظة من جهة وان يكون هناك تكامل واضح بين تلك المشروعات في كل محافظة من جهة أخرى.
2- إنشاء هيئة حكومية واحدة تتولى مهام التخطيط والإشراف والتوجيه والرقابة والتنسيق بالنسبة لقطاع المشروعات الصغيرة مع ضرورة وضعها لتعريف شامل ودقيق للمشروعات الصغيرة في مصر يستند إلى معايير محددة وملموسة كقيمة رأس المال المستثمر وعدد العمال في المشروع .
3- إنشاء جهاز تمويل متخصص للمشروعات الصغيرة يقوم بمنح القروض لهذه النوعية من المشروعات بسعر فائدة منخفض وبشروط ميسرة.
4- التوسع في عمليات الشراء التاْجيرى للمعدات والآلات .
5- إيجاد نوع من التكامل بين المشروعات الكبيرة والصغيرة بحيث تلتزم المشروعات الكبيرة باستخدام منتجات المشروعات الصغيرة لضمان الجانب التسويقي لها ، وحفاظا على نمو مبيعاتها ، وكذلك مساعدتها بالمعلومات الفنية لضمان جودة منتجاتها ، وقدرتها على المنافسة .
6- التوسع في إنشاء المجمعات الصناعية النموذجية للمشروعات الصغيرة بالمناطق الصناعية والمدن الجديدة لتهيئة الظروف الملائمة لهذه المشروعات للحصول على احتياجاتها من الآلات والخامات والمعدات وقطع الغيار ، كذلك كل ما يلزمها من خدمات في سهولة ويسر ، بالإضافة إلى إمكان قيام المشروعات الصغيرة بالمجمعات بسد حاجة المشروعات الكبيرة بالمنتجات المكملة أو المغذية ، مما يؤدى إلى تحقيق التكامل فيما بينهما .
7- العمل على إقامة منظمات أو اتحادات مستقلة في إطار قانوني تضم أصحاب المشروعات الصغيرة لكي توفر لهم قنوات الاتصال اللازمة بينهم وبين الجهات ذات الصلة الوثيقة بأنشطتهم من ناحية وتوفر لهم المواد الخام وطرق تصريف منتجاتهم بعيدا عن اى احتكار من ناحية أخرى .
8- التوسع في إنشاء مراكز التدريب والتأهيل المتخصصة وتوفير البرامج التدريبية والمساعدات الفنية اللازمة لخلق كوادر إدارية ومهنية ذات كفاءة عالية .
9- التوسع في إقامة الحضانات الصناعية لمساعدة المستثمر الصغير في إقامة المشروع بالحضانة وإكسابه الخبرات اللازمة لنجاح مشروعه من حيث الإدارة والجودة والتكلفة والتسويق بواسطة مجموعة من الخبراء في شتى المجالات المتعلقة بالمشروعات الصغيرة وذلك لفترة زمنية محددة ، يمكن بعد انتهائها قيام المستثمر الصغير بتنفيذ مشروعه في موقع آخر خارج الحضانة لإعطاء الفرصة لدخول مستثمر جديد بالحضانة .
10- العمل على إدخال العاملين بالمشروعات الصغيرة تحت مظلة التأمينات الاجتماعية مع منح أصحاب هذه المشروعات التيسيرات اللازمة التي تشجعهم على سداد أقساط التأمينات الاجتماعية بشكل لا يؤدى إلى تعثرهم ماليا .
11- ربط الضريبة على أصحاب المشروعات الصغيرة على أساس واقعي وعادل يضمن للدولة حقها ويسهل على المستثمر الصغير دفع هذه الضريبة .
12- تيسير عمليات استخراج التراخيص والتخفيف من حدة الروتين الحكومي وتعقيد الإجراءات .
13- بناء قاعدة علمية وتقنية ومعلوماتية متطورة تغذى المشروعات الصغيرة بقدرات عالية تؤمن بالتنويع والمنافسة بما يحقق التميز والارتقاء دائما بالمشروعات الصغيرة .
14- العمل على تحسين إنتاجية وحدات المشروعات الصغيرة القائمة ، بالقيام بعمليات الإحلال والتجديد ، وتطبيق تكنولوجيا مناسبة ، الأمر الذي يؤدى إلى تسويق منتجاتها بأسعار معقولة.
15- إقامة المعارض الدائمة لمنتجات المشروعات الصغيرة في الداخل والخارج .
16- إعطاء أولوية في المشتريات الحكومية لمنتجات المشروعات الصغيرة .
17- تشجيع التسويق الخارجي لمنتجات المشروعات الصغيرة والإعلام عن منتجاتها في الخارج عن طريق المكاتب التجارية المصرية .
18- العمل على تنشيط صادرات منتجات المشروعات الصغيرة ، وذلك عن طريق منح أصحابها تيسيرات جمركية مع تبسيط الإجراءات التصديرية وخفض تكلفتها .
19- إسهام أجهزة الإعلام المختلفة في تهيئة المناخ العام الصالح للاستثمار في مصر بعمل ندوات تبين أهمية المشروعات الصغيرة ونوعيتها وعائدها على الاقتصاد القومى.
20- أن تتعرض أماكن تجمعات الشباب المختلفة كمراكز التدريب المهني ، والمؤسسات التعليمية المختلفة ، ومراكز الشباب لتدريب شبابها على إقامة وإدارة المشروعات الصغيرة ، ودراسة السوق ، والقدرات والدراسات والمهارات والسلوكيات التي يجب اكتسابها قبل البدء في تنفيذ مشروعاتهم الصغيرة ، وبهذا تكون مشروعاتهم جاهزة للتنفيذ فور تخرجهم مباشرة .
21- ضرورة توفر الرغبة الصادقة والجدية لدى الشباب الذين يتقدمون لإقامة مثل هذه المشروعات.
وفى اعتقادي بأنه بإتباع تلك الوسائل وغيرها يمكن تنمية المشروعات الصغيرة في مصر وجعلها أداة يمكن أن تسهم بشكل فعال في مواجهة مشكلة بطالة الخريجين المتفاقمة في المجتمع المصري . مع ضرورة التأكيد على بعض الحقائق التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند التعامل مع هذه النوعية من المشروعات ، وهى :
1- هذه النوعية من المشروعات ليس من الضرورة أن تكون ذات مستوى تكنولوجي اقل من المشروعات الكبيرة ، ولكنها قد تستخدم نفس الأساليب التكنولوجية للمحافظة على مستوى ونوعية الإنتاج ، ولكن بحجم اْصغر وتكلفة اْقل ، وذلك يتطلب مواءمة التكنولوجيا لحاجة هذه المشروعات .
2- كذلك فان المشروعات الصغيرة لا يمكن القول بأنها تحل محل المشروعات الكبيرة ، ولكنها تتكامل معها بما هو أكثر ملائمة وكفاءة للاقتصاد القومي .
ساحة النقاش