مع زيادة الاستهلاك العالمي للطاقة وتراجع احتياطات النفط العالمية وتفاقم مشكلة التسخن الأرضي، تنصب الجهود العلمية منذ فترة على البحث عن مصادر بديلة أفضل مثل الفحم النظيف والمفاعلات النووية الآمنة والأفكار الأكثر ثورية وطموحاً مثل التخليق الضوئي الاصطناعي.

وفي هذا السياق يقوم فريق من العلماء الأميركيين في مختبرات لورانس بيركلي الوطنية ببذل جهود جبارة لمحاولة تقليد ما تقوم به الطبيعة دون عناء منذ قرابة 3 مليارات سنة. وفي هذا المشروع الطموح، الذي يسمى مشروع هيليوس، تحاول ليلاك أميراف مع ثلاثين من زملائها بناء ماكينات منمنمة تحاكي وظيفة التركيب الضوئي، وهي العملية التي تمتص بها النباتات الخضراء ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون وتنتج الطاقة.

وفي ورقة الشجر ينتج عن هذا التفاعل جزيء السكر والذي يعمل كبطارية بيولوجية. فكل ما على النبات القيام به هو تفكيك الروابط الكيميائية للسكر، محرراً بذلك الطاقة التي يحتاجها للحفاظ على حيويته.

والهدف الذي يرمي إليه الباحثون في مشروع هيليوس هو تعديل هذه العملية قليلاً بحيث تصبح أكثر ملاءمةً لاحتياجات الطاقة لعالم يتوقع أن يبلغ تعداد سكانه 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050. وتطمح أميراف وزملاؤها الآن لبناء ورقة شجر اصطناعية تقطر إيثانول أو شكلاً آخر من مشتقات الكحول التي يمكن أن تسير عليها المركبات.

وتمثل المركبات مشكلة خاصة بالنسبة لاحتياجات الطاقة لأنها تتطلب مصدر طاقة محمولاً ومركزاً، وهي سمة لا تمتلكها أشعة الشمس. لكن الوضع الراهن غير مقبول، إذ تتحمل عوادم السيارات المسؤولية عن 20 بالمئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالعالم، كما أن أسعار النفط قد تعود بسهولة إلى مستوى 140 دولارا للبرميل حال عودة الاقتصاد العالمي للانتعاش.

غير أن العلماء في مشروع هيليوس ـ وفي عدد متزايد من المختبرات التي تقوم بأبحاث مشابهة في أنحاء العالم ـ يمكن أن يوفقوا بنجاح في قلب هذه المعادلة. فعملية التركيب الضوئي تستهلك ثاني أكسيد الكربون، وإذا استطعنا سحب الكربون من الجو واستخدامه لمنع السيارات من استخدام بعض أنواع الوقود العضوي، فمن شأن ذلك الإسهام بشكل كبير في تقليص إنتاج البشرية لغازات الاحتباس الحراري بدون إعاقة التقدم التكنولوجي.

والجدير بالذكر أن فكرة ضوء الشمس لصنع وقود سائل ليست جديدة كلياً. ففي الثمانينات من العقد المنصرم لمع نجم عالم كيمياء شاب اسمه بول أليفيساتوس كان مهتماً، مثل العديد من علماء جيله، بتكنولوجيا ألواح الطاقة الشمسية.

وكان أليفيساتوس متفائلاً بأن تكنولوجيا المنمنمات ـ أي التحكم بالمادة على المستوى الجزيئي النانومتري ـ سيمنح علماء الفيزياء قريباً تحكماً غير مسبوق بالمواد شبه الموصلة المستخدمة في خلايا الطاقة الشمسية. ثم طلب منه مصادفةً في أواخر الثمانينات مراجعة بعض الأبحاث الأساسية في التركيب الضوئي.

وكانت تلك الشرارة الأولى التي ألهبت حماسه واهتمامه بهذا المجال. وبعد سنين من البحث المتعمق في تفاصيل عملية التركيب الضوئي وجد أن كل الأشياء المهمة التي تحدث في ورقة الشجرة تحدث عملياً على المستوى النانومتري، وخطر له أن ورقة الشجرة بذلك تبدو أشبه بماكينة نانومترية.

وفكر أليفيساتوس بأن تقنيات تكنولوجيا المنمنمات الحديثة ربما تفتح الباب لبناء ورقة شجر اصطناعية أفضل كفاءةً من الطبيعية. وهكذا أمضى السنوات الأخيرة من العقد الماضي في استكشاف هذه الفكرة إلى أن أصبح أخيراً أحد مديري مشروع هيليوس.

ومن بين التقنيات التي اكتشفها بعض الوسائل الغريبة المبتكرة لاستنبات بلورات المواد شبه الموصلة ـ مثل أكسيد المنغنيز، الكوبالت، السيلكون، والعديد من العناصر الأخرى ـ التي تستطيع القيام بالمهام الأولى الحساسة لعملية التركيب الضوئي وهي:

امتصاص الضوء وإزاحة الإلكترونات. وتوفر الإلكترونات الطاقة اللازمة للخطوة التالية، محفزةً التفاعلات التي تحول عنصر كيميائي إلى آخر. وقد أجرى الباحثون في هيليوس تجارب لتحويل الماء إلى أكسجين وهيدروجين، وهو تفاعل يمكن استخدامه في خلايا وقود الطاقة لكن الهدف النهائي الذي يسعى إليه العلماء هو تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين وكحول.

وقد تم بالفعل إنجاز كلتي المهمتين بنجاح في المختبر. وما يعمل عليه مشروع هيليوس الآن هو إيجاد طريقة للقيام بالشيء نفسه على أن تكون قابلة للتطبيق على مستوى صناعي. وهذا يعني إيجاد مواد غير مكلفة قادرة على القيام بالمهمة بكفاءة عالية، على أمل توصل إلى التكنولوجيا الملائمة لاستغلال طاقة ضوء الشمس لتحل مكان الوقود العضوي.

يقول أليفيساتوس في هذا الصدد: «حال وصول كفاءة ورقة الشجر الاصطناعية إلى 30% ـ وهو أمر غير بعيد المنال في الوقت الحالي ـ سيكفينا نشرها على واحد بالمئة فقط من إجمالي الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة لسد كافة احتياجات قطاع النقل الأميركي من الوقود.».