في الوقت الذي بدأت عملية توزيع أزيد من مليون محفظة ولباس مدرسي على التلاميذ الفقراء، وفي الوقت الذي سيستفيد عشرات الآلاف من التلاميذ من منحة “تيسير” لتجاوز محنة الدخول المدرسي.

وفي الوقت الذي تعيش العائلات أجواء الدراسة التي انطلقت قبل أيام، يوجد في منطقة الظل أطفال في سن الدراسة، وبالتحديد في جماعة اميضر القروية بضواحي تنغير، أجبرهم الاعتصام المفتوح لأولياء أمورهم، منذ ما يقارب الشهرين، على الانقطاع، كرها، عن الدراسة، بعد أن قرر أهالي البلدة تعليق الدخول المدرسي بسبب الاعتصام الذي يخوضونه منذ فاتح غشت المنصرم، تنديدا بسياسة الإقصاء الاجتماعي والحرمان من عائدات أكبر منجم لإنتاج الفضة في افريقيا، واعطائهم الاولوية في الاستفادة من مناصب الشغل المتوفرة بالمنجم الذي يقع على الاراضي السلالية للجماعة القروية لاميضر، وكذلك توفير المياه، والتعويض عن الثلوت و الثروات المائية و الرملية، المستنزفة من طرف المنجم، والضغط على ادارة المنجم لتطبيق الاتفاقيات المبرمة بينها و بين المجلس الجماعي لاميضر…

وبذلك لن يكون صغار البلدة مع أولئك الذين سيملؤون شوارعنا غدا بحركتهم وضجيجهم “البريء”..

—————–

كانت الشمس حارقة ذلك الصباح، عندما انتظم أزيد من 600 تلميذ وتلميذة، بلباسهم الموحد وأدواتهم المدرسية الثقيلة، وساروا على الأقدام لأكثر من عشرة كيلومترات بمحاذاة الطريق الوطنية رقم 10، في نظام وانتظام، مشكلين سلسلة بشرية طويلة طغى عليها لون المآزر الوردية اللون.

مسيرة عفوية حاشدة دامت لساعات، وجابت دواوير اميضر جميعها، انطلاقا من أمام مقر الجماعة القروية، مرورا بمدرسة اميضر، ثم اعدادية البلدة التي تحلقوا أمام مدخلها، رافعين شعارات تعبر عن تضامنهم مع أولياء أمورهم، وعزمهم الاستمرار في مقاطعة الدراسة الى غاية تحقيق المطالب المشروعة وضمان حقهم في التعليم وتوفير التجهيزات الأساسية، بالاضافة إلى شعارات أخرى تندد بالسياسة التعليمية وبالعرض التعليمي الرديء الذي يوفر لهم وكذا بما اعتبروه “التعامل اللامسؤول للأوصياء على تدبير الشأن المحلي عموما والتربوي على وجه الخصوص”، شعارات ذات حمولة تنم عن نضج عال، واستيعاب لمضامين دروس المواطنة التي تلقوها في فصولهم.

وبعد الاستماع الى مداخلات التلاميذ، اتجهت المسيرة الحاشدة التي انظم إليها أمهات وأولياء التلاميذ نحو مكان الاعتصام، حيث فتح التلاميذ حلقية نقاش جديدة، مرددين ذات الشعارات، حاملين شعارات أكثر قوة تندد بما اعتبروها “سياسة الاقصاء والتهميش الممارسة على المنطقة، واقصاء شركة معادن اميضر الممنهج لتشغيل معطلي اميضر”، كما نددوا بالاستفزازات والاعتقالات التي قامت وتقوم بها القوات العمومية لمناضلي وساكنة اميضر، كما عبر المتظاهرون عن وحدتهم و صمودهم في الاعتصام الذي يخوضونه لاكثر من 57 يوما، وعزمهم على الاستمرار في هذا الاعتصام حتى تحقيق مطالبهم المشروعة كاملة “مهما طال الزمن او قصر”.

وكانت مصادر نقابية وجمعوية قد عبرت في اتصال هاتفي عن “دهشتها وارتياحها” إزاء هذه المسيرة، التي اعتبرتها بمثابة “شكل نضالي غير المسبوق”، وما عكسه من تكاثف ونضج كبيرين لدى تلاميذ جماعة اميضر الذين نفذوا المسيرة، في ظل أبواب الحوار المسدود والاستخفاف بمصالح التلاميذ والساكنة عموما، وان لا سبيل لتغيير الوضع سوى الجهود الجماعية المنظمة.

كما اعتبرت نفس المصادر أن هذه التطورات “تضع على عاتق المناضلين والمناضلات دعم الحركة الاحتجاجية الاستثنائية لساكنة المنطقة، ليس بايميضر فحسب، بل بإقليم تنغير ككل، ونشر أخبار نضالاتها لرفع درجة الثقة في الذات، وذلك لأن الساكنة تخوض نضالات يومية بالمدن والقرى لا يصل صداها سوى إلى نطاق ضيق، بل ان الكثير منها يبقى مجهولا بفعل العزلة وموقف بعض وسائل الإعلام”.

وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام المكتوبة، حذرت من التداعيات الانسانية لاستمرار اعتصام ساكنة اميضر، خاصة الاطفال الذين وجدوا أنفسهم في وضعية هدر صارخ، إلا أن الارتباك والانتظارية ظلا سيد الميدان.