أهلت على المشهد الوطني خلال الأسابيع الماضية موجات إبداعية شبابية تسعى إلى تشكيل إطارات و مجموعات تساير هذا المخاض الإجتماعي و الفكري الذي يحدث في أكثر من بقعة إقليمية و عربية و دولية… مبادرات عديدة من بينها المحمودة و الجادة و المؤسسية و ذات المغزى و الجدوى ، و من بينها كذلك ما يندرج في إطار التهافت على الواجهة و ركوب قطار النهضة و “التقاط الإشارة و أشياء أخرى”؟؟
و لعل من أبرز هذه الخرجات ، ما يسمى بـ”حراك كفاءات من أجل الوطن” التي “تأسست” في العالم الإفتراضي على صفحات الفايسبوك ، أرضيتها العملية شعارات فضفاضة و كلام اجتراري و مصطلحات بائدة قطع معها الزمن المغربي منذ بداية العهد الجديد. ما علينا ، فحرية تأسيس الجمعيات و المراكز و المراصد مكفولة للجميع وفق القواعد المعمول بها ، لكن أن تقلب و تشقلب هذه ” الكفاءات” اللعب في رمشة عين و تسير في اتجاه تأسيس حزب بدون مقدمات نظرية أو نقاشات إيديولوجية ، و بدون تناظرات فكرية من شأن إغنائها إنضاج الفكرة و تقويتها لتحديد الهوية و رسم الخطة و التوجه و الإستراتيجية فذلك ما يحيل مخيلتنا إلى مسار تشكيل حزب الأصالة و المعاصرة ” البام” الذي حرق المراحل و المحطات حتى سقط في المهازل و المطبات .
حركة لكل الديمقراطيين كانت عنوانا مثيرا و براقا لتجمع مجموعة من الباحثين و الأكاديميين و الخبراء الذين أوهموا المتتبعين في البداية بصدقية المشروع المجتمعي الديمقراطي الذي لا يستند إلى أي أجندة سياسية أو حزبية ، لكن ما هي إلا بضعة أسابيع حتى بدأت الميم الحمراء تعبئ و تؤطر لحصد الحصاد لفائدة حزب الجرار الذي خرج للوجود تائها بين اليمين و اليسار و الوسط و ما جاورهم ، يفتقد لبطاقة تعريفية و يفتقر لقاعدة تأسيسية صلبة و متينة.
حراك “كفاءات من أجل المغرب” يبدو أنها مغرمة بالبام أيما غرام ، لذا فهي لم تلتفت للداء الذي أصاب البام بالتسمم، فأخذت ذات الوصفة التي منحت لها “منحا” بجرعات مماثلة و في ظل عناية مركزة من طرف أطباء السياسة المتهورين .
إن تأسيس حزب بهذه السرعة المريبة و التسرع الغريب يطرح أكثر من تساؤل حول الغاية من ذلك ، خصوصا مع استمرار الحركات الاحتجاجية في الشوارع و إعلان العديد من ناشطي 20 فبراير نياتهم الترشح للإنتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 25 نونبر المقبل بحسب بلاغ الداخلية .
فهل تشجيع و تسهيل تأسيس الحزب الجديد يهدف إلى احتواء حركات الاحتجاج و استيعاب ناشطيها للترشح للإنتخابات باسم الحزب؟ أم محاولة لضرب الأحزاب القائمة و تمييع المشهد السياسي بإضافات غير نوعية ؟ أم فقط هو مبادرة لم يتم تقدير آفاقها و مستقبلها كما يجب.
إن “حزب الربيع الديمقراطي المغربي” الذي يجري الإعداد لتأسيسه على قدم و ساق قبيل انتخابات الخريف و بهذه السيرورة من شأنه أن يؤثر على مصداقيته و يشكك في النوايا الحقيقية لمنتسبيه الذين لا نعرف بالضبط هل سيحلون حراكهم للكفاءات أم سيتركونه في أرشيف البدايات كما فعل البام الذي نظَر إلى أن تأسيس جمعيات ” الأنابيب” هو أقصر الطرق لتأسيس أحزاب الدواليب .
ساحة النقاش