الثورة في المغرب نجحت، والشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة ساهم في نجاح الانتفاضة، والدليل على ذلك أن الناس حجوا من مدن مغربية كثيرة نحو الرباط لكي يحضروا تلك اللحظات التاريخية لاختتام ثورة كان الكثيرون يتوقعون فشلها. وتقول الأرقام إن الذين حضروا في الرباط فقط كانوا قرابة المائتي ألف، أما الذين تتبعوا «الثورة» في التلفزيون فهم بالملايين. هنيئا لنا، إذن، بنجاح ثورة عانت طويلا قبل أن تنجح، بل إنها كادت تموت في المهد، وساهم الكثيرون في دعاية مغرضة ضدها إلى حد أن الزعيمة المناضلة «شاكيرا» كانت تفكر في التخلي عن الثورة والثوار وعدم المجيء إلى المغرب، لولا حسن الأقدار التي جعلتها تتحدى الأعداء والحاسدين وتقرر أن تبصم بأصبعها، أو بشيء آخر، على نجاح ثورة.
نجحت، إذن، ثورة شاكيرا في المغرب، والذين كانوا يطالبون بإلغاء مهرجان «موازين»، حفاظا على مال الشعب والقيام بثورة التغيير، اكتشفوا كيف أن الثورة الحقيقية هي التي قامت بها شاكيرا التي استطاعت أن تستقطب في ليلة واحدة ما لم تستطع المظاهرات المنددة بالفساد حشده في أسابيع طويلة. هاهي إذن «الموازين» تنقلب رأسا على عقب، وعوض أن تنجح ثورة 20 فبرار فإن الثورة المضادة التي قامت بها شاكيرا هي التي نجحت وسحقت أحلام المطالبين بالتغيير والمنادين بالحفاظ على المال العام.
شاكيرا مواطنة كولومبية، لذلك فهي تعرف أكثر من غيرها معنى الثورات المضادة التي تقوم بها المليشيات المقربة من الحكومة، حيث إنه بمجرد ظهور حركة شعبية في البلاد تطالب بالعدل والمساواة، تظهر مليشيات مقربة من الحكومة مهمتها سحق الحركات الشعبية المتمردة، لذلك فإن شاكيرا لا مشكلة لديها في أن تكون واحدة من أعضاء المليشيات المسلحة التي تساهم في تبليل أحلام الشعوب، والفارق الوحيد أن شاكيرا ليست مسلحة، وسلاحها الوحيد هو ذلك الخصر الذي تلعب به كما يلعب طفل بعجينة، وهو سلاح استطاع أن يكون ناجعا جدا إلى درجة أن صاحبته استخدمته للسطو على مليار و200 مليون سنتيم من أرزاق المغاربة في عملية متقنة جدا استغرقت أقل من ساعتين.
هكذا تبدو شاكيرا أخطر بكثير من «مول الشاقور» الذي ظهر قبل بضعة أيام على موقع «اليوتوب» وهو يحمل شاقورا ويهدد به المغاربة الذين يخرجون للتظاهر ضد الفساد. شاكيرا أيضا حملت «الشاقور» في وجه المغاربة، لكنها لم تكتف بالتهديد، بل ملأت حقائبها بمئات الملايين مقابل ساعتين من «الحركات الشعبية» ثم رحلت.
عموما فإن المغاربة الذين يطالبون بإسقاط الفساد لا ينبغي أن يصابوا بالإحباط. فمهرجان «موازين» ليس سيئا إلى هذا الحد، بل إنه جاء في وقته تماما، أي مباشرة بعد أن تعرض آلاف المغاربة لتدخل أمني عنيف جدا في مختلف المدن والقرى المغربية، إلى درجة أن امرأة في طنجة قالت إنها تعرضت للإجهاض بسبب ذلك وتحتفظ بجنينها في قارورة. كما أن زيارة شاكيرا لنا جاءت أيضا من أجل الترويح عن مئات المعتقلين الذين يقبعون حاليا في السجون بعد أن اعتقلوا خلال المظاهرات، وكان من الطبيعي جدا أن يتم التخفيف من معاناتهم ومعاناة أسرهم من خلال حفلات بهيجة ترقص فيها شاكيرا ويمرح فيها عمر دياب. ما الفائدة، إذن، من وجود تلفزات بلازما في سجون البلاد؟ أليس من أجل أن يروح السجناء عن أنفسهم برقصات شاكيرا، ثم يذهبون مباشرة للنوم في زنازين يلتصق فيها السجناء بعضهم ببعض من كثرة الازدحام؟
هناك مسألة لا ينبغي لأحد أن ينساها، وهي قصة يوسف إسلام، أو كات ستيفنس، الذي جاء إلى المغرب وغنى في المهرجان، وفي النهاية تبرع بكل تعويضاته لجمعيات خيرية ولم يأخذ معه درهما واحدا. لقد رحل حاملا معه جلبابه الأبيض الجميل فقط. إنها رسالة مباشرة وقاسية إلى منظمي «موازين»، ومضمونها أن هذه البلاد البئيسة والحزينة والغارقة في لجة الفساد، لا يستحق أن يأخذ منها المرء فلسا واحدا.
يا لك من رجل رائع يا يوسف..!
ساحة النقاش