عديدة هن النساء اللواتي يشتغلن في مهن وحرف بسيطة، تارة تجدهن يفترشن الأرصفة والشوارع أو يرتكن إلى جانب الاضرحة، وكثيرا ما نصادف هؤلاء النسوة اللواتي اضطرتهن الظروف الاجتماعية والمادية إلى الاشتغال بأنشطة لسد رمقهن وإعالة أسرهن وتربية أبنائهن وتوفير كل مستلزمات الحياة اليومية. فماهي الأنشطة التي يمارسن؟ وما هي الظروف التي لجأن فيها لمختلف الأنشطة لتوفير حاجيات البيت؟
في جولة بسوق الحبوب بإنزكان، تصادف العديد من السيدات أغلبهن متقدمات في السن، ينزوين إلى جانب تجار الحبوب في انتظار الزبائن مقابل ما يجود به الزبون.
وتؤكد السيدة (زهرة.خ)، التي تشتغل بهذا السوق منذ حوالي عامين، بعد أن كانت عاملة بأحد المصانع الذي اضطرت لتركه لظروفها الصحية التي لا تسمح لها بالعمل به. وتستأنف السيدة زهرة العمل من الصباح الباكر حتى المساء في تنقية الحبوب مقابل ربح يتراوح ما بين 30 و40 درهما في اليوم، هذا الربح الذي يتدبدب حسب الأيام. وقد اضطرت هذه السيدة إلى الاشتغال لإعالة طفليها بعد أن توفي زوجها، وتوفير مصاريف الكراء والعيش.
غير بعيد عن سوق الحبوب، في سوق الخردة بإنزكان دائما، عدة نسوة امتهن بيع الخضر على الأرصفة إسوة بزملائهن الرجال، (أمينة) إحدى هؤلاء التي تركها زوجها مع ابنة دون نفقة كانت تتسول، ثم اشتغلت خادمة في البيوت، لتتحول إلى بائعة للخضر التي يجود بها عليها التجار وأصحاب الشاحنات، ولجأت لهذه المهنة لإعالة نفسها وابنتها، وتوفير تكاليف الدواء حيث تعاني ارتفاع الضغط ومصاريف الكراء، في ظل هزالة الربح المادي إذ لا يتراوح الربح المادي 30 و50 درهم في أحسن الظروف. وتقول (أمينة) أنها تفضل هذا العمل مهما ضعف مردوده المادي على أن تعود لحياة التسول التي تحط من كرامتها.
بنفس المكان (زهرة.أ) تمتهن هذه الحرفة منذ 6 سنوات، تذهب باكرا إلى السوق لشراء مجموعة من الخضروات التي تعمل على بيعها بسوق الخردة. وبهذا العمل تعيل زوجها المريض وأربعة من أبنائها الصغار، إضافة إلى مختلف متطلبات الحياة، وتقول هذه السيدة أن الحياة علمتها أن تكون صبورة وتتعلم كيف تكون "خضارة" محترفة تستوعب ما يتطلبه المجال من حنكة وقدرة على التعامل مع الزبناء لإرضائهم.
أما (خديجة) فقد اهتدت إلى إعداد "البغرير" و"المسمن" ومختلف أنواع الفطائر التي تعرضها على زبائنها المارين من الشارع الرئيسي بدوار العرب بأيت ملول، كما تعد مختلف أنواع الحلويات في المناسبات الدينية للزبناء الذين يثقون فيها، كما تشتغل في الخياطة وصنع الديكورات المنزلية. كل هذه الأنشطة المختلفة، تقول (خديجة)، تمكنها من مساعدة زوجها المياوم في المصروف اليومي وتربية أطفالها الثلاثة وتدبير مصاريف الكراء، رغم صعوبة الاشتغال بالشارع كما تقول لغياب الأمن.
في حين نأت (عائشة) إلى ضريح للا زاينة بأيت ملول للاشتغال نقاشة بهذا الفضاء منذ عدة سنوات. هذه السيدة التي تنتقل بين محل سكناها وعملها يوميا علها تفلح في اقتناص بعض النسوة ممن يزورن الضريح، لكن نشاط النقاشة يعرف ركودا، فيما عدا فترة الأعياد والمناسبات الدينية التي تعرف بعض الانتعاش.
إسوة بمثل هذه الأنشطة لا تخلو الشوارع وجنبات الاسواق من بائعات الأعشاب والحناء والسواك، وبعض الحلي وحتى "أملو" وبعض الزيوت الغذائية... هذا هو حال (رقية) التي تبيع الحبوب المحمصة والأعشاب و"أملو" بأحد الارصفة بانزكان، هذا النشاط الذي أعالت به أبناءها منذ سنوات في غياب الزوج الذي توفي وتركها مع أطفال صغار.
هذه السيدة التي ما تزال تمارس نفس النشاط لإعالة نفسها بعد أن كبر أبناؤها، في ظل بطالة أبنائها وعدم اهتمامهم بها. وتؤكد السيدة أنها تفضل أن تشتغل مهما كان المبلغ زهيدا عوض أن تمد يدها لأبنائها المنغمسين في مشاكلهم الخاصة. هذه المرأة الجبلية التي رمت بها الظروف هنا والتي لم تكن تعرف الحياة خارج جدران البيت، فكيف لها أن تمارس أي نشاطا اقتصاديا، تضيف أنها تحدت نفسها والظروف لتعيش بكرامة وبعرق جبينها.
تعمل كل هؤلاء النسوة، وأمثالهن كثيرات في المجتمع، على مجابهة متاعب الحياة الشاقة بمختلف الأنشطة الاقتصادية، لكن هذا لا يمنع من أنهن يعانين الفقر والهشاشة، لأن كل هذه الأنشطة بسيطة ولا تدر الشيء الكثير. كما أن هذه الأنشطة تتطلب الخروج كل يوم إلى الشارع، وإلا سيبقين دون مصروف يومي، وفي انتظار حل جذري تبقى هؤلا النسوة في المتاعب وخارج البيت طوال النهار وهذا ما ينعكس على تربية الأبناء.
ساحة النقاش