<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->

دراسات نحوية في  رسالة (التحفة المكتبية) للطهطاوي

                                                      د.أحمد محمد الصغير على*

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: الإطار العام للبحث:

1/1- موضوع البحث:

 يقدم هذا البحث دراسة نقدية تحليلية لكتاب:

" التحفة المكتبية لتقريب العربية"

 للشيخ رفاعة الطهطاوي ،حيث يسعى الباحث إلى تعرف منهج التأليف النحوي عند الطهطاوي ، ورصد ما في رسالته التعليمية من سمات التجديد والتطوير.

والشيخ الطهطاوي عالم مصري جليل وركن من أركان النهضة العلمية  المصرية في  العصر الحديث ، حاز لقب ( زعيم النهضة الثقافية) ، وقد بدأ دراسته الأولى بالأزهر الشريف ، ثم أرسل من قبل الحكومة المصرية إماما للصلاة والوعظ على رأس إحدى البعثات العلمية إلى فرنسا ، فدرس الفرنسية ، وثقف الجغرافية والتاريخ ، ومن أشهر كتبه على الإطلاق كتاب (تخليص الإبريز في  تلخيص باريز) ،

 

 

________________________

* مدرس النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم   - جامعة المنيا.

 

 

 

 وهو الكتاب الذى يمثل مخطوطة لرحلته إلى فرنسا ، وقد حاز هذا الكتاب شهرة واسعة المجال . (1)

ومن أشهر مؤلفات الطهطاوي  على المستوى النحوي رسالته التي ألفها في النحو العربي وهى بعنوان:  

التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية .

 وقد تم تحقيق هذه المخطوطة سنة 1983 على يد الأستاذ الدكتور /البدراوي زهران، وذلك من خلال كتابه:

(رفاعة الطهطاوي ووقفة مع الدراسات اللغوية الحديثة،

مع النص الكامل للتحفة المكتبية)

 

 

وقد وقع اختيارنا على هذه  الرسالة لتكون نموذجا عمليا نجرى عليه بحثنا النحوي  الذى نحاول من خلاله أن نتعرف منهج التأليف النحوي  عند الطهطاوي ، ونكشف عن الجهد الذى قدمه لنا في  مجال تيسير النحو العربي ، ونرصد مظاهر التجديد والتقصير في هذه الرسالة النحوية .

       ورسالة التحفة المكتبية رسالة تعليمية ألفها الطهطاوي بناء على رغبة السيد (على باشا مبارك) الذى ولى نظارة المدارس ، وبادر بتقويم وسائل التقديم ، وتكميل وسائل التعليم، وتأليف رسائل في  العلوم والفنون… وقد كان حظ رفاعة من هذه الرسائل التعليمية رسالة النحو العربى ،التي  حاول من خلالها أن يخرج النحو العربى في  صورة سهلة المأخذ ، تفي  بالمرام لجزالة اللفظ  وحسن الانسجام ، وتقرب البعيد للمريد المستفيد 000

       وقد اعتمد الطهطاوي في تأليف رسالته على مجموعة من الدعائم الأساسية التي حاول من خلالها تقريب القواعد النحوية، تلك الدعائم هي:

أ-الفهم العميق للمؤلفات النحوية الأصيلة واقتباس القواعد الأصولية من خلالها.

ب-البعد عن دائرة الخلافات النحوية الجدلية، والتخلص من الشروح والحواشي والتقارير التي تثقل كاهل العلم وتزيده صعوبة وغموضا . 

ج-إعادة التقسيم والترتيب والتبويب.

د-تبسيط طريقة العرض والاستعانة بالوسائل التعليمية المتمثلة في الجداول العلمية، والأمثلة العملية الميسرة.      

وثمة سؤال يفرض نفسه على البحث منذ اللحظة الأولى وهو:         

هل تعد هذه الرسالة النحوية من السمات التجديدية في النحو العربي بحيث يمكن رصدها ضمن محاولات التجديد المتعددة في الدرس النحوي ؟ ، أم أنها مجرد عملية تبسيط وتقريب وتسهيل لقواعد الدرس النحوي ، وإعادة عرضها في صورة تعليمية سهلة المأخذ تبعد تماما عما يعتري العلم من الحشو والإغراق في التعقيد والغموض؟.

       فلقد وضع الطهطاوي نصب عينيه هدفا أساسيا هو تقريب العربية من أذهان الدارسين، والبعد عن مواطن الصعوبة والتعقيد، وترك ما في المصنفات من الإسهاب والتطويل، ولهذا فقد اتخذ من تبسيط عرض المادة العلمية واللجوء إلى إعادة التقسيم والتبويب، والاستعانة بوسائل الإيضاح الميسرة كالجداول والأمثلة المبسطة وسيلة لتحقيق هذا الهدف.(2)

من هذا المنطلق يحاول الباحث من خلال دراسته النقدية التحليلية لهذه الرسالة النحوية أن يلقى الضوء على قيمتها العلمية، ويبرز ما حوته من مظاهر التجديد والتقريب، ويقف على ما فيها من مخالفات أو موافقات للدرس النحوي القديم، ويحدد مكانها بدقة من عمليتي التجديد والتبسيط.

1/2-أهداف البحث:

من خلال ما سبق النص عليه في موضوع البحث، فإن هذه الدراسة تهدف إلى:

أ- تعرف منهج التأليف النحوي عند الطهطاوي من خلال رسالة (التحفة المكتبية ) .

 

 

ب- رصد مظاهر التجديد في رسالته، والكشف عن جهده في الدرس النحوي.

ج- دراسة المحتوى العلمي للرسالة دراسة نقدية تحليلية.

1/3- الدراسات السابقة حول الموضوع:

حظي الطهطاوي بالكثير من الدراسات المختلفة ما بين تحقيق لمؤلفاته ، ورصد لآرائه المتناثرة في  المصنفات المتعددة التي  أثرت عنه ، وفي  إطار الدراسات اللغوية كانت مؤلفات الطهطاوي حقلا خصبا لعدد من الدراسات السابقة التي  عنيت بتحقيق مؤلفاته ، ونشر تراثه اللغوي  ونسوق من جملة هذه الدراسات ما يلي :

  أ- (رفاعة الطهطاوي ووقفة مع الدراسات اللغوية الحديثة، مع النص الكامل للتحفة المكتبية)، للأستاذ الدكتور بدراوى زهران. وفي هذه الدراسة عنى المؤلف بأمرين مختلفين:

 أولهما: تحقيق رسالة التحفة المكتبية للطهطاوي.

 الثاني: دراسة بعض مؤلفات الطهطاوي دراسة لغوية، تسعى إلى بيان الدرس اللغوي الحديث عنده من خلال الآراء المتناثرة بين مؤلفاته المختلفة، ومن أبرز مباحث هذه الدراسة ما يلي:                  

                -الدراسة اللغوية التقابلية عند الطهطاوي.

                -بيان موقف الطهطاوي من اللغة نشأة وتاريخا.

                -بيان موقف الطهطاوي من الكتابة.

وقد أحاطت هذه الدراسة بالكثير من الجوانب اللغوية عند الطهطاوي،غير أنها لم تركز في تناولها على الدرس النحوي عند الطهطاوي،حيث توقف المؤلف عند حد التحقيق دون تقديم الدراسة النحوية لمادة التحفة المكتبية.(3)

ب-(جهود المحدثين المصريين في النحو) للدكتور. محمد عبد الرحمن.

وقد عنى الباحث في هذه الدراسة بدراسة آراء النحاة المصريين على مدى العصور بغرض الكشف عن جهودهم النحوية، وبيان تأثير المدرسة المصرية في الدرس النحوي، وقد كان الطهطاوي واحدا من هؤلاء الذين تعرضت لهم هذه الدراسة حيث عنى صاحبها بالكشف عن بعض الجهود النحوية التي أثر بها الطهطاوي في الدرس النحوي.(4)

ج-( جهود رفاعة الطهطاوي النحوية واللغوية ) للباحث أسامة عطية عثمان، وفي هذه الدراسة حاول الباحث الكشف أيضا عن جهود الطهطاوي النحوية، غير أنه قد ركز فيما أرى على الجانب اللغوي أكثر من التركيز على الجانب النحوي، وشغل في مواطن كثيرة بالجانب التاريخي عند الطهطاوي وهو ما أثر على دراسته النحوية، وقد قسم الباحث رسالته إلى ثلاثة فصول سبقها بتمهيد تحدث فيه عن التخلف الحضاري في العصر العثماني وأثره على اللغة، وفي الفصل الأول تحدث عن المقومات الفكرية لشخصية الطهطاوي،  وفي الفصل الثاني تحدث الباحث عن جهود الطهطاوي الصرفية والنحوية، وفي فصله الأخير قام الباحث برصد بعض المشكلات اللغوية التي وردت في مؤلفات الطهطاوي مثل (المعرب والدخيل، الفصحى والدارجة).

       فالباحث لم يركز جهده على رسالة الطهطاوي كمصدر نحوي أساسي بل وزع بحثه على مؤلفات الطهطاوي راصدا ما يعن له من مسائل اللغة بشكل عام، مما أثر على دراسته النحوية للتحفة المكتبية التي لم تخرج كما كان ينبغي لها.(5)

1/4- مصادر البحث:

اعتمد الباحث في دراسته النحوية لمنهج التأليف النحوي عند الطهطاوي على مصدر أساسي هو كتاب (التحفة المكتبية لتقريب العربية)، حيث يتم من خلال هذا المصدر جمع عينة الدراسة التي تخضع للبحث في محاوره المختلفة، كما اعتمد الباحث أيضا على كتب النحو ومصادره القديمة والحديثة التي يمكن في إطارها استشراف المصادر النحوية للطهطاوي، وتقديم الدراسة النقدية التحليلية لأبرز آرائه النحوية.

 كما رجع الباحث إلى الكتب النحوية التي عنيت بمحاولة التجديد والتطوير في الدرس النحوي مثل: (الرد على النحاة ) لابن مضاء القرطبي، و(تجديد النحو ) للدكتور شوقي ضيف. وقد عولجت عينة البحث من خلال هذه المصادر وعلى ضوء آراء النحاة ورؤية الباحث الشخصية.

1/5- منهج البحث :

لما كان هذا البحث معنيا بدراسة الفكر النحوي عند الطهطاوي،  بغرض الحكم على محاولته النحوية بصفتها واحدة من محاولات التجديد في الدرس النحوي، فقد نهج الباحث ما يلي:

أولا: تعرف الآراء النحوية للطهطاوي من خلال العرض الوصفي لموضوعات رسالته، ورصد تقسيماته و تبويباته،  و منهجه في التأليف.

ثانيا: تحليل الآراء النحوية للطهطاوي على ضوء الدرس النحوي القديم للوصول إلى الحكم العام على جوهر رسالته ومكانتها بين المصنفات النحوية الحديثة.

1/6- خطة البحث :

       يتضمن الإطار العام للبحث عرضا سريعا لأبعاد الموضوع وفكرته الأساسية، كما يعرض لأهداف البحث، وأهم الدراسات السابقة حول الموضوع، تلا ذلك تحديد لأهم مصادر البحث التي تستقى من خلالها عينة الدراسة وتعالج في إطارها، ثم يحدد الباحث بعد ذلك المنهج المتبع في إجراءات البحث والخطة التي عولج على أساسها.

وهنا ينتقل الباحث إلى الحديث حول منهج الطهطاوي في عرض المادة العلمية لرسالة التحفة المكتبية، حيث يرصد أسباب تصنيفها، وسر تسميتها، كما يعرض وصفيا لمحتواها العلمي والمنهج المتبع في تأليفها، ويقوم بعد ذلك برصد شامل لما حوته من أقسام وأبواب.

ليقوم الباحث بعد ذلك بدراسة نقدية تحليلية متأنية للمحتوى العلمي؛ يسعى من خلالها إلى رصد ما فيها من موافقات أو مخالفات للدرس النحوي، ويقف على أبرز آراء رفاعة وتوجهاته النحوية، كما يكشف عن وجهة نظره بالنسبة للأصول النحوية الراسخة في الدرس النحوي القديم، كما يعرض للأبواب التي لم يتطرق الطهطاوي إليها خلال تحفته المكتبية.

        ويختتم الباحث دراسته بخاتمة يعقب من خلالها على الوضع العام للرسالة مبرزا أبرز ما فيها من مميزات، وموضحا أهم ما توصلت إليه تلك الدراسة من نتائج وتحليلات. يلي ذلك مباشرة هوامش البحث وثبت بمصادره ومراجعه التي استعان بها الباحث خلال إجراءات البحث والدراسة النقدية.

**********************

2- منهج الطهطاوي في عرض المادة العلمية:

ممالا شك فيه أن رسالة التحفة المكتبية للطهطاوي رسالة تعليمية معيارية، ألفت لتكون سهلة المأخذ لدراسة المدارس الخصوصية والأولية، وقد روعي في صياغتها التجديد والتقريب.

       ونحاول خلال هذا المحور أن نلقى الضوء على هذه الرسالة، لنتعرف أسباب تصنيفها، وسر تسميتها، ونقف على محتواها العلمي ومنهج الطهطاوي في تأليفها، ونصف ما حوته أبوابها من القواعد النحوية والأصولية.

2/1- الأسباب التي دفعت الطهطاوي إلى تصنيف التحفة المكتبية:

   يذكر الشيخ رفاعة في خطبة رسالته أن (على باشا مبارك) قد بادر بتقويم وسائل التقديم، وتكميل مسائل التعليم، وتأليف رسائل متنوعة في العلوم والفنون، وقد كان حظ الطهطاوي من هذه الرسائل رسالة في النحو العربي.

       ويصف الطهطاوي هذه الرسالة بأنها سهلة المأخذ لدراسة المدارس الخصوصية و الأولية، لاسيما وأنها مصوغة على أسلوب جديد، يقرب البعيد للمريد المستفيد.........، فهي جديرة بأن تعد من المحاسن التجديدية التي سمح بها عهد الدولة الإسماعيلية.(6)

       وهذا الوصف الانطباعي الذي أطلقه الطهطاوي على رسالته النحوية يوحي لنا بالملحوظات التالية:     

أ- إن هذه الرسالة النحوية ليست مجرد كتاب نحوي يضم إلى الكتب النحوية العتيقة، وإنما هو كتاب نحوي له أسلوبه الجديد في المادة العلمية أو في المنهج العلمي المتبع في التأليف، أو في أسلوب العرض والترتيب والتبويب، وقد نص رفاعة على هذا بداية بقوله:(لاسيما وأنها مصوغة على أسلوب جديد)، وعقب عليها بأنها( من المحاسن التجديدية للدولة الإسماعيلية الأسعدية).

ب- الهدف الذي وضعت من أجله هذه الرسالة هو تبسيط القواعد النحوية وتسهيلها، يتجلى لنا هذا من قول الطهطاوي ( في تقريب اللغة العربية)، وكلمة التقريب هنا لا يعنى بها الشيخ رفاعة مجرد الاختصار أو التسهيل القائم على حذف بعض الموضوعات مثلما هو الحال في بعض دعوات الإصلاح والتجديد التي نادى بها القدماء والمحدثون.

ج-اقترن تأليف هذه الرسالة بالتدريس في المدارس، وهذا يعنى بداية أنها روعي في تأليفها الهدف التعليمي، بمعنى أن طريقة العرض والتناول ليست علمية بحتة، تناقش المسائل الخلافية المعقدة التي امتلأت بها المصنفات القديمة، وإنما تعتمد في التأليف على تقريب التقعيد النحوي من أذهان الدارسين وتبسيط مباحثه حتى تكون سهلة المأخذ للمتخصص والمبتدئ من طلاب العربية.

       غير أن هناك سببا آخر في ظني هو الذي دفع الطهطاوي إلى تصنيف هذه الرسالة إضافة إلى تكليف السيد (على باشا مبارك)، وهدا السبب يتجلى في قناعة رفاعة بأن للغة دورها البارز في عملية التطوير وصناعة الحضارة وهو في هذا متأثر إلى حد كبير بالحضارة الفرنسية.

فالطهطاوي شأنه شأن جل المبتعثين إلى الخارج ، قد أسرته طبيعة العقلية الغربية (خاصة الفرنسية ) ، وما تسعى إليه من النهوض بالمستوى الحضارى في  المجالات المختلفة (أدبية ، لغوية ، علمية ، فنية، اجتماعية .....).

       والأمر الذي يثير العجب والدهشة هنا هو أن الطهطاوي حين يتحدث عن النهضة العلمية والفنية في المجتمع الفرنسي؛ يرجع تلك النهضة إلى طبيعة اللغة الفرنسية، وما فيها من سهولة المأخذ، فهو يرى أن سهولة لغتهم وسائر ما يكملها هي التي تعين الفرنسيين على التقدم في العلوم والفنون؛ ويعلل ذلك بأن اللغة الفرنسية" لا تحتاج إلى معالجة كثيرة في تعلمها، فأي إنسان له قابلية وملكة صحيحة يمكنه بعد تعلمها أن يطالع أي كتاب كان، حيث أنه لا التباس فيها أصلا فهي غير متشابهة، إذا أراد المعلم أن يدرس كتابا لا يجب عليه أن يحل ألفاظه أبدا فإن الألفاظ مبينة بنفسها.." (7)

       فهذا النص السابق يؤكد على مدى اهتمام رفاعة باللغة بشكل عام، و إعجابه بالفرنسية بشكل خاص، ومكمن الإعجاب هو سهولة تلك اللغة التي لا يفتقر قارئها إلى شروح أو حواش يحدد من خلالها احتمالية الألفاظ والكلمات والعبارات؛ لأن الألفاظ عندهم محددة المعاني قليلة الاحتمالات.

       ونراه من هذا المنطلق يعقد مقارنة تقابلية بين اللغتين، فيرى أن العربية إذا طالعت كتابا من كتبها في علم من العلوم احتجت أن تدقق في الألفاظ ما أمكن، لتقف على ما تحتمله العبارة من معان بعيدة عن ظاهرها، وهو ما يستدعى أن يستتبع الكتاب (المتن الأصلي) بشرح وحاشية.

       أما اللغة الفرنسية فليس لكتبها شراح ولا حواش إلا نادرا، فقد يذكرون بعض تعليقات خفيفة تكميلا للعبارة بتقييد أو نحوه، فإذا شرع الإنسان في مطالعة كتاب في أي علم من العلوم تفرغ لفهم مسائل ذلك العلم وقواعده من غير محاكة الألفاظ فيصرف سائر همته في البحث عن موضوع العلم وعن مجرد المنطوق والمفهوم وعن سائر ما يمكن إنتاجه منها....، فهو لا ينظر إلى إعراب العبارات وإجراء ما اشتملت عليه من الاستعارات و الاعتراض بأن المصنف قدم كذا ولو أخره كان أولى، وأنه عبر بالفاء في محل الواو والعكس أحسن ونحو ذلك.(8)

       فهذه النظرة إلى قيمة اللغة وسهولتها وأثر ذلك في تسهيل التقدم العلمي و الفني، هو الذي دفع بالشيخ الطهطاوي إلى محاولة تخليص النحو العربي من تعقيداته، ورفع ما فيه من شوائب علقت بمتونه خلال أجيال متعاقبة ما بين ترديد وتأصيل واحتجاج واختلاف وشرح وتهميش وتقرير إلى غير ذلك.

       فالحرص على التقدم العلمي والرقى المدني هو الذي وجه الطهطاوي تلك الوجهة النحوية التي تبغي تسهيل اللغة وتحويلها إلى لغة علمية أكثر منها لغة أدبية ؛ لتتواءم مع عملية النهوض العلمي الذي هو الهدف الأسمى من وراء البعثات العلمية ، وقد تبلور ذلك في  رسالة التحفة المكتبية للطهطاوي  ، والتي  يظهر خلالها مدى تأثره بالفكر اللغوي  العام عند الفرنسيين ولاسيما كتاب :" التحفة السنية " للمستشرق البارون ( سلفستر دي ساسي).

       ففي هذه الرسالة يضع رفاعة ما يراه متناسبا مع دعوة الإصلاح والتجديد والرقى العلمي؛ لأنه رأى أن أساس النهوض العلمي الحقيقي إنما ينبغي أن يكون باللغة التي تمثل محورا مشتركا في كافة المجالات العلمية.

       وتستوقفنا في هذا المقام قضية لغوية خاض فيها الطهطاوي منذ اللحظة الأولى لتأليف رسالته، تلك القضية هي قضية الخلاف حول قيمة النحو بالنسبة للكلام وهى تتجلى في قول بعض المغرضين عن النحو بأنه (كالملح في الطعام، قليله يكفي وكثيره يضر ) ففي صفحة العنوان يذكر الطهطاوي بيتا من الشعر يقول فيه:

كلام بلا نحو طعام بلا ملح         ونحو بلا شعر ظلام بلا صبح.

وفي خطبة الكتاب يستفتح رفاعة قائلا :

               (الحمد لله الذي جعل النحو للكلام كالملح للطعام ).

وهذه المقولة التي نسجها الطهطاوي في مستهل مصنفه النحوي، شغلت الساحة النحوية على مر العصور، وتكلم فيها كثير من العلماء، واختلفوا في تحديد مدلولها إلى فريقين:

الفريق الأول: وهم ممن صعبت عليهم مغالق النحو، فعجزوا عن تحصيل مسائله، ففسر هؤلاء تلك المقولة على أن النحو مثل الملح، فكما أن الملح في الطعام قليله يغنى وكثيره يضر، فإن النحو في الكلام بقليل منه يستقيم اللسان، وإذا كثر أضر بالكلام.

الفريق الثاني:وهم الذين عنوا بالبحث النحوي، ووعوا قيمته وأهميته لإصلاح المنطق والكلام، وهؤلاء يرون أن القول السابق خيال وتحريف قول بما لا يتحصل مع البحث، فالنحو في الكلام كالملح في الطعام، لا يستقيم ولا تحصل منافعه ولا تتحقق دلالاته على مقاصده ما لم تراع فيع أحكام النحو من (إعراب، وترتيب ) كما لا يجدي الطعام وتصلح المنفعة المطلوبة منه ما لم يصلح بالملح.

وقد عالج الشيخ الجرجانى هذه المسألة في كتابه أسرار البلاغة علاجا مستفيضا وفند حجج هؤلاء المغرضين، حيث استدل على فساد قولهم بقوله صلى الله عليه وسلم:( مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام )، فلا يتخيل أن يكون المدلول هنا مقصود به إفادة القليل وإضرار الكثير، وكذلك لا يتوهم أن حصول النحو في جملة واحدة من قصيدة أو رسالة يصلح سائر الجمل.

       فأحكام النحو لا يتصور معها بحال صفة الزيادة والنقصان ، والقلة والكثرة ؛ لأن جريان الكلام على أحكام النحو يجعله صحيحا وبعده عنه يجعله فاسدا ، وليس هناك منزلة أو واسطة بين هاتين الصفتين .(9)

والأمر الذي يشغلنا الآن هو تحديد قصد الطهطاوي من هذه المسألة ، والمدلول الذي يسعى إلى النص عليه من وراء تكرار الحديث عنها في  موضعين متتاليين في  افتتاحية التصنيف ، فقد دفع هذا التصرف بعض الباحثين إلى الحكم على الطهطاوي بأنه ممن يؤيدون الفريق الأول من منطلق أن (زيادة النحو لا تتفق مع هدفه التيسيري ).(10)

وهذا التصور لا أظنه معقولا، لأن الطهطاوي ممن يقدرون قيمة اللغة وأهميتها، بل يجعلون منها مفتاحا من مفاتيح الحضارة، ولولا هذا ما كان يسعى بحال من الأحوال إلى التأليف فيها والدعوة إلى تجديدها، إلا أنه يسعى إلى لغة علمية تعين في مواكبة الركب الحضاري ويرفض تلك اللغة المقعرة التي تشغل نفسها بالسؤال عن أسباب تأخير لفظ أو تقديم الآخر. فهو يسعى إلى التفرقة بين نوعين من اللغات، نوع يطلب به العلم وهو الذي ينبغي أن تنحصر مدلولاته ، وتتيسر قواعده فلا ينشغل العالم باللغة عن العلم ، ونوع يبدع من خلاله الأدباء وهو الذي يعنى بالأسلوب ، وينشغل بمسائل الرتبة والذكر والحذف وما إلى ذلك.

2/2- أسباب تسمية هذا المصنف بـ (التحفة المكتبية):  

اختار الطهطاوي لرسالته عنوانا يدل على مدى تأثره بالثقافة الفرنسية ولاسيما وأنه كان إماما لإحدى البعثات العلمية الموفدة إليها، هذا العنوان هو(التحفة المكتبية لتقريب العربية). فمن دلائل التأثير والتأثر في هذا العنوان أنه يكاد يتماثل مع عنوان لأحد الكتب الفرنسية وهو كتاب: ( التحفة السنية في علم العربية ).

وهو من تأليف أبي المستشرقين الفرنسيين البارون (سلفستر دي ساسى) الذي كان صديقا شخصيا للطهطاوي كما ذكر في كتابه التلخيص، وقد أشار الطهطاوي إلى مكانة دى ساسى العلمية في أكثر من موضع في كتابه (تخليص الإبريز)، فيذكر عنه أنه شاع فضله في اللغة العربية حتى أنه لخص شرحا لـ (لمقامات الحريرية) وسماه (مختار الشروح)، وقد تعلم العربية بقوة فهمه وذكاء عقله وغزارة علمه. (11) ، ثم يذكر الطهطاوي أن من جملة مؤلفاته الدالة على فضله كتاب في  النحو سماه : (التحفة السنية في  علم العربية ).

       فيذكر رفاعة أن (دى ساسى) قد ذكر في هذا الكتاب النحو على ترتيب عجيب لم يسبق به أبدا... (12)

*********************

3- العرض الوصفي  لرسالة :التحفة المكتبية 

       التحفة المكتبية التي نعيش معها دراستنا النحوية في هذا البحث، رسالة صغيرة الحجم إذا ما قورنت بغيرها من المصنفات النحوية، وهي مع صغرها جامعة لشتات المسائل النحوية، يتعامل مؤلفها مع أكثر من مصدر نحوي، بهدف أن يكون جامعا للمسائل المتفرقة في المصنفات والتي يصعب التعرف عليها من خلال مصدر نحوي واحد.  

       ونحاول فيما يلي أن نضع بين يدي دراستنا النحوية تصورا سريعا لمنهج التحفة المكتبية، من خلال عرض وصفي مختصر لمحتواها العلمي، نرصد من خلاله أبوابها وفصولها ومسائلها النحوية، ونتعرف على كيفية تصنيف مؤلفها للمسائل والأبواب النحوية.

       يقع هذا الكتاب في خمسة عشر بابا، استهلها المؤلف بخطبة يعرض فيها أسباب تأليف الرسالة، وتحديد هدفه من تأليفها و ميله فيها إلى الجزالة والانسجام، وحرصه على التجديد في عرضها وأسلوبها لتكون من المحاسن التجديدية للدولة الإسماعيلية.

الباب الأول: (في الكلام وأقسامه):

 وقد عنى فيه رفاعة بتحديد مصطلح النحو العربي، ثم عرف الكلام وأقسامه، وعرض فيه لصور الكلام الجائزة والممتنعة.   

الباب الثاني (في الاسم وأقسامه ): وقد عرض الطهطاوي في هذا الباب لأقسام الاسم، فحددها في ثلاثة أقسام أساسية هي ( المظهر والمضمر والمبهم )، وبعد أن عرض للأقسام الثلاثة فشرح أبنيتها ومدلولاتها، انتقل إلى الحديث عن بعض ما يتعلق بالأسماء من مسائل كالتثنية والجمع، والمقصور والمنقوص، والمعرفة والنكرة.

الباب الثالث ( في الفعل وأقسامه): وقد عرض رفاعة في هذا الباب لأبنية الأفعال، فقسم الفعل إلى أقسامه الثلاثة الأساسية، ثم انتقل للحديث حول بعض صور الفعل، فتحدث عن التام والناقص، والصحيح والمعتل، والأفعال الخمسة، وقد ختم هذا الباب بالنص على أصالة عمل الفعل في الأسماء، وفرعية عمل الحروف المشبهة بالفعل.

الباب الرابع: (في الحرف وأقسامه): ويحدد الطهطاوي في هذا الباب أقسام الحروف وفقا لاختصاصها بما تدخل عليه من الاسم أو الفعل، ثم يتحدث بعد ذلك حول طبيعة عمل الحروف المختصة في مدخولها ، كما عرض للحروف المختصة غير العاملة .

الباب الخامس: ( في العلامات المميزة لأقسام الكلمة): بدأ رفاعة بالحديث حول العلامات المميزة للاسم عن قسيميه، فتحدث عن (الخفض بالجر والإضافة، والتنوين، و(أل) الداخلة في أول الاسم للتعريف، و دخول حروف الجر عليه، ودخول حروف القسم عليه، والإسناد إليه، والنداء، وياء النسب).

       وثنى بالحديث حول علامات الفعل المميزة له فتحدث حول (قد) ودلالاتها، وتاء التأنيث، والسين وسوف و حروف المضارعة بالنسبة للمضارع، والدلالة على الطلب وياء المخاطبة بالنسبة لفعل الأمر ).

       وثلث رفاعة بالحديث حول علامات الحرف فذكر أن عدم قبوله للعلامات السابق عرضها هو وحده دليل حرفيته.

الباب السادس ): في الإعراب والبناء):  وفي هذا الباب يعرض الطهطاوي لمفهوم الإعراب والبناء، ويربط في تحديده بين الإعراب والتحليل النحوي للكلمات العربية فيصف الإعراب بأنه تحليل التركيب وتغيير أواخر الكلم بحسب العوامل، ويصف البناء بأنه لزوم آخر الكلمة حالة واحدة. ثم يختم هذا الباب بتأصيل الإعراب والبناء في أقسام الكلمة.

الباب السابع:( في ألقاب الإعراب والبناء): يتناول رفاعة في هذا الباب ألقاب الإعراب والبناء، حيث يعرض لـ (الرفع، والنصب ، والخفض ، والجزم ) ، كما يعرض لـ (الضم ، والفتح ، والكسر ، والسكون ) ، ثم تعرض بعد ذلك للحديث حول علل البناء في الاسم ، والإعراب في  الفعل .

الباب الثامن: (في علامات الإعراب ): وقد قسم رفاعة العلامات إلى أصول وعددها أربع علامات، و فروع وعددها عشر علامات، ثم فصل الحديث بعذلك حول علامات الرفع، ثم النصب، ثم الخفض، ثم الجزم، وقد جمع رفاعة كل هذه العلامات في جدول موحد شامل لعلامات الإعراب الأصلية والفرعية، وختم هذا الباب بالحديث حول الإعراب الظاهر والإعراب المقدر.

 

الباب التاسع: ( في علامات البناء):  ومن خلاله يعرف الطهطاوي البناء في الاصطلاح، ثم يعرض لعلاماته الأربعة، ثم يتحدث بعد ذلك حول الأصالة والفرعية في الأسماء والأفعال والحروف، وختم الباب برصد علل البناء في الاسم العربي.

الباب العاشر:( في عوامل الرفع): و قد قسم رفاعة في بداية هذا الباب عوامل الرفع إلى قسمين:( لفظي، و معنوي)، ثم يستعرض بعد هذا التقسيم أنواع كل قسم، فقسم المعنوي إلى: (الابتداء، وتجرد المضارع من العوامل )، وقسم العامل اللفظي إلى:( الفعل، وشبه الفعل).

ثم ينتقل رفاعة بعد ذلك إلى الحديث حول المرفوعات، فقدمها من خلال جدول يتناول النوع والمثال التوضيحي له، وقد رصد في هذا الجدول: (الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ، والخبر، واسم كان، و خبر إنَّ، وتابع المرفوع، والفعل المضارع )، وبعد جدولة المرفوعات ينتقل الطهطاوي إلى الحديث التفصيلي حول كل واحد من هذه المرفوعات على حدة

الباب الحادي عشر: ( في عوامل النصب):  وقد قسم الطهطاوي هذا الباب إلى قسمين:

الأول: بيان عوامل النصب في الأسماء والأفعال.

الثاني: بيان المنصوبات من الأسماء والأفعال، وقد رصد من منصوبات الأسماء أربعة عشر نوعا وهى: ( المفعول به، والمفعول المطلق، وظرفا الزمان والمكان، والحال، والتمييز، والاستثناء، واسم لا النافية للجنس، والمنادى، وخبر كان وما ألحق بها، واسم إن وأخواتها، والمفعول من أجله، والمفعول معه، وتوابع المنصوب ). ورصد من الأفعال نوعا واحدا هو المضارع المنصوب.

وبعد عرض الجداول التوضيحية، ينتقل رفاعة كالمعتاد إلى دراسة كل قسم من هذه الأقسام على حدة مبينا حدوده، وأقسامه وأمثلته وقضاياه النحوية المختلفة.

الباب الثاني عشر:( في عوامل الخفض): وقد قسم رفاعة هذا الباب إلى قسمين:

أولهما: ما يتعلق ببيان عوامل الخفض.

والثاني: في بيان الأسماء المخفوضة.

وقد رصد رفاعة من عوامل الخفض ثلاثة أنواع هي: ( حرف الخفض، والإضافة، و التبعية للمخفوض )، وقد رصد من حروف الخفض سبعة عشر خافضا هي:

( من، إلى، حتى، في، الباء، اللام، رب، الواو، التاء، على، عن، الكاف ، مذ ، منذ ، خلا ، عدا ، حاشا ) ، وزاد الطهطاوي  حرفين آخرين هما:( لولا ولعل) .

ثم تحدث رفاعة حول الإضافة بنوعيها اللفظي والمعنوي، وتحدث أيضا حول الموغلات في الإبهام وهى:( غير، و شبه ، و مثل ) التي  لا تكتسب من الإضافة صفة التعريف . وقد ختم رفاعة هذا الباب بالحديث حول تابع المجرور.

الباب الثالث عشر: ( في عوامل الجزم والمجزومات): وقد بدأ رفاعة هذا الباب بالحديث حول عوامل الجزم، ومجزومات الأفعال، حيث يرصد لنا من عوامل الجزم الأدوات التي تجزم فعلا واحدا وهى: (لم ، لما ، ألم ، لام الأمر ، لام الدعاء ، لا الناهية ، لا الدعائية )  ، والتي  تجزم فعلين وهى : ( إن ، ما ، من ، أي ، متى ، أيان ، أين ، أنى ، حيثما ، كيفما ، مهما ،  إذ ما).  وقد ختم رفاعة هذا الباب بالحديث عن الجزم بالتبعية، وهو خاص بالأفعال في عطف البيان وعطف النسق، والبدل والتوكيد اللفظي.  

الباب الرابع عشر:( في بيان الجملة وأقسامها): بدأ رفاعة هذا الباب بالحديث حول تعريف الجملة عند النحاة، ثم انتقل إلى أقسامها وفق معايير مختلفة كمعيار (ما بدأت به ) فقسمها إلى:(اسمية وفعلية )، و معيار( الاستقرار ضمن جملة أخرى ) فقسمها إلى:( صغرى، وكبرى)، ومعيار (المحل ) فقسم الجملة إلى ( جملة لها محل، وجملة لا محل لها من الإعراب). وقد فصل رفاعة القول في هذه الأقسام، وزودها بالجداول التي تعتمد على الأمثلة التوضيحية الميسرة.

الباب الخامس عشر: ( في الجمل الخبرية وشبه الجمل بالنسبة لوقوعها بعد النكرة والمعرفة):

يتحدث رفاعة في هذا الباب حول مفهوم الخبر والإنشاء، ثم ينتقل إلى تعريف النكرة والمعرفة، تمهيدا للحديث حول المحل الإعرابي الذي تشغله الجملة وشبه الجملة، وزاد الطهطاوي في هذا الباب الحديث حول متعلقات شبه الجملة، وختمه ببعض الجداول التوضيحية.

وفي الخاتمة: يتحدث الطهطاوي حول موضوع حيوي يستكمل من خلاله دراسة اللغة وهو الحديث حول ( الخط، والإملاء، وحسن القراءة )

3/1- تعقيب على العرض الوصفي:

       بعد هذا العرض الوصفي الذي قدمناه لكتاب (التحفة المكتبية )، يمكننا أن نخلص إلى أن الطهطاوي قدم للعربية سفرا ثمينا ـ على صغر حجمه ـ جمع فيه من القواعد النحوية التي ينبغي على كل دارس للعربية أن يلم بها ويقف عليها، وقد قدم لنا هذه القواعد في صورة ميسرة قد أحسن مؤلفها اختيار طريقة عرضها، وأجاد في طريقة التمثيل لها، فجمع بين الشاهد النحوي الشعري الأصيل، والشواهد القرآنية والحديثية والنثرية، وزاد الأمر جمالا حين قدم لنا تلك الجداول التوضيحية الجامعة المانعة التي تجمع بين النظرية والتطبيق، والكفاءة والأداء.

 وقد تجلى لنا من خلال القراءة المتفحصة أن الطهطاوي قد تميز في هذا التصنيف بعدة ميزات منها:

أ-الاهتمام بتحديد المصطلح العلمي لكل ما يحتاج من الموضوعات إلى توضيح للمصطلح وضبط للحدود.

ب-التجديد في تقسيم الأبواب النحوية، وإعادة توزيعها بطريقة منظمة؛ يعتمد في تصنيفها على الدرس الإعرابي حيث يجمع المرفوعات معا في باب واحد، ويجمع المنصوبات معا في باب واحد، ويجمع المجرورات في باب واحد.

ج-الجمع في دراسته للقواعد النحوية بين الجملتين الاسمية والفعلية.

د-الاهتمام بدراسة العوامل النحوية و احترامه لنظرية العامل النحوي.

5-البعد عن الخلافات النحوية التي تثقل كاهل الدرس النحوي، والإقلال من القواعد التي لا تفيد في الدرس النحوي كالأمثلة التعليمية التي امتلأت بها المصنفات القديمة.

و- جدولة القواعد بطريقة تيسر على المتعلم طريقة الفهم وتعينه في حفظ القاعدة مقترنة بالمثال.

ز- إكمال ما نقص المصنفات النحوية القديمة من بعض الأبواب مثل باب الجملة وشبه الجملة، وبيان المحل الإعرابي للجملة العربية وشبه الجملة.

************************

 

4- الدراسة النقدية التحليلية للتحفة المكتبية:

في هذا المحور يتعامل البحث مع كتاب التحفة المكتبية من منظور نقدي تحليلي، حيث يقوم الباحث بدراسة نقدية متأنية للمحتوى العلمي للرسالة، يحاول من خلالها الوقوف على ما في الرسالة من الميزات أو العيوب، ويقف على ما حوته من موافقات ومخالفات لما ورد في التصنيف النحوي القديم، ويبرز من خلاله أيضا منهج الطهطاوي في عرض المادة النحوية، وكيفية تعامله مع الأصول النحوية الراسخة، ويظهر بعض مظاهر التجديد والتطوير في هذه الرسالة النحوية.

وسوف تتم إجراءات الدراسة النقدية لرسالة التحفة المكتبية على أساس مجموعة من المحاور المحددة، تلك المحاور هي:

1-طريقة عرض المحتوى العلمي وتقسيم الرسالة.

2-قضايا المصطلح النحوي.

3-قضايا التعريف و التنكير.

4- قضايا العامل النحوي (قضايا الإعراب والعلامة الإعرابية).

5-قضايا الأصالة والفرعية.

6- وجهات النظر الخاصة بالشيخ رفاعة الطهطاوي.

7-ما لم يرد ذكره في التحفة المكتبية.

وسوف نتابع على مدى الصفحات التالية دراستنا النقدية لنصوص التحفة المكتبية:

4/1- طريقة عرض المحتوى العلمي وتقسيم الرسالة:

قسم الطهطاوي رسالته إلى خمسة عشر بابا كما أشرنا من قبل ، وهذا التبويب من رفاعة ليس له معيار ثابت يسير عليه ؛ لأنه يرصد كل موضوع نحوي  تحت باب منفصل على حدة .

 فنجده مثلا يخصص الباب الأول للحديث حول أقسام الكلام، وكان من الطبيعي أن يفصل هذا الباب إلى فصوله الثلاثة المعروفة، فيتحدث عن الاسم والفعل والحرف كما جرى العرف النحوي، إلا أنه اكتفي في الباب الأول بالحديث حول أقسام الكلام، ثم خصص الأبواب الثلاثة �

المصدر: بحوثي
  • Currently 58/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 2480 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2010 بواسطة hamadsagier

ساحة النقاش

jullieeet

لو سمحت أحتاج إلى الاطلاع على بقية البحث

أ.د/ أحمد محمد الصغير على

hamadsagier
أ.د/أحمد محمد الصغير على -- أستاذ النحو والصرف والعروض -- كلية دار العلوم -- جامعة المنيا. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

64,508